ومن أسوأ ما ختموا به كلامهم الشنيع القبيح عن هذا النبي -صلوات الله وسلامه عليه وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم- أنهم جعلوا خاتمة حياته هي أنه أنهك وأجهد وضعف أمام هؤلاء الأجنبيات الوثنيات، فأصبحت الأصنام والأوثان تعبد في بيته, ويصورون التماثيل ويعبدونها, ويذبحون لهذه الآلهة الغريبة في بيت نبي الله, وفي بيت هذا الملك الذي جعله الله تبارك وتعالى نموذجاً للملك المطيع العابد, الذي لم يشغله ملكه عن طاعة الله تبارك وتعالى؛ بل إنه في كل حياته كان شاكراً كما دعا ربه تبارك وتعالى أن يوزعه شكر النعمة، فكان شاكراً لنعم الله تبارك وتعالى عليه في الخيل، شاكراً لنعم الله تبارك وتعالى عليه في الريح، شاكراً لنعم الله تبارك وتعالى في تعليمه منطق الطير، شاكراً لنعم الله تبارك وتعالى عليه لما آتاه من المال.
كان يقضي بين الناس بالعدل, وأعطاه الله تبارك وتعالى تلك الحكمة في القضاء والفهم؛ حتى أنه فهَّمه ما لم يفهِّم أباه -كما جاء في كتاب الله تبارك وتعالى- ومع ذلك -مع الأسف الشديد- نجد أن أسوأ ما يمكن أن تجد من الكلام في سيرة أي نبي من الأنبياء؛ فإن اليهود أشبعوا به سيرة هذا النبي العظيم، ونعني بهم: الذين ضلوا وانحرفوا عن هدى الله تبارك وتعالى، وإلا فإن المؤمنين من قبل ومن بعد لا يزال له في قلوبهم من التقدير, ولا يزال في قلوبهم من التعظيم لأنبياء الله تبارك وتعالى، فبقي المؤمنون على قلة شديدة وعلى ضعف حتى أوحى الله تبارك وتعالى إلى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن، وهذا الذكر الحكيم.
فانتقلت القضية نقلة بعيدة جداً عما كان يدور بين بني إسرائيل وأتباعهم؛ إلى أن يقرأ ويتلى في المحاريب على مدى هذه القرون وفي كل مكان ما ذكر الله تبارك وتعالى عن هذا النبي وعن أبيه، في سورة البقرة مثلاً: قصة داود عليه السلام, ثم نجد في سورة النمل, ثم في سورة ص وغير ذلك, نجد أن أسيراً عجيبة عظيمة، هي -كما تقدم- قدوة ونموذج للعباد وللزهاد وللصالحين من المسلمين، الذين جمع الله تبارك وتعالى لهم بين خيري الدنيا والآخرة، فكما كان عثمان رضي الله عنه أو عبد الرحمن بن عوف أو الزبير بن العوام أو كما قلنا عبد الله بن المبارك أو الليث بن سعد ، الذين أعطاهم الله من المكانة والمنزلة ما جعلهم يسخرونه بدون أي غضاضة في طاعة الله تبارك وتعالى، ويشعرون أن لهم قدوة في هذا؛ وهم الأنبياء الكرام الذي أعطاهم الله تبارك وتعالى من الملك ومن النعمة ما يستخدم جميعاً في طاعة الله تبارك وتعالى.
أضف تعليقا
تنويه: يتم نشر التعليقات بعد مراجعتها من قبل إدارة الموقع