المادة    
إذا انتقلنا إلى المنهج الثاني فإننا نجد أن المشكلة قائمة ولكن بشكل آخر، فإذا كان التطوّريون يرون أن الإنسان ولد غبياً أو همجياً ساذجاً بحكم الطبيعة -كما يقولون- والمدة الطويلة التي بقي خلالها يتطور شيئاً فشيئاً حتى وصل إلى وضعه الحضاري الحالي. ‏
  1. إخبار الكتب المحرفة بتجهيل الله للإنسان

    فإننا نجد مع الأسف الشديد التوراة المحرفة, والدين النصراني المحرف؛ يأتي بالقضية وكأن الله تبارك وتعالى تعمد تجهيل الإنسان, وهذا أدى إلى نفرة شديدة بين العلم وبين الدين في معظم -بل وفي كل تقريباً- عصور التاريخ الأوروبي.
    نقرأ الآن مباشرة من سفر التكوين في الكتاب المقدس؛ فنجد أن في الإصحاح المتعلق بجنة عدن -هو حسب الطبعات وهي تختلف تقريباً؛ لكنها لا تكاد تختلف شيئاً ذو بال- يقول: أخذ الرب الإله آدم وأسكنه في جنة عدن ليَفْلَحها ويحرسها -بغض النظر عن أن الجنة تحرث- وأوصى الرب الإله آدم قال: من جميع شجرة الجنة تأكل، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها؛ فيوم تأكل منها موتاً تموت.
    ذكر كيف وقعت الخطيئة، يقول في الذي بعده: إن الحية -ويقصدون بها الشيطان ولا يقولون: الشيطان- كانت أحيا الحيوانات البرية؛ فقالت للمرأة: - حواء-: أحقاً قال الله: لا تأكلا من جميع شجر الجنة. فقالت المرأة للحية: من ثمر الجنة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله: لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا.
    فقالت الحية للمرأة: لن تموتا -كذبت قول الله وردت الكلام- ولكن الله يعرف أنكما يوم تأكلان من ثمر تلك الشجرة تنفتح أعينكما وتصيران مثل الله تعرفان الخير والشر -تعالى الله عن ذلك- يقول مؤلف التكوين: فرأت المرأة أن الشجرة طيبة للمأكل وشهية للعين, وأنها باعثة للفهم -يعني: أكلت منها لأنها مغرية من حيث المأكل ومن حيث المنظر ومن حيث أنها تبعث على الفهم والذكاء! وهذا موجود في هذه الطبعة كما هو موجود أيضاً في الطبعة الإنجليزية طبعة الملك جورج والطبعات المتوالية التي نقلت منها.
    المقصود أنه عندما أكلا منها: انفتحت أعينهما فعرفا أنهما عريانان, فخاطا من ورق التين, وصنعا لهما مآزر. وبعد ذلك تأتي القصة الغريبة ويقول: أن الله تعالى قال: لمَ تختبئ مني يا آدم؟ فيقول: لأني عريان. يقول: من عرفك أنك عريان؟! أكلت من شجرة الخير والشر فعرفت أنك عريان؟ وتبدأ قصة السقوط في الخطيئة.
    إذاً هناك تعمد لأن يكون الإنسان جاهلاً لا يعرف الخير من الشر, إذا أخذنا بحرفية ما في التوراة ؛ وبذلك تكون العقلية اليهودية و النصرانية استنبطت في أعماقها أن الله تبارك وتعالى يريد تجهيل الإنسان, ولا يريد تعليمه الأسماء كلها -كما جاء في القرآن- ولا يريد أن يعرّفه؛ بل يريد أن يجعله لا يعرف الخير من الشر, وحذره أن يأكل من الشجرة, والإنسان بطاعته للشيطان وبأكله من الشجرة أصبح يعرف الخير من الشر.
    هم لم يقولوا هذا في أول الأمر، هم قالوا: الإنسان لما أكل من الشجرة المحرمة وقع في الخطيئة؛ فلذلك -كما يزعمون- احتاج أن يأتي المسيح عليه السلام فيُصلب ليكفر عن الخطيئة! -العقيدة الباطلة التي سوف نبين بطلانها إن شاء الله تبارك وتعالى بالتفصيل- بعد قرون طويلة نظروا إلى منطوق اللفظ، وهو: أن الإنسان عندما عرف الخير وعرف الشر إنما عرفه عن طريق التمرد على الله وطاعة الشيطان!
  2. تطابق الوحي المحرف مع نظرية سرقة النار من الآلهة

    يتطابق هذا مع نظرية يونانية معروفة أثرت في الفكر الغربي تأثيراً كبيراً، والتي مع ما ورد في التوراة جعلت العلم والدين ينفصلان انفصالاً كثيراً ترتب على ذلك آثار سيئة، وهي نظرية بروميثوس الذي سرق النار من الآلهة، وأن الرب -كما تصوره الأساطير اليونانية- تعمّد تجهيل الإنسان، ولم يرد أن الإنسان يأخذ النار؛ لأنه لو عرف النار فسوف يرتقي ويتحضر ويتغلب عليه، لكن استطاع بروميثوس أن يسرق النار وبعد ذلك عوقب بعقوبة شديدة؛ عاقبته بها الآلهة أو الأرباب كما يزعمون.
    من التكوين النفسي الديني, وكذلك التكوين النفسي الأسطوري نشأ لدى الإنسان الغربي, ولدى الحضارة الغربية الشعور بأن أي تقدم وأي اختراع فهو قهر للطبيعية, قهر للرب، وكأنه يغتصب اغتصاباً, وليس منة من الله تبارك وتعالى وعطاء ورحمة وتعليماً كما جاء في القرآن.
    أيها الإخوة والأخوات! نتوقف هنا بعد أن رأينا كيف يلتقي المنهج العلماني اللاديني مع المنهج المحرف أو الدين المحرف؛ في هذه النظرة القاتمة والمعتمة لنشأة الحضارة, ولتطوّر الإنسان، على أمل أننا بإذن الله تبارك وتعالى نبين النظرة الإسلامية وفق التصور الإسلامي الصحيح؛ الذي لا يمكن للعقل أن يرده بأي شكل من الأشكال.
    نسأل الله أن يوفقا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح والهدى القويم.
    وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.