كان أعداء الموحدين ــ من الكاثوليك والبروتستانت سواءــ ينبزونهم بلقب (سوسنيانية) نسبة إلى رجل دين إيطالي يدعى (
سوسينيوس) أو (
سوسينيوس) (1539-1604م)
، ظهرت آراؤه في عنفوان الثورة البروتستانتية على الكنيسة
الكاثوليكية بقيادة زعيمَيْها الشهيرين (
مارتن لوثر) و(
كالفن).وكان (
كالفن) ينافس (
لوثر) في تزعّم الإصلاح، إلا أنه كان أكثر منه اعتمادًا على
التوراة ــ لاسيما في انتهاج القوة ــ وقد قرّر كثير من المؤرخين أنه يهودي الأصل، ولعل هذا سبب خطأ من يظنّ أنه كان موحدًا
، وقد عاصر من الموحدين ــ غير (
سوسينيوس) الذي تنتسب إليه الطائفة ــ (
ميخائيل سيرفت) صاحب الآراء المتناقضة والمحسوب على الموحدين، وإن كان بعض مؤرخي الفكر الغربي يجعلونه المؤسس.اتخذ (
كالفن) (
جنيف) مقرًّا لدعوته، وحكمها حكمًا لاهوتيًّا شديد الصرامة، ويقول (
ديورانت): ((إن (
كالفن) كان يرى في مذهب الموحدين بداية النهاية للمسيحية، وخشي هذه الهرطقة أكثر من أي شيء آخر لأنه وجدها متفشية في مدينة (
جنيف) ذاتها، وفوق كل شيء بين اللاجئين البروتستانت الفارين من
إيطاليا)).وهذه إشارة إلى
سوسينيوس وأمثاله. وقد بلغت فظاظة (
كالفن) وبشاعة أحكامه حدًّا جعل أتباعه وأعداءه يشتركون في التعنيف عليه، وكان الموحدون أكثر المتضررين بذلك، ولا تزال مأساة (
سيرفت) تعد عند مؤرخي الفكر وصمة عار في جبين الإصلاحيين عامة، و(
كالفن) خاصة؛ فقد حكم (
كالفن) على (
سيرفت) بأن يحرق حيًّا على نار بطيئة عقوبةً له على إنكار التثليث سنة (1553م)!!، وكان هذا ــ إضافة إلى نبز (
لوثر) لـ(
سيرفت) بأنه (مراكشي) ــ دليلًا على أن الضغينة عليه كانت بسبب تأثره بالإسلام أكثر من كونه كافرًا بالتثليث؛ إذ يقول (
ديورانت)
بعد أن نقل فقرات من كلامه: ((إن مفهومه عن المسيح قريبٌ جدًّا من مفهوم محمد)). فنظرًا لأصله الأسباني وقراءته للقرآن، واطلاعه على العقائد الإسلامية كان يستحق عندهم أن ينزل عليه أشد العقاب، فيكون عبرةً لغيره من الخارجين على عقيدة (
لوثر) و(
كالفن). كان (
سيرفت) في أول الأمر مندفعًا جدًّا في الثورة على
النصرانية، فألف كتابه (
خطأ التثليث) سنة (1531م)، وفيه شبّه الربّ الذي يعبده
النصارى بالصنم الخرافي الوثني (
سربيروس) الذي كان أتباعه يعتقدون أن له ثلاثة رؤوس
، ولكنه آخر الأمر عاد ليكتب كتابًا عنوانه (
إعادة المسيحية)، وسواء كان ذلك تراجعا ظاهريًّا أو اضطرابًا في المعتقد، فالنتيجة أن ذلك لم ينقذه من العقوبة، وكان إحراقه نذيرًا صارخًا لأصحاب مذهب التوحيد بالفرار إلى بلاد غير خاضعة للإصلاحيين، فاتجهوا إلى
بولندا و
هولندا و
رومانيا (إقليم
ترانسلفانيا) حيث كان الملك الموحِّد (
جون سيقموند) يوفر حماية للفارين منهم في مملكته.إن مصادر التوحيد لهذه المملكة مجهولة، والظاهر أنها من بقايا الأريوسيين، وأن حياتهم في غابة إقليم (
ترانسلفانيا) النائي وَقَتْهُم شر التسلط الكاثوليكي، ومن المحتمل جدًّا وجود علاقة لهم بالمسلمين، فقد شهدت
روسيا و
أوروبا الشرقية مرحلة من التواصل بين المسلمين تميز في عهد الخليفة
المقتدر العباسي وبعده
.على أن العقيدة التوحيدية ظهرت في
أوروبا الغربية، ــ ولاسيما في
هولندا و
بريطانيا، ومنها إلى
أمريكا ــ ضمن الخليط الناتج من الأفكار التي شهدها عصر التنوير الأوروبي الذي تُعَدُّ حركة التوحيديين أحد روافده، كما تعد أحد المستفيدين من ثورته.