الشيخ: ثم إنني أقول: إن الله سبحانه وتعالى أنزل هذا الكتاب لعلاج جذري لأمراض القلوب، فإذا كانت الأمم تلك العابثة المتصارعة المتناحرة تفتقد نور الوحي، ولم يمنَّ الله تبارك وتعالى عليها به، فما عذرنا نحن الذين نراه ونسمعه، ونعيش هذا النور بين أيدينا ونسمعه ولله الحمد؛ بل حتى القيم الاجتماعية الموجودة لدينا هي إلى حد ما وفي كثير من الحالات مستمدة أصلاً من هذه المعاني والمفاهيم والقيم التي نأخذها من كتاب الله سبحانه وتعالى، والتي عاشها الأنبياء والصالحون، وعاشها الآباء وعاشتها الأمهات من قبل، فكانت حياتهم تقوم على معاني كثيرة؛ ليست مجرد التعامل التجاري؛ كالقبض والأخذ أو سداد الدين والمحاسبة التي يريد الغرب أن يفرضها علينا، فيعش الحالة المادية التجارية في حياته العامة، ويريد أن يفرضها علينا حتى في مشاعرنا وعواطفنا ورغباتنا الشخصية والنفسية, لا, نحن لدينا رباط الحب والمودة، ورباط التقوى، ورباط الصبر ورباط الشيم والخلق، كثيراً ما تصبر المرأة على زوجها شيمة وخلقاً منها وصبراً، لأمر آخر ليس قضية الرباط الجسدي, ولا قضية الناحية المادية على الإطلاق، وكثير من الرجال أيضاً يتحمل من أجل هذا الشيء، منهم من ينظر إلى الأبناء، ومنهم من ينظر إلى الأخوال، ومنهم يتحمل حتى لا يقال: إنه طلق، وما أشبه ذلك، ويعلم أن هذه أمور مما يحفظ بها أسرته، فيصبر على مضض وعلى ملل وتكون عاقبة الصبر حميدة، وكم من امرأة شرسة أو رجل غليظ القلب انقلب بعد عِشْرة ما إلى الخير والصلاح والهداية، وهذه سنة الله تعالى، وبالصبر يحقق العبد ما لا يجده أبداً في مسألة البغضاء والشحناء والأحقاد التي يراد أن تصب علينا صباً.
في الحقيقة المقدمة هذه التي ما كنت أريد أن تطول, هي حول مسألة: كيف نبدأ أو كيف ندخل في الصراع من أساسه, وكيف نتعامل مع معركة الشيطان وأوليائه من أولها دون أن ندخل في أعماقها وفي دوامتها, ثم لا نعرف ولا نستطيع الاهتداء أو العودة إلى الطريق القويم.
مع الأسف الشديد أننا الآن نعيش في وضع يُفرض علينا المنهج الغربي, وتُفرض علينا المعركة الشيطانية فرضاً ومن غير إرادتنا، ومن هنا يجب أن نتنبه إلى مثل هذه المخاطر، فيجب أن تكون دائماً لدينا الرغبة الصادقة في تغيير واقعنا ليطابق ما أنزل الله تبارك وتعالى، أو الإرادة الجازمة لتكون لدينا هذه الإرادة لنمتثل ما أمر الله تبارك وتعالى به, وننتهي عما نهى الله تبارك وتعالى عنه، فبطاعته نهتدي ونحقق الخير والسعادة والفلاح، وبغير ذلك ندخل في دوامة لا تنتهي على الإطلاق.