الخوارج جمع خارجة مثل: فواكه جمع فاكهة، أو فواطم جمع فاطمة -مثلاً- وهذا كثير في لغة العرب أن تجمع (فاعلة) على (فواعل)، وكما جاء في القرآن ((وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ))[النور:60] القواعد: جمع قاعدة، وكلمة (خارجة) صفة، فكأننا قلنا: فرقة خارجة، ثم تركنا كلمة فرقة؛ وقلنا: خارجة وجمعها خوارج.
  1. الفرق بين الخوارج والبغاة

    والخوارج : هم الفرق التي تكفر المسلمين بمجرد الذنوب؛ بالأمور التي لم يكفّر بها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وعليه فلفظ الخوارج علم على هذه الفرقة، تحت أي اسم، وفي أي مكان أو زمان كانوا، وسواءً خرجوا على الإمام أم لم يخرجوا.
    وليس كل من خرج على الإمام يكون خارجياً فقد يكونون غير خوارج من حيث العقيدة فيسمون (بغاة)، و(الباغي) من الناحية اللغوية: هو الظالم، وكذلك كل من خرج عن شيء ما فهو (خارج) من الناحية اللغوية، لكن من الناحية الاصطلاحية العقدية: (البغاة) اصطلاح على فئة معينة، والخوارج اصطلاح على فئة معينة، وقد يخلط بينهما بعض الناس فيسمون البغاة خوارج، وممكن أن تصح هذه التسمية، لكن هذا الإطلاق خطأ من الناحية التاريخية ومن الناحية العلمية، فمن الناحية التاريخية: ليس كل من خرج على علي رضي الله عنه يقال: إنه من الخوارج، فـمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه -مثلاً- ومن كان معه من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين خرجوا عن طاعة علي رضي الله عنه، فهل سماهم خوارج ؟ أو اعتبرهم خوارج ؟ لا. إذاً: هذا من الناحية التاريخية.
    وعليه فليس كل من خرج على الإمام الحق يسمى خارجياً هذا من الواقع التاريخي، وأيضاً من حيث الاستدلال المجرد نقول: إن الإنسان قد يخرج على الإمام الحق وهو معتقد بعقيدة أهل السنة والجماعة، وقد يظل في طاعة الإمام وهو معتقد لأحد مذاهب الخوارج، فليست القضية مرتبطة بطاعة الإمام أو اعتقاد ولاية الإمام الحق، وإنما هي مرتبطة بالعقيدة، وقد يكون الإمام والباغي الذي خرج عليه على عقيدة واحدة؛ كل منهما -مثلاً- على عقيدة أهل السنة أو غيرها، المهم أنه لا يشترط أن يكون هذا الخارج على عقيدة الخوارج، لكنه أخطأ إذ خرج على الإمام الحق، وسمي باغياً لخروجه وعدم دخوله في طاعته، أما (الخارجي) فسواء كان داخلاً تحت حكم الإمام أو خارجاً عنه، قاتل المسلمين أو لم يقاتلهم فيطلق عليه (خارجي)، وليس شرطاً أن يكون له إمام؛ فمن فرق الخوارج من عينت إماماً، ومنهم من يعتقد عقيدة الخوارج وليس له إمام معين، فإذاً: نحن بهذا نكون قد ميزنا بين اصطلاحين: وهما الخوارج و(البغاة).
  2. فرق الخوارج

    والخوارج ثلاث فرق -أي الغلاة- وهي حسب شدة غلوها على هذا الترتيب: الأزارقة، ثم النجدات، ثم الإباضية، وإلا ففرق الخوارج كثيرة، لكن هذه الفرق الغالية جداً.
    وأشهر فرقهم الأزارقة، وسموا أزارقة نسبة إلى نافع بن الأزرق وهو مذكور في كتب التفسير في سؤالاته لحبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأهم عقائد الأزارقة أن كل المسلمين كفار إلا من كان معهم؛ حتى (القعدة ) -كما يسمونهم- كفار في عقيدة الأزارقة، وهم: من كانوا على عقيدتهـم ولكنهم قعدوا ولم يلتحقوا بهم؛ فهم عندهم كفار، وهذه أكبر وأعلى درجة يمكن أن تُتصوَّر في الغلو، إذ كيف يعقل أن توجد فرقة أو طائفة تكفر كل من عداها من المسلمين -نسأل الله العفو والعافية- والمجتمع الإسلامي في نظر الأزارقة هو فقط ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، ثم ما كان في أيام أبي بكر وعمر، ثم ينتقل إلى نافع بن الأزرق وطائفته التي كانت طائفة محدودة في وسط الجزيرة العربية وشرقها فقط -هذا هو كلامهم- ومن عداهم ارتدوا وكفروا حتى من كان على عقيدتهم ولكنه لم يلتحق بهم، ولا يوجد عندهم شيء اسمه (تقية)، فهؤلاء القعدة وإن ادعوا أنهم قعدوا تقية فهم كفار -نسأل الله العفو والعافية- وهذ خلاصة معتقد الأزارقة .
    الفرقة الثانية: النجدات : نسبة إلى نجدة بن عامر الحنفي زعيم النجدات، كان من أتباع نافع فتركه وانفصل عنه -وهكذا الفرقة دائماً- وهو أقل غلواً من الأزارقة، فقال: من لم يكن على عقيدة الخوارج فهو كافر سواء التحق بهم أو لم يلتحق بهم، ومن كان على عقيدتهم ولم يلتحق بهم فهذا يعتبر آثماً ومقصراً لكنه لا يكفر، وهذا هو الأمر الذي كان فيه أقل غلواً مقارنة بـالأزارقة، إذ كان الاعتبار عند نافع التبعية، فمن اتبعه ووالاه فهو المسلم، أما نجدة فجعل الاعتبار المعتقد، فمن اعتقد العقيدة التي هو عليها فهو عنده مؤمن، لكنه لا يجعل من اتبعه وناصره وحارب معه مثل من كان على عقيدته وهو قاعد، فـالقعدة مقصرون وآثمون في معتقده، لكنه لا يخرجهم من الدين.
    الفرقة الثالثة: الإباضية : نسبة إلى عبد الله بن إباض، وخلاصة عقيدتهم: تكفير الحاكم وعسكره فقط، وهم عندما يتكلمون على السلطان لا يعنون سلطانهم هم، بل يعنون خلفاء بني أمية، وخلفاء الدولة العباسية؛ فضيقوا دائرة الكفر، فالكافر عندهم هو السلطان وعسكره، ومن والاه، وأما البقية فهم في كفر لكنه ليس بالأكبر، وإنما كفر دون كفر، والمؤمن من وافق الإباضية وكان على دينهم، وهذه الفرقة هي التي بقيت باسمها إلى عصرنا الحاضر، ويوجدون في عمان، وهم ما يقارب (50 %) من السكان، وهذا أقوى وأشهر مكان لهم، ولهم تواجد في ليبيا والجزائر، وفي تنزانيا، وفي كينيا كان لهم وجود قليل جداً، فهذه أماكن تواجدهم.
    والإباضية الموجودون في العالم اليوم عندهم قضية من قضايا العقيدة يجعلونها محل المفاصلة والموالاة والمعاداة، ويكفرون من خالفهم فيها مع أنها إحدى جزئيات العقيدة، لكنها -في نظرهم- أهم شيء، وهي نفي رؤية الله تعالى.