إذاً: نحن نتحدث هنا عن التقويم فقط من حيث إنه وضع أو اصطلاح لدى كثير من الأمم، وضعته مع أن الله سبحانه وتعالى قد شرع لبني آدم جميعاً, وكان الأنبياء جميعاً على ملة واحدة في هذا الشأن، كما هو ثابت الآن من العلوم المتقدمة السابقة؛ فكان الناس -منذ عهد البابليين ثم العبرانيين ثم جاءت الأمة الإسلامية- على ملة قويمة, وإن انحرف عنها من انحرف، وهذه الملة: هي اعتبار اليوم طبيعياً من غروب الشمس إلى غروبها، واعتبار الأسبوع عددياً؛ وهو سبعة أيام؛ وهذا لا يُعلم إلا بالوحي، والأمم التي لا تعرف الوحي, ولا تعرف التدين أو بعيدة العهد بذلك -لأنه ما من أمة إلا خلا فيها نذير- لا تعرف الأسابيع، وقد ذكر ذلك العلماء من قديم, كشيخ الإسلام
ابن تيمية و
المقريزي في
الخطط وغيرهم، ولا يزال هذا معروفاً عند الأمم إلى اليوم. ومن ناحية أخرى اعتبار الشهر طبيعياً؛ وهو ما بين ظهور هلالين بناء على الرؤية طبعاً، واعتبار السنة عددية، وبذلك تكتمل الصورة, أو يكون الجمع بين أماثل وأفاضل التقاويم الموجودة، كل ذلك كان معروفاً لدى الأمم جميعاً, حتى -مع الأسف الشديد- اجتاح العالم الآن في عصر العولمة وفي عصر الانفتاح الإعلامي أو كاد يجتاحه وأن يطغى أو يراد أن يطغى تقويم من هذه التقاويم على الأخرى، وهو التقويم الوضعي الاصطلاحي، الذي لا مشاحة في الاصطلاح إذا كان موافقاً للحقيقة؛ فنحن قلنا: إن السنة الشمسية هي في الحقيقة عددية اصطلاحية لا إشكال في ذلك؛ لكن الإشكال هو أن ما اعترى ديانة
النصارى وغيرهم من الأمم من تحريفات أصبحت علامة وسمة مميزة لها عن سائر الأمم!يعني: هنا يصدق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (
إن لكل قوم عيداً), ومعنى ذلك: الاختصاص، فكل أمة لها أعياد.
الأعياد هي أبرز ما في التقويم, وكل أمة لها ما يختص بها، فإذا أردنا أن نركب تاريخ أمة على أمة، فمعنى ذلك: أننا مسخنا هوية تلك الأمة وألبسناها ثوب غيرها، مع أن هذا لو كان من بقايا الكتب القديمة أو الشرائع القديمة المنسوخة لما كان جائزاً؛ فكيف إذا كان من بقايا البدع والضلالات التي أحدثت في تلك الأديان وابتعدت بها كثيراً عن الأصل الرباني؟!