المادة    
على أية حال الإشكال الأعظم وهو أفحش من هذا كله؛ هو ما جاء في النهاية التي يعتبرون أنها نهاية حكم وملك سليمان عليه السلام. ‏
  1. ادعاء اليهود بميل سليمان عليه السلام إلى النساء الأجنبيات

    انطلاقاً من نظرته إلى النساء, ومحبته لهن, وميله لهن يصرحون كما هو بالنص من قاموس الكتاب المقدس يقول: إن الفترة الأخيرة من حكمه كانت مؤسفة؛ فقد بدأ بتعدد الزوجات.
    لاحظ لأن الكتبة نصارى فيجعلون الإشكال هو تعدد الزوجات مع أنه في التوراة لا شيء في ذلك, ولا يوجد ما يحرمه.
    ثم من التعدد بدأ يحب النساء الأجنبيات الغريبات, ومن جملتهن بنات الملوك, مثل: بنت فرعون.. وبنت ملك صيدا.. وبنت ملك عمون أو عمان.. إلى آخر ذلك.
    لو كان الأمر كذلك لقلنا: هذا يندرج في الشهوة والحب والميل إلى التحلل الأخلاقي -كما يزعمون- لكن أكثر من ذلك أن هؤلاء النساء اللاتي بلغن سبعمائة من الزوجات, وثلاثمائة من الإماء أملن قلبه -كما يقول التوراة في الملوك- إلى الآلهة الغريبة, حتى بنى أماكن لعبادة الأوثان إرضاء لهن؛ فغضب الرب عليه وهدده بتمزيق ملكه!.
    سبحان الله! ما أفحش هذا الكلام أن ينسب إلى هذا النبي الذي دعا إلى توحيد الله تبارك وتعالى, وكان هو وجنده -حتى جنوده من الطير- يوحدون الله تبارك وتعالى, وينكرون على أمم الشرك، فيصبح الطير أعلى من الإنسان فكراً، وأسمى منه خلقاً؛ لأنه يوحد الله ويدعو إلى توحيد الله وينكر الشرك، ينسب إليه أنه بنى بيوتاً للأصنام؛ استرضاء لزوجاته الغريبات الأجنبيات من بنات فرعون أو ملوك عمون أو ملوك صيدا, أو ما أشبه ذلك.
  2. ادعاء اليهود بكون الأوثان كانت تعبد في بيت سليمان

    ومن أسوأ ما ختموا به كلامهم الشنيع القبيح عن هذا النبي -صلوات الله وسلامه عليه وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم- أنهم جعلوا خاتمة حياته هي أنه أنهك وأجهد وضعف أمام هؤلاء الأجنبيات الوثنيات، فأصبحت الأصنام والأوثان تعبد في بيته, ويصورون التماثيل ويعبدونها, ويذبحون لهذه الآلهة الغريبة في بيت نبي الله, وفي بيت هذا الملك الذي جعله الله تبارك وتعالى نموذجاً للملك المطيع العابد, الذي لم يشغله ملكه عن طاعة الله تبارك وتعالى؛ بل إنه في كل حياته كان شاكراً كما دعا ربه تبارك وتعالى أن يوزعه شكر النعمة، فكان شاكراً لنعم الله تبارك وتعالى عليه في الخيل، شاكراً لنعم الله تبارك وتعالى عليه في الريح، شاكراً لنعم الله تبارك وتعالى في تعليمه منطق الطير، شاكراً لنعم الله تبارك وتعالى عليه لما آتاه من المال.
    كان يقضي بين الناس بالعدل, وأعطاه الله تبارك وتعالى تلك الحكمة في القضاء والفهم؛ حتى أنه فهَّمه ما لم يفهِّم أباه -كما جاء في كتاب الله تبارك وتعالى- ومع ذلك -مع الأسف الشديد- نجد أن أسوأ ما يمكن أن تجد من الكلام في سيرة أي نبي من الأنبياء؛ فإن اليهود أشبعوا به سيرة هذا النبي العظيم، ونعني بهم: الذين ضلوا وانحرفوا عن هدى الله تبارك وتعالى، وإلا فإن المؤمنين من قبل ومن بعد لا يزال له في قلوبهم من التقدير, ولا يزال في قلوبهم من التعظيم لأنبياء الله تبارك وتعالى، فبقي المؤمنون على قلة شديدة وعلى ضعف حتى أوحى الله تبارك وتعالى إلى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن، وهذا الذكر الحكيم.
    فانتقلت القضية نقلة بعيدة جداً عما كان يدور بين بني إسرائيل وأتباعهم؛ إلى أن يقرأ ويتلى في المحاريب على مدى هذه القرون وفي كل مكان ما ذكر الله تبارك وتعالى عن هذا النبي وعن أبيه، في سورة البقرة مثلاً: قصة داود عليه السلام, ثم نجد في سورة النمل, ثم في سورة ص وغير ذلك, نجد أن أسيراً عجيبة عظيمة، هي -كما تقدم- قدوة ونموذج للعباد وللزهاد وللصالحين من المسلمين، الذين جمع الله تبارك وتعالى لهم بين خيري الدنيا والآخرة، فكما كان عثمان رضي الله عنه أو عبد الرحمن بن عوف أو الزبير بن العوام أو كما قلنا عبد الله بن المبارك أو الليث بن سعد ، الذين أعطاهم الله من المكانة والمنزلة ما جعلهم يسخرونه بدون أي غضاضة في طاعة الله تبارك وتعالى، ويشعرون أن لهم قدوة في هذا؛ وهم الأنبياء الكرام الذي أعطاهم الله تبارك وتعالى من الملك ومن النعمة ما يستخدم جميعاً في طاعة الله تبارك وتعالى.