الحمد الله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:أيها الإخوة المشاهدون! وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى، فقد تحدثنا في اللقاء الماضي عن النبوة, وعن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وعن قيمة النبوة وأثرها في العالم كله, وعن الأنبياء إجمالاً, والصفات التي جعلها الله تعالى فيهم، وكيف أنه اختارهم جل وعلا فحظوا بإجماع كل من يؤمن بالله أو من يؤمن بالغيب؛ بأنهم أكمل البشر عقلاً وديناً وخلقاً وفضيلة؛ على ما شاب ذلك لدى كثير من الأمم مما أشرنا إليه وسنوضحه إن شاء الله في هذه الحلقة.هذه القضية -قضية النبوة- هي أحد المعالم الفاصلة والرئيسة -الواضحة جداً- بين الفكر اللاديني وبين الفكر الذي يؤمن بالغيب أو العقائد التي تؤمن بالغيب، وفي الوقت نفسه أيضاً بين الفكر الوثني أو الفكر الغيبي المشوب بالوثنية والخرافة والأساطير، وبين الفكر الإسلامي النقي.وعندما نقول: الإسلامي أو المسلم فإننا نعني به: كل ما كان على هدى الله تبارك وتعالى وفطرته منذ قديم الأمم إلى أن ظهر الإسلام في مفهومه الشامل والكامل, وفي رسالته الخاتمة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم.فكل الأنبياء من قبل كانوا مسلمين, والدين كان الإسلام, كما قال الله تبارك وتعالى: ((
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ))[آل عمران:19]، وهم في كل العصور وفي كل الأزمان ((
وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ ))[فاطر:24]، وهذا النذير يدعوهم إلى الإسلام وإلى الإيمان، الذي هو دين الله تعالى، الذي هو الدين الحنيف, كما قال سبحانه وتعالى: ((
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ))[الروم:30]؛ فكل البشر في تاريخهم الطويل منذ آدم عليه السلام إلى أن وقع الشرك والانحراف وأصبحت البشرية نوعين: مؤمن موحد، وكافر مشرك؛ وإلى اليوم نجد هذين المعلمين لم ينقطعا: معلم أو مجموعة أو فسطاط إيمان واضح جلي إيماني يؤمن بالله تبارك وتعالى وأنبيائه وكتبه ورسله بلا تفريق ((
لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون ))[البقرة:136]. والآخر الذي وقع في الضلالة والجهل والشرك والغبش، وهذا الذي مع الأسف الشديد يطغى غالباً عند كثير من الباحثين
العلمانيين اللادينيين، ثم يتبعهم بعض المسلمين فيجعلون تاريخ البشرية فقط هو هذا الجانب المنحرف الضال، ولا يكادون يأتون على ذكر الأنبياء لا في قليل ولا في كثير.