المادة    
تجد في التوراة هذا الرجل كأي رجل دنيوي -كما ذكرنا موضوع النبوة- رجل تهمه غنمه ومواشيه, وتهمه سلامته وعافيته, وينتقل من بلد إلى بلد، مع نوع من الإشارات أن الله كلمه وخاطبه، والتركيز في كلام الله له على أنه وعده بالأرض, وأن يعطي أبناءه الأرض.
لكن في القرآن أمر أعجب وأعلى وأبعد وأسمى من ذلك، وهو أنه الله سبحانه وتعالى جعله إماماً للناس أجمعين في أعظم أمر؛ وهو توحيد الله تبارك وتعالى في الوقت الذي كانت الأرض والبشرية تموج بالوثنيات في كل ناحية، حتى أنه كان في كل قرية, وفي كل حي, وربما في كل بلد وفي كل قبيلة أنواع لا تعد من الأوثان والأصنام والعبادات والضلالات والشركيات، فيأتي هذا الرجل العظيم الذي اجتباه الله تبارك وتعالى واختاره واصطفاه, وأمره بأوامر فوفى بها، فالله سبحانه وتعالى اختاره وجعله إماماً للناس (( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ))[البقرة:124].
إلى حد أن هذا الرسول صلى الله عليه وسلم, وهو الذي بُعث نذيراً للعالمين, ورحمة للعالمين, وهداية للخلق أجمعين صلوات الله وسلامه عليه؛ يوحى إليه (( أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ))[النحل:123]؛ فهو الإمام, وهو القدوة لابنه محمد صلى الله عليه وسلم، حتى أنه صلوات الله وسلامه عليه كان أشبه الخلق بأبيه إبراهيم عليه السلام في خِلقته، وكذلك كما كان في دنيه وفي إيمانه وفي اتباعه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فمن هنا قامت الحجة ولزمت الحجة كل من يعظم الخليل إبراهيم عليه السلام من أية أمة من الأمم أن يعظم ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، مع التسليم بالحق الذي يأتي في التوراة أو في غيرها من الكتب، الذي إذا عرضناه على منهج القرآن, وما جاء في الأحاديث الصحيحة, وما جاء في العقيدة النقية التي عليها دين الإسلام ولله الحمد يتبين بالفعل أنها حق، ولا مانع من أن يبقى ما لا يؤثر في هذه القضايا كقضايا تاريخية بعيدة, أو أمور ليس لها تأثير في الحط من مقام النبوة؛ كما يجعلون أن سارة كانت أخته غير الشقيقة, وأنه تزوجها.. هذا فحش عظيم لا يجوز نسبته إليه.
والمهم -كما قلنا- هو أنه لا يتكلم عن إبراهيم عليه السلام على أنه بهذه الإمامة وهذه المنزلة الجليلة العظيمة، حيث قاوم الملك الكافر وحاجه في الله، وحطم الأصنام، والله سبحانه وتعالى أنقذه وأخرجه من النار وجعلها برداً وسلاماً عليه، ودعا إلى الله، وجاهد في الله حق جهاده؛ هذه القضايا العظيمة المهمة جداً لا تأتي إلا لماماً، أهم ما عندهم في الأمر وعده لذريته, وأهم ما عندهم في قصة إبراهيم عليه السلام هو علاقته بأبي مالك وبملكي صادق وبفلان وفلان مما ليس لها أهمية في ذاتها؛ بل مع الأسف الشديد يأتي التحريف الكثير فيها كما سوف نبين إن شاء الله تبارك وتعالى.