المادة    
  1. فوات وعد الله لبني إسرائيل بالتكريم

    المقصود أن يقال عن هؤلاء القوم: إن هذا العمل الذي عمله هؤلاء يخرج هذه الشعوب عن وعد الله تبارك وتعالى بالتكريم, وأن يكونوا أمة عظيمة، وأن يملكهم الأرض، الذي هو يختص بذرية إبراهيم؛ بل بذرية يعقوب بل ببني إسرائيل خاصة؛ الذين يدعي هؤلاء أنهم من نسلهم ومن الأسباط الاثني عشر؛ فلذلك لا يدعون أية فرصة لتدنيس أو تشويه الأنبياء، توصلاً بذلك إلى تدنيس الشعوب التي يريدون أن يحاربوها أو يريدون أن يعادوها. يمضي التاريخ وتنتهي الأحداث وتنتهي تلك الشعوب من الأرض, ويبقى أن التحريف الذي وقع في كلام الله تبارك وتعالى شنيع جداً, وأن ما ينسب إلى الأنبياء فظيع جداً عندما يدنس تاريخهم بمثل هذا الشكل، وبذلك يظهر لكل ذي عقل وبصيرة ميزة هذا القرآن العظيم, وميزة النظرة الإسلامية، والعقيدة الإسلامية الصافية النقية في تكريم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، في تقديرهم وتوقيرهم وتعظيمهم, وفي نسبة كل الفضائل والكمالات البشرية إليهم، ونفي النقائص والعيوب التي تخل بمقام الرسالة عنهم جميعاً صلوات الله وسلامه عليهم.
  2. ظهور عقلية التدنيس والتنجيس اليهودية

    الواقع أن هناك نوعاً من التدليس يمكن أن نسميه الآن التدنيس أو التحقير لأنبياء بني إسرائيل بالذات بعد أن ملكوا, وبعد أن ورثوا، وهو ما يتعلق بداود وسليمان عليهما السلام.
    لا يكفي وقت الحلقة لعرضه؛ لكن نشير إلى أن هذه التحريفات التي حدثت, والتي نُسبت إلى نوح وإبراهيم ولوط عليهما السلام هي أيضاً مقدمة لما سوف يأتي فيما بعد، بمعنى: أن العقلية عقلية التدنيس والتنجيس التي يكتبها هؤلاء -لا نعلم في أي عصر كتبوها قبل الجلاء أم بعد الجلاء, في عصور الاضطهاد التي حلت بهم- إنما نعرف النفسية اليهودية الخبيثة التي كتبت مثل هذا الكلام عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم؛ أنها لم يسلم منها لا داود ولا سليمان ولا أحد من الأنبياء الكرام صلوات الله وسلامه عليهم.
  3. عدم شمول وصف التحريف لمن آمن بالله وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام

    ونعود فنكرر عندما نقول: إن اليهود فعلوا ذلك فإننا لا نعني من آمن بالله تعالى, وآمن بموسى عليه السلام, ثم آمن بعيسى عليه السلام, ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء هم المؤمنون, وهؤلاء جزء من الأمة الإسلامية العظيمة الممتدة في أعماق التاريخ، وإنما نتكلم عن من حرفوا وبدّلوا كلام الله تبارك وتعالى، وعن من صاغوا وكتبوا كتب الله, وبدلوا في وحي الله تبارك وتعالى؛ لكي ينفثوا سمومهم وحقدهم على شعوب الأرض التي اضطهدتهم أو عذبتهم من الفرس والرومان ومن العرب وغيرهم، نحن لا نقر أي اضطهاد حدث لا لليهود ولا لغيرهم ولا لأي أمة من الأمم، نحن أمة تنكر الظلم؛ ولكن لا يجوز بأي حال من الأحوال أن نجعل من وقوع الظلم أو وقوع التعذيب النفسي والمعنوي على أية أمة من الأمم، مبرراً ودافعاً لأن يُعتدى على مقام الألوهية أو على مقام النبوة، فيأتي هؤلاء فيصفون الله تبارك وتعالى بما لا يليق من الحزن أو الندم أو البداء -أن يعلم بعد أن يجهل تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- أو أن يصفوا أنبياء الله تعالى بمثل هذه الشنائع والقبائح، من شرب الخمر، ومن فعل الفواحش, ومن لعنة من لا يستحق, ومن مؤاخذة الأحفاد بظلم الأجداد، أمور كلها في الحقيقة لا تتفق أبداً مع مقام النبوة، وإنما تتفق مع نفسية الشعوبي الحاقد، الذي يريد أن ينفث حقده, ويفجر كبته وإحباطه ويأسه من طوال هذا التاريخ الاضطهادي الطويل في الشتات، فيصب جام غضبه على هذه المجموعة؛ لكي يُظهر أنه مهما نالهم من اضطهاد, ومهما نالهم هم من قوة أو تمكن؛ فإنهم شعوب نجسة مدنسة ملعونة من عهد نوح، وهم من ذرية هذا الفعل القبيح الشاذ الذي ينسبونه إلى ابنتي لوط.
    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح حال الإنسانية جميعاً, وأن يردنا جميعاً إلى الحق والهدى، وأن يكتب لهذه العقيدة الإيمانية الصحيحة التي جاءت في الكتاب والسنة ما وعد به من النصر والظهور والغلبة؛ لكي تحرر العقل البشري من الخرافة ومن التحريف ومن التأويلات الباطلة، وأن يهدي هؤلاء القوم.
    وندعوهم بهذه المناسبة إلى أن يتأملوا ما في كتاب الله تبارك وتعالى من تعظيم الله وتوقيره، ومن تعظيم أنبياء الله تبارك وتعالى وتوقيرهم، فيرفعوا أنفسهم من التعصب الأعمى ومتابعة الآباء والأجداد، ويؤمنوا من قبل أن يطمس الله سبحانه وتعالى وجوها أو يردها على أدبارها أو يلعنهم كما لعن أصحاب السبت.
    نسأل الله العظيم رب العرش الكريم، أن يمن علينا وعلى المسلمين جميعاً وعلى البشرية جمعاء بالهداية والخير والتوفيق والصلاح، إنه سميع مجيب.