المادة    
وعندما نقول: إن التقويم الإسلامي هو الصحيح والمنضبط فإننا واثقون من ذلك، أما الصحيح تديناً وعبادة فنحن نشاهد ذلك ولله الحمد والمنة، فما صام المسلمون في شهر غير رمضان, ولا حجوا في شهر غير ذي الحجة، وإن وقع -كما قلنا في السابق- اختلاف المطالع أو بسبب أي حادث أو طارئ، فهذا الاختلاف معفو عنه، عفا الله تبارك وتعالى عنه؛ لأنه لا يزيد عن يوم كما أشرنا في الحلقة الماضية.
المقصود: أن هذه الأمة ما بين الصواب المطلق موافقة عين الحقيقة، وما بين العفو لما تسهو أو تخطئ فيه، ولم تكلف بإصابة عين الحقيقة, وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى, فهي إذاً على الحق في الدين.
أما من ناحية الانضباط -وهذا هو المهم عند العالم اليوم- فنجد أن الأمة الإسلامية منذ أن بدأت تؤرخ بظهور الإسلام وفي العصور الإسلامية؛ تؤرخ تاريخاً دقيقاً منضبطاً والحمد لله؛ بخلاف بقية الأمم.
فعلى سبيل المثال: أوروبا هذه لم تعرف التاريخ باليوم والشهر إلا في القرن السابع عشر! وأما قبل ذلك فكان التاريخ بالحوليات؛ أي: الحَوْل, وكانت تقع فيه أخطاء كبيرة جداً، ومهما قيل عن القدامى هيرودوت أو ديودور الصقلي أو من كانوا، فهم أفحش وأكثر أخطاء؛ بحيث كانت تعد بالقرون، وعندما كانوا يحسبون التاريخ المصري والتاريخ البابلي والآشوري، فإنهم يضعون نسبة من الخطأ قد تصل أحياناً إلى مائتي سنة! فهي لا تنضبط.
طبعاً أدق مقياس الآن للزمن لديهم في الآثار هو الكربون المشع, ومع ذلك الكربون المشع لا يوجد اتفاق دقيق عليه، هل هو سبعة آلاف سنة, أو ستة آلاف وخمسمائة أو ستة آلاف وثمانمائة؟! أو شيء من هذا، المهم أيضاً فيه نسبة من الخطأ قد تكون مائة أو مائتي سنة.
وهكذا نجد التفاوت إلا فيما ضُبط وحُقق, وهو ما شرعه الله تبارك وتعالى لهذه الأمة، الأمية المباركة، فاتبعته فلم تضل ولم تخطئ كما ضل من قبلها.
وعندما نجد مثلاً: أن النصارى حوّلوا الصيام إلى الربيع -لعله من باب الرأفة ومن باب الشفقة-، والآن في هذا العصر يتحسرون على أن أعياد الميلاد تأتي وقت الشتاء، فلا يستطيعون أن يمرحوا ويهلوا ويلعبوا ويعبثوا بالنحو المطلوب، خصوصاً إذا تراكمت الثلوج أو حالت بينهم وبين التعري وما أشبه ذلك.
لكن سبحان الله! نجد في هذه الأمة المباركة أن الصوم والحج بما أنها على الدورة القمرية فهما يدوران في كل فصول السنة، ففي إمكان الإنسان من المناطق الباردة أن يحج في السنوات الباردة، ولا يأتي في السنوات الحارة أو العكس، والصيام أيضاً -الحمد لله- يتقلب ما بين الحر والبرد, فهذا من لطف الله سبحانه وتعالى ومن رحمته، ولو كان الأمر ثابتاً لكان هناك مشقة عظيمة على الخلق، وخاصة أن هذا الدين العظيم -دين محمد صلى الله عليه وسلم الأخير- هو دين عالمي؛ للعالم أجمع، أما ما قبله فإنها كانت أديان محلية إلا أن بولس هو الذي جعل النصرانية ديناً عالمياً.
المسيح عليه السلام قال: "إنما بعثت إلى خراف بني إسرائيل الضالة", لم يبعث إلى غيرهم, وقال ذلك للمرأة التي جاءت لتهدي, وهي كانت امرأة فينيقية -كما جاء في بعض الأناجيل- أو سورية، وهذا لا يفرق، المهم أنه قال لها: لم أبعث إلا على هؤلاء.