المادة    
هذه الحادثة وهذا الإفك الشنيع المنسوب إلى نبي من أنبياء الله تبارك وتعالى وإلى ابنتيه؛ ماذا يقول عنه الشراح؟! لنأخذ أحد الشراح أو أحد الكاتبين في ذلك كنموذج، هذه الحوادث مع الأسف تقرها دائرة المعارف الكتابية ، التي كتبها مجموعة من الكتاب منهم لبنانيون ومنهم مصريون وغيرهم، ويقرها أيضاً قاموس الكتاب المقدس الذي أيضاً كتب كل مادة وكل حرف من حروفه باحث أو باحثان أو أكثر من هؤلاء -مع الأسف- العرب، الذين يعيشون في البيئة الإسلامية النقية الطاهرة, التي يترفع أفجر الفجار فيها عن مثل هذه الأعمال، ومع ذلك لا يكتمون هذه الحقائق ولم يتجرءوا أن يقولوا: إن هذا كلام لا يليق ولا ينبغي بالأنبياء؛ ولكن شرحوه.
يقول هذا الشارح: إن المفسرين -يعني: شرّاح الكتب هذه- يلتمسون العذر لابنتي لوط اللتين ربما ظنتا أن العالم كله قد هلك, كما وقع في حادثة الطوفان.
من جاء بهذا التأويل؟! ومن أين جاء بهذا التبرير؟! فبدلاً من أن ينفي الحكاية ويقول: هذا كذب وبهتان، وهذا لا يليق؛ أخذ يتفلسف ويقول: ربما أن البنتين ظنتا أنه مثلما حدث أيام الطوفان؛ فلم يبق أحد في العالم إلا هما وأبوهما؛ فلذلك يقول: عملتا هذا العمل الشاذ رغبة في إحياء النسل لحفظ الجنس البشري وحفظ اسم أبيهما.
وهذا التأويل من النوع الذي -كما يقول علماؤنا- يكفي تصوره في فساده فلا يحتاج أن يرد عليه.
يقول: هناك أيضاً نوع آخر واتجاه آخر في تأويل وتبرير هذا؛ وهو أنهما كانتا تتوقعان مجيء المسيّا الذي يسحق رأس الحية؛ ولهذا فعلتا هذا الشيء, المسيّا هو المسيح الذي يأتي في آخر الزمان، والمبشر به في آخر الزمان الذي يسحق رأس الحية.. الحية من أين أتت؟! لعلنا نتذكر عندما تحدثنا في لقاء سابق أنه لم ينص الكتاب -التوراة- صراحة على أن الشيطان هو الذي أغوى آدم, وإنما قال: الحية، فالشراح أدخلوا الحية فقالوا: إنه نطق من على لسان الحية أو تمثل في شكل الحية، وليس في النص -النص المحرف- شيء من هذا، فعندما توعد الله تبارك وتعالى بإنزال العقوبة على الحية كما أنزل العقوبة على آدم بالطرد من الجنة وحواء، أن تكون العداوة بينها وبين الإنسان فهو يسحق رأسها وهي تسحق عقبه, هكذا يقول.
هنا جاء الذين جاءوا في آخر الزمان والذين ادعوا الربوبية والألوهية للمسيح عليه السلام, فقالوا: الحية هي الشيطان, والذي يسحق رأسه هو المسيح، وبماذا؟ بأن يصلب فداء عن البشرية؛ فيكفر الخطيئة التي لحقتهم بفعل أبويهم آدم و حواء بأكلهما من الشجرة, التي كانت بسبب الحية التي دخل فيها أو تبطنها إبليس!
لاحظ هذا التأويل البعيد جداً لكي تقرر العقيدة الوثنية؛ وهي التثليث والخطيئة الأصلية معاً المنقولة من الكتب ومن الأمم الماضية، وهذا نشرحه إن شاء الله في مكانه عندما نتحدث بإذن الله تبارك وتعالى عن الابتداع في الدين النصراني والتحريف, ففي كل مرة يحاول الشراح هؤلاء إذا أعوزتهم الحيلة أن يراوغوا عن الاعتراف بالتحريف أو إنكاره بأن يأتوا بنوع من الفلسفة التي تقول: هذا من أجل المسيح.. هذه قصة رمزية ترمز إلى كنيسة الله, إلى المجد الذي سيكون له في آخر الزمان.. إلى آخر ذلك.
هنا نوضح حقيقة؛ وهي أن ما جاء في التوراة وكذلك العهد الجديد؛ من أن الله تعالى سوف يرسل رسولاً ويختار المختار أو المصطفى الذي يأتي ويدمر كل الوثنيات في الأرض، وكل الشرك والشر في الأرض ويظهره على الدين كله؛ أنها جميعاً تنطبق بدون أي تحريف ولا تأويل على عبده ورسوله خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم.
بوضوح لكن المسيح عليه السلام كان معه عشرات من الأتباع, حتى أنهم ركبوا مرة في قارب في بحيرة! وهم عدد قليل من الأتباع، وكانوا مضطهدين من اليهود وكانوا مضطهدين من الرومان، وحدث ما حدث أنهم أرادوا أن يقبضوا عليه ويقتلوه، فألقى الله الشبه على من أخذوا وصلبوه، وأما هو عليه السلام (( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ))[النساء:157], لم تتحقق هذه النبوءات ولم يدمر ممالك الشر ولا الإمبراطوريات الوثنية, ولم يقض عليها عليه السلام، فهذا تحريف مركب؛ تحريف البشارات التي في النبي صلى الله عليه وسلم بأن تجعل للمسيح هذه من ناحية، ومن ناحية أخرى أن يظلوا يدخلون في أي مكان يجدون فيه حادثة غريبة وقصة غربية، يحاولون أن يفسروها أو أن يؤولوها بما يدل على عقيدة سوف تأتي بعد آلاف السنين، وتأتي منقولة عن وثنيين ومشركين لا علاقة لها بالكتب السماوية, ولم ينزلها الله تعالى في أي كتاب، وهي عقيدة التثليث والخطيئة الأصلية والكفارة, التي سوف إن شاء الله تبارك وتعالى نوضحها فيما بعد.
إذاً: كان هذا هو التبرير أنه ما دام أن ابنتي لوط عليه السلام تظن أن العالم كله هلك، وفكرتا من أين يأتي المسيّا والمسيح الموعود؟ إذاً لا بد أن يسقيا أباهما الخمر، ولا بد أن يضطجعا معه والعياذ بالله، ولا بد أن ينجبا منه؛ لكي تتحقق تلك التي نجزم جزماً أنها لا صلة لقوم لوط ولا ابنتيه ولا الناس في عهده بهذه الحادثة، لا يوجد أي نص لا منزل ولا تاريخي أن هناك خطيئة أصلية, وأنها تصحب الجنس البشري, وأن الجنس البشري سوف يحتاج إلى من يصلب عنه في آخر الزمان لكي يفديه.
ثم يعقب هذا الكاتب فيقول: الكتاب المقدس يذكر الوقائع التاريخية بكل صراحة ونزاهة كما وقعت؛ ففي هذا دليل على أنه حقيقي وأنه كلام الله؛ لأنه حتى ما يقال عن القديسين والصالحين مثل نوح ومثل لوط فإنه ينقله دون أن يداري فيه.
ونحن نقول: إن للحقيقة قدراً، وللخرافة قدراً، ويجب أن يوضع الحد الفاصل بين الحقيقة وبين الخرافة، ويجب أن ينبذ من كتاب الله ومما ينسب إلى الأنبياء حتى لو كان في أخبار التاريخ مما فيه تدنيس وتحقير لمقام النبوة العظيم.