في الحقيقة هناك قضايا أعجب من هذا, أو ربما أكثر إيلاماً في بعض الجوانب؛ وهو أن أعظم أنبيائهم فيما بعد ذلك هما: داود وسليمان عليهما السلام.في البداية نتحدث عن أمر خطير وعجيب في نفس الوقت! وهو: كيف نسبوا دواد عليه السلام؟ أي: إلى من ينتسب داود عليه السلام؟ نجد أنهم نسبوه إلى امرأة تسمى
راحاب -وهذه كلمة عبرية قريبة من نفس المعنى العربي رحاب- هذه امرأة يقولون في
التوراة في العهد القديم: إنها امرأة زانية، ويذكرون حيلها وما صنعت من أحابيل من أجل بني إسرائيل.المقصود أنهم يقولون: إن هذه المرأة الزانية تزوجها أحد أسباط يهوذا, فصارت من سلسلة نسب الملك داود -وهنا لاحظوا أنهم لا يقولون: النبي داود بل الملك داود، فهو ملك عندهم- فمن سلسلة هذه المرأة الزانية ومن سلالتها ومن ذريتها جاء الملك داود، وهذا الكلام يقشعر منه البدن؛ لكن العجيب أيضاً جداً أن يقولوا كما في
إنجيل متى: ثم بالتالي أصبحت في سلسلة نسب الرب يسوع! فهم ينسبون المسيح عليه السلام أنه من ذرية داود, ومع ذلك فهو رب كما يقولون! ثم بعد ذلك تصبح هذه المرأة الزانية هي الأم أو الجدة لكل الأنبياء هؤلاء؛ لداود هي أيضاً جدة, وأم لسليمان ثم أيضاً للمسيح عليه السلام.. فأي شناعة أعظم من هذه الشناعة؛ أن هؤلاء الأنبياء الكرام ينتسبون أو يتسلسلون من امرأة زانية والعياذ بالله، فهذا كلام مرفوض -وكما قلنا في الحلقة الماضية- نحن ننزه الأنبياء عن هذا، وكان يجب على شراح هذا الكتاب, وعلى من يكتبون عنه في دائرة المعارف الكتابية, أو في القواميس والمعاجم المتعلقة بالكتاب أن ينفوا نفياً قاطعاً هذا الكلام، وأن يقولوا: إنه محرف, وأنه باطل, وأنه مقحم, وأنه مضاف، فهذا ما نعتقده ونجزم به؛ لأنه لا يمكن أبداً أن يكون الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم إلا من سلالة وذرية طاهرة أرحاماً وأصلاباً, حتى يبعث الله تبارك وتعالى من يبعث منهم.على أية حال لم يقف الأمر عند هذا, وإنما أيضاً نجد أن في سفر النبي هوشع, وهو عندهم السفر الثامن والعشرون من الكتاب من العهد القديم -وهو أول الأنبياء الصغار كما يسمونهم- نجد أيضاً أن الرب -كما يزعمون- يأمر هوشع أن يتزوج من فلانة الزانية! وعندئذ نجد هناك نوعاً من التفسيرات لأول مرة كأنهم استغربوا! لماذا استغربوا؟ لأنه كيف يأمر الرب بأن يتزوج نبي من زانية! وهم يقولون: إن الشريعة التي جاءت على موسى عليه السلام في الأسفار الخمسة الأولى تحرم أن يتزوج الكهنة من الزواني.طبعاً المشكلة لا زلنا في أن
يوشع كاهن مع أنهم يقولون: إنه نبي, ومع ذلك باعتباره كاهناً لا يجوز أن يتزوج من الزانية ليس فقط لأنه نبي! فلاحظ أيضاً الخلط بين مقام النبوة ومقام الكهانة, ولاحظ أن باعتباره كاهناً يحرم عليه! لكن باعتباره نبياً لم يأبهوا به. الشاهد أنهم أخذوا يؤولونها؛ أي: كيف يأمر الله نبياً أن يتزوج من زانية؟! فأولوا ذلك بثلاثة تأويلات: التأويل الأول: قالوا: إن هذه مجرد رؤيا وحلم لم يقع.التأويل الثاني: أن هذه حقيقة وأنها درس للبشر.. إلى آخره.التأويل الثالث: أن هذا النبي ما كان يعلم أنها زانية, كأنه خبر عمن لم يقع, أو كما يقولون بالنص: أن المرأة زنت بعد الزواج, والعياذ بالله.ولكن على أي تأويل من تأويلاتهم فهي فاحشة, وهي منكر يجب أن نرفضه في تصورنا الإسلامي؛ هذا ما يتعلق بتدنيسهم لنسب الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.وتستمر هذه السلسلة من الشناعات، فعندما نأتي إلى نبي الله داود عليه السلام, وكيف جاء منه النبي المختار المصطفى الآخر سليمان عليه السلام؛ نجد أيضاً قصة شنيعة يفتريها هؤلاء المحرفون عنه؛ فيقولون: إن قائداً كان في جيش الملك داود عليه السلام -يسمونه الملك داود فهو عندهم مجرد ملك- يدعى
أورويا الحثي -من الجنس الحثي-
أورويا كانت له زوجة جميلة تسمى
بات شبع -يعني: هي تحريف لـ(بنت شبع) أي: لبنت اليوم السابع, يحرفونها بالعبرية بات شبع- المهم هذه كانت على قدر كبير من الجمال ويفترون في ذلك خيالات وحكايات، فداود عليه السلام اطلع على عورتها من سطح البيت فرأى جمالها.. وهذه افتراءات أيضاً، المهم أنه رآها وهي تغتسل فأعجب بجمالها -وحاشاه من ذلك- فأرسل القائد
أورويا الحثي في كل معركة يقحمه في المقدمة حتى يقتل, وبالفعل قتل، فلما قتل تزوج هذه المرأة, فأنجبت منه نبي الله سيلمان عليه السلام!فهذه أيضاً قصة يقشعر منها البدن؛ وهي شنيعة جداً, ومع الأسف الشديد كيف يرضى الشراح -نحن الآن لا نتكلم عن المحرِّف فقط؛ لكن نتكلم عن الشراح- مثل هذا الكلام؟! ويقولون بالنص في كتاب
قاموس الكتاب المقدس : وقد ارتكب داود خطيئته الشنيعة ضد
أورويا الحثي أثناء حربه مع العامونيين, ثم يقولون بعد ذلك: ومع أن داود ارتكب في بعض الأحيان خطايا يندى لها الجبين خجلاً إلا أننا إذا نظرنا إليه.. إلى آخر ما ذكروه من الشناعات.إذاً: بعد هذه النظرة الشنيعة عنه في كتبهم، نجد أننا إذا أردنا أن نشكل شخصية داود عليه السلام من
التوراة ومن أسفارهم فإننا نجد أموراً ثلاثة: الأمر الأول: أنه ملك محارب ومقاتل, فلا يذكرون نبوته.الأمر الثاني: أنه فعل هذه الشنائع والأخطاء. والأمر الثالث فيما يتعلق بـ
الزبور الذي أنزل عليه؛ فإنهم يقولون: إنه كان ملحناً ومنغماً ومنشداً, فأبدع وأنشأ مزامير تنشد في كل بقاع العالم المسيحي طوال قرون وقرون!فهو رجل شاعر مبدع ملحن، أنشأ هذه النغمات الروحانية -التي يسمونها المزامير- وترنم بها، ويذكرون في أول مزمور يذكرونه: هل هو منه أو من أحد أتباعه وكيف نغمته؟ وهذا يذكرك أحياناً بما في كتاب
الأغاني لـ
أبي الفرج الأصبهاني عن كيفية النغمات.الشاهد: أنه لا يعدو في نظرهم أنه ملك, وأنه محارب مقاتل, وأنه رجل شهواني -حاشاه من ذلك- تجعله شهوته يرتكب هذه الموبقات، وفي نهاية الأمر أنه ما أثر عنه وهو هذا
الزبور العظيم -ولا يزال حتى الآن فيه معاني عظيمة جليلة سنأتي عليها إن شاء الله عند الحديث بالتفصيل عن تاريخ الأنبياء وتاريخ الكتب المقدسة- مع ذلك هو عندهم مجرد ألحان وأناشيد وأشعار روحانية, وهذه مأثرة له، يعني: لا يذكرون أنها وحي من الله, ولا يذكرون أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أنزلها عليه.