المادة    
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
فضيلة الشيخ سفر بن عبد الرحمن الحوالي ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, أقرئكم سلام أبنائكم في البالتوك, وعلى شبكة الإنترنت في غرف أهل السنة والجماعة الذين يتصدون لدعوة النصارى إلى الإسلام؛ وننقل إليكم محبتهم لكم في الله.
وإذا سمح لنا وقتكم فلدينا بعض الأسئلة نود أن نطرحها على فضيلتكم.
السؤال: بعض إخواننا في غرف البالتوك درجوا على شتم يسوع؛ بحجة أنه ليس عيسى عليه الصلاة السلام، فما هو رأيكم في هذه المسألة؟ هل يسوع هو عيسى؟ وهل يجوز شتمه؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فأولاً: نشكركم على ما تبذلونه من جهود دعوية, وأسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقكم, كما نشكركم على محبتكم لنا في الله, ونسأل الله أن يجمعنا وإياكم بهذه المحبة بجنات النعيم إنه سميع مجيب.
أيها الإخوة الكرام! تعلمون أن الله تبارك وتعالى قال: ((وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ))[الأنعام:108], ويقول تبارك وتعالى: ((وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ))[العنكبوت:46].
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الأعظم في التعامل مع أهل الكتاب بالحكمة والموعظة الحسنة, كما أمره ربه تبارك وتعالى, وكان كما جاء وصفه في كتبهم -وكما كانت حياته كلها صلى الله عليه وسلم- لا يجهل؛ ولكن يعفو ويصفح؛ فكل من آذاه صلى الله عليه وسلم أو شتمه فإنه لا يقابل الجهل بالجهل؛ ولكنه يعفو ويصفح.
ومن العجب -حقيقة- أن بعض الإخوة هداهم الله وأصلح بالهم! ينزل بهم سوء الفهم أو الحماس أحياناً أو الدفاع في غير موضعه الصحيح, وترك الالتزام بسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ينزل بهم ذلك إلى الوقوع في مثل هذا العمل، أي: أن يسبوا نبي الله عيسى عليه السلام، أياً كان الاسم الذي يسمى به عندهم أو عندنا؛ لأن المقصود عندنا وعندهم واحد -كما أن الله تبارك وتعالى واحد؛ فهو ربنا وربهم, وروح القدس هو جبريل عليه السلام عندنا وعندهم- فلا يجوز أن يُسبَّ نبي ولا ملك فضلاً عن سب الله تبارك وتعالى -كما قرأنا في الآية- على الإطلاق, وإن نَسب إليه المشركون ما نسبوا؛ لأن التوراة المحرفة التي يؤمن بها هؤلاء تنسب الأباطيل والقبائح والشنائع إلى الأنبياء؛ فمن ذلك: ما نسبوه إلى نوح عليه السلام بقولهم: إنه سكر وتعرى، ومثل ذلك: ما نسبوه إلى لوط عليه السلام حيث قالوا: إنه زنى بابنتيه, وكذلك نسبوا إلى داود وسليمان عليهما السلام من القبائح، بل وصل الحد بهم أنهم اتهموا سليمان عليه السلام بأنه يعبد الأصنام, وأن الأصنام المنحوتة كانت في بيته تعبدها نساؤه من دون الله تبارك وتعالى؛ وغير ذلك من الأباطيل.
وعلى كل حال فكل هذا لا يُجيز للمسلم أن يسب أحداً من الأنبياء؛ بل لا نقول: فقط الأنبياء الذين وردوا في القرآن أو في السنة؛ بل لو أن لديهم شخصاً يدعون أنه نبي -مع أنه يجوز أن يكون نبياً؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يقصص علينا كل الأنبياء, كما قال تعالى: ((وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ))[النساء:164]- فلا يجوز لنا أن نذمه أو نتعرض له إلا مقيداً بما يرد عندهم -لأنه قد يجوز أن يكون في الباطن نبياً أو عبداً صالحاً أو ولياً من أولياء الله تبارك وتعالى- فنقول: فلان كما يقولون أو كما يزعمون أو كما عندهم أو كما في كتبهم.
وعندما (جاء اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يسبونه حين إلقائهم السلام عليه؛ فيقولون: السام عليك. يورُّون بذلك؛ فعندما ردت عليهم عائشة رضي الله تعالى عنها؛ وقالت: عليكم السام واللعنة. أنكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا عائشة ! إن الله رفيق يحب الرفق).
فليس من دعوتنا على الإطلاق لا في الإنترنت ولا في التأليف ولا في غير ذلك: الشتم أو السب أو القذف، هذا هو ديننا.
وكذلك يا إخواني! من ناحية الذوق والمروءة والعقل لا ينبغي ذلك، وكما يعلم الجميع في كل أنحاء العالم أن العلماء يتناقشون ويتحاورن بأدب وبحسن خلق، أما القذف والشتم والذم فهذا يجيده الجهال أكثر من العلماء, ولا غرابة في ذلك؛ لأن المثل يقول: كل ينفق مما عنده.
فيجب على الإخوة أن يكونوا جميعاً -إن شاء الله- قدوة في التعامل الحسن, وهذا مما يحبب الإيمان إلى أهل الكتاب, ويجعلهم يتقبلون الدعوة, ويجعلهم يستمعون إلى ما يرد في وسائلها من هذه الغرف في الإنترنت أو في غيرها.
أما الدعوة بالسب والشتم وما أشبه ذلك فلا حاجة لنا أبداً بهذه الدعوة، فلا حاجة للإسلام ولا للدعوة إلى داعية يسب نبياً من أنبياء الله تبارك وتعالى، حتى وإن تأول في ذلك ما تأول؛ فإنه لا يجوز أبداً، وقد يؤدي به -والعياذ بالله- إلى الخروج من الدين وهو لا يشعر؛ ولا سيما -كما تعلمون- أن عيسى عليه السلام من أولي العزم, وهو الذي أثنى الله تبارك وتعالى عليه في كتابه, وهو أقرب وأولى الأنبياء بالنبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث؛ لأنه ليس بينه وبين نبينا نبي، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فأنصح الإخوة الكرام أن يعفوا ألسنتهم وأقلامهم, وأن يجتنبوا هذه الموضوعات التي لا بد وأن تكون نتائجها غير حسنة في الدعوة إلى الله عز وجل.
وليعلموا أنه لا أحد يهتدي إلى الإسلام عن طريق الشتم والسب، والطعن والذم؛ بل إن المؤمن ليس بشتام ولا لعان أبداً حتى لدابته, فضلاً عن شتم ولعن الناس في أي أمر من الأمور, وإنما هو دائماً حسن الخلق، وحسن التعامل, ويدعو إلى الله كما أمر الله، فمن استجاب فالله تعالى هو الذي هداه, ومن لم يستجب فقد قامت عليه الحجة.