بعد ذلك رأوا أنه بالفعل جدير بذلك ومستحق لذلك؛ حيث علمه الله تبارك وتعالى ما لم يعلمهم, ((
وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ))[البقرة:31]؛ فالله تبارك وتعالى جعل الملائكة الكرام في موقف الذي يستنتج بنفسه, ويرى الحكمة الربانية أمام عينيه، حين كان التساؤل الأول عن خلقه كيف يكون خليفة؟! وكيف سيكون؟!ثم عندما عرض الأسماء على الملائكة.. -الله سبحانه وتعالى بيّن لنا فضلهم وهذا من فضلهم أنهم لا يتكلمون فيما لا يعلمون وهم لا يعصون الله, وليسوا مثل بني آدم يفتعلون العلم الذي لا يعلمون- عندما عرضهم على آدم عليه السلام علّم آدم أسماء كل شيء فأجابهم! والمقصود من هذا عظيم الدلالة -من تعليم آدم الأسماء كلها- فلو تفكر أي إنسان منا كيف لو أن الناس لم تُسم الأشياء؟! معنى ذلك أن المرحلة الهائلة جداً -وقد تقدمت الإشارة إليها- الفرق الهائل جداً بين الإنسان والحيوان في استخدام اللغة. لو أراد حيوان أن يعبر لك عن شعوره! كيف يعبر لك؟! لو أراد إنسان لكنه لا يستطيع النطق أن يسمي شيئاً أو أن يعبر لك كيف؟! لا بد أن يحضر لك الشيء أو يريك إياه ويتعب حتى يقنعك، يريد أن يريك البحر كيف يسمي البحر؟ يريد أن يسمي الجبل كيف؟ فكيف لو كان من عالم الغيب يريد أن يسمي لك ملكاً؟! فكيف لو يسمي لك أموراً معنوية؟! يريد أن يعبر عما في قلبه أنه فرح أو حب أو حزن أو ما أشبه ذلك!كل هذه من حكمة الله سبحانه وتعالى أنه اختصر للإنسان هذه الأبعاد النفسية الهائلة بأن علمه أسماء كل شيء، وورث ذلك بنو آدم من آدم عليه السلام فأصبحوا يتلاقون ويتخاطبون ويتعارفون, وهذه نعمة عظمى وجليلة من الله سبحانه وتعالى.
فاللغة تشكل فارقاً بعيد المدى بين الإنسان وبين بقية المخلوقات، ثم في الإنسان نفسه يتفاوت الناس بمقدار ما يعطيهم الله تبارك وتعالى من تمكن في الفهم وفي البيان وفي الفصاحة، حتى أن البعض منهم ليبلغ درجة عالية جداً والآخرون دون ذلك، وهكذا جعل الله سبحانه وتعالى الأمر طبقات، وفضل بعضهم على بعض في هذا البيان العجيب.فالتكريم الذي حصل باللغة من أعظم ما حصل.