وقد يستغرب البعض يقول: كيف تنتقل هذه الشعيرة من الإيرانيين القدماء إلى الإيرانيين بعد الإسلام؟! وكيف تنتقل -كما أشرنا قبل قليل- من عادات آشورية وبابلية وغير ذلك؟! العجيب أيها الإخوة والأخوات! أن انتقال العبادات والإضلال بها هذا يستحق منا إلى حلقات أو لقاءات, أنا أشير إشارة فقط إلى كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنه: [أن وداً و سواعاً و يغوث و يعوق و نسراً انتقلت إلى العرب], وذكر كل قبيلة كيف كانت إليها عبادة شيء من هذا؛ أن هذا من قوم نوح استمر إلى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم, وبأسماء قد تختلف وقد تتفق. يعني: عزير يقال: أوزيريس مثلاً, والعزى يقال: أزيزو, موجود في الكتب القديمة مثلاً، و نسر هو نسر في الحضارات القديمة إلى أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهكذا, هناك الشيطان واحد، والإضلال واحد، وهناك ما يمكن أن نسميه الامتزاج الذي يحدث بين الضلالات فتخرج بالناس عن جادة التوحيد.نؤكد هذا ببعض الحقائق التاريخية، لدينا كتاب مهم جداً في التاريخ وهو تاريخ سوريا للمؤلف المشهور يوسف الدبس يقول في صفحة (206) مثلاً:إن المعبودات حقائقها واحدة، وإن اختلفت الأسماء في النهاية فهي تعبر عن حقيقة واحدة, ويضرب مثالاً في ذلك, فيقول: عشتروت هي من معبودات الحثيين والكنعانيين, يقال: إن عشتروت أو عشتر هي العزى؛ ولكن هذا تحريف لفظي. يقول: وابن عشتروت البابلية وعروسه هو تموز أو أدونيس عند الفينيقيين, ويسميه الآراميون في سوريا هداد، وهو في آسيا الصغرى أنيس راعي النجوم... إلى آخر ذلك.يعني: قد تتغير الأسماء وقد تتشابه, فمثلاً: عندما كان البابليون يلطمون ويخدشون كانوا يقولون: تموز تموز؛ فأصبح الآن: حيدر حيدر, يعني: وضعت كلمة بدل كلمة؛ لكن الشعيرة واحدة.الفينيقيون كانوا يقولون: أدوني أو أدوناي، واليونانيون أضافوا إليها النسبة عندهم فيقولون: أدونيس -اسم الذي تسمى به الشاعر المعروف الحداثي -. أدوني كلمة قديمة، وهي من العربية القديمة التي تعني الديان؛ وهو الله تبارك وتعالى! وعند اليهود أدوناي ما تزال معروفة, بمعنى: الله الدوناي؛ فالفينيقيون أخذوا أدوني وأضافوا إليها شعائر اللطم والنياحة, ويلطمون أنفسهم ويخدشون ويقولون: أدوني أدوني.هذا الكلام نفسه جاء مؤكداً في التوراة, ففي الكتاب المقدس في أسفار التوراة في سفر الملوك الأول يذكر قصة هي من أمثل القصص في هذا الكتاب, التي تدل فعلاً على أن هناك حقيقة كما بينها الله تبارك وتعالى في كتابه؛ وهي أن كل الأنبياء دعوا إلى توحيد الله تبارك وتعالى, وفي القرآن ما يؤيد ذلك عن إلياس عليه السلام حين قال: (( أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ))[الصافات:125], القصة التي وردت في سفر الملوك هي عبارة عن مناظرة بين الكهنة؛ كهنة بعل الذي هو أدوني أو أدونيس وبين نبي الله تبارك وتعالى إيليا أو إلياس, وكانت المناظرة بحضور الملك، وكيف أن كلاً منهم يدعو إلهه لعله يستجيب. فيقول في الفقرة رقم (28): إنه لما تحداهم النبي بدعاء غير الله تبارك وتعالى أخذوا يصرخون -يعني: دعوا البعل- ولم يستجب لهم أحد، فأخذ يهزأ ويسخر بهم ويقول: ربما يكون إلهكم نائماً, أو قد يكون مشغولاً, أو مسافراً أو كذا -يسخر عليه السلام مما يفعله هؤلاء-.ثم قال في السفر: (فأخذوا يصرخون بصوت عظيم، ويهشمون أجسادهم بحسب شعائرهم بالسيوف والرماح حتى سالت دماؤهم). وهذا كان غاية التقرب عند الفينيقيين الذين يعبدون بعلاً، أن يضربوا ويضربوا ويلطموا حتى تسيل الدماء فيقولون: إذا فعلنا ذلك ورأى الإله -هذا المعبود الصنم- الدماء فإنه يستجيب لنا ومع ذلك لم يستجب لهم على الإطلاق. فهذا يؤكد ما جاء في التاريخ, وذكره علماء الأنتربولوجيا أيضاً، والمؤرخون في الكتاب المقدس, ويؤيده ما جاء في القرآن من عبادة بعل, وأن عبادته كانت بالتقرب إليه بذبح الأبناء, وهذا جاء في أسفار كثيرة جداً من التوراة, وأنكر أنبياء كثيرون عليهم ذلك, منهم على سبيل المثال: النبي أرمياء، فقد نعى عليهم ذلك، يقول: كيف تذبحون أبناءكم لـبعل ولآلهة الفينيقيين! ومن ذلك أيضاً: شعائر الدعاء؛ وهي الضرب بالحديد والرماح والسيوف حتى تسيل الدماء. فيمكن أن نستشف من هذا حقيقة مهمة جداً ذكرها علماء الأنتربولوجيا، ونضرب لهم بمثال: العلماء أو الباحثون العرب منهم مثلاً: سيد محمود القمني وهو كاتب كان يكتب في مجلة الكويت فترة طويلة ثم ألف كتاباً بعنوان الأسطورة والتراث , نحن لا نقره على تفكيره العلماني أو اللاديني في هذا الكتاب, ومزجه الأحاديث الصحيحة بالضعيفة وبالموضوعة وبالرواية الكتابية المكذوبة، لكن الذي يمكن أن نستشفه أنه فعلاً قدر من الحقيقة هو أنه بطريقة الذكاء والمهارة استطاع أن يريك العلاقات الواضحة بين ما كانت تفعله الطقوس والأديان القديمة في كل مكان، إلى حد أنه في إحدى عباراته في الكتاب يقول: لعل التشابه بين هذه الاعتقادات الفارسية -يعني: اعتقاد المخلِّص الذي يأتي في آخر الزمان بطريقة معينة ذكرها أيضاً بلياد وغيره- وهذه العقيدة اللطم والضرب وما أشبهها يقول: التشابه بين هذه الاعتقادات الفارسية وبين ما جاء في اعتقادات الفرق الشيعية الإمامية أوضح من أن يشار إليه, وتقريباً الكتاب كله هو في هذا الموضوع، وممكن نحن أن نرجع إلى مصادره, مثلاً لو رجعنا إلى قاموس الآلهة والأساطير كما تسمى في بلاد الرافدين وفي سوريا القديمة، نجد أن هناك أيضاً قصة تؤكد ذلك، وهي في صفحة مائة وتسعة وتسعين: أن الحبيبة أو العشيقة عشتار -أو عشيقة البعل- شرعت لهم أن يخدشوا أنفسهم؛ لما وجدته ميتاً فخدشت وجهها وخمرت شعرها وأدمت جسدها وبدنها كله, وأخذت تصرخ وتعول, فأصبحت هذه عبادة عندهم، والبعض يقول: إن أصل هذه العبادة أن المصريين القدامى أو أيام الفراعنة أسبق من بابل, والبعض يقول: غير بذلك، هل هي من هؤلاء أو هؤلاء. المهم أن الهدف واحد والمدلول واحد, وبذلك نجد أنه مثلاً هذا الكتاب الآخر أيضاً عن قضية مصر القديمة نجد أن حورس الذي حصل له نفس الشيء بالقتل أو التشنيع, وأقيمت المناحة, وأصبحت الشعائر والمناحات لـحورس أو لـأوزريس في العقائد المصرية القديمة أيضاً من شعائر مناحات تضرب فيها الأبدان وتسيل فيها الدماء, وتقوم فيها هذه الطقوس التي حرمها الله تبارك وتعالى, والتي تدل فعلاً كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم على أن هذه من أمر وشأن الجاهلية, فالجاهليات واحدة، نجدها في إيران القديمة، ونجدها في بابل وفي آشور ، ونجدها عند الفينيقيين مع بعل ، ونجدها عند المصريين مع حورس . ثم نفس الشعائر تنتقل إلى العالم الإسلامي مع الأسف الشديد، ويفعلها من يتنسبون للإسلام, وبعض الطوائف الإسلامية يفعلون ذلك، ولكن متى؟ كما بين مهدي شمس الدين أنها وقعت وحدثت في العصور المتأخرة.