إن المعركة بينا وبين أهل الكتاب وأعداء هذا الدين مستمرة، لم تهدأ ولم تنقطع، وربما تكون لها أولويات في مكان دون آخر، ولكنها مستمرة إلى أن تقوم الساعة.فلا ترتبط قضية الواجب بأن يحدث العدو عدوانًا جديدًا، أو يهاجم بلدًا أو عاصمة إسلامية كما قد نظن.إن الأمر أوسع من أن يكون محصورًا في حدين: إما فرض عين فلا يجوز لأحد من المسلمين ــ صغيرًا أو كبيرًا ذكرًا أو أنثى ــ أن يتخلى عنه، وإما أنه لا حرج عليك من أن لا تبالي بأي قضية, ولا تفعل فيها شيئًا, ولا ترفع بها رأسًا.فليست الأمور دائمًا بهذه الحدة التي قد تؤدي إلى نفرة بين قطبين.إن المعركة شاملة الميادين، معركة في الميدان الثقافي، وفي الميدان الإعلامي، والميدان الاجتماعي والاقتصادي، وكل ميدان يخدم بعضًا من هذه الميادين ويرتبط به.وإن من الخطأ الشديد حصر المعركة في ميدان واحد، أو حصر واجبنا في حمل السلاح وننطلق به إلى بلد ما، وإلا فلا نفعل شيئًا, أو كأننا لم نفعل شيئًا.وما دمنا نعلم أن العدو بهذه الشراسة، والمعركة بهذه السعة، فعلينا أن ننظر لكل هذه المجالات.ولننظر إلى مثال واحد من حياة النبي صلى الله عليه وسلم يقول له ربه جل وعز: ((
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ))[التوبة:73]، فمعاركه العسكرية مع الكفار معلومة محدودة الأيام، ولكنه كان في كل وقته يجاهدهم, وليس فقط عندما تلتحم السيوف يومًا أو يومين كل سنة أو سنتين.وكذلك المنافقون جاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم داخل المجتمع المسلم, فكيف كان جهاد الكفار، وكيف كان جهاد المنافقين الذي قال الله فيه: ((
وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ))[التوبة:73].وحقيقة الجهاد التي تؤثر وتؤدي للنكاية بالعدو هي التي نأخذها مباشرة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته.إن الأوضاع في
العراق لا بد أن تتكشف عن أمور وأحداث غير متوقعة، وعلى كل واحد منا أن يهيئ نفسه لأن ينصر إخوانه بما يستطيع.ولننظر إلى الإعلام الآن، كيف يتظاهر ويحتج الملايين في العالم ونحن أو كثير منا في غفلة، هذا السؤال مهم جدًّا أن يطرح ولا يعني أن نتظاهر نحن، المهم أن نعبِّر عن رفضنا ونعبِّر عن شعورنا وواجبنا نحو إخواننا، ونوصل للغربيين والحكومات الموالية لهم رسالة واضحة، بأننا ضد هذا العدوان كل منا باجتهاده، ولا يفرض أحدٌ منا اجتهاده على الآخر.وكذلك ما يتعلق بالناحية الإعلامية، أي توعية الدعاة، وتوعية الأمة، وغرس الثقة والثبات والتوكل على الله، ورسم المنهج الشرعي في التعامل مع الأزمات والأحداث.وهكذا يجب أن تُهَيَّأَ الأمة إعلاميًّا ونفسيًّا للمعركة التي هي معركة طويلة الأمد ومتعددة الميادين, دون أن يفرط أي منّا في موقعه الذي هو فيه.علينا أن نعي أن من أهداف العدو في مثل هذه الأزمات أن يفقدنا توازننا، بحيث نترك مواقعنا الدعوية أو العلمية، أو مواقعنا المهمة في الأمة التي لو تركناها لما استطعنا أن نقاومه ولا أن نعود إليها فيما بعد، وربما نضيعها دون أن ننفع إخواننا هناك.إن الأحداث سوف تكشف بنفسها عن أمور كثيرة, وفي كل وقت يمكن أن يقال عمليًّا وبشكل مباشر ما يناسبه، لكن يجب أن نعرف الآن أن كل المجتمعات مستهدفة، وأنه يجب أن يكون لنا دور إيجابي في الأحداث من خلال ما يمكن عمله، وما يمكن أن نجد من الوسائل والآلية لتحقيقه، وأؤكد على الشورى المستمرة عند كل حدث يستجد، فيتشاور أهل البلد الواحد وأهل المنطقة الواحدة وأهل المدينة الواحدة في كل الأزمات والأوضاع التي تستدعي وحدة النظر والرأي، وهذه أمور لا بد أن تكون حية وظاهرة.أما مبدأ (افعل كذا ولا تشاور أحدًا) فهو ليس من المبادئ الإسلامية التي علّمنا إياها القرآن والسنة والخلفاء الراشدون وقادة الإسلام في العلم والجهاد على مرّ القرون؛ فنحن أمة شعارها الشورى في كل مسألة, وهو أمرٌ أَمَرَ الله ــ تبارك وتعالى ــ به رسوله الكريم الذي هو أعظم الناس حكمة وعقلًا وصواب رأي فقال له: ((
وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ))[آل عمران:159]، وقال عن الأمة: ((
وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ))[الشورى:38].إن علينا أخذ العبرة من الأحداث السابقة لا سيما فيما يتعلق بوحدة الصف واجتماع الكلمة، فمن الخطأ البالغ محاولة استقطاب الشباب إلى اجتهاد معيّن ونبذ الاجتهاد الآخر بإطلاق؛ فالميدان كله ميدان اجتهاد ونظر, والآراء قابلة للتغير بطبيعتها لا سيما مع تتابع الأحداث وما تتضمنه من عناصر مفاجئة أحيانًا. إن الحرب ليست صراع أبدان, بل هي أساسًا صراع إرادات وعقول. وإن تشخيص الإرادة الإسلامية في مظهر رد الفعل أو الاندفاع الآني, هو الذي يعطي العدو ــ داخليًّا أو خارجيًّا ــ الفرصة للتلاعب بمصير الأمة وإدارة الصراع من موقع المتحكم. ونقيض هذا ما لو تمثلت إرادة الأمة في عمل صامت دءوب وتخطيط بعيد المدى, يقوم على تصنيف وترتيب المواقف والأشخاص والأحداث بوعي ودراسة؛ ليوضع كلّ شيءٍ في موضعه المناسب, ضمن منهج بنّاء متكامل لتجديد هذا الدين تتوازى فيه كل الجهود المخلصة، وتتلاءم فيه كل الاجتهادات الصائبة، وتكون المفاسد والخسائر أقل في حدود الإمكان والطاقة البشرية.أخيرًا: أعيد القول بأن النصر هو لهذه الأمة كما وعدها الله, وسيأتي في وقته الذي لا تؤخره إرادة العدو, ولا تقدمه عجلتنا.