المادة    
أما ما خلقه الله تبارك وتعالى ووكل علمه للبشر, وأمرهم أن يسيروا في الأرض, وأن يسعوا فيها, وأن يبحثوا وأن ينظروا وينقبوا فليفعلوا ما شاءوا؛ لكن لا يدخلوا هذا في هذا، فإذا خضعت الأمور الدينية لأهواء الأباطرة والملوك أو الأحبار أو الرهبان أو الثورات أو ما أشبه ذلك فإننا نجد هذا التقلب العجيب الذي حصل, والذي تضرب الديانة النصرانية مثالاً شنيعاً عليه في هذا الشأن.
فالدين النصراني الذي اعتنقته الإمبراطورية الرومانية بعيد جداً عما جاء به المسيح عليه السلام بسبب هذه البدع، ومنها: ما يتعلق بالأعياد والصيام، ونحن الآن نتحدث بما له علاقة بالتقويم؛ لأن الأعياد والصيام وكثيراً من أمور العبادة مرتبطة به، فحصلت فيه ضلالات بعيدة أبعدته تماماً عن الحقيقة.
مثلاً: أن يُعتمد ميلاد المسيح عليه السلام بداية للتقويم، وهو أمر اعتمدته الكنيسة وضعاً من عندها، ولم يشرع الله تبارك وتعالى ذلك، ولا مشاحة في أن يكون بعض الأمور وضعياً أو اصطلاحياً، كما اصطلح الصحابة رضي الله تعالى عنهم على أن تكون الهجرة هي مبدأ التاريخ، كما عنون الإمام البخاري وترجم: باب التاريخ من أين أرخوا؟ يعني: كيف أخذ؟ فلا مشكلة في هذا؛ لكن الإشكال أنهم أخطئوا ونسبوا ذلك إلى الدين، فجعلوا كأن المسيح عليه السلام ولد في أول عام ميلادي من التقويم الذي يعملون به الآن بينما هو في الحقيقة ولد قبل ذلك بخمس سنوات, وكان هذا بداية لأخطاء كثيرة جداً، فالميلاد جعلوه يوم الخامس والعشرين من ديسمبر, وحقيقة الأمر أن هذا اليوم هو يوم عيد وثني قديم مشهور عند الرومان وغيرهم، ولا دليل لديهم على أنه في هذا اليوم ولد! فأخطئوا في اليوم, وأخطئوا في السنة, وتعبدوا بما لم يشرعه الله تبارك وتعالى.
ثم بعد ذلك إذا نذر ملك من الملوك شيئاً زاده، كما قالوا: إن هرقل زاد في الصيام عشرة أيام لما انتصر على الفرس فأصبح الصيام أربعين يوماً فأضافوها أيضاً، وأشد من ذلك أنهم نقلوا الصيام إلى الربيع! فهنا دخلت الفوضى العبادية الدينية حتى أصبحت بعيدة جداً عما كانت عليه شريعة الأنبياء؛ بل تحويل الشهور نفسها إلى الشهور المعروفة الآن لكي توافق عدد السنة الشمسية، وتحولهم عن التقويم القمري الذي كان عليه الأنبياء والذي عليه التوراة وأسفار الأنبياء، كل ذلك أيضاً من البدع التي تراكمت حتى أصبح الإنسان لا يدري أين دينه, ولا يعرفه، والفرق الموجود الآن بينهم ليس سهلاً كما قد يظن، نحن أشرنا في اللقاء الماضي وذكرنا أن الفرق بين الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية خمسة عشر يوماً؛ لكن أيضاً في الواقع أن الفرق بين تقويم الكنيسة الحبشية وغيرها قرابة ثلاثة قرون؛ لأنهم اعتبروا التقويم من دخول الدين النصراني على المذهب اليعقوبي إليهم، فهم على المذهب اليعقوبي أي: مذهب الطبيعة الواحدة الذي يتبع مدرسة الإسكندرية، وهي القول بأن الله تعالى هو المسيح والمسيح هو الله, تعالى عما يشركون.
فهنا فروق تعد بقرون, وفروق تعد بأيام وهكذا, فضاعت معالم الدين الحقيقي الذي أنزله الله تبارك وتعالى؛ حتى من الناحية المنطقية العقلية، فمثلاً: عندما جعلوا السنة على الترتيب الموجود حالياً الآن، وهي أن السنة تنتهي بكانون أول ثم تبدأ التي بعدها بكانون ثاني, وهذا غير معقول! لكن ماذا ترتب عليه؟
ترتب عليه أنهم احتفظوا بأسماء الشهور ولكنها خطأ، فمثلاً: شهر سبتمبر، ومعناه: السابع! فيوم السبت هو اليوم السابع، ولا زال باللغة العربية؛ لأنه كما قلنا: اللغة العربية أصل كل اللغات هذه.
فالسبت: هو بمعنى السابع أو سبعة. وسبتمبر يعني: الشهر السابع؛ لكن الواقع أنه الآن هو الشهر التاسع.
ثم جاء بعده (أكتوبر) وهو الشهر الثامن, وهو الآن الشهر العاشر! ثم بعد ذلك يأتي (نوفمبر) ومعناه التاسع, وهو في الحقيقة الآن الشهر الحادي عشر! ثم (ديسمبر) ومعناه العاشر في أصل اللغة عندهم، وهو الآن الثاني عشر! فأصبحت حتى من الناحية المنطقية تسمى الأشهر بأرقام؛ لكنها غير مطابقة لهذه الأرقام.
أهم من ذلك: أن بعض هذه الشهور هي أسماء آلهة أصلاً، فكيف يعتمدها النصارى؟!
فمثلاً: يناير: اسم رب أو معبود من معبوداتهم الذي هو جنري ومارس يقولون: إنه إله الحرب.
وفبراير يقولون: إن معناها من التطهر, وهو شعيرة رومانية قديمة.
أما أغسطس : فمعروف أنه الإمبراطور الروماني المعروف؛ الذي في أيامه ولد المسيح عليه السلام مع بداية تأسيس الدولة الرومانية عندما قضى أغسطس على كليوبترا.
وكذلك يوليو أو يوليوس قيصر.
المهم أنك تجد أسماء آلهة أو معبودات أو أرباب أو أسماء قياصرة مثلما قلنا في أغسطس و يوليو !
فالأرقام غير منطقية أيضاً مع تسميات الشهور! فهي فوضى في الدين, وفوضى في المنطق, وفوضى في الواقع، ومع ذلك يريد هؤلاء القوم أن يفرضوها فرضاً، ويريد الذين يتعبدون بالتقرب للغرب أو بالإعجاب به أن يفرضوها على الأمة التي وفقها الله سبحانه وتعالى للمنهج الصحيح الدقيق المنضبط.