تعود جذور عقيدة الموحدين
النصارى إلى الدين نفسه الذي علمه المسيح عليه السلام؛ وهو الإسلام في العقيدة واتباع
التوراة في الشريعة، فهم في الأصل الطائفة التي آمنت من بني إسرائيل كما قال تعالى: ((
فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ))[الصف:14]، وتمسكوا بالإيمان الذي أعلنه الحواريون كما في قوله تعالى: ((
نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ))[آل عمران:52]. وظلَّ بعضهم على هذا الإيمان إلى البعثة المحمدية، وخلط آخرون ذلك بأنواع من البدع من قبل البعثة وبعدها، لا مجال لتقصّيها الآن.ومن أسمائهم: (الناصريون) إما نسبة إلى النصرة وهو الأقرب؛ كما في الآية، وإما إلى (
الناصرة) البلدة التي ينسبون إليها المسيح عليه السلام فيقولون: (يسوع الناصري)، وفي انتسابهم هذا إعلان لبراءتهم من البدع التي أحدثها (
بولس) وأتباعه.أما الاسم الذي ظلوا يشتهرون به حتى مطلع العصر الحديث فهو (
الآريوسية) أو (
الأريانية) نسبة إلى (
آريوس)، أو (
السوسنيانية) نسبة إلى (
سوسينيوس) الذي سنأتي على سيرته. وقد كان للاضطهاد الذي نالهم من المخالفين أثره في تشويه تاريخهم وطمس كثير من معالمه. فوقع خلطٌ كبيرٌ بينهم وبين غيرهم من الفرق المنشقة عن الكنيسة الملكية الرومانية التي تسمي المنشقين جميعًا (هراطقة).ومن ذلك: أنك تجد من لا يفرق بينهم وبين (
النسطورية) أو (
اليعقوبية)، وربما كان سبب ذلك أن الكنيسة الرومانية الملكية
الكاثوليكية كانت تنبزهم بأنهم (
نسطورية) أو (
يعقوبية).وفي الوقت نفسه تنبز (
النسطورية) أو (
اليعقوبية) بأنهم موحدون؛ لتخرجهم من
النصرانية وتكفِّرهم عند العامة، وشبهتها في هذا أن
النسطورية مع اعتقادهم التثليث ينكرون أن يقال عن
مريم: والدة الإله, ويقولون: إنما ولدت الناسوت وليس اللاهوت. فكفرتهم الكنيسة الملكية بذلك، واشتبه الأمر على كثير من الباحثين ــ وبعضهم من الموحدين الأوروبيين أنفسهم ــ وظنوا أن
النسطورية في الشرق يعتقدون أن عيسى عليه السلام مجرد بشر؛ فهم بذلك موحدون.أما
اليعقوبية ؛ فهم مع اعتقادهم التثليث ينكرون أن يكون للمسيح طبيعتان، ويجعلونها طبيعة واحدة (إلهية)، فكفّرتهم الكنيسة الملكية بإنكار التثليث في نظرها.ومن هنا أخطأ كثير من الباحثين أيضًا فظنّوا ما جعلته الكنيسة توحيدًا على سبيل التهمة هو التوحيد الذي عليه الموحدون.أما نسبة الموحدين إلى (
أريوس) الإسكندري و(
بولس) الشمشياطي فهي أقرب إلى الصواب، من جهة أن المنسوب إليهم في كتب
النصارى هو إنكار لاهوت المسيح، لاسيما الأول منهما، على أن وصف الناصريين يظل أصدق الأوصاف وأبعدها عمّا أحاط بالأوصاف الأخرى من اضطراب.