المادة    
المقدم: الحمد الله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين, وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين, أما بعد:
شيخنا العلامة الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي ! أيها الأخوات الحاضرات الكريمات!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يسر مركز آسية للتدريب أن يرحب بشيخنا العلامة الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي في أمسية مباركة, نسأل الله تبارك وتعالى أن تكون في ميزان حسناته, وفي حسنات الحاضرات الكريمات.
فضيلة الشيخ! إن عالمنا اليوم يمر بمتغيرات كبيرة وخطيرة؛ تغيرات سياسية.. اقتصادية.. اجتماعية.. فكرية.. حضارية.. إعلامية، هذه المتغيرات لم يكن مجتمعنا بمنأى عنها، ولم يسلم منها مجتمعنا المحلي الذي نعيش فيه, ونتعامل مع أفراده؛ فقد شملته هذا المتغيرات بمختلف اتجاهاتها, وأصبحنا نلمس هذه المتغيرات ونعيشها واقعاً ملموساً، وهذه المتغيرات منها ما هو إيجابي, ومنها ما هو سلبي, ومنها ما هو بين ذلك، والمرأة الداعية إلى الله عز وجل هي جزء من هذا المجتمع المتغير؛ بل هي الجزء المهم فيه، لذا كانت الحاجة ماسة إلى أن تعرف الداعية إلى الله حقيقة هذه المتغيرات, وكيف تتعامل معها؟
هل تستطيع المرأة الداعية أن تشارك في صنع هذه المتغيرات؟
هل ترفض المرأة الداعية إلى الله هذه المتغيرات أم تقبلها؟
كيف توجه الداعية وتُفَعِّل هذه المتغيرات لصالح الإسلام والمسلمين؟
أسئلة وأسئلة كثيرة تدور في خلد كثير من الداعيات الفاضلات, نتمنى وكلنا أمل بالله عز وجل ثم بشيخنا الفاضل أن نجد الإجابة الشافية عليها, لا أطيل فالوقت قصير, ووقت الشيخ ثمين, فليتفضل مشكوراً مأجوراً.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم انفعنا بما علمتنا, وعلمنا ما ينفعنا, إنك أنت العليم الحكيم.
حقيقة أيها الإخوة والأخوات الكرام! كما سمعنا في المقدمة من الأخ الفاضل وفقه الله! أن قضية المرأة المؤمنة والداعية المسلمة في مواجهة التغيرات قضية كبيرة وعظيمة، وهي متعددة المآخذ أو الموضوعات التي يمكن أن نجعلها مداخل للموضوع، فليس في إمكاننا أن نتحدث في هذا اللقاء المقتضب مهما أطلناه عن كل هذه الجوانب.
  1. مقاومة المتغيرات الحديثة تكون تفاعلية وتشاورية

    وإني حينما أتحدث إلى هذا النخبة الفاضلة القائمة بالجهود الدعوية, وأعباء التدريب والتخطيط للدعوة؛ لا أجد نفسي كما لو كنت أعظ مجموعة من الإخوة والأخوات, وكلنا نحتاج الموعظة والتذكير؛ لكن أقول: أجد نفسي أنني أرغب في أن أستفيد أكثر مما أتحدث، بمعنى: أن تكون هذه القضايا قضايا تفاعلية, وقضايا تباحث وتشاور، يبدي كل أخ أو أخت رأيه فيها ونتعاون جميعاً، ونجعل مثل هذا اللقاء مادة أساسية أو منطلقاً للحوار والمناقشة في هذه القضايا التي لا يمكن أن تنتهي؛ بل في الحقيقة كل العمل والجهد الدعوي الذي نقدمه ذكوراً أو إناثاً ما هو إلا نوع من التعامل والتفاعل مع هذه المتغيرات التي تطرأ على الحياة البشرية.
  2. حقيقة أن السنن ثابتة والمتغيرات دائمة

    ربما يقال -وهذه حقيقة في كتاب الله تبارك وتعالى-: إن هناك سنناً ثابتة، وهناك متغيرات دائمة، وعلى هذين المنولين تجري الحياة الإنسانية, والركب البشري, والجماعة البشرية في تاريخها، على منوال السنن الثابتة, ومنوال الوقائع المتغيرة أو المتجددة, ولا يمكن أن يعيش المجتمع بغير هذين المنوالين.
    وعندما نتحدث عن المشكلات التي تطرأ على الأمة المسلمة -وبالذات المرأة المسلمة- في هذا الزمان, وفي هذه المرحلة الشاقة الصعبة من تاريخ البشرية جميعاً؛ فنحن في الحقيقة لا نتحدث عن شيء جديد خارج عن مألوف سنن الله التي ذكرها الله تبارك وتعالى: ((وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا))[فاطر:43], ((وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا))[الأحزاب:62], ((قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ))[الروم:42]. فالله سبحانه وتعالى أمرنا أن نسير في الأرض, وننظر كيف كانت هذه السنن؟ وكيف كان تعامله؟
  3. المصاعب والمشكلات التي تواجه الدعوة في كل الأزمنة والعصور واحدة

    كما أن المصاعب والمشكلات التي تواجه الدعوة في كل الأزمنة والعصور واحدة؛ هي الاستكبار.. هي الجحود.. هي العناد.. هي بطر النعمة.. كما قال الله تعالى: ((مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ))[فصلت:43].. ((كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا))[الأنعام:148].. ((وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ))[غافر:5].
    فكل مشكلة نراها نحن في واقعنا الدعوي ينبغي أن نضع في اعتبارنا أنها قديمة، صحيح أن هناك جدداً؛ لكنه تجدد في نوعية الخطاب.. وفي وسائل الخطاب.. وفي وسائل المقاومة.
    على سبيل المثال: نجد أن قوم نوح عندهم مادة السخرية, وطول النفس -إن صح التعبير- في التعامل مع ظاهرة الدعوة إلى الله تبارك وتعالى.
    ونجد في قوم عاد أن عندهم ظاهرة الجحود والاستكبار؛ ومن أشد منا قوة.
    ونجد فرعون عنده الغطرسة والطغيان, وادعاء الألوهية... وهكذا.
    فنجد أن كل أمة تعيش في واقع معين لها منحى معين في الحياة، وبحسب ما مكنها الله تبارك وتعالى فيه -وهذا من الابتلاء، ويظنون أنها حضارة، وصحيح هي حضارة؛ ولكنها ابتلاء في نفس الوقت- تبطر نعمة الله تعالى.
  4. التعري هو الأسلوب الشيطاني الأول لدعاة التغيير

    تقاوم الدعوة بشكل متغير في كثير من الأساليب؛ لكن القضية -ونحن نتحدث بالنسبة للمرأة- هي واحدة، والأسلوب واحد لا جديد فيه، وهو الأسلوب الشيطاني الأول، الذي أراده إبليس من أن يأكل أبوانا من الشجرة؛ ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوأتهما.. يعني: "التعري" باختصار.
    ولماذا التعري بالذات؟ لأنه يؤدي إلى ارتكاب الفاحشة، والفاحشة تؤدي إلى انتكاسة في المجتمع المسلم، وبالتالي تقترن هذه الفاحشة وهذا التعري -كما هو ثابت في تاريخ الحضارات- بعبادة غير الله تبارك وتعالى.
    فنحن نشاهد في التاريخ الحضاري القديم -وجاءت له إشارات في كتاب الله تبارك وتعالى- أن كل هذه الأمم كانت ترتكب هذه الموبقات العظيمة، والشيطان هو قائد هذا الركب في قديم الزمان وفي حديثه.
    وبنظرة بسيطة جداً نجد النموذج المعاصر الآن للبدائيين -كما يعده علماء الاجتماع المعاصرين أو العلماء السياسيين.. إلى آخره- هم الهمج في أستراليا أو سكان الغابات والأحراش في الأمازون أو في المناطق الاستوائية، ولو استطاع أحد الدخول إلى هذه المجتمعات -وطبعاً يدخل إليها أناس ويصورونهم- فإنه يجد التعري والاختلاط والغناء والرقص الذي يوجد في باريس أو في نيويورك أو في أي مكان.
    عصور وقرون وأجيال طويلة.. والظاهرة واحدة؛ طبعاً نحن لا بد أن ننبه أنه لا يعني ذلك على الإطلاق؛ أي: أن نقر أن أصل الجماعة البشرية هو الانحراف والتعري والفساد على الإطلاق؛ لكن نقول: منذ بداية الانحراف البشري، وأقدم من ذلك الهدف الشيطاني الذي من أجله أغرى أبوينا بالأكل من الشجرة ووسوس لهما وزين لهما ذلك؛ هو هذا بالضبط الذي نجده عند العراة في أستراليا أو في الأمازون، وعند العراة في أي مكان في العالم المزعوم أنه عالم متحضر.
    وفي هذه الجزيرة وفي هذه البلاد وما حولها من البلاد الإسلامية في عصور الانحراف -ربما قبل قرن أو ثلاثة أو أربعة قرون- كان هناك نوع من التفلت في القيم والأخلاق الذي يقارب هذا الشيء.
    إذاً: ليست القضية قضية تطور وحضارة, كما يدعي البعض أو كما يلبس البعض، بل القضية هي قضية انحطاط وانحراف.
    فعندما نجد أن هذه المتغيرات التي يراد أن تفرض على العالم وعلى الأمة الإسلامية, وتدفع بقوة إليها لتسير فيها المرأة المسلمة؛ فهي لا تتقدم كما يزعمون؛ بل هي في الحقيقة تنزل وتهبط إلى الهاوية، مهما سموها تقدماً فهي هاوية، وفي النهاية يجد الإنسان نفسه أمام المنظر القديم الذي حدث عندما أكل أبوانا من الشجرة، ويجد نفسه أمام المنظر القديم الذي لا تزال بقاياه الآن في هذه المناطق القديمة.
  5. ثبات السنن الربانية وثبات الأعداء على المنهج الشيطاني

    إذاً: عندنا ثبات واضح في مسألة المتغيرات, وهذه مهمة جداً عندما نتعامل مع المتغيرات؛ لأن ثبات السنن الربانية, وثبات الأعداء على هذا المنهج الشيطاني, ومعرفتنا بالقيادة الشيطانية لركب الحضارة والغواية البشرية؛ توفر علينا جهداً هائلاً جداً, وتعيننا على فهم المتغيرات مهما تطورت.
  6. عالمية الدعوة من أهم وسائل مواجهة التغيرات

    بطبيعة الحال المتغيرات التي نعيشها اليوم متغيرات كبيرة بلا ريب، فعلى سبيل المثال: كان يقال قبل نهاية القرن العشرين: إن العالم البشري في الخمسين السنة -أي: النصف الثاني من هذا القرن- طرأ عليه من التغيرات الحضارية في كثير من المجالات ما يعادل الخمسة آلاف سنة.
    طبعاً لماذا يقولون: خمسة آلاف سنة, وهذه من الأخطاء الكبرى في تاريخ علم الاجتماع وغيره؟ لأنهم يعتقدون في خمسة آلاف سنة عندما عرفت الكتابة, وارتقى الإنسان من العصور الحجرية إلى عصور الكتابة -طبعاً منطقة الشرق الأوسط التي هي بلادنا العربية الإسلامية هي بداية الحضارة- ونحن نعتقد غير اعتقادهم, فالنبوة والنور والوحي منذ آدم عليه السلام، فقد ( كان آدم عليه السلام نبياً مكلماً ), وقد علم أبناءه التوحيد، وبقي عشرة قرون على التوحيد, ثم وقع الشرك في قوم نوح كما نعلم جميعاً.
    لكن المقصود هو أنه فعلاً الخمسة آلاف سنة بالنظرة المادية للتغيرات الحضارية -مع نوع من التجاوز عن حضارات وعن أمم لا نعلمها, كما قال الله تعالى: ((وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ))[سبأ:45], هناك حضارات؛ لكن في الجملة وفي طريقة الحياة والتواصل الذي نراه الآن عن طريق مثلاً الإنترنت ووسائل الاتصال أو عن طريق الطيران وما أشبه ذلك- يمكن أن يقال بالفعل: إن الخمسين سنة هذه تختزل أمام الخمسة آلاف سنة، وليست هذه المشكلة, هي مقدمة لمشكلتنا الآن، فالمشكلة أن الخمس السنوات التي بعدها تختزل الخمسين سنة، ونخشى فيما بعد أن يصبح عام واحد أو خمسة أشهر ربما تختزل لنا التاريخ كله.
    بمعنى آخر: أن المتغيرات أكبر بكثير جداً -أحياناً- من حجم ما يمكن أن يتخيله بعضنا، نقول هذا لأننا نعلم أن الأخ الذي يعمل بالدعوة إلى الله في نطاق الحي أو الأسرة أو المجتمع مهما كان باذلاً من جهده؛ فعليه الآن أن يعتبر أنه يجب عليه بأي شكل -وعلينا جميعاً هذا الواجب- أن يبحث لتصبح دعوتنا عالمية؛ لنفيد من هذا بالفعل, فعالمية الدعوة هي من أهم ما نتخذه في سبيل مواجهة المتغيرات الكبيرة التي طرأت على هذه الأمة.