طبيعة بيئة الجزيرة العربية الملائمة للحياة الإنسانية
ثم تحدث عن قضية -هي تستحق الإشارة البسيطة فقط- كيف يقال: إن جزيرة العرب هي مهد الحضارة وهذه الأمة متحضرة مع أنها صحراء جرداء! الجميع يتكلمون عن هذا. وهذا ينقلنا إلى تعاقب العصور الجيولوجية على العالم كله، فنعرف بشبه اليقين أن جزيرة العرب بالفعل هي مهد الحضارة البشرية، وأنها كانت في تلك الفترة القديمة مروجاً وأنهاراً، وكان الجليد يغطي معظم العالم الغربي؛ أوروبا وشمال آسيا , وكانت أفضل بقاع العالم في ذلك الوقت الملائمة للحياة والبيئة الإنسانية هي جزيرة العرب وبلاد الشام و العراق , على التعريف المعروف في جزيرة العرب أن البعض يجعل حدها نهر الفرات, المقصود هي وما حولها كانت البيئة المناخية الملائمة منذ العصر الجليدي الأخير الذي يمتد ما بين عشرة آلاف إلى ثمانية آلاف سنة حسب التقديرات التي يقدرها به العلماء في الجيولوجيا.الحقيقة أن تطور الدراسات الحديثة في هذا الشأن يجعلنا نأتي بشواهد هي أحدث وأدق في هذا الباب؛ على سبيل المثال: هناك باحث عربي مصري مقيم في لندن؛ وهو الأستاذ: أحمد عثمان, متخصص في هذه الجوانب ويكتب فيها حلقات كثيرة في جريدة الحياة، نقرأ بعض ما كتب، وهي كتابة متأخرة كتبها في أكتوبر 98؛ لأن الدراسات البشرية كلما تقدمت وتطورت تؤكد هذا المعنى, وهذه الخصوصية للجزيرة العربية وللغة العربية.يقول عن نشأة الكتابة بعد أن ذكر أهمية الكتابة: أول ما عرف الإنسان فن الكتابة كان في مصر وفي سومر خلال الألف الرابعة قبل الميلاد -هذا على كلامهم طبعاً- ولا شك أن الإنسان عرف لغة الكلام قبل أن يخترع العلامات والحروف المكتوبة التي تدل عليها، ولا شك كذلك أن اللغة المكتوبة كانت في أول مراحلها تتفق إلى حد كبير مع لغة الكلام. هذه مقدمات.ثم يقول: ونحن نجد هذه اللغات المكتوبة تتضمن الكثير من عناصر اللغة العربية التي عرفناها بعد ذلك، مما يؤكد ما أصبحت تشير إليه الدراسات الأثرية الحديثة, من أن غالبية الأقوام التي سكنت منطقة الحضارات القديمة هاجرت من جزيرة العرب, وخلال العصر الجليدي عندما كان شمال أوروبا والقارة الأمريكية يقع تحت غطاء سميك من الجليد, كانت الجزيرة العربية وشمال أفريقيا أراضٍ خضراء تكثر فيها منابع المياه والنباتات.ثم ذكر بعد ذلك أنه: منذ ما يقرب من عشرة آلاف قبل الميلاد بدأ ذوبان الجليد في المناطق الشمالية, وصاحب هذا عملية تصحر تدريجي في الجزيرة العربية؛ فلذلك كانت غالبية الهجرات البشرية التي جاءت إلى أرض الهلال الخصيب ووادي النيل في الأزمنة القديمة مصدرها الجزيرة العربية وشمال أفريقيا، وما الكنعانيون والآكاديون والآراميون والمدينيون الذي سكنوا هذه المناطق إلا مهاجرون ساميون عرب, خرجوا من الجزيرة العربية منذ الألف السادسة قبل الميلاد. هذا آخر ما تدل عليه دراسات حضارية وآثارية كثيرة جداً، وهناك حضارات لا شك في عروبتها.