المادة كاملة    
هناك العديد من القضايا التي تهم المسلمين، ويتساءلون عنها كثيراً، فمن دور العلماء في حياة الناس، إلى دور الجماعات الإسلامية في التغيير في المجتمع، إلى دور مؤسسات المجتمع المدني ككل في التغيير، إلى السؤال عن مرجعيات تحسم خلافات المسلمين فيما بينهم، وغير ذلك من التساؤلات التي تهم المسلمين في دينهم ودنياهم.
  1. الرد على القائلين باختفاء دور العلماء واكتفائهم بالكتابة دون الظهور

    الشيخ: الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم لك الحمد والشكر؛ كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك. أيها الإخوة الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: فبعد شكر الله تبارك وتعالى، أشكركم جميعاً أيها الإخوة! في هذا الموقع المبارك، وفي غيره من المواقع الأخرى، وأيضاً الإخوة الذين بعثوا بأسئلتهم أو ملاحظاتهم أو آرائهم، وكذلك الإخوة المستمعون والمشاركون جميعاً في هذا اللقاء الذي نرجو أن يجعله الله تبارك وتعالى موفقاً ومباركاً. ثم إنني أقول: إن أحد الدلائل التي تبعث على الأمل والتفاؤل -وأنا ولله الحمد دائماً من دعاة الأمل والتفاؤل، ولي على ذلك براهين سيأتي الحديث عنها إن شاء الله تبارك وتعالى ضمن هذا اللقاء- هو ما ورد في كثير من الأسئلة -وهي كثيرة جداً- من العمق والأصالة، ومن قوة النقد والملاحظة, وطرح الحلول، وبعث الأمل؛ فقد ورد فيها الشيء الكثير الذي يجعلنا نحمد الله تبارك وتعالى، ونستبشر بخير لهذه الأمة، ولهذه الصحوة على هذه المواقف الواعية والمتزنة والمتميزة. كما قلت: إن الأسئلة كثيرة، وهي في الحقيقة أسئلة جيدة؛ نسأل الله التوفيق في الإجابة عليها. السؤال: أين دور العلماء المصلحين في هذا الوقت بالذات؟ وهل الانكفاء على البحث والكتابة يغني عن الظهور في الساحة؟ الجواب: السؤال مهم جداً, والإجابة عليه لا تخص واحداً بعينه؛ بل هي تشملنا جميعاً؛ فلا شك أنه يجب أن يكون للعلماء وللدعاة ولطلاب العلم -بل وللأمة كلها- الدور البارز في مواجهة هذه الأحداث، وفي التعامل معها. لكن لا أتفق مع الأخ بأن هناك انكفاء على البحث والكتابة كما تفضل؛ لأن في الواقع ليس هناك تعارض، فالحل قد يكون بالكتابة, فنحن نحتاج إلى البحث، ونحتاج إلى الكتابة، ونحتاج إلى الخطابة، ونحتاج إلى كل وسيلة ممكنة. فالمعركة طويلة ومستمرة، وتحتاج إلى كل الطاقات, فتحتاج إلى العلماء المصلحين, وتحتاج أيضاً إلى تفعيل الطاقات التي لنا عليها بعض الملاحظات, أو لا تكون بالدرجة المطلوبة؛ لأن المعركة أعم وأشمل من أن تقتصر على فرد أو على طائفة أو على فئة من الأمة.
  2. القول بأن الأمة تعيش مرحلة اتفاق عامة الأمة واختلاف العلماء

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يمكننا القول بأننا نعيش مرحلة اتفاق عامة الأمة واختلاف علمائها؟ الجواب: أعتذر للأخ, وأقول: لا. فليست القضية هكذا, ولا ينبغي في هذا الأمر أو في غيره تبسيط الأمور في عبارات أو في قواعد أو تقعيدات مطلقة أو عامة أو مجملة, فالقضية أكبر من ذلك وأعقد. أنا أقول للأخ الكريم ولغيره: نحن الأمة الإسلامية جميعاً -ولله الحمد- نعيش نهضة مباركة عامة متنوعة, وتنوع الاجتهادات هو أحد مظاهرها, واختلاف وجهات النظر هو أحد أسباب ثرائها, وهو أحد الملامح الواضحة الدالة على أننا في مرحلة تجديد؛ فمن أهم شروط التجديد الإبداع والاجتهاد؛ لكن بعيداً عن الابتداع, وبعيداً عن الهوى، فالأمة الإسلامية التي غابت عن الواقع أو تضاءل دورها قروناً تريد الآن أن تنهض وأن تثب -والله الحمد- وثبة قوية عالية. ومن هنا فإن تعدد وجهات النظر أمر طبيعي, والأمة تبع لعلمائها في الغالب؛ فتعدد وجهات النظر موجود لدى العلماء كما هو موجود أيضاً لدى العامة, واتفاق عامة الأمة الآن -العلماء والعامة- على أمر هو أمر وشيء عظيم, ومثل ذلك: اتفاقها على ضرورة المواجهة.. اتفاقها على أن يكون لنا دور في الأحداث.. اتفاقها على أن عداوة أهل الكتاب قد كشفت, وغير ذلك من هذه الأمثلة؛ فهذا دليل خير، ويتفق عليه الجميع. أما اختلاف العلماء الذي ينذر بالمخاطر كما قد يظن فلا يوجد والحمد لله؛ بل بالعكس, فالذي يبدو في هذه الأيام هو أن التقارب أكثر بكثير -ولله الحمد- من أوجه الاختلاف.
  3. اقتراح إنشاء قيادة عامة ترجع إليها الأمة

    السؤال: فضيلة الشيخ! طرح المشتركون أكثر من سؤال ومداخلة تتضمن اقتراحاً بإنشاء قيادة عامة للعلماء، تتجاوز مسائل الخلاف إلى الثوابت المتفق عليها؛ لتتوحد حولها الأمة, ولا بد من وضع هامش واسع للمسائل الخلافية أمام العامة, فما تعليقكم على هذا الاقتراح؟
    الجواب: لا شك أن هناك مطالب كثيرة, وأصواتاً ترتفع بضرورة أن يكون للأمة مرجعية, أو قيادة علمية, أو قيادة عامة, أو ما أشبه ذلك, وترتيب الأولويات -كما ذكر الأخ الكريم في سؤاله- هو أحد أهم أعمالها؛ لكن نحب أيضاً أن نوضح هنا أمراً مهماً؛ وهو أن بعض التعبيرات وبعض المصطلحات أو المطالبة بها قد تفهم على أوجه مختلفة, ومن ذلك مسألة المرجعية؛ فعندما نتحدث عن مرجعية أو عن قيادة ربما يفهمها البعض على الشكل المعمول به؛ بل قد صرح البعض بذلك كما هو موجود مثلاً عند طائفة الشيعة , أو كما هو موجود عند الكاثوليك وأشباههم, والبعض يظن أن من أسباب جمع كلمة الأمة واهتدائها أو ضرورة ذلك أن يكون لها هيئة أو مجمع يفتي فلا تختلف الأمة بعد ذلك.
    الحقيقة يا إخوان! أن الإسلام أرحب وأوسع من ذلك -ولله الحمد والشكر- فالمرجعية قائمة في كتاب الله, وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفي العلماء المجتهدين الذين لا ينضب منهم الزمان, وفي الطائفة المنصورة وهي موجودة في كل زمان ومكان, ولكن قد تضعف أو تختفي! وهذا أمر له إيضاح فيما بعد إن شاء الله؛ لكن المقصود أن الأمر أوسع وأعظم من أن يقصر في فئة معينة.
    ونحن لا نشكك الآن في المطلب؛ لكن نبين أن الأمر أوسع منه، فنقول: هب أن ذلك وجد، فمن الذي يمكن أن يلزم الأمة؟ من يستطيع أن يقول: إنه لا يجوز لأحد أن يخالفه؟ هذا طبعاً أمر لا نملكه, ولا يزال المجال مفتوحاً والأمر واسعاً, والغاية تتجدد وتتغير وتتطور؛ ولذلك يمكن أن نطور هذه الفكرة -إذا أخذناها- بأن نجعلها دافعاً وحافزاً للتشاور المستمر بين المسلمين لتبادل وجهات النظر, ونترك موضوع الآلية والتنفيذ مفتوحاً, فآليات كثيرة يمكن أن تقوم؛ تكون على شكل أبحاث, أو على شكل حوارات في شبكات الإنترنت أو في غيره, أو على شكل لقاءات تصغر أو تكبر, أو على شكل لجان، أو على أي شيء يمكن أن يؤدي الهدف الذي هو ترتيب الأوليات، يعني: يمكن أن يتخذ في كل توجه وفي كل مكان وزمان أو في أي ظرف بما يناسبها؛ فنظل أقرب إلى رحابة الإسلام وسماحته, دون أن نفرط أيضاً في إيجاد الآلية الأفضل والأمثل لتحقيق هذا الهدف العظيم النبيل.
  4. ضرورة الموازنة بين العمل بالقطعيات وفقه الخلاف

    السؤال: فضيلة الشيخ! كأنكم تشيرون الى أن قضية الأمة ليست في اختلافها أو في اجتهاداتها استنباطاً من الكتاب والسنة أو غير ذلك؛ ولكن أكثر ما يحصل فيه الخلاف هو قضية التطبيق أو قضية افتعال الخلاف بين طلبة العلم, وما يمكن أن يعبر عنه بعدم فهم فقه الخلاف, وليست القضية في الاختلاف؛ فالاختلاف موجود في الأمة عامة, ولكن التعامل مع هذا الخلاف وفقهه هو الذي أوجد ثغرات وتطاحن بين شباب الأمة, وعدم وعي لهذه الأولويات التي يمكن الحديث عنها . الجواب: الحقيقة أن ما تفضلت به متضمن لأسئلة كثيرة جداً؛ لكن أنا لا أقف عند هذا الحد فقط؛ بل أقول: الأشياء المجمع عليها التي لا تحتاج إلى أن تبحث ولا أن تناقش كثيرة جداً, ولو عملنا بها وأقامها كل منا في نفسه وفي بلده وفي حدوده؛ لوجدنا خيراً عظيماً جداً, ولتضاعفت أوقاتنا وجهودنا, ولاجتمعت الأمة عليها اجتماعاً عظيماً. هناك قطعيات وثوابت وأصول وكليات لا مجال فيها للنقاش, ولا يحتاج أن تعرض حتى ليقال: هل نحن متفقون فيها أو نحن مختلفون, هذه يجب أن نعمل بها, مثل: الأصول الكلية وقطعيات هذا الدين الضرورية؛ كأركان الإيمان, وأركان الإسلام, والحقوق التي جعلها الله تبارك وتعالى بين المسلمين وهي كثيرة، ومثل: ترك الفواحش الظاهرة المحرمة وغير ذلك. الآن المجتمعات الإسلامية في حاجة شديدة إلى هذا الكليات, وإلى هذه القطعيات, وإلى هذه الثوابت التي لا يناقشك فيها، حتى ممن يخالفونها أو يرتكبونها في كثير من الأحيان، فهذه نحتاج أن نبعثها ونحييها. وفي الجانب الآخر نحيي أيضاً فقه الخلاف, وذلك من سنة الله تبارك وتعالى, وأنه فعلاً نحن نحتاج إلى أن نعرف كيف نختلف أكثر مما ندعي ألا نختلف، لو عرفنا كيف نختلف ومنهجنا في ذلك وقدوتنا هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم, وأصحابه الكرام, والأئمة الأربعة وغيرهم من الأئمة الكرام المجتهدين الذين رسموا معالم واضحة في هذا الشأن -ولله الحمد- وليس الموضوع يعتبر مشكلة, وأن الأمة تعيشه, وأن الأمة إن لم يوجد لها مرجعية محددة تضع لها كل شيء، فهي تظل أمة ضائعة, وتظل بلا هدف, كما لاحظنا ذلك في كثرة الحديث عنه, وأيضاً فيما تضمنته الأسئلة الكثيرة، فنرجو أن يكون هذا كافياً، والموضوع فيما أظن سيأتي له تكملة.
  5. الفرق بين سعي أرباب المصالح الدنيوية وبين الإسلاميين في تقريب وجهات النظر

    السؤال: فضيلة الشيخ! دائماً ما نرى ونسمع الخصوم والفرقاء من أرباب المصالح الدنيوية يجتمعون في مفاوضات ومؤتمرات وغيرها؛ لتقريب وجهات النظر, وتحقيق مصالحهم المشتركة, وغير ذلك, بينما لا زالت الحركات والقيادات والجماعات الإسلامية -دعوية كانت أو حركية- حوارها في أغلبه ضعيف أو منعدم إن لم يكن سلبياً؟ الجواب: لا شك أن هناك ما يستدعي العلاج؛ لكن أيضاً حجم المرض أو حجم الظاهرة ينبغي أن ينظر إليه بواقعية، وعلى سبيل المثال أقول: إن الواقع العملي أثبت أن مجالات العمل توحد أكثر مما توحده قرارات لأوراق أو اجتماعات قد تكون في مؤتمرات ومنتديات كثيرة جداً. ومن هنا تأتي أهمية ما يقدره الله تبارك وتعالى من الأحوال والأقدار في الكون، كقضية تكالب الأمم علينا, أو تواطؤ أهل الكتاب علينا, فهذا أدى إلى أن تتوحد الأمة الإسلامية توحداً كبيراً جداً من أجل صيانة الأخلاق؛ فهناك تشكي، وهناك طرح وعرض حلول كثيرة لهذه المشكلة, وهكذا، فالأحداث بذاتها هي من توحد الأمة؛ لكن بشرط أن نبتعد عن الهوى, وأن نتجنب حظ النفس, وكثير من أسباب ودواعي الاختلاف -كما أشرنا قبل قليل- أن نفقه فقه المجادلة بالتي هي أحسن في حق المخالف, وأن نعلم أن ما يجمع الإخوة العاملين في حقل الدعوة ومجال الدعوة إلى الله تبارك تعالى كثير. بل إني أقول عن تجربة: إن الأمة الإسلامية ...، وهذه أعظم ميزة في الأمة, حتى الآن لا تجرؤ فرقة إسلامية أن تكتب مصحفاً وتقول: هو القرآن كلام الله؛ بل تجد المسلم يدافع ويجادل وينافح, أما الأمم الأخرى فإنك تجد الكنائس الغربية تجتمع فتنسخ إنجيلاً جديداً, وتحذف وتعدل فيه؛ بل إن كثيراً من المفكرين والكتاب كتب بيده إنجيلاً ونشره, وإذا قارنته بأطروحات هذه الأمة فإنك تجد -ولله الحمد- أن القرآن لا يستطيع أن يتخطاه أي أحد. ومن هنا نقول: إن هناك مشكلة من ناحيتين: الناحية الأولى: من ناحية الهوى كما أشرت. الناحية الثانية: من ناحية قلة التجربة. ولعل الأحداث التي تصوغها التجربة وتزيدنا بها ثباتاً إن شاء الله أن يكون هناك فتح المجال للنقد والنقاش والحوار، ومن ذلك: ما ذكره واقترحه السائل الكريم، وغيره من الإخوة, ومثل: الطرح القوي لهذا من قبل عامة الدعاة وطلبة العلم، فهذا مما يجعل القادة والمسئولين يخضعون أو يرغبون في تلبية هذه المطالب؛ فتتوحد الأمة في أكثر أمورها بإذن الله تبارك تعالى.
  6. مرحلة تجاوز الأمة الأطر الحزبية الضيقة

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل ترون إذاً أن المرحلة الراهنة تتجاوز الحركات والجماعات بحيث يصبح العمل الدعوي ظاهرة شعبية وليس حزبية, حيث يلاحظ الكثير من شباب الصحوة في كثير من الدول ترك العمل مع تلك الجماعات وأقصد بالأخص طلبة العلم؟ الجواب: أوافق الأخ الكريم على أن الأمة تجاوزت أو في طريقها إلى تجاوز الأطر الضيقة سواء كانت أحزاباً أو جماعات أو أطر عمل, فلا شك أن هذا حادث, وأن هذا هو أحد براهين وبواعث الأمل التي أشرت إليها في أول كلامي, فنحن -والحمد لله- نشهد صحوة متنامية تفوق كل طاقات العمل الإسلامي, وتتخطى وتتجاوز إيجابياً كل المخططات التي كانت تخطط لها الجماعات أو المفكرون أو البرامج للعمل الدعوي المؤطر في حزب أو جماعة. لكن أقول: إن ترك الجماعات أو ترك الوسائل أو الحركات التي ذكرها الأخ ليس ضرورياً بهذا الشكل؛ بل نحن نقول: إنه يمكن أن يكون توسيع المجال وإنارة الأفق أكثر فأكثر, وتنويع الاجتهادات داخل الجماعة أو الحركة أو المجال الذي تعمل فيه هو الأكثر إيجابية في هذا الشأن؛ لأنه ليس الغرض هو تثبيت الكيانات القائمة, الغرض هو أن تنصهر بإيجابيتها وبقوتها فيما هو أكبر منها وأشمل وأقوى لنصرة هذا الدين, والقيام به بإذن الله تبارك وتعالى.
  7. التعامل الإيجابي مع المصطلحات الحادثة العائمة في الأزمات

    السؤال: فضيلة الشيخ! عند الحديث عن التعامل الإيجابي للأزمات؛ نجد أن هناك مفاهيم ومصطلحات عائمة تُمارس دون أن يكون لها معاني محددة, مثل: مفهوم التقارب والوحدة والأولويات وترتيب العداوات, وغيرها من المصطلحات؛ فهل يمكن طرح رؤيتكم لمدلولها الشرعي؟ الجواب: مما ينبغي أن يُعلم -أيها الإخوة- أن المصطلحات غالباً ما تثير إشكالات، ولا سيما ما استجد منها, وبعضها يدخل -كما هو معلوم في دروس العقيدة- في الألفاظ المجملة التي تحتمل الحق وتحتمل الباطل, مثل: ما المقصود بالتقارب؟ وما ترتيب الأولويات؛ فلا يفهم خطأ هكذا. القاعدة في هذا -وهو الأمر المهم- أن العبرة بالحقائق ليس بالأسماء؛ فإذا وجدنا أن مصطلحاً أو اسماً قد يحدث لبساً فلنلغه, فنحن لم نتعبد إلا بما جاء في الكتاب والسنة؛ لكن لو وجدنا من يريد أن يقوم بفعل ليجمع الأمة أو يجتهد في إيجاد مصطلحات تجتمع عليها الأمة, أو يجتمع عليها الفكر, أو تؤسس لثقافة جديدة للأمة, وفكر جديد, ومنهج دعوي علمي جديد؛ فلا شك أنه لا بد من وضع مصطلحات؛ بل الواقع المشاهد أنك قد تأتي بكلمة عابرة لم تقصدها أن تكون؛ ولكن في النهاية تصبح مصطلحاً بحكم التكرار. إذاً: نرجع إلى القضية الأساس؛ وهي أنه في كتاب الله تبارك وتعالى الغنية والكفاية -والحمد لله- وأيضاً في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته الغنية, ونضم إلى ذلك أن يكون على فهم السلف الصالح وتجربته, فنجد أننا ممكن أن نوجد في هذا الشأن مجالات كبيرة وكثيرة للإبداع, ولتحقيق المصالح سواء كانت ترتيب أوليات, أو كان خير الخيرين وشر الشرين, أو بيان واجب الوقت المتعين في الوقت اللحظة وإن كان غيره يجب لكن في وقت آخر, وأي أمر من هذه الأمور التي لا بد منها. على كل حال ليست مشكلتنا هي في وضع المصطلح أو نحوه بقدر ما تكون المشكلة في أننا نضع الحل الصحيح, ونضع المخرج الصحيح في هذه الأزمات, وفي هذه الفتن, أو منهج التعامل الصحيح في هذه الظروف وفي هذه المرحلة بالذات.
  8. التخبط في وصف الحوادث لدى الجماعات الإسلامية

    السؤال: فضيلة الشيخ! ما هو السبب الكامن وراء هذا التخبط في رصد الذات بعد الحادي عشر من سبتمبر, أو في توصيفها من قبل التوجهات الإسلامية؟ الجواب: أولاً: الحقيقة أن التعميم خطأ, لا نستطيع أن نقول: إن المسألة تخبط من قبل التوجهات الإسلامية, وكتعليلي لما نراه من اختلاف في الرأي بعضه متفق وبعضه يختلف, وفيه أيضاً شيء من التخبط عند البعض, وأن الحادث أو الحدث فيه, وعندما يكون الحدث كبيراً فعلى قدر كبره ينبغي أن تتوقع أنت أيضاً كثرة الاختلاف في التحليلات أو في الاستنباطات أو اختلاف الرأي فيه. ولذلك نحتاج إلى توسيع أفق الدعاة إلى الله, ونحتاج إلى مراكز للبحث, ونحتاج إلى التأني أيضاً في الأحكام, فنحن قرأنا ولاحظنا لبعض الإخوة بيانات في أسابيع متقاربة وأيام متقاربة متناقضة ومختلفة، فالتخبط قد يأتي بعض الأحيان من العجلة, والأمة لا شك أنها في حاجة إلى من يوسع أفقها, وبحاجة إلى النظرة الأشمل والأوفق, وإلى التأني والتريث في الأحكام على الأمور, ولا سيما كثير من الأحداث التي ربما لا تظهر حقيقتها أو آثارها الحقيقية إلا بعد ربما عدة سنوات.
  9. الدعوة لتفعيل مؤسسات المجتمع المدني وعلاقته بالتعامل الإيجابي مع الأزمات

    السؤال: فضيلة الشيخ! هل يرى فضيلتكم أن الدعوة لتفعيل مؤسسات المجتمع المدني هي واحدة من مظاهر التعامل الإيجابي مع الأزمات؟ وهل ترون مبرراً لتحرج الكثير من الدعاة والمثقفين من الحديث عنها؟
    الجواب: أيها الإخوة الكرام! ينبغي أن ننبه إلى أن هذا المصطلح -مصطلح مؤسسات المجتمع المدني- قد يكون غامضاً عند كثير من الإخوة, وقد يكون غير مفهوم, وربما البعض أيضاً يرفضه, وينطبق عليه ما قلنا قبل قليل عن المصطلحات؛ لكن الذي أريد توضيحه هنا فقط هي مسألة المؤسسات العاملة في المجتمع المدني ... يدعيه الآخرون, وأنها غيبته, هب أننا غيبنا المصطلح, وأننا لم نسمه كما تريدون، فهل غاب فعلاً دور الدعاة والمصلحين والعاملين جماعات وأفراد ومؤسسات في المجتمع المدني؟! نحن لو نظرنا إلى هذا الشعار الذي صاغه العلمانيون وأشباههم لو نظرنا إلى واقع المجتمع من الذي الآن يشفق على الأرملة والمسكين والفقير؟! من الذي يجتهد في العمل الخيري؟! من ذا الذي يقوم بتقديم الخدمات للمجتمع في أوقات الأزمات؟! وهذا مما نوصي به ونؤكد به كثيراً حتى في الأزمة الحالية, من الذي يهمه دائماً التفكير في قضية المجتمع ككل؟! من ذا الذي يهمه تقديم النصائح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حماية وصوناً لهذا المجتمع؟! من الذي يهمه رفض أعداء هذا المجتمع وبيان خطرهم وضررهم؟! ومن؟ ومن؟ أسئلة كثيرة جداً لا نجد لهؤلاء العلمانيين وأمثالهم أي دور فيها, ولكن العاملين في الساحة الدعوية هم الذين -رغم كل الأحداث والمحن- لا يزالون يعملون, نعم هناك بعض التقصير؛ لكن كل جوانب أعمال البر والعمل الخيري، ومساعدة الشباب مثلاً: على الزواج وعلى العفة ومحاربة الرذيلة, وإيجاد المؤسسات التي تخدم كل فئات المجتمع دون استثناء، تقدم العمل التطوعي وهو أفضل أنواع الأعمال المؤسسية الخدماتية للمجتمعات، هذه -ولله الحمد- يقوم بها مئة بالمئة أهل الدين ومن والاهم.
    وأؤكد على أنه حتى في الظروف الصعبة والمعاناة الشديدة بعد أحداث أمريكا وما يتعلق بها لا يزال الإخوة -ولله الحمد- يوصلون العمل الخيري إلى أنحاء العالم، والدعوة يقومون بها أيضاً, فرغم هذه المحن لا يزال الشباب المتدين -والحمد لله- يقوم بذلك, ولا يتحرج الدعاة أبداً من هذا, فهم قائمون به، وربما لا يسمونه بهذا الاسم لكن لا قضية لمجرد الاسم وإنما للحقيقة والواقع, وما كان هناك من تقصير فنرجو أن يتدارك, ولا سيما فيما يتعلق بالمؤسسات الأشمل والأوسع، مثل: إحياء الشورى في المجتمع ككل -بما يتعلق بعلاقاته- مثل إيجاد مؤسسات اقتصادية أكبر وأشمل وأبعد تأثيراً, وكذلك إيجاد محاضن تعليمية أكثر, وكذلك إيجاد وسائل إعلامية أقوى, لا بد من كل هذا, ونحن في الحقيقة نعترف بالنقص في أمور؛ لكن لا نقر لهؤلاء العلمانيين بقضية غياب الدين والدعاة عن مؤسسات المجتمع المدني كما يسمونها.
  10. ضرورة فقه المراجعات للصحوة الإسلامية

    السؤال: فضيلة الشيخ! ألا يرى فضيلتكم أن التعامل الإيجابي للأزمة يقتضي مراجعة المحددات الفكرية للصحوة الإسلامية, والتي رسخت في أذهان كثير من جيلها المعاصر دون تفصيل في المنهج السليم لتطبيقها على الواقع, مثل: مصطلح العزلة والخلطة والجاهلية والمفاصلة والشيوعية والكفر بالطاغوت والغربة والغرباء, مما أدى إلى نشوء ظواهر فكرية غالية في أوساط الشباب المسلم, فهل ترى أهمية المراجعة والتصحيح؟ الجواب: مما ينبغي أن يُعلم -وأرجو أنه معلوم لدى الإخوة جميعاً- أن الدعوة إلى الله تبارك وتعالى والعلم أو مواجهة الأحداث والأزمات هي كلها أمور متجددة حيوية أي: نشطة غير خاملة, فهي متحركة دائمة الحركة, ومن هنا فإن المراجعة تصبح أمراً ضرورياً؛ سواء مراجعة الموقف، أو مراجعة المنهج، أو مراجعة المصطلحات، أو أي نوع من المراجعة، فيجب أن تكون مشمولة في هذا الشأن, المهم هو بقاء الضوابط الشرعية, وبقاء الثوابت والكليات التي تنسب إليها الفرعيات المتناثرة والجزئيات التي لا حصر لها. ثم ينطبق على هذه المصطلحات التي أوردها الأخ ما أشرنا إليه من المصطلحات قبل قليل, ولا مانع من ضبطها، ولا مانع أيضاً من إيجاد مصطلحات جديدة للتعبير عن مرحلة معينة؛ بشرط أن تضبطها الضوابط الكلية كما أشرنا.
  11. بعض الأولويات التي ينبغي للمربين الاهتمام بها

    السؤال: فضيلة الشيخ! كيف ترون الأولويات التي يجب على المربين والآباء التأكيد عليها وغرسها في نفوس الناشئة في مثل هذه الأزمات؟
    الجواب: في هذه الأزمات -وفي كل أزمة- يجب أن نبدأ الطريق من أوله, فلا بد أن يعلم أن واجبنا الذي خلقنا الله تبارك وتعالى من أجله هو الإيمان بالله تبارك وتعالى حق الإيمان؛ أن نؤمن به وكتبه ورسله وملائكته وباليوم الآخر حق الإيمان، ومن ذلك على سبيل المثال: الإيمان بالله يقتضي منا استحضار عظمة الله تبارك وتعالى, وأن نعلم الناس عظمة الله عز وجل, وأن نحاول بقدر الإمكان من خلال الكتاب والسنة والتأمل في الكون وغير ذلك أن نبين لهم أو نعلمهم كيف يقدرون الله تبارك وتعالى حق قدره في حدود ما يستطيعون؛ لأن المشكلة التي تعيشها الأمة الآن أحد جوانب الإشكال فيها هو تعظيم جانب العدو, وتضخيم قوة العدو, وتضخيم كل شيء يأتينا من جهة الغرب على سبيل المثال، بينما من عظم الله تبارك وتعالى حق تعظيمه, ومن قدر الله تبارك وتعالى حق قدره يختلف الأمر بالنسبة إليه، كما قال خالد بن الوليد رضي الله عنه: [[ لما سمع رجلاً من المسلمين يوم اليرموك يقول: ما أكثر الروم! فقال: بل قل: ما أقل الروم وما أكثر المسلمين]]؛ فتصحيح النظرة إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى, وهذا موضوع طويل؛ لكن أذكره على سبيل المثال.
    كذلك فيما يتعلق بتصحيح النظر إلى مسألة الثقة؛ من الأمور المهمة جداً الثقة بالنفس, نحن لا نغالي ولا نبالغ ولا نتجاوز سنن الله تبارك وتعالى؛ لكن نحن الحقيقة نفتقد الثقة في أنفسنا، لو شئت الليلة لذكرت لكم أمثلة كثيرة جداً على إخفاقات أمريكا المتوالية، ولكن يكفيكم مثالاً واحداً إخفاقها في أفغانستان! من العاقل في العالم الآن يمكن أن يعتبر أن أمريكا نجحت في أفغانستان! كل العالم سمعوا بوشاً و رامسفلد ومن معه كثيراً يقولون: لا بد من ملا عمر و أسامة بن لادن أحياء أو أمواتاً وهم الهدف, ثم سمعنا جميعاً كيف تراجعوا وقالوا: لم يكونوا هم من أهدافنا, يعني: أن العنب حامض, عندما لم يستطيعوا أن يصلوا إليه، القضية قضية واضحة جداً.
    كذلك إخفاقهم في الفلبين؛ هم أرادوا أن يتدخلوا بالجيش الفلبيني وحاربوا بالفعل ثم في النهاية لم يجدوا مناصاً من أن يفروا، أرادوا أن يتدخلوا ويحتلوا الصومال أيضاً ثم في النهاية وجدوا أنه قد تتكرر هزيمتهم، هزائم كثيرة, أقول: لو أردت أن أقدم أمثلة فقط عن أمريكا وما حصل لها من هزائم في كوريا وفي كوبا وفي كولومبيا وفي أمريكا الوسطى أشياء كثيرة لوجدنا أن الأمر حملة نفسية تشن علينا لكي نفقد الثقة في أنفسنا.
    على الجانب الآخر أين ثقتنا بالله سبحانه وتعالى؟ أين ثقتنا في أنفسنا المبنية على الإيمان بالله سبحانه وتعالى؟ ألا نرى كيف أن إخواننا المجاهدين في هذه البلاد وفي غيرها صمدوا وصابروا وقاوموا، لماذا لا نتوقع أيضاً أن تكون هذه الأزمة الحالية -على سبيل المثال- أيضاً بإذن الله تعالى مفتاحاً وباباً عظيماً للجهاد على أرض العراق وهي أرض الجهاد, وأرض المعارك، وأرض الفتوحات من قديم الزمان.
    يجب أن نستعيد هذه الثقة، ولا ننظر للأحداث كما يريد الغرب أو كما يريد الأعداء أن ننظر إليها، أقول: هذا فقط كمثال للأولويات، فمن أهم الأولويات التي ينبغي على الدعاة والمربين؛ بل وعلى إعلام الأمة كله أن يوجه الناس إليها هذان الأمران على سبيل المثال:
    الأمر الأول: قوة الإيمان بالله تبارك وتعالى.
    الأمر الثاني: قوة الثقة والثبات أيضاً على الحق، وأن نتفاؤل بالمستقبل لهذا الدين, والشعور بأننا ولله الحمد الأعلون، والله تبارك وتعالى قد قال ذلك: (( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ))[آل عمران:139].
    ونحن الآن ولله الحمد لا نقول: إننا استكملنا شروط الإيمان المؤهلة للنصر الكامل, لكن الذي يرى حال الأمة ولله الحمد يتفاءل بأنا على طريق النصر, على سبيل المثال: اجتماع كلمة الأمة ووحدة نظرتها في هذه المعركة واعتبارها العدو عدواً، وبعث عقيدة الولاء والبراء تجاهه؛ هذا في ذاته نصر سواء سقطت البلدة أو الدولة الفلانية أو لم تسقط، أو قد تحررنا أو لم نتحرر، أو تحررت المنطقة الفلانية أو لم تتحرر، هذا في ذاته نصر، التفاف الأمة حول القيادات العلمية الشرعية الدعوية وابتعادها عن التنظيمات المنحرفة الوضعية مهما كانت هذا أيضاً من بشائر النصر وهو من دوافع ودواعي الثقة، أكثر من ذلك -هذا في محاضرة الانتفاضة لعلكم سمعتموها وربما يأتي الحديث عنها- العقل المسلم في الأرض المباركة الذي أصبح يطور ما تعجز عنه قوى كثيرة تملك الملايين والمساحات الواسعة والإمكانيات ويطورها بإمكانيات بسيطة ذاتية هذا أحد البشائر والدلائل على أنه يجب أن نكون واثقين في أنفسنا.
    في الجملة بمناسبة السؤال أقول: من أهم ما ينبغي أن يبعث في الأمة في هذه الأيام هو الأمل والرجاء وقوة اليقين في الله تبارك وتعالى، وألا يكون لليأس إلى قلوبنا سبيلاً, أو أن نقنط من رحمة الله عز وجل؛ بل نجعل توكلنا عليه وحده, واعتمادنا عليه وحده, ونجتهد في الأخذ بالأسباب، فالله تبارك تعالى قد تكفل لمن أخذ بالأسباب مع الإيمان والتوكل بأن ينصره, (( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ ))[الحج:40].
  12. اقتراح إقامة مركز أبحاث إلكتروني بإشراف الشيخ سفر يفتح المجال للحوار والنقد

    السؤال: فضيلة الشيخ! يقترح أحد المشاركين إقامة مركز أبحاث إلكتروني على الشبكة تحت إشراف فضيلتكم, يقوم على فتح المجال للأفكار والآراء والأبحاث والنقاشات والمشاريع العلمية والعملية حول مختلف القضايا, وأن يكون ذلك بأسلوب منظم وشفاف يفي بالمسئولية؛ ففي ذلك فائدة علمية يتجاوز عمل المنتديات, وفيه فتح لمجال للمشاركة الفعالة المفيدة لعموم الأمة رجالاً ونساءً, تفيدهم وتشعرهم بالمسئولية والمشاركة في التغيير والنقد الهادف, وترتقي بهم عن التشكي وإظهار العجز واللوم إلى النضج والإيجابية مع الأزمات, وتجاوز عقدة السبب الواحد والحل الواحد ومشكلة النظر للواقع بسطحية وسذاجة. الجواب: أشكر الأخ على هذه الفكرة, وأقول: الواقع أن شيئاً من هذا موجود، ولا يحتاج أن ننشأ موقعاً جديداً باسمي أو بإشرافي كما ذكر الأخ؛ لكن أقول: نعم ينبغي أن تطور هذه الأبحاث، وتطور هذه المراكز, وأن يفعل الحوار بشكل أكثر إيجابية, ولا مانع لدي أن أكون عضواً مشاركاً بإذن الله تبارك وتعالى في أي عمل من هذه الأعمال المفيدة بإذن الله.
  13. الجهاد في العراق لمن أتيحت له فرصة

    السؤال: هل تنصحنا شيخنا! بالجهاد في العراق إذا أتيحت الفرصة؟
    الجواب: لا شك أن الأسئلة حول هذا الموضوع كثيرة جداً، وأحب أن أنبه إلى قضايا لعلها مما يعين بإذن الله تبارك وتعالى على فهم الحقائق، وتصور الموضوع، وتصور واجبنا جميعاً نحو قضايا الأمة.
    فأقول: أيها الإخوة الكرام! إن المعركة بيننا وبين أهل الكتاب وبين أعداء هذا الدين عامة دائمة ومستمرة لم تقف ولم تنقطع ولم تهدأ, ربما تظهر في مكان أكثر من مكان, وربما يرى أولويات في ترتيبها وفي أحوالها, لكنها قائمة، وإلى أن تقوم الساعة هي قائمة، فلا ترتبط قضية الواجب بأن يحدث العدو عدواناً جديداً أو أن يهاجم بلداً أو عاصمة إسلامية كما قد نظن، ثم إن الأمر أوسع من أن يكون إما فرض عين فلا يجوز لأحد من المسلمين صغيراً أو كبيراً ذكراً أو أنثى أن يتخلى عنه، وإما أنه لا حرج عليك ألا تبالي بأي قضية ولا تفعل شيئاً! ليست الأمور دائماً بهذه الحدة التي قد تؤدي إلى استقطاب شديد بين قطبين متنافرين وفرقة وخلاف جديد.. لا.
    الواقع أن المعركة شاملة كل الميادين؛ المعركة في الميدان الثقافي، وفي الميدان الإعلامي, وفي الميدان السياسي والاجتماعي والاقتصادي, وفي الميدان أيضاً القتالي وهو أحد مظاهرها؛ بل هو أحياناً يخدم بعضاً من هذه الميادين, ومن هذه المجالات, ولعل مقدمة محاضرة الانتفاضة تبين هذا الشيء بإذن الله تبارك وتعالى.
    إذاً: الخطأ شديد -حقيقة- لو حصرنا المعركة في ميدان واحد أو حصرنا واجبنا في أن نحمل السلاح فننطلق إلى بلد ما وإلا فلا نفعل شيئاً أو كأننا لم نعمل شيئاً.
    ما دمنا نعلم أن العدو بهذه الضخامة والشراسة، والمعركة بهذه السعة وبهذه الميادين فعلينا أن نجتهد في كل المجالات، ولننظر إلى مثال واحد في حياة النبي صلى الله عليه سلم:
    يقول الله تبارك وتعالى له: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ))[التحريم:9], فمعاركه صلى الله عليه وسلم مع الكفار معلومة, ومع ذلك كان في كل وقته مجاهداً لهم، وليس فقط عندما تلتحم السيوف يوماً أو يومين بعد سنة أو سنتين أو ثلاث. وكذلك المنافقين جاهدهم صلى الله عليه وسلم وأغلظ عليهم مع أنهم كانوا داخل المجتمع المسلم, وهنا ينبغي أن نتفطن ونقول: كيف جاهد الكفار؟! وكيف جاهد المنافقين؟!
    فشمول مفهوم الجهاد وسعته هو حقيقة الجهاد التي تؤثر وتؤدي إلى النكاية في العدو، فهذه هي التي ينبغي أن نأخذها مباشرة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته.
    وبالنسبة للأوضاع في العراق لا بد أن تتكشف الأحداث على الأمور, ولا شك أنه يجب على كل واحد منا أن يهيأ نفسه لأن ينصر إخوانه بما يستطيع الآن, أو بما يستدعي ذلك فيما بعد، فمثلاً: الإعلام الآن مهم جداً, كيف يتظاهر ويحتج الملايين في العالم والكثير منا في غفلة؟! هذا سؤال مهم جداً ينبغي أن يطرح في هذا الموضوع.
    ولا أعني أنه لا بد أنا نتظاهر نحن، بل المهم أن نعبر عن رفضنا، وأن نعبر عن شعورنا وواجبنا نحو إخواننا، وأن نوصل للغرب وللحكومات الموالية له رسالة واضحة بأننا ضد هذا العدوان، وكل منا على حسب اجتهاده، ولا يفرض أحد منا اجتهاده على الآخر في هذا الشأن.
    كذلك ما يتعلق بالناحية الإعلامية؛ كتوعية الدعاة والأمة، وغرس الثقة والثبات والتوكل على الله -كما أشرت قبل قليل- وكذلك فيما يتعلق بالمجال الإعلامي التنبه للأخبار, على سبيل المثال: لو حدثت حرب فإن أول ما تبدأ سينشر الإعلام الغربي أن هناك تدميراً هائلاً، وأن الوضع قد تردى أكثر؛ لكن تكتشف بعد أيام أو بعد فترة أن ذلك كان مبالغات، كما حدث في مرات سابقة, وربما يكون نصيب الحقيقة منه أقل مما كنت تظن.
    وهكذا يجب أن نهيأ الأمة أيضاً إعلامياً ونفسياً لمرحلة المعركة التي هي معركة طويلة الأمد وشاملة ومتعددة الميادين, دون أن يفرط كل منا أيضاً في موقعه الذي هو فيه؛ لأن من أهداف العدو في مثل هذه الأزمات أن يفقدنا توازننا, بحيث نترك مواقعنا الدعوية أو العلمية أو مواقعنا المهمة في الأمة التي لو تركناها لما استطعنا أبداً أن نعود إليها فيما بعد, وربما نضيعها دون أن ننفع إخواننا هناك.
    فأقول: سوف تتكشف الأحداث بنفسها عن أمور كثيرة، وفي وقتها يجب أن يقال: ما هو الواجب عملياً؛ لكن على الجملة ينبغي أن يعلم أن كل المجتمعات المسلمة مستهدفة, وأننا يجب علينا أن يكون لنا دور إيجابي -إن شاء الله تبارك وتعالى- في الأحداث من خلال ما يمكن أن نعمله, وما يمكن أن نوجده من وسائل، والآلية لتنفيذ ذلك أو لتحقيقه هي الشورى المستمرة عند كل حدث يستجد؛ يتشاور أهل البلد الواحد، ويتشاور أهل المنطقة الواحدة، وأهل المدينة الواحدة, وإذا كان هناك مثلاً أوضاع -لا قدر الله- اختلت أو هناك إشكالات أو أمور تستدعي وحدة النظر والرأي والصف فهذه كلها مما ينبغي أن يكون حياً وبارزاً وظاهراً، ثم نحن نؤمل بفضل الله تبارك وتعالى أن تكون العاقبة خيراً وحميدة، وقد قلت وأحب أن أقول الآن للإخوة الكرام: إن يوماً ما سيأتي بإذن الله تبارك وتعالى غير بعيد نجتمع فيه في لقاء في مثل هذا اللقاء المبارك, ونقول للإخوة: الحمد لله فقد كان ذلك خيراً, وقد كانت النتائج أفضل مما كنا نتوقع, وقد تبدد كثير من المخاوف والمخاطر التي كانت تخشى في سابق الأيام.
    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحقق هذا الرجاء والأمل، إنه على كل شيء قدير.
  14. التراجع لدى بعض العلماء عن مواقف وفتاوى واتخاذ أخرى مكانها

    السؤال: شيخنا الفاضل! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. من المعروف أن الانسان تتغير اجتهاداته وأقواله؛ بل وأساليبه في الحكم على الأشخاص حسب الظروف والأحوال, ولعل في فقه المصلحة والمفسدة دليل على ذلك؛ لكن أن يهدم الإنسان ماضيه, وما كان في الماضي محظوراً يصبح مباحاً, وما كان يحذر منه أصبح اليوم وسيلة دعوية تدعو الحاجة إليها؛ بل أصبح منهج الرخاء هو المنهج الوسط الذي تقضيه الحال زعموا؛ فهذا أمر لم نعلم له شاهد من سير العلماء على مر التاريخ, آمل تلطفكم بالتعليق على ذلك مع تقديم حسن الظن بأخيكم. الجواب: أولاً: شكر الله لك، ثم يا أخي الكريم! بالنسبة لحسن الظن فهذا واجب في الجميع, وأعوذ بالله أن نسيء الظن بأي مسلم؛ لكن أيضاً اسمح لي أن أقول: أرجو ألا يكون الأمر بهذه الحدة من السوء. ثانياً: هناك قواعد أذكرها على عجل في هذه القضية لضيق الوقت: أنه لا بد من التفريق بين الثبات على الحق, وبين الجمود على مواقف تقليدية أو اجتهادية رآها الإنسان في مرحلة ما؛ فالثبات إنما يكون على الحق, والحق كما أوضحت -وأعيد- هو ما كان في الكتاب والسنة، كالثوابت القطعيات الكليات التي لا يجوز لأي مسلم أن يحيد عنها في أي مرحلة وفي أي موقف، يعني: حاله في هذه القضايا بين أمرين: إما أن يقول الحق كله، وإما أن يقوله بعضه؛ لكن لا يجوز بحال من الأحوال أن يقول الباطل أو يتراجع عن الحق والعياذ بالله. والأمر الآخر ولو أنه لا بد من التفريق بين من يقع في الفتنة بين من ينتكس بين من -عياذاً بالله- يؤثر الدنيا على الآخرة, بين من يخلد إلى الأرض عافنا الله وإياكم، وبين من يراجع بعض الأمور وقد يخطأ في مراجعته ويكون موقفه الأول أفضل من الآخر؛ لكن يظل له جوانب أخرى لا ينبغي أن تغمط ولا أن تهضم في هذا الشأن.
  15. كلمة توجيهية لمن ينتقد المجاهدين في الثغور

    السؤال: فضيلة الشيخ! يؤسفنا أن نسمع من بعض طلبة العلم نقدهم لإخوانهم في الثغور من المجاهدين, فهل من كلمة توجيهية؟ نفع الله بك. الجواب: الواقع أيها الإخوة الأحباب! أنه لا أحد فوق النقد أو التوجيه أو الملاحظة, سواء من العلماء، أو من الخلفاء, أو من الدعاة, أو من المفكرين, أو من المجاهدين, أو من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر, فهذا ديننا, وهذا من بدهيات عقيدتنا؛ أنه لا معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما عدا ذلك فكل يؤخذ من قوله ويرد؛ لكن ينبغي أن نفرق بينما إذا كان هذا النقد أو التوجيه إيجابياً مفيداً؛ لتسديد الرمية، ولتثبيت القدم، ولتصحيح المنهج فهذا ينبغي أن يفرح به؛ بل ينبغي أن يوصل, فكل من يحبهم -ونحن كلنا والله نحب إخواننا على الثغور- يجب أن يوصل إليهم هذه الملاحظات الموجهة والهادفة عاجلاً غير آجل، أما من يشتغل بالتشهير وبالطعن ومن لا هم له إلا الهدم -والعياذ بالله- فهذا يضع نفسه فوهة ورأساً في صف المنافقين، عافانا الله وإياكم من النفاق.