المادة    
هنا عند الحديث عن سيرة الخليل عليه السلام تظهر الميزة العظيمة لهذه الأمة المباركة, وليس فقط لهذا الرجل المبارك العظيم، إننا نحن الآن -أيها الإخوة والأخوات- نعاني من قضية ما يسميه الغرب الاستئصال أو التعصب أو عدم الانفتاح على الآخر أو رفض الآخر، أو ما أشبه ذلك من النعوت التي تدل بمعنى آخر أن هذا تصرف غير حضاري وغير علمي وغير لائق؛ فعلى هذا من الذي إذن يقصي الآخر؟! من الذي يستبعد الآخر؟! من الذي لا ينفتح على الآخر؟! من الذي لا يعترف للآخر بشيء؟!
إذا تأملنا في سيرة الخليل إبراهيم عليه السلام فسوف نرى أنها تصلح نموذجاً جلياً لمن فعلاً يفعل ذلك، وبدون أي شك فإننا نجد أهل الكتاب هم الذين يفعلونه في حق هذه الأمة الطيبة المباركة.
كيف ذلك؟
إننا وهم نعترف ونقر بأن إبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء جميعاً الذين جاءوا من بعده, وهو أب لهذه الأمم؛ وبنو إسرائيل بالذات يرجعون إليه من ناحية النسب, وكذلك يرجع إليه العرب، وفي نفس التوراة -التي يعتمدون عليها ويريدون أن يجعلوا كل كلمة فيها حقاً ووحياً وإن كانت غير ذلك, ويقصون القرآن إقصاء مطلقاً عن هذا الموضوع كما هو مشاهد في كل كتبهم- فيها نفسها ما يدل على عظمة وشأن إسماعيل عليه السلام, وعلى ذريته التي ستكون أمة عظيمة جداً جداً، وأنه يكون منهم اثنا عشر رئيساً، وفيها ذِكر هذه القبائل مثل النّبت و قيدار إلى آخره, وذِكر أبنائهم وأبناء أبنائهم أيضاً مثل: سبأ وقحطان و مدين.. إلى آخر ذلك كما سيأتي إن شاء الله فيما بعد.
فالمقصود: أن ما يعترفون به بأنفسهم يقصونه نهائياً في عملهم العلمي, وفي نظرتهم التاريخية, وكأننا أمة على الهامش لا وجود لها على الإطلاق، فضلاً عن الحجم الهائل للأمة العربية والعرب عموماً، إذا نظرت على أنهم كانوا يغطون جزيرة العرب بأكملها و بلاد الرافدين و بلاد الشام و مصر وإلى أفريقيا وغيرها؛ بل وصلوا إلى أرمينيا كما هو ثابت في تاريخ اليونان, بينما نجد بني إسرائيل محصورين في بقعة معينة!
فمن حيث العدد.. ومن حيث البقعة الجغرافية.. ومن حيث البعد الحضاري -الأمم المتحضرة من العرب التي عرفت واشتهرت- هناك إنكار أو محاولة تجاهل حضارة عظيمة جداً!
لجأ أولئك إلى أن يلصقوا بها جميعاً اسماً غريباً استحدثوه، وأول من ابتدعه هم؛ فلا وجود له لا في تاريخ بني إسرائيل ولا تاريخ العرب ولا غيره؛ وهو أن يطلقوا عليهم لقب الساميين أو السامية؛ تخلصاً وتعصباً من أن يطلق اسم العرب.