قال المصنف رحمه الله تعالى:
[وأما الشخص المعين، إذا قيل: هل تشهدون أنه من أهل الوعيد وأنه كافر؟ فهذا لا نشهد عليه إلا بأمر تجوز معه الشهادة، فإنه من أعظم البغي أن يشهد على معين أن الله لا يغفر له ولا يرحمه بل يخلده في النار، فإن هذا حكم الكافر بعد الموت.
ولهذا ذكر أبو داود في سننه في كتاب الأدب: (باب النهي عن البغي)، وذكر فيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين، فكان أحدهما يذنب والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب، فيقول: أقصر، فوجده يوماً على ذنب، فقال له: أقصر. فقال: خلني وربي أبعثت علي رقيباً؟ فقال: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الله الجنة، فقبض أرواحهما فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالماً؟ أو كنت على ما في يدي قادراً؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار. قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده! لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته}، وهو حديث حسن. ]
اهـ.
  1. الفرق بين إطلاق الكفر على الفعل وإطلاقه على المعين

    الشرح:
    لقد أطال المصنف رحمه الله في هذا الموضوع، وكلامه واضح -والحمد لله- وسوف نستعرض كلامه ثم نعضده بكلام بعض العلماء الآخرين، مثل شيخ الإسلام وابن القيم، وبعض علماء الدعوة، كالشيخ سليمان بن سحمان رحمهم الله وأمثالهم، ولكن لوضوحه ولتفصيله نستعرضه أولاً لنفهم مراده منه.
    فقوله رحمه الله: "وأما الشخص المعين"، (أما) للتفصيل، وهذا دليل على أنه قد ذكر قبلها شيئاً آخر، وهو ما يتعلق بالفرقة، أي: (من قال كذا) أو (من اعتقد كذا)، على سبيل الإجمال، ولا يقصد بذلك إنساناً معيناً بذاته، كما قال المصنف سابقاً: "قد قال كثير من أهل السنة المشاهير بتكفير من قال بخلق القرآن، وأن الله لا يرى في الآخرة، ولا يعلم الأشياء قبل وقوعها"، ومثله ما ذكره أيضاً عن أبي حنيفة رحمه الله كغيره من علماء السلف أن: (من قال: القرآن مخلوق، فهو كافر)، وكما يقال أيضاً: من أنكر أسماء الله وصفاته، أو أنكر الرؤية فهو كافر، وهكذا...
    فهذه العبارات كان السلف الصالح يطلقونها وهم أشد الناس تحرزاً، وأبعد الناس عن الوقوع في البغي أو الظلم أو الجور أو مجانبة العدل، ولا شك أن هذه الأقوال حق، لكن السلف الصالح رضي الله عنهم قالوها مطلقة لا معينة، ولذلك نجدهم في المعين قد يختلفون؛ فمثلاً: بشر المريسي منهم من كفره ومنهم من لم يكفره، وكذلك النظام، لكن قد يتفقون على تكفير ضال خرج من الدين ومرق من الملة كـالحلاج؛ فإن كل من نقل سيرته من المؤرخين والعلماء والفقهاء قد اتفقوا على تكفيره، وكذلك الفلاسفة كفروا بأعيانهم؛ مثل الكندي، والفارابي، وابن سينا، والرازي الطبيب، وأمثالهم ممن نص على تكفيرهم بأعيانهم في كلام السلف وغيرهم، كما تمتلئ كتب الرجال بأنواع من هذا ممن اشتهر كفره وزندقته وإلحاده وخروجه من الدين.
    ويوجد كثير مختلف فيه، فمنهم من يعذره ومنهم من يكفره، كما ذكرنا عن بشر المريسي وغيره؛ وذلك لأن تطبيق الحكم على المعين قابل لاختلاف وجهات النظر، فالحكم العام على الفعل شيء، وتطبيقه وتنزيله على المعين شيء آخر.
    ولنأخذ بعض الأحكام المعلومة غير مسألة التكفير في الأحكام التنفيذية؛ كالحدود مثلاً: فإن الله سبحانه وتعالى قد نص في القرآن على حد الزنا فقال: ((الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ))[النور:2]، فهذا حد ذكره الله سبحانه وتعالى صريحاً في كتابه، وهو أن من ارتكب جريمة الزنا فإنه يجلد مائة جلدة، وهذا الحد نعتقده وندين الله به، وهذا هو الواجب على كل مسلم، ولا يجوز اعتقاد غير ذلك؛ لأن الله تعالى نص على هذه العقوبة، كما نص الله سبحانه وتعالى في القرآن على حد السرقة في قوله: ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ))[المائدة:38]، فنحن أيضاً نعتقد وندين الله سبحانه وتعالى بأن عقوبة السارق هي القطع، وهذا أمر غير قابل للنقاش، ومن اعتقد غير ذلك فقد رد ما في كتاب الله، لكن تطبيق هذه الحدود على معين لا بد أن تستوفي فيها الشروط وأن تنتفي الموانع، وذلك يحتاج إلى نظر يسمى: تحقيق المناط.
    وكذلك مسألة التكفير أو التبديع، فإذا قلنا: إن من فعل كذا فهو كافر، أو من فعل كذا فهو مبتدع، ولنا من الأدلة أنه قد ذُكِر ذلك في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو أنه مما ذكره السلف الصالح الذين لا يأخذون أحكامهم إلا من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا خطأ في ذلك، بل نقول: يجب أن يقال: إن الكافر كافر، وإن المبتدع مبتدع، وإن الضال ضال، فكل ما أخبر به الله ورسوله ونقل عن السلف الصالح يجب أن يقال وأن يبلغ؛ حتى تكون الأمة على علم ومعرفة بهذه الأحكام، لكن المعين لا نطلق عليه الاسم وما يترتب على الاسم إلا ببينة؛ لأن مجرد الإطلاق ليس هو الهدف وإنما ما يترتب عليه، فلابد أن يكون لدينا بينة وعلم وبرهان من الله سبحانه وتعالى حتى نطلق ذلك.
    يخطئ كثير من الناس في فهم هذه الأمور، فمثلاً: شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يكفر عباد القبور، ففهم بعض الناس من ذلك أن كل من يذهب إلى قبر ويصلي عنده فإنه كافر مرتد خارج من الملة، وللشيخ رحمه الله كلام ينفي به عن نفسه هذه التهمة، فقال بعض الناس: إن الشيخ متناقض، أو كان له رأي ثم رجع عنه، أو غير ذلك.. وليس الأمر كذلك، فإن عقيدة الشيخ ودعوته التي دعا إليها هي أن من عبد غير الله فهو مشرك مرتد... إلخ.
    أما في المعينين -كما هو مذهب أهل السنة والجماعة- فينظر في المسألة: فهل جاء هذا المعين لعبادة القبر أم لمجرد الزيارة؟ وهل هو خارج من الملة أو مبتدع؟ فإن بعض الناس لا يقع في الشرك عند القبور، وإنما يقع في بدعة.
    فالمقصود أن هذا الأمر لما لم يفهم على حقيقته؛ كان ولا يزال موضع بحث ونقاش وخلاف بين كثير من الناس.
    وبعض الناس يظن أن من الورع ألاَّ يطلق على فعل أو على وصف اسم الكفر أو البدعة، بل يقال: هذه أخطاء ومحرمات وأمور خطيرة... إلخ، ويقول: لا نتكلم بالكفر ولا نطلقه؛ لأنه أمر ليس بالسهل، وتترتب عليه أمور كثيرة.
    فنقول له: إن كنت تقول هذا في حق إنسان لم يكفره الله ولا رسوله فهذا صحيح، وإن كنت تقوله على سبيل التحرج؛ لأنك لا تعرف المعينين ولا تستطيع أن تجزم به، فهذا أيضاً صحيح.
    أما إن كنت تتحرج أو تتحرز عن إطلاق شيء أطلقه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا لا يجوز، كما أن الذي يطلق الألفاظ بغير حق يعد ظالماً باغياً.
  2. حكم الشهادة على المعين بأنه من أهل الوعيد

    يقول المصنف رحمه الله: [وأما الشخص المعين إذا قيل: هل تشهدون أنه من أهل الوعيد وأنه كافر؟]، أي: ممن ينزل بهم الوعيد، كما ذكرنا لو أن إنساناً شهد بأن فلاناً من أهل الوعيد بناءً على أنه أكل مال اليتيم، أو زنى، أو شرب خمراً، أو سرق، أو نحو ذلك، "أو أنه كافر"، أي: إذا ارتكب مكفراً في نظر أحد، قال الشيخ: "فهذا لا نشهد عليه إلا بأمر تجوز معه الشهادة".
    ولم يقل الشيخ: لا نشهد على أحدٍ أو لا نكفر أحداً بالكلية، فإن هذا ليس هو مذهب أهل السنة، ومن الناس من يقول: لا نكفر أحداً بالكلية، ولا ننطق بكلمة الكفر بأفواهنا، ولا نطلقها في كتاباتنا، ومجرد أن يراها أو يسمعها يقشعر جلده وتشمئز نفسه، ويقول: هذه سبب الفتنة، وهي التي أدت إلى الخلاف منذ قديم الزمان، وهي التي منعتنا من توحيد الصفوف ومن جمع الكلمة.. ويأتي بعلل ما أنزل الله بها من سلطان!!
    فنقول: ليس هذا هو المنهج الصحيح، فإن الشيخ يقول: "لا نشهد عليه إلا بأمر تجوز معه الشهادة"، والشهادة تجوز في الأمر المتيقن، فمن رأى إنساناً يسرق ويأخذ مالاً من حرز، أو يشرب خمراً، فإنه يشهد عليه.
    فمن كان متيقناً من أمر فإنه يشهد به ولا حرج في ذلك، فيكون قد أدى ما عليه من الشهادة، بل قد يأثم إذا لم يشهد كما قال تعالى: ((وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ))[البقرة:283]، فلو كتم شيئاً من الشهادة يترتب عليها حقوق أو مصالح للعباد فإنه آثم.
    فالشهادة يدلى بها وتقال وتبين، فلا ننفي مطلقاً بأن لا نشهد على معين بالكفر، وأيضاً لا نطلق الحكم جزافاً، فنقول: هذا المعين كافر، وهذا هو التوسط.
    أما الفرق الضالة فإنها خالفت أهل السنة في هذا الأمر، فـالمرجئة وأشباههم ابتعدوا عن إطلاق الكفر بالكلية!
    والخوارج يكفرون الرجل بعينه! وإن كان من أفضل الناس ومن خيارهم؛ لأنه فعل فعلاً قد لا يكون كفراً ولا كبيرة، ولكنه في نظرهم كذلك.
    وأهل السنة والجماعة هداهم الله تعالى للطريق الوسط بين هذين، فهم لا يكفرون أو يبدعون أو يضللون أو يفسقون إلاَّ بأمر تجوز معه الشهادة، أي: في حق المعين.
    يقول المصنف رحمه الله: [فإنه من أعظم البغي أن يشهد على معين أن الله لا يغفر له ولا يرحمه بل يخلده في النار].
    فمن ادعى أن فلاناً من الناس كافر، وهو على غير يقين وعلى غير علم بحاله وبحقيقة أمره، فقد بغى عليه أعظم البغي؛ لأن من لوازم ذلك ومما يترتب عليه: أن هذا الرجل سيكون خالداً مخلداً في النار، وأن الله لن يغفر له ولن يرحمه.
    وأنه في هذه الدنيا ليس من المسلمين، ولا يقبل منه أي عمل، ويموت كافراً، ولا تتوفاه إلا ملائكة العذاب التي تتوفى الكافرين، ويعذب في قبره عذاب الكافرين، ويحشر يوم القيامة مع الكفار، ويكون مصيره النار والخلود فيها … إلخ، وكل هذه الأحكام تابعة للقول بأن فلاناً من الناس كافر.
    إذاً: هذه أمور ليست هينة حتى تطلق جزافاً؛ بل تحتاج إلى تبصر مهما بلغت الذنوب، وليس هناك جرم بعد الشرك بالله كقتل النفس، وقد قتل رجل مائة نفس، وفي طريقه إلى القرية الصالحة مات، ولو أن أحداً من الناس رأى حاله وظاهره لقال: هو كافر، وهو في النار، لا سيما وأنه قد يستشهد بآية القتل: ((وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا))[النساء:93]، ويقول: هذا إنسان فعل ما فعل فلا حرج أن أقول: هو خالد مخلد في النار! فنقول: هذا الاستدلال غير صحيح، فهذا الرجل قد تاب، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم توبته، وما ذهب إلى تلك القرية إلاَّ مهاجراً تائباً.
    فسيقول الذي كفره: أنا لا أعلم ذلك.
    فنقول: ما دمت لا تعلم فلا تكفر، فإنه مهما قتل أو زنى أو سرق أو ارتكب أي معصية أو كبيرة، لم يحكم الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم على فاعلها بالكفر؛ فلا يجوز أن تقول: قد كفر، وأنت لم تتأكد هل يستحق الكفر أم لا؟
    وأيضاً من علمت كفره يقيناً فإنك تشهد عليه بالكفر دون أن تجزم أنه سيموت على ذلك؛ فما يدريك لعله قد يتوب! وهذا أمر مهم، ولا يعني ذلك أن الإنسان لا يكفر أحداً وإن ظهر كفره، وذلك حتى لا نقع في الطرف الآخر وهو التفريط، فإن بعض الناس قد يرى الكافر ويقول: لا أستطيع أن أكفره؛ لأنه يمكن أن يتوب.
    فنقول: إذا تاب ورجع إلى الإسلام فارجع أنت أيضاً بالحكم له بالإسلام، وما دام أنه على هذا الكفر فاشهد له بالكفر.. فالمسألة فيها طرفان ووسط.
    فمن هلك ومضى وأنت تعلم يقيناً أنه مات على الكفر ولا تعلم له توبة، فاشهد أنه مات على الكفر.
    فإن قيل: أنت لا تعلم حاله في الباطن؟
    قلنا: نحن لا نتكلم عن الباطن، لكن الله تعبدنا أن نحكم بالظاهر والله تعالى يتولى السرائر، فلو لم نكفر من مات على الكفر لاختل الأمر وأصبح الناس في شك؛ لأنه يمكن أن يموت بعض الكفار على الإسلام، فإذا جوزنا الإمكان فإنه يرد على كل.
    فنقول: إذا وجدت قرائن تصلح لأن تكون شبهات تحول دون الإطلاق فلا نطلق الحكم، وإن لم يكن إلا مجرد الاحتمال فلا يجوز البناء على الاحتمال ما دام أن الله تعالى أو الرسول صلى الله عليه وسلم نص على خلافه، فما حكم الله سبحانه وتعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم على قائله أو فاعله أو معتقده بالكفر، ونحن نعلم يقيناً أن رجلاً كان عليه إلى أن مات، فلا يرد احتمال أنه تاب قبل أن يموت، ونقول: من كان عنده بينة فليخبرنا، أما ما نعلمه يقيناً عنه فإنه لا يزول بمجرد الاحتمال أو الشك؛ فإن اليقين لا يزول بالشك.
    يقول المصنف رحمه الله: [فإنه من أعظم البغي أن يشهد على معين أن الله لا يغفر له ولا يرحمه بل يخلده في النار، فإن هذا حكم الكافر بعد الموت]، أي: أن الشهادة بذلك هي حكم من يموت وهو يهودي أو نصراني أو من أهل الكفر والشرك الأصلي، أما المسلم أو من كان من أهل القبلة فإننا لا نطلق ذلك عليه إلا في مثل ما تجوز عليه الشهادة، بأن نشهد له على يقين؛ لأن هذه الأحكام لازمة ومترتبة على هذا القول.
    ونوضح ذلك بمثال على الشهادة لمعين من أهل الكفر بأنه من أهل النار:
    مثال ذلك: رجل يهودي نشأ مع اليهود ومات على دين اليهودية، فهل نشهد له بالنار أم لا؟
    الجواب: لا شك في هذا، ولا يأخذنا الورع فنقول: لا ندري! ولا يعني ذلك أنه (100%) لم يسلم منهم أحد؛ لكن مجرد الاحتمال لا يلغي الأصل.
    أما حكمه عند الله فهذا شيء آخر، فمن مات في بيئة لم يبلغه الدين ولا الحق، ولا سمع عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن القرآن ولا عن الإيمان شيئاً، فهذا حكمه حكم أهل الفترة، والراجح في حكم أهل الفترة أنهم يمتحنون يوم القيامة، وبذلك يصدق عليهم أن الله سبحانه وتعالى لا يظلم أحداً، ولن يدخلهم النار إلاَّ وهم مستحقون، فينتفي الظلم وتتحقق الرحمة والحكمة والعدل من الله سبحانه وتعالى بأن يمتحنهم، وهذا أصل كلي يدل على ذلك ويشهد له.
    فمن الأدلة التفصيلية حديث الامتحان، وقد روي بأسانيد بعضها حسن وبعضها ضعيف، لكن يشد بعضها بعضاً، وقد فصل ابن كثير رحمه الله في طرقه تفصيلاً لا بأس به عند تفسير قول الله سبحانه وتعالى: ((وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا))[الإسراء:15].
  3. شرح حديث: (كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين)

    قال المصنف رحمه الله: [ولهذا ذكر أبو داود ...]، هذا الحديث دليل على ما ذكره الشيخ رحمه الله من أنه لا يجزم ولا يقطع للمعين بغير علم، وأنه من البغي والظلم ومن القول على الله تعالى بغير علم. قال المصنف: [عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: {كان رجلان في بني إسرائيل...}].
    (كان) هنا تامة بمعنى: وُجد، ويصح أن تكون ناقصة ويكون (متواخيين) خبرها، وقوله: (متواخيين)، أي: أصدقاء، ولا يشترط أن يكونا أخوين من النسب، وإنما كان بينهما تآخٍ ومحبة ومودة.
    {فكان أحدهما يذنب والآخر مجتهد في العبادة}.
    كان أحدهما على الصلاح والاستقامة، ولم يكتب للآخر أن يستقيم على الدين، وهذا في أول الأمر وظاهر الحال، فقد اختلفا في الطريق ولكن جمعت بينهما رابطة الأخوة والصداقة، {فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب، فيقول: أقصر}، وهذا عمل خير، فقد اجتمعت في هذا الرجل صفتان: الصفة الأولى: أنه مجتهد في العبادة. والصفة الثانية: أنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولم تمنعه الصداقة والعلاقة والأخوة أن ينكر على صاحب المنكر.
    وبعض الناس يظن مادام أنه داعية يدعو الناس إلى الحق ويأمرهم وينهاهم، فكأن لديه موثقاً من الله أنه آمن وناجٍ من عذاب الله، وأنه لن يضره شيء! وهذا خطأ، فإن الواجب هو الحذر؛ لأننا قد نقع في مدحضة أو مزلة ونحن لا نشعر، فلينتبه الدعاة إلى الله لهذه المسألة، فإن هذا رجل مجتهد في العبادة وداعية إلى الله، ولولا أنه داعية لما كان يدعو هذا المؤاخي له؛ لأن العادة أن بعض الناس يدعو الآخرين؛ لكنه لا يدعو صديقه وقريبه، ومحك الحقيقة هو دعوة الصديق أو القريب أو الزوجة أو الزوج أو الأبناء وما أشبه ذلك؛ لأن عادة الناس جرت أن يداهنوا من كان لهم معه علاقة أو صلة أو ما أشبه ذلك.
    فهذا الرجل داعية ومجتهد في الخير، فكان لا يزال يرى الآخر على الذنب، فيقول: (أقصر) يعظه ويذكره وينصحه بأن يدع هذا الذنب، {فوجده يوماً على ذنب}، أي: مما نهى الله سبحانه وتعالى عنه، إما ترك الواجبات، كأن يكون غافلاً عن الصلاة، أو عن غيرها من الواجبات، أو فعل المنهيات، كأن يفعل فاحشة أو موبقة أو ما أشبه ذلك، المهم أنه وجده على ذنب، {فقال له: أقصر}، فكرر عليه النصح وكرر له الدعوة.
    فقال: {خلني وربي! أبعثت علي رقيباً؟}، وقد يُفهم من الحديث: أنه إذا قال لك أخذ هذه العبارة فمعنى ذلك ألا تدعوه ولا تكلمه، وليس هذا هو المقصود، فليس كل عبارة يقولها الإنسان -وإن كانت حقاً أو شبيهة بالحق- تجعلك تترك دعوته أو نصحه، والمشكلة في هذا الرجل ليست في أمره ونهيه، وإنما في بغيه وظلمه عندما قال: {والله لا يغفر الله لك}، لكنه لو لم يقل ذلك حتى وإن قال له المدعو أو صاحب المنكر: {أبعثت علي رقيباً؟!} وقال: لم أبعث عليك رقيباً، وإنما أمرت أن آمرك وأنهاك، لكان هذا هو الرد الذي ينبغي أن يقوله.
    فقال: {خلني وربي! أبعثت علي رقيباً؟!}، وهذا دليل على أن الرجل فيه شيء من الخير، لكنه أظهر تضجره وتبرمه من صديقه الذي يدعوه دائماً، فيقول: كأنك واقف فوق رأسي مترصد لجميع أخطائي! {خلني وربي، أبعثت علي رقيباً؟!}، فهو مذنب، لكنه لم يقل ما يقوله المجاهرون والفساق في هذا الزمان: أنا على صواب، وهذا ذنب فيه اختلاف، وبعض العلماء يقول: لا بأس به! لا. بل فيه نزعة خير {خلني وربي}، أي: أنا إن أذنبت ففي حق الله، وأنت لم تبعث علي رقيباً.
    إذاً: هو متضجر ومتذمر من هذا الإنكار.
    ونستنتج من هذا: أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عليه ألا يتسرع فيظلم كما ظلم هذا الرجل، وأيضاً لا يدفع المدعو إلى الملل والضجر؛ لأنه إذا دفع المدعو أو المنكَر عليه إلى أن يمل ويتضجر منه؛ فإنه لن يقبل الحق الذي يدعوه إليه، وهذا أمر مشاهد، فإن بعض الناس يدعوه البعض أياماً وسنين ولا يقبل، ثم يأتيه آخر فيهتدي بإذن الله ويقبل منه الخير؛ لأن هذا الأسلوب كان ألطف وأرق وألين.
    وأيضاً فإن المتابعة الشديدة والمحاسبة والمراقبة ليست وسيلة نافعة من وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يشترط التوبيخ الدائم وراء كل ذنب، والتأنيب المستمر عقب كل خطيئة، فلابد أن يكون الداعية حكيماً، فإنه لم يبعث رقيباً، لكن يجب عليه أن ينكر المنكر، وقد وقع الدعاة في هذا الأمر فإن من الدعاة من ترك الدعوة بالكلية فلا يأمر ولا ينهي ولا يدعو، ومنهم من عنده هذه الرقابة التي تجعله دائماً وراء كل عمل ووراء كل خطأ يحاسب عليه.
    {فقال: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الله الجنة}، لما رأى ملله وتضجره منه، رد عليه بهذا الرد والعياذ بالله! فأتاه الشيطان في هذه الحالة النفسية، فقال كما قال أبو هريرة رضي الله عنه: {قال كلمة أوبقت دنياه وآخرته}.
    فقد شعر بأن هذا المدعو ميئوس منه، فتجاوز الأمر والنهي والموعظة والتذكير وأبى إلا أن يتدخل في أمر هو من اختصاص الله سبحانه وتعالى، فتألى على الله، وقال على الله بغير علم ولا حجة ولا برهان: {والله لا يغفر الله لك} وما أدراك يا مسكين؟! كيف تقول هذا؟! كيف تقسم وتجزم بذلك؟ أعندك من الله موثق أو عهد حتى تقول هذا الكلام؟!
    لقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم في قنوته على قبائل وأحياء من العرب آذته، وحقاً كان صلى الله عليه وسلم على صواب ويقين من أذية من آذاه ومما فعلوا به وبأصحابه، وكانوا كفاراً حقاً، ومع ذلك يقول الله تبارك وتعالى: ((لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ))[آل عمران:128]، سبحان الله! ليس لك من الأمر شيء، فإن أمرهم إلى الله سبحانه وتعالى، فقد يتوبون أو يعذبهم.
    فيؤخذ من ذلك: أن الداعية عليه ألاَّ يتجاوز أمر الله سبحانه وتعالى في دعوته، بل يقتصر على الدعوة كما أمر الله سبحانه وتعالى، ثم تجتمع الخصوم عند الله سبحانه وتعالى، كما جاء في الحديث: {حتى إنه يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء}، ولما مر النبي صلى الله عليه وسلم بعنزتين تنتطحان قال: {والله إن الله ليعلم فيم تنتطحان وسيقضي بينهما}، فلا يوجد خصمان إلاَّ والله تبارك وتعالى يعلم فيما اختصما وسيقضي بينهما يوم القيامة، حتى الدواب، فإن كانت الشاة القرناء طغت وبغت على الجلحاء التي لا قرون لها، فيوم القيامة يكون القصاص، وهذه سنة لا يدركها الظالمون والمتجبرون الذين أعطاهم الله سبحانه وتعالى قوة أو سلطة فيظلمون الضعفاء، وهناك عند الله سبحانه وتعالى تجتمع الخصوم.
    فجاء الرجلان المتخاصمان فوقفا بين يدي رب العالمين، والمطالب هنا هو الموعود بأن الله لا يغفر له ولا يرحمه ولا يدخله الجنة، ولكن الذي تولى الخصومة هو رب العالمين؛ لأن الموضوع يتعلق بصفات الله سبحانه وتعالى؛ لأن الرجل تألى على الله سبحانه وتعالى ولم يقتصر على ما أمره الله به.
    فالخصم هنا هو رب العالمين، وإن كان المظلوم هو الذي تعرض لتلك التهمة وذلك التخويف بغير حق، وذلك أنه ربما يكون قد صدقه، فإن بعض المدعوين إذا جاء شخص وأيسه وقنطه صدقه؛ لأنه يظن أنه على علم وعلى خير، فإذا قال: هذه ردة، وهذا كفر، ولن يغفر لك، صدقه، وهنا فائدة دعوية: وهي أن المذنب إذا قيل له أنه غير مغفور له أو لا توبة له، فلن يتوب بل سيستمر ويتعمد المعصية، كما في قصة قاتل المائة، لما أفتاه العابد الجاهل بأنه لا توبة له؛ أكمل به المائة، فاعتقد أن من قتل تسعة وتسعين أو مائة أو ألفاً سواء من جهة أنه لا توبة له، فليكثر من القتل إذاً، عياذاً بالله!
    نقول: فكان الخصم هو رب العالمين سبحانه وتعالى، فقال لهذا المجتهد العابد الداعية المخطئ: {أكنت بي عالماً؟ أو كنت على ما في يدي قادراً؟!} (أكنت بي عالماً) أي: أعلمت أني لا أغفر لمن فعل الذنب؟ كيف علمت ذلك؟ بل المقطوع به أن الله سبحانه وتعالى يخبر على لسان رسله أنه يغفر لمن يشاء، وهذا عيسى عليه السلام يقول عندما سأله الله سبحانه وتعالى: ((وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ))[المائدة:116] إلى أن يقول: ((إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))[المائدة:118]، وقد ورد أن الله سبحانه وتعالى قد يعذب الشخص وقد لا يعذبه: ((يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ))[المائدة:40]، وعليه: فمن أين قلت: إن الله لا يغفر لفلان المعين؟
    فالذي أنزله الله وأعلم به عباده على لسان أنبيائه هو أنه يغفر الذنوب لمن يشاء، وأن الذي يحرمه من الجنة ويحرمه من رحمته هو الكافر، فهل لديك علم بأن هذا المعين كافر، وأن الله لن يرحمه ولن يدخله الجنة؟
    قال: {أو كنت على ما في يدي قادراً؟!}، أي: هل أعطاك الله تبارك وتعالى النار وأقدرك على أن تدخل من تشاء وتخرج من تشاء، فجزمت وقطعت أن هذا سيدخلها؟
    فليس هو على علم من الله، وليس قادراً على ما في يدي الله سبحانه وتعالى، فالجنة والنار والعذاب والسعادة والشقاء والتوفيق والخذلان من الله سبحانه وتعالى وليس لأحد من الناس.
    إذاً: هذا ظلم وبغي في حق الله وفي حق هذا العبد أيضاً.
    قال: {وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي}، ويؤخذ من هذا أنه كان مستحقاً للعقوبة؛ لأنه لو لم يكن مستحقاً للعقوبة لكان العتاب للمتألي بأن يقال له: عاتبت غير معاتب، وعاقبت غير معاقب، فكيف تتوعده وهو لم يذنب؟ لكنه قد أذنب، وإنما أدخله الله سبحانه وتعالى الجنة برحمته، وقد مات أيضاً وهو مُصِرٌّ على الذنب، ولو كان قد تاب لكان الجواب: كيف تقطع له بالنار وقد تاب؟ لكن قال له ربه تبارك وتعالى: {اذهب فادخل الجنة برحمتي}، فرحمة الله تبارك وتعالى وسعت كل شيء، ومن يشأ الله تعالى أن يرحمه رحمه وإن فعل ما فعل من الموبقات والذنوب، ولا يعني ذلك أن يطمئن أصحاب الوعيد ويأمنون! لكن نقول: ذلك راجع إلى مشيئة الله، وإلا فالاحتمال الآخر صعب جداً وهو النار، فلا أقل من أن يتوب العبد لينجو من عذاب الله سبحانه وتعالى ولو قبيل الموت.
    قال: {وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار}، فبعد الدعوة والعبادة والاجتهاد في الخير كانت خاتمة السوء. قال أبو هريرة رضي الله عنه : {والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته}، أما دنياه فذهاب العمل والعبادة كلها هباء، وأما الآخرة فدخوله النار، نسأل الله العفو والعافية.
    وقد تعرضنا لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في سوء الخاتمة: {إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها}، وقلنا: إن هذا الحديث لا يعني أن الإنسان يعمل بعمل أهل الجنة في ظاهر الأمر كما هو في بعض الروايات، وحمله عليه بعض العلماء قديماً وحديثاً، فلا يشترط ذلك؛ لأننا إذا قلنا: إن العبد إنما يعمل الخير في الظاهر، فهو في الباطن منافق وغير صادق، وإذا قلنا هذا فإن الحكمة المقصودة من الحديث تنتفي، وكأنه لم يبق له معنى؛ لأن من كان يعمل بعمل أهل الجنة في الظاهر فقط وهو في الباطن يعمل بعمل أهل النار؛ فهو في الحقيقة يعمل بعمل أهل النار، فما ينفعه الظاهر ولا يثاب عليه.
    فالحديث فيه التخويف من سوء الخاتمة، ويبقى التخويف على بابه، ويبقى للحديث معناه من الزجر والوعيد؛ ليحذر العابد الصادق، والداعية المحسن، والمنيب القانت من الوقوع فيما قد تسوء به خاتمته، فهذا الرجل ثبتت له الشهادة بأنه مجتهد في العبادة وخطؤه أو ذنبه كان في الدعوة إلى الله لا في الذنوب والموبقات، مع أن الدعوة إلى الله عمل الأنبياء، ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ))[يوسف:108]، لكن من هذا الباب زلَّ ووقع، فكانت خاتمته ونهايته هي النار بهذه الكلمة، وهذا مما يؤكد ويؤيد المعنى الذي قلناه، فيظل هذا الحديث على ظاهره وعلى بابه؛ تخويفاً للصالح المنيب القانت، بأنه ربما حبط عمله بكلمة أو بزلة ولم يلق لها بالاً، كما جاء في الحديث الآخر: {إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً}، وقد يقول الكلمة من رضا الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها الدرجات.
    فالواجب في باب التربية والتزكية: هو الاحتراز والتنبه، وعدم الاغترار والإعجاب بالعمل أو الركون إليه، وإن كان عبادات أو صلاة أو قراءة قرآن أو عمل خير ودعوة، فهذا شأن عباد الله الخائفين المراقبين، وإنما الأعمال بالخواتيم.
    والشاهد من الحديث: أن إطلاق الوعيد على مستحقه في الجملة وعلى العموم يظل على بابه، وأما المعين فلا يجوز أن يقال في حقه إلاَّ ما يجوز للإنسان أن يشهد به عليه، وهذا الرجل قال وحكم بأمر لا تجوز معه الشهادة.
    وهنا مسألة: هل يجوز لأحد أن يشهد بأن فلاناً يدخل النار أو لن يرحمه الله؟
    الجواب: لا يجوز ذلك، أما ما كان عن يقين أو أمر تجوز معه الشهادة، بأن يكون هذا الشخص المعين قد استوفى شروط العقوبة، وانتفت عنه موانعها؛ فهذا يشهد له بذلك، متى تيقن الإنسان من ذلك، سواءً كان في التسمية، أو كان في الحكم وفي تحقيق المناط وفي تطبيق الحكم على موضعه وعلى محله.
  4. الخطأ من أسباب عدم الشهادة على المعين بأنه من أهل الوعيد

    يقول المصنف رحمه الله: [ولأن الشخص المعين يمكن أن يكون مجتهداً مخطئاً مغفوراً له]، وهذا أيضاً من رحمة الله وعفوه، فلو أن الله تبارك وتعالى يؤاخذ الناس بخطئهم لما نجا من عقوبته إلا المعصومون، وهم الأنبياء، ولكن الاجتهاد الخطأ مهما بلغ -كما قال شيخ الإسلام رحمه الله- كائناً ما كان، فهو مغفور له وصاحبه معذور، وقد يكون له أجر واحد إذا كان الخطأ باجتهاد، كما أن المجتهد المصيب له أجران، كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.