المادة    
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين, وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين. أما بعد: في اللقاءات الماضية كان الحديث عن التاريخ بنظرة شمولية من حيث الآماد والأبعاد، والمناهج المختلفة في النظر إليه, وما يمكن أن ينتج عن ذلك -وهو الذي يهمنا دائماً- وهو العلاقة بين الدين وبين التاريخ، أو بين العقائد جملة وظهورها وبين واقعها أو ظرفها التاريخي الذي وقعت فيه. وفي هذه الحلقة إن شاء الله تعالى ندخل إلى تفصيل في التاريخ بالحديث عن مرحلة التاريخ, وما قبل التاريخ؛ لنستنتج بعد ذلك العلاقة الأقوى والارتباط الأوثق بينها وبين العقائد، والنظرة إلى العقائد الدينية من حيث ظهور تلك العقائد. وهذه قضية مهمة جداً في تاريخ الفكر البشري منذ القدم، وتتعلق بها نظريات كثيرة في الأحياء وفي الجيولوجيا وفي الدين وفي المنطق وفي الفلسفة؛ بل إن الفكر البشري بجملته في العصر الحاضر يكاد يقوم على هذه العقائد أو على هذه النظريات، التي منها اشتقت أكثر العلوم, وقامت عليها كثير من العلوم التي قد تبتعد أو تقترب قليلاً من هذه الموضوعات؛ ولكنها في النهاية متأثرة بها تأثراً واضحاً شديداً. من المعروف لدينا تقسيم العلوم إلى عملية وأدبية، والمعروف أن كل بحث أدبي فهو تاريخي كما يقولون, بمعنى: أن البحوث النظرية بخلاف البحوث التطبيقية؛ فالبحث فيها تاريخي؛ لأنك إن كتبت عن دين أو كتبت عن فرقة أو كتبت عن رجل أو عن شيء تريد جوانب معينة من حياته؛ فإن البحث في النهاية هو تاريخي, ومن هنا ترتبط وتقوى العلاقة ما بين التاريخ وبين الحكم على الناس أو العقائد أو الأشياء من خلال فلسفة أو منهج معين. فبذلك نجد أن هذا الارتباط الوثيق يجعل تحديد حقيقة ما قبل التاريخ، أو التاريخ نفسه، أو أهمية التاريخ خطيرة جداً في هذا الشأن؛ لأنه ينبني عليه ويرتبط به هذا الشأن في كل البحوث النظرية والتطبيقية.