الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:فهناك لغتان (أي: أسلوبان في دفع العدوان):1- لغة الاستجداء والضعف التي تقتصر على الشجب والمطالبة بالقرارات الدولية من الحكام، وتقتصر على البيانات الخطابية من العلماء والمثقفين.2- لغة القوة وهي التي تضع البرامج العملية للنكاية في العدو والتأثير عليه، ليس عسكريًّا فقط؛ بل واقتصاديًّا وإعلاميًّا وقانونيًّا أيضًا وفق تخطيط محكم، ومن أهدافها: شدُّ أزر الشعوب الإسلامية وبيان مشروعية مقاومتها ونقل أخبارها والدفاع عن قضاياها أمام العالم، وفضح خطط العدو.وكل عاقل يعلم أن هذا من أهم أسباب القوة وأعظم أنواع السلاح، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحث
حساناً و
كعب بن مالك رضي الله عنهما على هجاء المشركين ويقول: (
اهجهم وروح القدس معك)، وأخبر أن ذلك أشد على المشركين من وقع النبل، وهو صلى الله عليه وسلم كان عمره كله مجاهدًا في سبيل الله مع أن أيام المعارك معدودة على الأصابع.قال شيخ الإسلام
ابن تيمية ــ رحمه الله ــ: إن الله ــ سبحانه وتعالى ــ قال في كتابه: ((
وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ))[التوبة:41]، والجهاد بالنفس يكون باللسان كما يكون باليد، بل قد يكون أقوى منه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (
جاهدوا المشركين بأيديكم وألسنتكم وأموالكم)
.وكان صلى الله عليه وسلم يقول لـ
حسان بن ثابت: (
اهجهم وهاجهم)، وكان ينصب له منبر بالمسجد ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعره وهجائه للمشركين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (
اللهم أيده بروح القدس)، وقال: (
إن جبريل معك ما دمت تنافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وقال: (
هي أنكى فيهم من النبل)، وكان عدد من المشركين يكفّون عن أشياء مما يؤذي المسلمين خشية هجاء
حسان، حتى إن
كعب بن الأشرف لما ذهب إلى
مكة كان كلما نزل عند أهل بيت هجاهم
حسان بقصيده فيخرجونه من عندهم، حتى لم يبق له بـ
مكة من يؤويه.وفي الحديث: (
أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)
.و(
أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل تكلم بحق عند سلطان جائر فأمر به فقتل)
.ومن ضعف بعض المسلمين وتخاذلهم أنهم لا يجيدون من أساليب الدفاع عن إخوانهم المجاهدين وقضاياهم إلا الكتابة (وبأسماء مستعارة غالبًا) على شبكة المعلومات، ولذلك جاءت هذه الحملة لتجعلهم يستطيعون مخاطبة العالم بقوة ووضوح، ويرفعون رؤوسهم بذلك، وينفضون عنهم غبار الخوف والتخفي، ويعملون بشكل منظم ومخطط لإحياء روح المقاومة لدى الأمة في كل الميادين، وما عليهم إلا أن يكونوا أكثر إيجابية وجرأة فينضموا لها، ويكتسبوا من آراء القائمين على أعمالهم المتعددة مع الالتزام بضوابطها. فإن كلمة هادئة رصينة يكتبها أحدهم باسمه الصريح ضمن برنامج مؤسسي هي لبنة في الصف المرصوص، وإن كلمة صارخة يكتبها باسم مستعار في سوق مائج من الأقاويل لهي فقاعة لا قيمة لها إلا التنفيس المؤقت.هناك فرق بين مخاطبة أهل الثغور وبين مخاطبة سائر الأمة؛ فحين نتحدث إلى إخواننا المجاهدين في
فلسطين أو غيرها نحثهم على الاستمرار في المقاومة، وألا ينخدعوا بسراب السلام مع من لا يريد السلام أصلًا، بل يريد القضاء على المقاومة، أما حين نتحدث عن واجبي وواجبك وأمثالنا فينبغي أن يكون الحديث عن إيجاد وسائل سلمية للمقاومة، ومنها ما أشرنا إليه أعلاه، وهكذا لكل مقام مقال.لعلك تعلم يا أخي أن من الخلل في منهج التفكير لدى كثير من المسلمين أنك لو كتبت لهم بيانًا حماسيًّا كتبته في عشر دقائق، ثم عدت إلى دنياك وهمومك الخاصة لأعجبهم وملأوا الدنيا ثناءً عليك، وسمّوك الشيخ المجاهد، ولكن لو أنك وضعت برنامجًا أو خطة لمقاومةٍ مؤثرة للعدوان لاستبقهم الشيطان بسوء الظن، وجاءك النقد من كل جهة بأن هذا ضد الجهاد، أو لا ينفع، أو أنه يناقض حديثًا سابقًا لك وجّهته لأهل الثغور محذرًا لهم إياهم من إلقاء السلاح استسلامًا للعدو.هذا واقعنا يا أخي، وحل هذه المعضلة الفكرية ليس في يدي أو يدك، لكن نرجو أن تذوب مع الزمن واثقين أن الأمة سوف تتدرج في الوعي حتى تصل إلى ما كان عليه السلف الصالح، أو على الأقل إلى ما عليه الشعوب الأخرى من إدراكٍ لحقيقة المقاومة وتعدد ميادينها وتكامل عناصرها.هناك كثيرٌ من المسلمين لا يدركون أن الحرب هي حرب على الدين والقيم والمناهج التربوية والطهارة الأخلاقية في كل بلاد الإسلام، وليست مجرد احتلال عسكري لبلد أو بلدين، ولا يفقهون أن القتال نفسه إنما هو لحفظ الدين قبل حماية الأرض، فلا شيء عندنا يتقدم على الإيمان والعقيدة لا المال ولا الأرض، والمقاومة في هذا الميدان العظيم الواسع أعم وأوسع من أن تكون بالسيف وحده، وكل بلد إسلامي يستطيع حشد الألوف من المقاتلين وتدريبهم في شهور، ولكن تخريج علماء ومفكرين يذودون عن العقيدة، ويردون الشبهات، ويثبِّتون الأمة على دينها يحتاج لجهد هائل وزمن قد يطول، وفي تجربة الأمة مع الاستعمار الحديث ما يوضِّح ذلك، فقد أخرجت جيوشه من أرضها، ولكن حل محله أنظمة إلحادية محاربة لله ولرسوله أضاعت عشرات من السنين!!.هناك كثيرٌ من المسلمين لا يعرف من المجاهدين إلا فئة واحدة، ولا يعرف من قضايا الإسلام إلا قضية أو قضيتين؟.فعلى من يقع عبء التعريف بقضايا الأمة؟ وكيف تكون الوسائل لذلك؟ ألا توافقني يا أخي أن هذا من باب ما لا يتم الواجب إلا به، وأن جراحات الأمة تحتاج إلى حملات وليس حملة واحدة؟!.وهناك من لا يعرف إلا حالتين:1- أن يرمي بنفسه في آخر بلد احتله الكفار، ويقاتل تحت أي راية بأي وسيلة، ويقاتل أول من يقع عليه نظره من جنود العدو، وقد ينال الشهادة من أول معركة، ونحن نرجو أن يكون في هذا العمل إعذار لصاحبه عند الله، وإسقاط للواجب عليه، لكنه لا يصلح منهجًا لكل الأمة.2- أن يقعد يتحسر ويلوم نفسه ويلوم غيره، أو ينفِّس عن نفسه بالكتابة بالأسماء المستعارة، ويفرغ شحنته في ألفاظ قاسية وعبارات شديدة لا يخص بها المعتدين وحدهم؛ بل يشمل بها كل طوائف الأمة، وهذه سلبية قاتلة لا تضر العدو بشيء، والانتساب بها للجهاد هو من مخادعة النفس وتغرير الشيطان.غير أن فئات كثيرة من الأمة بدأت العمل لتسد الفراغ الهائل بين هذين الحالين، ونرجو أن يتم لها ذلك، ونحسب أن هذه الحملة وما يتفرع منها محاولة لذلك وخطوة على الطريق الصحيح، والله الموفق.