من خلال دراسة التاريخ واستقرائه يتبين فضل الحضارة الإسلامية في صناعة النهضة الأوروبية، واستنقاذها من مرحلة العصور الظلامية، ولا ينكر ذلك إلا جاحد أو مكابر، إلا أن أوروبا تشهد تغيراً مفاجئاً وقلقاً مستمراً؛ لأنها لم تعرف مبدأ التسامح الذي قامت عليه الحضارة الإسلامية، ولهذا نجد حقد مفكريها على الإسلام كطاقة متجددة وقوة كامنة لم يستطيعوا عبر قرون طويلة القضاء عليها، وما يفعلونه في العراق خير شاهد إلا أن انتصار المقاومة العراقية هي بداية النكسة والسقوط للعولمة الغربية.

  1. فضل الحضارة الإسلامية على التقدم الموجود في أوروبا

    الدعوة: فضيلة الشيخ الدكتور سفر الحوالي أحد المفكرين الذين لهم اهتمامات بدراسة الحضارات ودورها وعوامل التأثير حولها، كما أنه راصد ثاقب للتحولات الفكرية التي يشهدها العالم.. وقد تحدث في هذا اللقاء عن الحضارة الإسلامية وحجم تأثيرها على الغرب خلال عدة قرون، كما تحدث عن ضعف وإفلاس الحضارة الغربية، كما سلط الضوء على التبدلات التي يشهدها الغرب على كافة المستويات، وهناك جوانب أخرى شهدها اللقاء التالي:
    الدعوة: يرجع الفضل للحضارة الإسلامية في أوروبا إلى التقدم الحالي فيها.. ما تعليقكم؟
    * نستطيع الإجابة عن هذا التساؤل من خلال استقراء التاريخ، وبيان فضل الحضارة الإسلامية، وذلك أنه في المرحلة التاريخية للعصور المظلمة في أوروبا والتي تمتد قرابة ثمانية قرون لم يكن لدى أوروبا مركز حضاري يمكن أن يسمى (مدينة) بالمفهوم السائد عن المدن فيما بعد، وأكبر ما كانت تعرفه هو بيزنطة وروما اللتان لم تكونا سوى قريتين متأخرتين؛ إذا قورنتا بالمدن الإسلامية العالمية آنذاك بغداد ودمشق والقاهرة وقرطبة.
    كما لم يؤلف في أوروبا خلال تلك الحقبة الطويلة كتاب علمي على الإطلاق, في حين نجد الواحد من علماء المسلمين يكتب العشرات, وربما المئات من المصنفات في فنون المعرفة جميعها؛ من الفلك, إلى الطب, إلى التاريخ والأدب, وسائر الفنون.
    وإذا كانت أوروبا تعد ظهور ترجمة كتب أرسطو بداية الخروج من عصر الظلمات, فإن الفضل عليها في ذلك يرجع إلى رجل ليس أوروبيًّا ولا نصرانيًّا, وهو ابن رشد المتوفى سنة (1198م).
    وظلت كتب علماء الإسلام في الطبيعة والطب وغيرها تدرس في أوروبا حتى القرن الثامن عشر.
    وكان الفضل في النهضة الأوروبية للحضارة الإسلامية, ولا ينكر ذلك إلا جاحد أو مكابر, والحضارة الإسلامية لا تدخل بلدًا إلا أحيتها، بل ترجو كل أمة أن تبقى تحت سلطة الدولة الإسلامية ونفوذها وتعد ذلك عصرها الذهبي.
    وهذا ما حدث في الهند أكثر من ثمانمائة سنة, وفي صقلية مائتين وخمسين سنة.
    إن الغرب يدرك جيّدًا قيمة الحضارة الإسلامية، ولك أن تتخيل كيف كان ملوك الفرنجة يسعون إلى تقليد حكام المسلمين حتى في لباسهم.
    إن الحضارة الإسلامية لا تدخل بلدًا وينتهي أثرها؟ لا، بل يستمر الأثر، وتبقى لمسات جمال وروعة الحضارة الإسلامية, وتبقى قيمه الخالدة وآثار التوحيد الخالص على أهلها.
  2. تغير الخارطة السياسية في أوروبا

    الدعوة: أوروبا خارطتها السياسية تتعرض لتحديث مستمر لا نظير له في العالم.. ما تعليقكم على هذا الموضوع؟
    * هذا صحيح، فخارطة أوروبا تشهد تغييرات مفاجئة, فمثلًا: إمبراطورية تسقط وولايات تصبح إمبراطورية، دول تنكمش، وأخرى تختفي, وهذا هو الحال منذ عصر الإصلاح الديني في القرن السادس عشر حتى اليوم، وذلك يرجع غالبًا إلى الهيجان الديني والسياسي الذي تشهده القارة, حيث لم تعرف مبدأ التسامح الذي هو سمة الحضارة الإسلامية الغالبة, ولم تنعم بالاستقرار السياسي إلا بعد ثورات سياسية وفكرية عنيفة.
    وهذا الاستقرار لا يزيد عمره على بضعة عقود, وحتى الآن لم تصل أوروبا في حرية التجارة وحرية التنقل والمساواة أمام العدل إلى مستوى الحضارة الإسلامية.
  3. عنصرية مفكري الغرب ضد الإسلام

    الدعوة: لا يزال التعصب والعنصرية يجريان في عروق المفكرين الغربيين ضد الإسلام والمسلمين .. تعليقكم على هذا الموضوع؟ * مع التحفظ على التعميم، أقول: إن المعركة بين الإسلام وأعدائه قائمة إلى قيام الساعة، فالإسلام هو الآخر في الأيدلوجية الغربية والنفسية الغربية والتاريخ الغربي. الإسلام قوة متجددة, وحضارته متكاملة, ورقعته الجغرافية هائلة, وتنوعه الأممي كثيف, وثروته متدفقة, وفوق هذا كله تظل العقيدة الإسلامية بتوحيدها الخالص وتصورها السامي عن الكون والإنسان, وحقائق الوجود, وسنن التاريخ, وملاءمتها العجيبة للفطرة, تشكل أكبر منافس لما ينتجه الغرب من ثقافات. فالحضارة الغربية العاتية أذابت ثقافات، وحولت حضارات، وغيرت معتقدات مرت عليها قرون طويلة, لكنها لم تستطع أن تقضي على الإسلام، بل العكس إذ الحادث هو أن الإسلام هو الذي يغزو الغرب اليوم بقيمه وفضائله ومزاياه الإيمانية والخلقية, وليس بالقوة العسكرية أو الحضارية, وما دام ميدان المعركة هو الإنسان فإن دين الفطرة هو المنتصر بلا ريب.
  4. سيطرة الرأسمالية على أوروبا

    الدعوة: الرأسمالية الكالحة تسيطر على أوروبا، فما سبب هذه السيطرة وما تبعاتها على المسلمين؟.
    * في اعتقادي أن الرأسمالية عبارة عن فلسفة ومنهج مادي لا ينطلق ضرورة من خصوصية قومية أو دينية, بمعنى أنها لا تعير اهتمامًا لقيم الدين، ولا للسمات الثقافية المميزة للشعوب على غيرها، فلن تجد أرضًا خصبة كـأوروبا, أعني في نشأتها, وإلا فأنت تعلم أنها الآن تسيطر على الغرب كله, وعلى مجتمعات أخرى خارجه.
    فالرأسمالية تسقط كل القيم والحدود مقابل الاقتصاد الذي تجعله الأولوية, والذي تتخطى به كل الحواجز وكل الحدود الجغرافية، ولهذا تجدها منذ عصر الكشوفات الجغرافية تسيطر بوجهها الكالح على أوروبا, وتحفز الأوروبيين للتنافس الضاري على خيرات العالم كله.
    وحين أدركت أمريكا أهمية النظام الرأسمالي في نسف أي قوة منافسة جعلته رأس حربتها في مواجهة الاتحاد السوفيتي، وهو الأطروحة التي تتزعمها.
    وخلاصة القول: إن العقيدة الغربية بعد عصر التمرد على الكنيسة تتعبد للقوة والثراء والنفوذ، وذلك ما لا يتوافر في غير هذا النظام، وهذا يأخذ أشكالًا متعددة ومتنوعة؛ من تدخل وعدوان عسكري, وفرض شروطها وقيودها, واستخدام كل ما تملكه من وسائط التأثير لأجل الهيمنة واستنزاف مقدرات وثروات الأمم الأخرى، وما الحرب القائمة اليوم المسماة الحرب على الإرهاب إلا طريقة من طرق خدمة هذا الهدف: الاعتداء على أمن الدول وسيادتها.
    فالحرب ضد الإرهاب إنما هي غطاء أيدلوجي على الصورة الحقيقية للصراع؛ لتعمية العقول عن إدراك حقيقة هذه الحرب المتعددة الوجوه، كما أن الشعارات التي تقال عند قيام أي حرب ليست عبارات غير مقصودة كما يفسرها البعض، بل هي مقصودة ومعنية.
    ومن ذلك ما قيل من أن الحرب صليبية, فهي صليبية رأس المال، وإن شئت قلت رأسمالية اليمين الصليبي الصهيوني.
    فالمسلسل تديره مجموعة من الرأسماليين العتاة, والأصولية الصهيونية غطاء ضروري, وإذا انكشف ــ وقد يحدث هذا في الانتخابات الأمريكية القادمة ــ فسوف يبحث المرابون والمطففون العالميون عن شعار آخر.
  5. أحداث العراق ومستقبل البلاد العربية

    الدعوة: ما نظرتكم إلى الأحداث الحالية وخاصة في العراق ومستقبل البلاد العربية؟
    * ما يجري في العراق هو بشير تحولات كبرى في التاريخ الإنساني المعاصر، فالمقاومة العراقية هي انتصار المستضعف المؤمن على المستكبر الطاغي, وهي بداية النكسة للعولمة المؤمركة, دع الأحداث اليومية والنتائج الغربية جانبًا, وانظر إلى سقوط القيم الأمريكية, وكيف تحولت إلى هشيم تذروه الرياح, وكيف سرى الأمل في قلوب أكثر من (40 %) من شعوب العالم التي تضطهدها أمريكا بشكلٍ ما من أشكال الاضطهاد المباشر, كما أن الإيمان في العراق فضح القوة العمياء لعملاق الحديد الخاوي من الروح.
    الآن أصبح واجبًا على أمريكا أن تسمع لصوت الناصحين من أمثال تشومسكي, ورمزي كلارك, وفندلي, وغورفيدال, إن كانت لا تريد أن تسمع لأحد من خارجها.
  6. دور اللوبي اليهودي في العراق

    الدعوة: اللوبي اليهودي ما دوره في العراق؟
    * ثلاثة عناصر رئيسة اشتركت مباشرة في مؤامرة سحق العراق إنسانيًّا وحضاريًّا وبشريًّا وماديًّا:
    ــ قوى الغزو الأنجلوسكسوني المباشرة.
    ــ والصهيونية العالمية.
    ــ والشعوبية الطائفية الحاقدة.
    يجب التصريح بهذا وإعلانه؛ لأنه أصبح حقيقة واقعة، والكل يريد أن يدفع نبوءة التوراة عن تدمير دولة اليهود في آخر الزمان على يد شعب العراق.
    لقد كتبت إلى بعض الذين راسلوني وراسلتهم من علماء اليهود وغيرهم، قائلًا: إن كان ما قالته التوراة حقًّا فلن تستطيعوا رده؛ لأن قدر الله لا يرده البشر أبدًا، وإن كان ما فيه باطلًا فلماذا كل هذه التضحيات والعداوات من أجله.
    لقد أصبحت القوى الثلاث مفضوحة، وتعاونها بات مكشوفًا.
  7. التغيرات الفكرية عند بعض طلبة العلم مع أحداث العراق

    الدعوة: التغيرات الفكرية عند بعض طلبة العلم أسبابها ومدلولاتها .. وجهة نظركم؟ * ليس الغريب أن تحدث تغييرات فكرية لدى أفراد الصحوة الإسلامية، بل الغريب ألا تحدث هذه التغييرات في ظل النوازل اليوم، علمًا أنه ينبغي معرفة أن الأحكام الشرعية ثابتة، وأنها مبنية على العلل الثابتة التي لا يمكن أن تتغير. أما مسألة التغييرات الفكرية وغيرها، فكل ذلك يُقوم بحسب موافقته للكتاب والسنة، والمصالح والمفاسد التي اعتبرها الشارع الكريم، وعلى حاجات الناس. وليس على أهواء بعض الناس ممن لهم إرادات شهوانية, أو شبهات مردودة, فالدين في نظر هؤلاء كله يتجدد ويتقلب بحسب الأحوال. إذا خضع الأمر لأهواء الناس أو لآرائهم أو لشهواتهم، أو كما يسمونه هم لنمو المجتمع, ومسايرة للمجتمعات الحديثة, ولا سيما المجتمعات الملحدة الكافرة، فإن ذلك خروج عن هذه الحكم والمصالح جميعًا، ولذلك فلا حجة فيه. والذي دعاني للحديث في تغير الفتوى هو الارتباط الوثيق بين التغيرات الفكرية والنظرة الفقهية، فالفكر يقوم على الفقه الذي ركيزته الفهم للحادثة وتنزيلها والتقعيد لها.