السؤال: هل تنصحنا شيخنا! بالجهاد في العراق إذا أتيحت الفرصة؟
الجواب: لا شك أن الأسئلة حول هذا الموضوع كثيرة جداً، وأحب أن أنبه إلى قضايا لعلها مما يعين بإذن الله تبارك وتعالى على فهم الحقائق، وتصور الموضوع، وتصور واجبنا جميعاً نحو قضايا الأمة.
فأقول: أيها الإخوة الكرام! إن المعركة بيننا وبين أهل الكتاب وبين أعداء هذا الدين عامة دائمة ومستمرة لم تقف ولم تنقطع ولم تهدأ, ربما تظهر في مكان أكثر من مكان, وربما يرى أولويات في ترتيبها وفي أحوالها, لكنها قائمة، وإلى أن تقوم الساعة هي قائمة، فلا ترتبط قضية الواجب بأن يحدث العدو عدواناً جديداً أو أن يهاجم بلداً أو عاصمة إسلامية كما قد نظن، ثم إن الأمر أوسع من أن يكون إما فرض عين فلا يجوز لأحد من المسلمين صغيراً أو كبيراً ذكراً أو أنثى أن يتخلى عنه، وإما أنه لا حرج عليك ألا تبالي بأي قضية ولا تفعل شيئاً! ليست الأمور دائماً بهذه الحدة التي قد تؤدي إلى استقطاب شديد بين قطبين متنافرين وفرقة وخلاف جديد.. لا.
الواقع أن المعركة شاملة كل الميادين؛ المعركة في الميدان الثقافي، وفي الميدان الإعلامي, وفي الميدان السياسي والاجتماعي والاقتصادي, وفي الميدان أيضاً القتالي وهو أحد مظاهرها؛ بل هو أحياناً يخدم بعضاً من هذه الميادين, ومن هذه المجالات, ولعل مقدمة محاضرة الانتفاضة تبين هذا الشيء بإذن الله تبارك وتعالى.
إذاً: الخطأ شديد -حقيقة- لو حصرنا المعركة في ميدان واحد أو حصرنا واجبنا في أن نحمل السلاح فننطلق إلى بلد ما وإلا فلا نفعل شيئاً أو كأننا لم نعمل شيئاً.
ما دمنا نعلم أن العدو بهذه الضخامة والشراسة، والمعركة بهذه السعة وبهذه الميادين فعلينا أن نجتهد في كل المجالات، ولننظر إلى مثال واحد في حياة النبي صلى الله عليه سلم:
يقول الله تبارك وتعالى له: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ))[التحريم:9], فمعاركه صلى الله عليه وسلم مع الكفار معلومة, ومع ذلك كان في كل وقته مجاهداً لهم، وليس فقط عندما تلتحم السيوف يوماً أو يومين بعد سنة أو سنتين أو ثلاث. وكذلك المنافقين جاهدهم صلى الله عليه وسلم وأغلظ عليهم مع أنهم كانوا داخل المجتمع المسلم, وهنا ينبغي أن نتفطن ونقول: كيف جاهد الكفار؟! وكيف جاهد المنافقين؟!
فشمول مفهوم الجهاد وسعته هو حقيقة الجهاد التي تؤثر وتؤدي إلى النكاية في العدو، فهذه هي التي ينبغي أن نأخذها مباشرة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته.
وبالنسبة للأوضاع في العراق لا بد أن تتكشف الأحداث على الأمور, ولا شك أنه يجب على كل واحد منا أن يهيأ نفسه لأن ينصر إخوانه بما يستطيع الآن, أو بما يستدعي ذلك فيما بعد، فمثلاً: الإعلام الآن مهم جداً, كيف يتظاهر ويحتج الملايين في العالم والكثير منا في غفلة؟! هذا سؤال مهم جداً ينبغي أن يطرح في هذا الموضوع.
ولا أعني أنه لا بد أنا نتظاهر نحن، بل المهم أن نعبر عن رفضنا، وأن نعبر عن شعورنا وواجبنا نحو إخواننا، وأن نوصل للغرب وللحكومات الموالية له رسالة واضحة بأننا ضد هذا العدوان، وكل منا على حسب اجتهاده، ولا يفرض أحد منا اجتهاده على الآخر في هذا الشأن.
كذلك ما يتعلق بالناحية الإعلامية؛ كتوعية الدعاة والأمة، وغرس الثقة والثبات والتوكل على الله -كما أشرت قبل قليل- وكذلك فيما يتعلق بالمجال الإعلامي التنبه للأخبار, على سبيل المثال: لو حدثت حرب فإن أول ما تبدأ سينشر الإعلام الغربي أن هناك تدميراً هائلاً، وأن الوضع قد تردى أكثر؛ لكن تكتشف بعد أيام أو بعد فترة أن ذلك كان مبالغات، كما حدث في مرات سابقة, وربما يكون نصيب الحقيقة منه أقل مما كنت تظن.
وهكذا يجب أن نهيأ الأمة أيضاً إعلامياً ونفسياً لمرحلة المعركة التي هي معركة طويلة الأمد وشاملة ومتعددة الميادين, دون أن يفرط كل منا أيضاً في موقعه الذي هو فيه؛ لأن من أهداف العدو في مثل هذه الأزمات أن يفقدنا توازننا, بحيث نترك مواقعنا الدعوية أو العلمية أو مواقعنا المهمة في الأمة التي لو تركناها لما استطعنا أبداً أن نعود إليها فيما بعد, وربما نضيعها دون أن ننفع إخواننا هناك.
فأقول: سوف تتكشف الأحداث بنفسها عن أمور كثيرة، وفي وقتها يجب أن يقال: ما هو الواجب عملياً؛ لكن على الجملة ينبغي أن يعلم أن كل المجتمعات المسلمة مستهدفة, وأننا يجب علينا أن يكون لنا دور إيجابي -إن شاء الله تبارك وتعالى- في الأحداث من خلال ما يمكن أن نعمله, وما يمكن أن نوجده من وسائل، والآلية لتنفيذ ذلك أو لتحقيقه هي الشورى المستمرة عند كل حدث يستجد؛ يتشاور أهل البلد الواحد، ويتشاور أهل المنطقة الواحدة، وأهل المدينة الواحدة, وإذا كان هناك مثلاً أوضاع -لا قدر الله- اختلت أو هناك إشكالات أو أمور تستدعي وحدة النظر والرأي والصف فهذه كلها مما ينبغي أن يكون حياً وبارزاً وظاهراً، ثم نحن نؤمل بفضل الله تبارك وتعالى أن تكون العاقبة خيراً وحميدة، وقد قلت وأحب أن أقول الآن للإخوة الكرام: إن يوماً ما سيأتي بإذن الله تبارك وتعالى غير بعيد نجتمع فيه في لقاء في مثل هذا اللقاء المبارك, ونقول للإخوة: الحمد لله فقد كان ذلك خيراً, وقد كانت النتائج أفضل مما كنا نتوقع, وقد تبدد كثير من المخاوف والمخاطر التي كانت تخشى في سابق الأيام.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحقق هذا الرجاء والأمل، إنه على كل شيء قدير.