الحمد الله رب العالمين, الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين, وعلى سائر أنبياء الله المختارين المصطفين.
أما بعد:
أيها الإخوة والأخوات! فقد تحدثنا في اللقاءات الماضية عن النبوة؛ معناها وحقيقتها على ضوء المناهج الثلاثة: عند الفكر المادي, وعند أهل الكتاب, وفي العقيدة الإسلامية الصافية النقية.
وبما أن هذا الموضوع لم يكن إلا تمهيداً لما سوف نأتي عليه من حلقات قادمة؛ فإننا الآن سوف نتحدث عن التاريخ العالمي في مسيرته العامة، بمعنى: ما هي أبرز النبوءات التي تحدث عنها الأنبياء من قبل؟ باعتبار أن النبوة من تعريفها عند المسلمين وعند أهل الكتاب هي: الإخبار عن الغيب. وباعتبار أن أهل الكتاب لا يكادون ينظرون إلى النبوة إلا أنها إخبار عن المستقبل أو إخبار عن الغائب, وماذا سيقع, وماذا سيأتي فيه.
وهذه القضية -قضية الإخبار عن الغيبيات- ترتبط بأمور عقدية أكبر وأوسع وأهم من مجرد تحقيق وعد من الله تعالى على لسان نبي, أو أن ذلك لم يتحقق، أو مجرد التفريق بين من يتنبأ بحق ومن يتنبأ بباطل مثلاً -مع أن هذه من القضايا المهمة- فالأمر أوسع من ذلك وأشمل؛ لأنه يتعلق بالمصير البشري عامة، وبالمستقبل الذي كتبه الله تبارك وتعالى في اللوح المحفوظ لبني الإنسان، وبالميثاق الذي أخذه الله تبارك وتعالى على كل الأنبياء, وعلى كل الأمم في جميع العهود والعصور؛ بأن النبي المبعوث في آخر الزمان هو النبي الموعود المنتظر الذي يجب على الجميع أن يؤمنوا به.
وهذه القضية على بساطتها ووضوحها تلتقي في أذهان الأمم بالتفاعل مع الأحداث التاريخية الطويلة المتكررة بقضايا تاريخية خطيرة وبأحوال كثيرة، دخلها مثلما دخل غيرها التحريف والتأويل؛ بل الإنكار والجحود، حتى أصبحت في كثير من الأحيان بعيدة كل البعد عن المعنى الأصلي أو الهدف والغرض المراد من هذه النبوءة أو من هذا الخبر العظيم، والخبر العظيم والنبأ العظيم الذي هو أكبر أحداث التاريخ قاطبة هو: بعثة محمد صلى الله عليه وسلم, وهو قيام مملكة الله, وملكوت الله على يدي هذا النبي العظيم, وهو نزول القرآن والوحي عليه صلوات الله وسلامه عليه نذيراً للعالمين، وهادياً للعالمين، ورحمة للعالمين، وبشيراً للعالمين، ودعوة إلى الناس كافة, ومنهم أهل الكتاب.