المادة    
المهم من هذا أن الأديان أو الحضارات الموجودة الآن في جميع أنحاء العالم؛ كل حضارة لها تقويمها الخاص بها, ولها طقوس لذلك، ولها أعيادها, ولها احتفالاتها المبنية على هذا التقويم.
وهذا كله يؤكد أنه لا بد للناس من مرجع عام يتفقون عليه؛ لا يكون اصطلاحياً بحتاً, وإنما يكون من الوحي المحفوظ المطابق أو الموافق للاصطلاح الصحيح.
ونذكر بعض الأمثلة على ذلك:
نحن الآن في الألف السادس بالنسبة للتقويم العبري المعمول به عند اليهود أو عند الطوائف منهم.
نحن الآن بالنسبة للسنة الهجرية (1426ه)، وبالجوري جوري (2005م)، وبالعبري (5765)؛ لأنهم يحسبون من بدء الخلقية، وهذه قضية الحساب من بدء الخليقة إحدى الأخطاء الكبرى في التاريخ البشري -كما سوف نرى بعد قليل عند الحديث عن اليابانيين-؛ لأن كل أمة تظن أن تاريخها هو بدء الخليقة, وقد أبطلنا ذلك فيما مضى.
بعض الطوائف في الهند هم الآن تقريباً (1925) لاحظ الفرق بين (2005) وبين (1925) بناء على تراثهم أيضاً الهندوسي.
هناك مثلاً في الصين اعتباراً من ميلاد كونفوشيوس هم الآن عام (2556) -يعني: قد يكون بعض السنوات فيه فرق سنة أو شيء من هذا- وعام (2556) هو ما يتعلق بولادة كونفوشيوس, وهو عيد أو احتفالات عندهم، وهو التقويم الذي بنيت عليه كل الأعياد وكل الحياة الاجتماعية والثقافية بالنسبة للصين.
الحبشة الآن التقويم هو عام (1721)؛ ولذلك نكتة عند الغربيين إذا قلت له: متى ولدت؟ يقول لك: بالحبشي أو بالجوري جوري؟! لأن بعض الناس يكون عمره لو قال لك بالحبشي معناها عمرك كم؟!! نكتة؛ لأن الفرق هائل جداً ما بين (2005) وبين (1721) أو نحو ذلك.
اليابانيون عندهم الآن السنة (2665) بناء على ميلاد شانتو أو بالتقويم الشانتوي.
نريد أن نقف قليلاً عند اليابانيين, لماذا؟!
لو تأملنا في الشعوب هذه التي ذكرنا جميعاً نجد اليابانيين أكثر هذه الشعوب تحضراً بلا شك، عندما كتب كينيدي كتابه: تطلع القرن الحادي والعشرين -وغيره طبعاً- كان متوقعاً أن اليابان هي الدولة الرائدة في القرن الحادي والعشرين، لا زلت أذكر أنه كان يسمي اليابان : المعجزة اليابانية. طبعاً لم تحصل معجزة؛ لأن اليابان دخلت في النظام الرأسمالي الربوي الغربي، وهي الآن تعيش وضعاً اقتصادياً صعباً؛ لكن لا يهمنا هذا, المهم أن اليابان فعلاً -على النظرة الغربية وعلى النظرة المادية- حققت معجزات في التقنية لم تحققها أي دولة, ولا أي مجتمع آخر.
ما دام هذه المعجزة في التقنية.. في التطور.. في التقدم, وهي التي تصنع شرائح الصواريخ التي تدور في الفضاء وكل شيء! لو أن المسألة بالعقل وبالدقة لماذا لا تضع اليابان لنفسها وللعالم نظاماً تقويمياً دقيقاً؟! ولماذا هي على هذا النظام؟!
نقرأ لكم هذا الكلام، والكاتب أمريكي يتكلم عن الحضارات, وليس كاتباً يابانياً، يقول: إن تاريخ اليابان الرسمي يبدأ عام ستمائة وستين قبل الميلاد -هذا من كتاب الماضي الحي- بيد أن المؤرخين اليابانيين يقررون بجلاء أن هذه السنة -يعني: ستمائة وستين قبل الميلاد- ما هي إلا بداية لأقدم أسرة حاكمة في العالم. فاليابانيون أصحاب العقول والتطور التكنولوجي يقولون: إن عام ستمائة وستين قبل الميلاد هي بداية الخليقة! فتاريخ الخليقة يرتبط بهذا, ويعتقدون أن الأباطرة -الذين هم حكام اليابان- كانوا يعيشون في السماء قبل ذلك، فالتاريخ الأسطوري الياباني في السماء وليس في الأرض! كما قرأنا عن بلاد ما بين النهرين.
أنا حقيقة قبل أيام قابلني مدير وكالة الأنباء اليابانية وكان معي بعض الإخوة، في مقابلة إعلامية، فأردت أن أتأكد من هذه الحقيقة فسألته: هل تعتقدون أن الإمبراطور إله؟ فقال: نعم هو إله, يعتقدون أنه إله! تعالى الله عما يشركون. هذا الشعب الذي يقولون: إنه متطور!
وطبعاً بالمناسبة كان سؤالي له عن الإله أني قلت له: الإله يبكي, ويوقع اتفاقية الخضوع للأمريكيين! وما نجد مقاومة مثل المقاومة العراقية؟ كان الموضوع عن المقاومة العراقية, وأن الإسلام يعطي صاحبه حق المقاومة ويجعله يختلف، فقلت: هذا فرق بيننا وبينكم أننا لا نستسلم, مع أن الذي وقّع الاتفاق عندكم هو رب! أتعتبره رباً؟ قال: نعم هو إله, تعالى الله عما يشركون.
فيعتقدون أن الآلهة كانت في السماء ثم نزلت إلى الأرض, ومن سلالتهم كان الأباطرة.
عندما ننظر إلى كلام المؤرخين المسلمين عن جنكيز خان نجد نفس الكلام؛ أنه ليس له أب, إنما أبوه هو الشمس! نزلت الشمس ودخلت في الخيمة التي كانت فيها أمه, وحملت به من الشمس! ويعلق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه تعالى على هذا فيقول: هذا دليل على أن التتار -المغول- يعتقدون أو يعلمون أنه ليس له أب معروف؛ ولذلك جعلوا أباه هو الشمس؛ فهو ابن غير شرعي.
المقصود يأتي بالأسطورة كيف أن الإله القديم عند اليابانيين إيزناجي وزوجته وإيزانامي خلقا أول جزيرة -طبعاً اليابان بلاد جزر- ثم أرادت أن تُنجب الأم ابنها الذي يسمونه إله النار فهبطت إلى الأرض، ثم بدأنا في تاريخ أسطوري كله كذب, وكله لا حقيقة له، ومع ذلك فاليابانيون مستمسكون بهذه الأساطير، ومن الأساطير التي لا يزالون متمسكين بها أنه إله, ومن نسل الشمس الذي هو عندهم المعبود الأعلى, وكان في السماء؛ وعندهم أنه إذا مات الإمبراطور -أو أي أحد- تدفن معه أدواته؛ فلما مات هيروهيتو دفنوا معه النظارات والأقلام وكل شيء؛ لأنه حينما يقوم سيستخدمها في نظرهم، وهذا بالضبط ما هو موجود في الديانة المصرية القديمة وفي غيرها من الأديان القديمة، فهناك إيمان بالآخرة؛ لكن على طريقة ضالة.