اصطفاء الأنبياء بعد آدم عليهم السلام
ثم منّ الله تبارك وتعالى على الإنسان كما ذكر عن آدم عليه السلام: (( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ))[آل عمران:33], نلاحظ هذه السلالة التي كما قال: (( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ))[آل عمران:34]، نلاحظ اصطفاء نبوة، هؤلاء هم أفضل كل الأمم، أفضل الجيل القديم جداً آدم عليه السلام، ثم بعد ذلك كان أفضلهم الرسل هؤلاء أولوا العزم وذرياتهم -نوح عليه السلام وإبراهيم وآل عمران- اصطفاهم واصطفى معهم من اتبعهم على العالمين أجمعين، فهذا دليل على أن الله سبحانه وتعالى خلق آدم ومن بعده ذريته خلقاً مصطفى مباركاً رفيع المنزلة والقيمة.حتى من الناحية الحضارية هناك إشارة لطيفة في قول الله تبارك وتعالى: (( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ))[الإسراء:70]؛ فلما بين الله سبحانه وتعالى أنه كرم بني آدم جاءت في نفس الآية إشارة لطيفة إلى معنى من المعاني: (( وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ))[الإسراء:70], هنا النقلة الحضارية الهائلة الكبيرة بين أن الإنسان يركب البر والبحر ثم بعد ذلك الجو وهو مسخر له كل شيء من فضل الله تعالى ومتاح له, وبين الحيوان الذي لا يستطيع أن يعتمد إلا على عضلاته أو على أجنحته. فبين الله سبحانه وتعالى هذه الإشارة الحضارية المهمة وهي: حمْلهم في البر والبحر، ورزْقهم من الطيبات فهم لا يأكلون إلا الطيب النظيف بما أودع في فطرتهم من حب الطيب، وأيضاً بما أنزل الله تبارك وتعالى من الشرائع بحيث يتبعوها, وبين لهم فيها ما يجتنبون -الذي هو الخبائث- (( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ))[الأعراف:157], كل نبي نهى أمته عن الخبائث حتى جاءت الشريعة الكاملة المفصلة العظيمة وهي شريعة الإسلام, والحمد لله تبارك وتعالى على ذلك.إذاً هناك جوانب عظيمة جداً لا نستطيع أن نأتي عليها جميعاً من تكريم آدم عليه السلام على ضوء ما جاء في القرآن؛ بل حتى على ضوء ما جاء في السنة، يكفينا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر خلق آدم وأنه (خلقه وكان طوله ستين ذراعاً)، فأنطقه الله سبحانه وتعالى وعلمه أيضاً الأدب العظيم فقال له: (مر على أولئك النفر من الملائكة فسلم عليهم, فقل لهم: السلام عليكم؛ فإن هذه تحيتك وتحية ذريتك من بعدك).لاحظ التكريم ولاحظ السلام وهو أعظم شيء تبحث عنه الإنسانية, أعظم شيء يبحث عنه البشر في كل العصور، الله سبحانه وتعالى يجعله تحية لآدم وذريته؛ (فذهب إلى الملائكة الكرام وقال: السلام عليكم. فردوا عليه وقالوا: وعليكم السلام ورحمة الله -يقول النبي صلى الله عليه وسلم-: فزادوا ورحمة الله).ففي هذا أيضاً دليل على التكريم وعلى الاختيار وعلى الاصطفاء وعلى هذه المشاعر في الأدب وفي التعامل، وأن الله سبحانه وتعالى جعل هذا الإنسان مكرماً، وجعله تبارك وتعالى بهذه المنزلة العالية الرفيعة.