حقاً إن المؤمن ليشكر الله سبحانه وتعالى ويحمده على نعمة الإسلام, وعلى نعمة الإيمان, وعلى نعمة اتباع الأنبياء، وهذه الأمور الدقيقة كما نرى لا تحل بالعقل المجرد؛ ولكن تحل بالوحي؛ بأن يجعل شيئاً معتمداً الطبيعة المشاهدة المرئية المحسوسة، وأمر آخر اعتباري اصطلاحي لا يؤثر, فيجمع بين ذلك، هذه الحقيقة الظاهرة التي يجب على المسلمين جميعاً أن يعوها, وعلى العالم كذلك أن يعيها، وأن يعلم كيف أن هذه الأمة كما جاء في المثل: تمشي رويداً رويداً, وتجيء في الأول، فمع أنها أمة الوحي المعصوم, وأمة الفطرة إلا أنها أيضاً تأتي في هذا المجال بما لا يمكن أن يأتي به العلم البشري المجرد.
وهنا مسألة مهمة أيها الإخوة! يجب أن نعلمها؛ وهي ما يقال: إن العلم الآن تقدم, وأصبح يحسب بكل دقة, وأصبحت الأمور معروفة وبالثواني, وجزء على كذا ألف من الثانية! نقول: إن هذا الكلام صحيح ولا غبار عليه على الإطلاق؛ لكن لا يعني ذلك أنه لا اختلاف بينهم؛ وإلا لما كانت المراصد في جميع أنحاء العالم تختلف في حساب الأهلة وفي غيرها، فالاختلاف موجود وقائم رغم الدقة المتناهية، إلا إذا نحن آمنا بهذا فجعلنا شيئاً بمقتضى الوحي, وجعلنا شيئاً اعتبارياً أو اصطلاحياً واتفقنا عليه واسترحنا من التعقيدات.
ونحن لا ندخل في شأن علماء الفلك؛ فعلماء الفلك لهم أن يحسبوا بالثواني وبأقل من ذلك, وأن يراعوا ذلك، فلا إشكال فيه على الإطلاق؛ لكن نحن نتكلم فيما يتعلق بتعبد عامة الناس, وأيضاً بمصالح عامة الناس في هذه الحياة الدنيا.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما نسمع وبما نقول, وأن يجعلنا جميعاً ممن يقدر نعمة الله تبارك وتعالى -الوحي الثابت المحفوظ- ويشكره على ذلك حق الشكر, وأن يكون من أتباع الصراط المستقيم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
والحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.