رؤية الماديين
هنا عند هذه القضية تختلف هذه المناهج، فمثلاً: لو نظرنا إلى التفكير المادي البحت -الذي ظهر من ثلاثة قرون تقريباً في أوروبا- نجد أن نظرية من يخلص أو من ينقذ البشرية أو من يقيم ملكوت الله ومملكة الله تعتبر عندهم نوعاً من التعويض النفسي؛ فهي قضايا نفسية فقط، وتصورات تصورتها الشعوب المضطهدة, فهي تعوض عن واقعها المؤلم سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، كما إذا أخذنا اليهود نموذجاً: ما عانوه في بابل بعد السبي, وما عانوه من الشتات والفرقة، كما هو مذكور في المزامير وفي غيرها: إنك يا رب! جعلتنا كغنم للذبح, وأن العار يغطي وجوهنا أينما اتجهنا. فهناك حسرات وأحزان متتابعة نجدها في مثل هذه المزامير, وكذلك في مراثي أرمياء وفي غيرها من مواضع التوراة تدل على المعاناة الشديدة, والمحن المؤلمة القاسية التي تعرض لها هذا الشعب.فعلى ذلك يرى هؤلاء الماديون أن الموعود به من الخلاص، ومن ظهور مملكة الله، ومن الأمل الذي يأتي في آخر الزمان هو اختلاق داخل نفسية المجتمع الإسرائيلي؛ اختلقوا ذلك لكي يتخلصوا من واقعهم, ولكي يخرجوا من ضيق الواقع إلى رحابة الأمل الخيالي الذي تخيلوه وافترضوه، وهو لا حقيقة له.مختصر هذه النظرة هو هذا, ويضربون على ذلك مثالاً: بأن أي إنسان في هذه الحياة يعيش حالة من الإحباط واليأس والقنوط؛ فإنه يعمد إما إلى تناول المخدرات الحسية, وإما أن يظل يسبح في خيالات وأوهام الثروة والغنى والجاه وما أشبه ذلك، كما يفعل أحياناً بعض الشعراء حين يلجئون إلى الشعر أو غير ذلك؛ لكي يعيشوا في فسحة الأمل الوهمية أو المتخلية التي لا يبررها إلا الواقع الصعب المر الذي يعيشونه ويعانون منه.باختصار هذه هي النظرة المادية لنظرية المخلص الموعود به, وسوف نأتي إن شاء الله بالرد عليها تفصيلاً؛ لأن الرد عليها هو رد من خلال الواقع الهائل الذي حدث بعد ذلك, والذي يكذب هذا المقال سواء اعترفوا هم أو لم يعترفوا بهذه الحقائق؛ لكن المقصود هو هذا.