المادة    
المقصود أيها الإخوة! أن نبوة هذا النبي من أنبياء الله تبارك وتعالى هدمت وحجِّمت في ما يسمونه: الحكمة، فيقولون: إن الله تبارك وتعالى لما ظهر له في المنام أمره أن يسأله: ماذا يريد؟ فطلب منه الحكمة؛ فلذلك ينسبون إليه كثيراً مما يسمونه أسفار الحكمة من كلامه في سفر الأمثال مثلاً, وفي الباقعة التي يستحي الإنسان من ذكرها والمرور عليها, وهي نشيد الإنشاد, وكذلك في سفر الجامعة .
الذي يهمنا الآن هنا ليس فقط قولهم بأن بعض المزامير تنسب إليه من الزبور , أو أن له في الأمثال كذا أو ليس له؛ هذه قضية ثانوية، الذي يهم جداً في هذا الموضوع -موضوع العلاقة بالنبوة وتقديس الأنبياء والنبوة- هو أن ينسب إلى سليمان عليه السلام نشيد الإنشاد.
وهذا النشيد الحقيقة أنه من أفحش الكلام الذي لا نستطيع أن نعرض نماذج منه أمام الإخوة المشاهدين؛ لما فيه من الغزل المكشوف, لكن حسبنا فقط أن نشير إلى أن هناك من كتب عما يسمونه الحب في التوراة؛ من خلال هذا السفر وأمثاله من المواضع التي وردت في الكتاب المحرف، والتي نجد في كتاب الله تبارك وتعالى في القرآن -هذه أحد المقارنات التي تدلنا على ذلك- من العظمة في الأسلوب, ومن السمو.. ومن العلو.. ومن الترفع.. ومن طهارة الألفاظ الشيء العجيب!
حتى عند الحديث عن قصة يوسف عليه السلام, أو مثلاً عند الكلام عن الحيض وتطهرها وما أشبه ذلك، هذا الذي يدل حقيقة أن هناك تفصيلاً وبياناً واضحاً للقصة أو بياناً واضحاً للأحكام الشرعية؛ ولكن مع العفة والفضيلة والطهارة والسمو في التعبير والإجمال، ولكن مع الأسف الشديد أننا نجد أن هؤلاء الذين يتكلمون وألفوا في القديم والحديث عن الحب والغرام في التوراة ؛ لم يكتفوا بأن دنسوا مقام الأنبياء بجعلهم من أبناء الزنا -كما تقدم- ولم يكتفوا بأن جعلوا الأنبياء يعشقون؛ بل إضافة إلى ذلك دونوا باسمهم هذه الأسفار، ومنها هذا النشيد الذي يسمونه نشيد الإنشاد, ونسبوه إلى سليمان عليه السلام.
الإشكال في هذا النشيد وفي أمثاله هي أن تؤخذ على أنها نصوص مقدسة, ومن هنا لا نجد هناك إجماعاً منهم على ما هو المقصود من هذه الأسفار, أو كيف يمكن أن نؤولها.
بمعنى آخر: أن اختلافهم في تأويل مثل هذه الأسفار؛ لأنها لا تليق بالأنبياء زاد الأمر حيرة وشكّاً، على سبيل المثال: بعض الرهبان من النصارى وأمثالهم يقولون: إن ما جاء في هذا النشيد إنما هي رموز! يعني: العشق الشهواني الواضح فيه الذي يمكن أن تقارنه بالشعر الإباحي لدى بعض الشعراء المتقدمين أو بعض الشعراء المعاصرين -قريب من كلام نزار قباني أو ممكن أفحش- يقولون: هذا رمز للعلاقة بين الله وبين الكنيسة! فهذه القضية ليست كما يزعمون مجرد عشق شهواني حسي إباحي ظاهري, وإنما هذا رمز العلاقة بين الله وبين الكنيسة الجامعة والمؤمنين، وأن هؤلاء عندما يتغنون بهذا, فإنما هو غناء أشبه بما يتغنى به الصوفية.
وهذا في الحقيقة مما يدلنا على أن الداء واحد, وأن الشيطان واحد في كل الأمم، فما يتغنى به الصوفية من العشق والهيام والوجد والغرام وذكر الأطلال والدمن.. إلى آخره, صارف لهم عن ذكر الله تبارك وتعالى وعن قراءة القرآن، ولا نقول: إن هذا النوع من الشعر هو حرام في ذاته؛ لكن أن يكون هو ما يتعبّد به! لا الذكر ولا العبادة التي هي القربة إلى الله تبارك وتعالى.
لو جعلت هذه الأشعار والأناشيد على هامش العبادة فالأمر فيه سعة بشروط وضوابط؛ لكن أن يكون الغرض هو هذا فلا، حتى إن بعضهم يقولون: فلان زنديق, لأنه يقول: أقرأ القرآن فلا أتأثر، فإذا جاءت مثل هذه الأشعار تأثرت.
المقصود: أن هذا أحد التفسيرات والتأويلات لهذه الأساليب والقصص أو الأناشيد أو الأغاني التي تسمى نشيد الإنشاد بمختلف قضاياه -هو نشيد حواري؛ يقوم حوار بين العروس وبين العريس وبين الجوقة أو المجموعة- يقولون: هذا كله تمثيل, أو القضية هي قضية أنه عشق إلهي؛ لكنه جاء في شكل الألفاظ الحسية والأساليب التي يألفها الناس.
هناك بعض التفسيرات الأخرى يقول بخلاف ما تقدم من التأويلات؛ فيقول: إن هذا من عظمة هذا الكتاب, ومن الفسحة التي في هذا الدين, وأنه كان سليمان وداود عليهما السلام هذا عندهم. وهذا من أخطائهم وشنائعهم, فالكتاب يتكلم عنهم بواقعية, ويبين ما فعلوه حتى يكون عبرة لغيرهم.