نحن نجد أن التوراة ومن جاء من الشراح ليفصلوا الأماكن المذكورة فيها على الطبيعة؛ نجد أن هناك فرقاً عظيماً وتبايناً بين انتقال إبراهيم عليه السلام من الجنوب أور الكلدان , نشير هنا فقط أن المصادر الإسلامية والعربية تقول: إنها كوثة أو ما أشبه ذلك في جنوب العراق, ولا يهم الاسم؛ لكن هم يقولون: إنها في جنوب العراق باتفاق ثم الانتقال إلى حران , ثم نجد بعد ذلك الانتقال إلى أرض كنعان في الغرب, ثم إلى أرض فلسطين ثم إلى مصر، هذه التنقلات تستغرق على تقديرات المؤلفين لـدائرة المعارف الكتابية : يرون أن إبراهيم عليه السلام ارتحل مع أبيه من مسقط رأسه إلى الشمال الغربي في حران مسافة ستمائة ميل, -لاحظ المسافة- ولم يستغربوا ذلك -ولا غرابة في ذلك- ثم بعد ذلك لما أمره الله تبارك وتعالى أن يتجه إلى أرض كنعان ارتحل من هنالك إلى أرض كنعان فتبعد أربعمائة ميل, بعد ذلك لنا نحن أن نتصور المسافة من أرض كنعان إلى أرض مصر , حيث قابل الفرعون هناك, ثم رجع مرة أخرى، رحلات متوالية ومتتابعة يمكن أن نقدرها جميعاً بمئات الأميال أو أكثر, يعني: ألف وثلاثمائة إلى ألف وأربعمائة أو ألف وخمسمائة ميل.فقط عند منطقة معينة من هذه الرحلات نجد الأرقام تختلف, ونجد النظرات تختلف، ونجد الخرائط تحرف, ونجد سياق القصة يتناقض، ثم يتناقض في مواضع أخرى مع يعقوب, ثم يتناقض في مواضع أخرى عندما يذكر إسماعيل! وهذا عندما يأتي الحديث عن رحلته عليه السلام إلى الجنوب، إلى جبال فاران إلى التيمن أو اليمن , هنا نجد التناقض والاختلاف والاضطراب, ونجد أنهم أطبقوا أو كادوا يطبقون جميعاً على أن هذه المنطقة ما هي إلا عشرات الأميال لا تزيد عن ثلاثين ميلاً أو أقل، والجنوب عندهم هو في سيناء نفسها؛ في بئر سبع في صحراء النقب , وكل القصص التي جاءت عن الجنوب جعلوها هاهنا، وجعلوا مقام إبراهيم -الذي يعترفون أنه المقام- والبيت -الذي يعترفون أنه بيت الله- منطقة مجهولة أو قرية مهجورة أو مكان ما؛ بل في عدة أماكن كما سوف نرى إن شاء الله تعالى.وكل ما حدث من أحداث ووقائع فهي تقع دائماً في نطاق هذه المنطقة؛ بحيث يصبح الحديث عن أي شيء إلى الجنوب أكثر من ذلك إخلالاً أو تجاوزاً أو لا صحة له على الإطلاق, وهكذا أجيال بعد أجيال تتوارث حقائق تاريخية واضحة وجلية, ومع ذلك تطمس أسماء الأعلام وتحرفها وتغير في أسماء الأماكن والخرائط والمسافات، وتُغيّر في روابط القصة وسردها، كل ذلك لكي تحصر كل هذه الأعمال والرحلات في فلسطين وفي جنوب فلسطين.