المادة كاملة    
تواجه المرأة في مجتمعاتنا كثيراً من المشاكل والتحديات، والتي تتلون بألوان مختلفة، هدفها النهائي هو الإغواء وهدم القيم؛ ولذلك تزداد مسئولية المرأة وخاصة المرأة الداعية تجاه تلك المتغيرات والتحديات، فلا بد لها من الوعي والثبات وعدم الانجرار وراء كل ما يصادم الفطرة التي فطر عليها المرأة، فالمسئولية على عاتقها كبيرة ولا بد من الاستعداد لها بشتى الوسائل الدعوية واستغلال الامكانات الحديثة.
  1. مقدمات مهمة في الحديث عن المتغيرات الحديثة

     المرفق    
    المقدم: الحمد الله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين, وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين, أما بعد:
    شيخنا العلامة الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي ! أيها الأخوات الحاضرات الكريمات!
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    يسر مركز آسية للتدريب أن يرحب بشيخنا العلامة الدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي في أمسية مباركة, نسأل الله تبارك وتعالى أن تكون في ميزان حسناته, وفي حسنات الحاضرات الكريمات.
    فضيلة الشيخ! إن عالمنا اليوم يمر بمتغيرات كبيرة وخطيرة؛ تغيرات سياسية.. اقتصادية.. اجتماعية.. فكرية.. حضارية.. إعلامية، هذه المتغيرات لم يكن مجتمعنا بمنأى عنها، ولم يسلم منها مجتمعنا المحلي الذي نعيش فيه, ونتعامل مع أفراده؛ فقد شملته هذا المتغيرات بمختلف اتجاهاتها, وأصبحنا نلمس هذه المتغيرات ونعيشها واقعاً ملموساً، وهذه المتغيرات منها ما هو إيجابي, ومنها ما هو سلبي, ومنها ما هو بين ذلك، والمرأة الداعية إلى الله عز وجل هي جزء من هذا المجتمع المتغير؛ بل هي الجزء المهم فيه، لذا كانت الحاجة ماسة إلى أن تعرف الداعية إلى الله حقيقة هذه المتغيرات, وكيف تتعامل معها؟
    هل تستطيع المرأة الداعية أن تشارك في صنع هذه المتغيرات؟
    هل ترفض المرأة الداعية إلى الله هذه المتغيرات أم تقبلها؟
    كيف توجه الداعية وتُفَعِّل هذه المتغيرات لصالح الإسلام والمسلمين؟
    أسئلة وأسئلة كثيرة تدور في خلد كثير من الداعيات الفاضلات, نتمنى وكلنا أمل بالله عز وجل ثم بشيخنا الفاضل أن نجد الإجابة الشافية عليها, لا أطيل فالوقت قصير, ووقت الشيخ ثمين, فليتفضل مشكوراً مأجوراً.
    الشيخ: الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
    اللهم انفعنا بما علمتنا, وعلمنا ما ينفعنا, إنك أنت العليم الحكيم.
    حقيقة أيها الإخوة والأخوات الكرام! كما سمعنا في المقدمة من الأخ الفاضل وفقه الله! أن قضية المرأة المؤمنة والداعية المسلمة في مواجهة التغيرات قضية كبيرة وعظيمة، وهي متعددة المآخذ أو الموضوعات التي يمكن أن نجعلها مداخل للموضوع، فليس في إمكاننا أن نتحدث في هذا اللقاء المقتضب مهما أطلناه عن كل هذه الجوانب.
    1. مقاومة المتغيرات الحديثة تكون تفاعلية وتشاورية

      وإني حينما أتحدث إلى هذا النخبة الفاضلة القائمة بالجهود الدعوية, وأعباء التدريب والتخطيط للدعوة؛ لا أجد نفسي كما لو كنت أعظ مجموعة من الإخوة والأخوات, وكلنا نحتاج الموعظة والتذكير؛ لكن أقول: أجد نفسي أنني أرغب في أن أستفيد أكثر مما أتحدث، بمعنى: أن تكون هذه القضايا قضايا تفاعلية, وقضايا تباحث وتشاور، يبدي كل أخ أو أخت رأيه فيها ونتعاون جميعاً، ونجعل مثل هذا اللقاء مادة أساسية أو منطلقاً للحوار والمناقشة في هذه القضايا التي لا يمكن أن تنتهي؛ بل في الحقيقة كل العمل والجهد الدعوي الذي نقدمه ذكوراً أو إناثاً ما هو إلا نوع من التعامل والتفاعل مع هذه المتغيرات التي تطرأ على الحياة البشرية.
    2. حقيقة أن السنن ثابتة والمتغيرات دائمة

      ربما يقال -وهذه حقيقة في كتاب الله تبارك وتعالى-: إن هناك سنناً ثابتة، وهناك متغيرات دائمة، وعلى هذين المنولين تجري الحياة الإنسانية, والركب البشري, والجماعة البشرية في تاريخها، على منوال السنن الثابتة, ومنوال الوقائع المتغيرة أو المتجددة, ولا يمكن أن يعيش المجتمع بغير هذين المنوالين.
      وعندما نتحدث عن المشكلات التي تطرأ على الأمة المسلمة -وبالذات المرأة المسلمة- في هذا الزمان, وفي هذه المرحلة الشاقة الصعبة من تاريخ البشرية جميعاً؛ فنحن في الحقيقة لا نتحدث عن شيء جديد خارج عن مألوف سنن الله التي ذكرها الله تبارك وتعالى: ((وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا))[فاطر:43], ((وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا))[الأحزاب:62], ((قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ))[الروم:42]. فالله سبحانه وتعالى أمرنا أن نسير في الأرض, وننظر كيف كانت هذه السنن؟ وكيف كان تعامله؟
    3. المصاعب والمشكلات التي تواجه الدعوة في كل الأزمنة والعصور واحدة

      كما أن المصاعب والمشكلات التي تواجه الدعوة في كل الأزمنة والعصور واحدة؛ هي الاستكبار.. هي الجحود.. هي العناد.. هي بطر النعمة.. كما قال الله تعالى: ((مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ))[فصلت:43].. ((كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا))[الأنعام:148].. ((وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ))[غافر:5].
      فكل مشكلة نراها نحن في واقعنا الدعوي ينبغي أن نضع في اعتبارنا أنها قديمة، صحيح أن هناك جدداً؛ لكنه تجدد في نوعية الخطاب.. وفي وسائل الخطاب.. وفي وسائل المقاومة.
      على سبيل المثال: نجد أن قوم نوح عندهم مادة السخرية, وطول النفس -إن صح التعبير- في التعامل مع ظاهرة الدعوة إلى الله تبارك وتعالى.
      ونجد في قوم عاد أن عندهم ظاهرة الجحود والاستكبار؛ ومن أشد منا قوة.
      ونجد فرعون عنده الغطرسة والطغيان, وادعاء الألوهية... وهكذا.
      فنجد أن كل أمة تعيش في واقع معين لها منحى معين في الحياة، وبحسب ما مكنها الله تبارك وتعالى فيه -وهذا من الابتلاء، ويظنون أنها حضارة، وصحيح هي حضارة؛ ولكنها ابتلاء في نفس الوقت- تبطر نعمة الله تعالى.
    4. التعري هو الأسلوب الشيطاني الأول لدعاة التغيير

      تقاوم الدعوة بشكل متغير في كثير من الأساليب؛ لكن القضية -ونحن نتحدث بالنسبة للمرأة- هي واحدة، والأسلوب واحد لا جديد فيه، وهو الأسلوب الشيطاني الأول، الذي أراده إبليس من أن يأكل أبوانا من الشجرة؛ ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوأتهما.. يعني: "التعري" باختصار.
      ولماذا التعري بالذات؟ لأنه يؤدي إلى ارتكاب الفاحشة، والفاحشة تؤدي إلى انتكاسة في المجتمع المسلم، وبالتالي تقترن هذه الفاحشة وهذا التعري -كما هو ثابت في تاريخ الحضارات- بعبادة غير الله تبارك وتعالى.
      فنحن نشاهد في التاريخ الحضاري القديم -وجاءت له إشارات في كتاب الله تبارك وتعالى- أن كل هذه الأمم كانت ترتكب هذه الموبقات العظيمة، والشيطان هو قائد هذا الركب في قديم الزمان وفي حديثه.
      وبنظرة بسيطة جداً نجد النموذج المعاصر الآن للبدائيين -كما يعده علماء الاجتماع المعاصرين أو العلماء السياسيين.. إلى آخره- هم الهمج في أستراليا أو سكان الغابات والأحراش في الأمازون أو في المناطق الاستوائية، ولو استطاع أحد الدخول إلى هذه المجتمعات -وطبعاً يدخل إليها أناس ويصورونهم- فإنه يجد التعري والاختلاط والغناء والرقص الذي يوجد في باريس أو في نيويورك أو في أي مكان.
      عصور وقرون وأجيال طويلة.. والظاهرة واحدة؛ طبعاً نحن لا بد أن ننبه أنه لا يعني ذلك على الإطلاق؛ أي: أن نقر أن أصل الجماعة البشرية هو الانحراف والتعري والفساد على الإطلاق؛ لكن نقول: منذ بداية الانحراف البشري، وأقدم من ذلك الهدف الشيطاني الذي من أجله أغرى أبوينا بالأكل من الشجرة ووسوس لهما وزين لهما ذلك؛ هو هذا بالضبط الذي نجده عند العراة في أستراليا أو في الأمازون، وعند العراة في أي مكان في العالم المزعوم أنه عالم متحضر.
      وفي هذه الجزيرة وفي هذه البلاد وما حولها من البلاد الإسلامية في عصور الانحراف -ربما قبل قرن أو ثلاثة أو أربعة قرون- كان هناك نوع من التفلت في القيم والأخلاق الذي يقارب هذا الشيء.
      إذاً: ليست القضية قضية تطور وحضارة, كما يدعي البعض أو كما يلبس البعض، بل القضية هي قضية انحطاط وانحراف.
      فعندما نجد أن هذه المتغيرات التي يراد أن تفرض على العالم وعلى الأمة الإسلامية, وتدفع بقوة إليها لتسير فيها المرأة المسلمة؛ فهي لا تتقدم كما يزعمون؛ بل هي في الحقيقة تنزل وتهبط إلى الهاوية، مهما سموها تقدماً فهي هاوية، وفي النهاية يجد الإنسان نفسه أمام المنظر القديم الذي حدث عندما أكل أبوانا من الشجرة، ويجد نفسه أمام المنظر القديم الذي لا تزال بقاياه الآن في هذه المناطق القديمة.
    5. ثبات السنن الربانية وثبات الأعداء على المنهج الشيطاني

      إذاً: عندنا ثبات واضح في مسألة المتغيرات, وهذه مهمة جداً عندما نتعامل مع المتغيرات؛ لأن ثبات السنن الربانية, وثبات الأعداء على هذا المنهج الشيطاني, ومعرفتنا بالقيادة الشيطانية لركب الحضارة والغواية البشرية؛ توفر علينا جهداً هائلاً جداً, وتعيننا على فهم المتغيرات مهما تطورت.
    6. عالمية الدعوة من أهم وسائل مواجهة التغيرات

      بطبيعة الحال المتغيرات التي نعيشها اليوم متغيرات كبيرة بلا ريب، فعلى سبيل المثال: كان يقال قبل نهاية القرن العشرين: إن العالم البشري في الخمسين السنة -أي: النصف الثاني من هذا القرن- طرأ عليه من التغيرات الحضارية في كثير من المجالات ما يعادل الخمسة آلاف سنة.
      طبعاً لماذا يقولون: خمسة آلاف سنة, وهذه من الأخطاء الكبرى في تاريخ علم الاجتماع وغيره؟ لأنهم يعتقدون في خمسة آلاف سنة عندما عرفت الكتابة, وارتقى الإنسان من العصور الحجرية إلى عصور الكتابة -طبعاً منطقة الشرق الأوسط التي هي بلادنا العربية الإسلامية هي بداية الحضارة- ونحن نعتقد غير اعتقادهم, فالنبوة والنور والوحي منذ آدم عليه السلام، فقد ( كان آدم عليه السلام نبياً مكلماً ), وقد علم أبناءه التوحيد، وبقي عشرة قرون على التوحيد, ثم وقع الشرك في قوم نوح كما نعلم جميعاً.
      لكن المقصود هو أنه فعلاً الخمسة آلاف سنة بالنظرة المادية للتغيرات الحضارية -مع نوع من التجاوز عن حضارات وعن أمم لا نعلمها, كما قال الله تعالى: ((وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ))[سبأ:45], هناك حضارات؛ لكن في الجملة وفي طريقة الحياة والتواصل الذي نراه الآن عن طريق مثلاً الإنترنت ووسائل الاتصال أو عن طريق الطيران وما أشبه ذلك- يمكن أن يقال بالفعل: إن الخمسين سنة هذه تختزل أمام الخمسة آلاف سنة، وليست هذه المشكلة, هي مقدمة لمشكلتنا الآن، فالمشكلة أن الخمس السنوات التي بعدها تختزل الخمسين سنة، ونخشى فيما بعد أن يصبح عام واحد أو خمسة أشهر ربما تختزل لنا التاريخ كله.
      بمعنى آخر: أن المتغيرات أكبر بكثير جداً -أحياناً- من حجم ما يمكن أن يتخيله بعضنا، نقول هذا لأننا نعلم أن الأخ الذي يعمل بالدعوة إلى الله في نطاق الحي أو الأسرة أو المجتمع مهما كان باذلاً من جهده؛ فعليه الآن أن يعتبر أنه يجب عليه بأي شكل -وعلينا جميعاً هذا الواجب- أن يبحث لتصبح دعوتنا عالمية؛ لنفيد من هذا بالفعل, فعالمية الدعوة هي من أهم ما نتخذه في سبيل مواجهة المتغيرات الكبيرة التي طرأت على هذه الأمة.
  2. شبهة (حتمية التغيير) ونظرية (الغالب والمغلوب) وكيفية المواجهة

     المرفق    
    هناك أيضاً جانب آخر: ربما تضعف النفس البشرية, ويضعف الإيمان عندما يجد هذا الحجم الهائل في التغيُّر, ويظن أن المقابل له ضعيف. وأضرب لكم أمثلة:
    كان هناك بعض المجلات العربية، وفي جيلنا ونحن في مرحلة الثانوية والكلية كانت مجلة "العربي" أشهر شيء تشتريها الطبقة المثقفة، أو التي فيها نوع من المواكبة للعصر إما بعلمنة أو بغير ذلك.
    الشاهد: أنها تقريباً بين كل عدد وآخر تأتي باستطلاع عن بلد، فيأتي فيه -أي: في الاستطلاع- دائماً بصورة امرأة محجبة تلبس اللباس القديم -فليكن في الجزائر أو في موريتانيا أو في مصر أو في الكويت أو في قطر مثلاً- وبجانبها امرأة أو فتاة متبرجة، ويقال: هذا الجيل القديم, وهذا الجيل الجديد.
    1. مواجهة شبهة (حتمية التغيير) و(الغالب والمغلوب)

      وتقريباً هناك ظاهرة متكررة جداً على أساس المبدأ الذي كان يسود في العالم العربي والإسلامي مع الأسف؛ وهي "حتمية التغيير".
      ونحن يجب علينا أن نضرب هذا الصنم بقوة على أم رأسه، أعني: ما يسمى بـ "حتمية التغيير", وحتمية الاندماج، وحتمية الذوبان في الغرب، وحتمية العولمة، أي حتمية من الحتميات هذه يجب أن نتأملها بميزان الكتاب والسنة، وكيف نواجه ما يصوروه حتمية.
      يكفينا الآن لكي نرد على هذه الحتمية أن نأتي بالصورة مقابل الصورة، فهناك الآن مجلات ومواقع وباحثون، وفي صحافة غربية وإعلام غربي؛ يضرب لك مثلاً الآن بالجيل القديم والجيل الجديد -وخاصة في مصر و تركيا- أن الأم هي المتبرجة, والبنت هي المحجبة, الآن وفي هذه السنوات، والأم أشبه ما تكون بعامية أو شبه متعلمة أما البنت فهي شهادة عليا.
      إذاً: نحن نقول: الحتمية الآن أثبتت العكس.. بالنظر على نفس الصورة من محاربة الإسلام؛ أن في بعض البلاد -كـتونس مثلاً- تجد صورة في الشارع بلباس غربي فاضح ومكتوب بجوارها: كوني مثل هؤلاء, وصورة أخرى باللباس التقليدي للبلد مكتوب بجوارها: لا تكوني مثل هؤلاء، والصورة إعلان في الشوارع والأماكن العامة، وغيرها كثير؛ فسياسية تجفيف المنابع تختلف من بلد إلى بلد ومن منطقة إلى أخرى.
      لكن المهم بالرغم من ذلك: أن هناك مقاومة قوية جداً لهذا ولله الحمد والشكر، ففي بلادنا هذه المملكة و اليمن بشكل أخص نجد العكس؛ نجد والحمد لله أن الدعوة وصمودها وقوتها تشبه المعجزات، والذي قد يجادل في هذا ينبغي أن يعلم أن المعجزة في علم الاجتماع وفي الحياة العامة لا تقل عنها في المجال الحسي الذي نعترف نحن جميعاً به، فمثلاً: عندما يواجه زورق صغير تيارات المحيط ويتغلب عليها هذا يعتبر معجزة، ونحن نتكلم فعلاً عن أمة في هذا المحيط الهائج المائج، ولكنها والحمد الله تواجه وتقاوم بكل ضراوة، وتستأنس في هذه المقاومة بما تجده من الرجوع لله تبارك وتعالى، حتى في أقدم المجتمعات التي مورس عليها الضغط الغربي, والاحتكاك بالغرب، كما حدث في تركيا وفي مصر وفي أفغانستان.. وفي بعض الدول التي أصحبت الظاهرة الإسلامية فيها ظاهرة إيجابية مضادة.
      الآن المظاهرات في تركيا لا تخرج المطالبات -بأي شكل من الأشكال كان التعبير عنها- إلا لتطالب بعودة الحجاب, وبإقرار الحجاب، فالصحوة أخذت زمام المبادرة والعودة في وضع صعب جداً للغاية؛ حيث هناك شروط للانضمام للاتحاد الأوربي تعارض ذلك.
      قد ينطق بعض الناس بالواقع -ومهما تحفظنا عليهم- ومن ذلك: ما تكلم به القذافي في مؤتمر القمة, فإنه فعلاً شد انتباه الحاضرين جميعاً عندما قال: نذهب إليهم -أي: إلى الغرب- لنتكلم في التنمية.. وفي التطور.. وفي موضوع أزمة الشرق الأوسط فيكلموننا عن الحجاب والختان.
      فشهادة مثل هؤلاء -وهم لا يتهمون بحب الدين وحب الصحوة- مهمة جداً؛ لأن الغرب يريد أن يمارس الضغط الحضاري, ويروج لهذه الفلسفات، وعندنا مع الأسف من يروج لها بحجج واهية؛ ربما يقال أحياناً: إن الحضارة الغربية غالبة وحتمية كما أسلفنا, ومن عادة المغلوب أنه مولع بتقليد الغالب، والحقيقة: إذا نحن اختصرنا المعاناة الشديدة والمقاومة الشديدة للمرأة المسلمة بالذات -لأننا نتكلم عنها بالذات- من خلال المائة والخمسين السنة الماضية في مقاومة الغرب؛ في قضية "الغالب والمغلوب" فهذا خطأ كبير جداً، فليكن الذي قالها ابن خلدون أو تكون عممت بشكل لم يقصده ابن خلدون ليست هذه القضية، فنظريات ابن خلدون الاجتماعية أخذها الغرب؛ لأنها تفسر له المجتمع بالطريقة الميكانيكية أو الآلية، التي كما قالوا: لا تدخل العنصر الغيبي فيها.
    2. مثال على خطأ نظرية تبعية المغلوب للغالب

      على سبيل المثال: الدولة مثل النبات تنمو ثم تقوى ثم تهرم.
      فبالطريقة هذه أياً كانت الدولة مؤمنة أو كافرة أو عاصية فهي مثل النبات، نعم يوجد دول كذلك؛ لكن الحقيقة
      ليست كذلك، وطبيعة هذه العلوم أنها تأخذ أمثلة ونماذج ثم تعممها.
      في الحقيقة نحن تعتبر أن الدولة الإسلامية يمكن أن يطول عمرها بطاعة الله إلى آماد بعيدة، ويمكن أنها بالمعصية تسقط، ويمكن أن الإمبراطورية في أوج قوتها تسقط فجأة. وعلى سبيل المثال -والذي الغرب فرح بهذه النظرية من أجله- "الإمبراطورية الرومانية", فعندما انتصر هرقل على المملكة الفارسية, وحرر مصر و الشام و تركيا و العراق بشرقها -منطقة غرب إيران- وحررها من الفرس، وفي أقوى ما تكون الدولة الرومانية أيام هرقل، فوجئ بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وبعد سنوات قليلة جداً -لم يتوقعها هرقل ولا أحد غيره- كانت أجنادين واليرموك, وقضت على هذه المملكة في أوج قوتها وشبابها، ولم يكن هناك عوامل للسقوط, كان أكبر عامل يهدد هذه الإمبراطورية هو الإمبراطورية الشرقية.
      والمتغير هذا حصل في أيامنا كما تعلمون، وجيلنا أدركه, وكنا أيضاً لا نصدق أن الاتحاد السوفيتي يسقط وينهار بنفس هذه السرعة في السقوط.
      الشاهد: أنه من الممكن أن تسقط قوى عظمى في أوج قوتها الظاهرية بأسباب أخرى غير قضية أنها مدى زمني لا بد منه, وقد تبقى وتستمر على ضعفها.
      وكذلك أيضاً نظرية الغالب والمغلوب ليست صحيحة على الإطلاق؛ بالذات ما يتعلق بالأمة الإسلامية؛ فالأمة الإسلامية إذا ضعف إيمانها تأثرت بالغرب والشرق.
      ... ليست هي القضية؛ فالفحشاء والمنكر والشهوات الرخيصة يمكن أن ينزل إلى مستواها العالم والقوي والغني والمستعمر في مجتمعات بدائية يجدها متوفرة فيها والعكس, فليست هي نظرية منطبقة.
  3. الحكم على أي مجتمع من خلال مظاهره العامة

     المرفق    
    لكن لا شك أن المظاهر التي يلمسها المؤمن من مظاهر الحياة العامة -في هذه البلاد تحديداً- تدل على أن هناك تأثيراً خطيراً، ولو أن أحداً تأمله فإنه لا يشك أبداً فيه -بغض النظر حيث هي غالب ومغلوب أو ما هو أوسع من ذلك- والذي نقوله وتدل عليه الآيات والأحاديث وجيل الصحابة رضوان الله عليهم؛ أن القضية هي قضية قوة الإيمان أو ضعف الإيمان، فنحن إذا نظرنا إلى المظاهر العامة, ونظرنا إلى الأسماء -وهذه من أبسط أمور الحياة- فيمكن أن تحكم على أي مجتمع من خلال ذلك قبل أن تسأل.
    1. نماذج من الحكم على المجتمع من خلال مظاهره العامة

      مثلاً: بعض الإخوان في الصيف الماضي ذهبوا إلى إسطنبول فقالوا: إن الدعوة بخير. فقلنا: وكيف ذلك؟ فقالوا: إن الحجاب منتشر في كل شارع, والمساجد ممتلئة والحمد لله.
      وأناس مثلاً ذهبوا إلى صنعاء فقالوا: إن أفضل بلد وأنظف عاصمة من التبرج هي صنعاء.
      بل بعض الإخوان يقول: دخلت صنعاء وبقيت فيها ما بقيت ولم أرَ وجه امرأة على الإطلاق، لاحظ الحكم هنا, وهذا الحكم صحيح إلى حد كبير؛ طبعاً لا يوجد في صنعاء من يلزم بالحجاب لا هيئة ولا غيرها؛ لكن هذا كمثال قوي يدل على عمق القيم الإيمانية في أي بلد أو تدهورها.
      وقد يأتي بعض الإخوان ويقول: ذهبت إلى البلد الفلاني ووجدت فيه من الفسق والتحلل ما لا يصدق.
      فنحن نقول: المظهر الخارجي والإيمان الخارجي -ولا نقول: القشور والشكليات- والإيمان الظاهر -والإيمان عندنا ظاهر وباطن, وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة والتي يعرفها الإخوة جميعاً- مهم جداً ومرتبط بالإيمان الباطن، فعندما تجد في أي بلد أو في أي مجتمع الشكل الظاهر يقلد نموذجاً معيناً غربياً أو غير غربي فإننا نحكم عليه من خلال ذلك.
    2. الحكم على المجتمع من خلال أسماء الأشخاص فيه

      وعندما تجد الأسماء وهي مما لا يُنتبه إليه؛ لكن لو أن أحداً استعرض ثلاثة أجيال في هذا المجتمع وفي هذه البلدة فإنه يجد ما يلي:
      الجيل الأول: جيل ما قبل أربعين سنة، فكل أسماء أمهاتنا معروفة تقريباً, ونستطيع عدها في عشرة أو عشرين اسماً، فإننا نجد أن 90% على العشرة أو العشرين الاسم فقط, والباقي شواذ.
      الجيل الثاني: تجد فيه اختلافاً, وتحولاً كبيراً.
      الجيل الثالث: الجيل الآن, وهو منقسم؛ ففي البيت تجد مثلاً: خديجة وزينب ومريم وغيرها من الأسماء الإسلامية، وأسماء أخرى يستحي أحدنا ذكرها؛ لأنها بعيدة كل البعد, وحتى بعضها لا معنى له.
      الظاهرة هذه تدل على أن مجتمعنا كان متوحداً في السابق على قيم معينة يتفق عليها الناس؛ لكنها لم تكن قيماً واعية، ليست بالضرورة أنها قيم واعية من حيث الوعي الذي نشعر به الآن لمواجهة المتغير الجديد الطارئ على المجتمع الإسلامي؛ لكن كان عندنا أساس عام بأن ذلك خير وفضيلة حسنة.. إلى آخره.
      الجيل الثاني: غلب عليه طابع التحديث، وهو أيضاً كان وعيه أقل, وكان الانبهار والتحديث والإعجاب أكثر؛ فتجد أسماء قديمة وحديثة, وأسماء مغنين ومغنيات.. إلى آخره.
      الجيل الثالث: الذي أصبحت الدعوة فيه واعية, والصحوة متميزة بالوعي، وبالمقابل الطرف الآخر بدأ ينهار للحضيض, فتجد فيه التمايز.
      مع الأسف الشديد -ولا مؤاخذة- لو اتصل أحدنا أو مر بجوار أي بيت وسمع من ينادي من الأطفال: يا خديجة أو يا مريم أو يا رقية أو يا عائشة يرد إليه أنها خادمة، لكن لو نودي بأي اسم من الأسماء التي لا نريد ذكرها يعرف أن تلك بنت في الجامعة.
      طبعاً لا نقول: إن هذا في كل مكان؛ لكن وجودها يدل دلالة خطيرة جداً سواء في دلالتها أو في رمزيتها على قابليتنا نحن للتغيُّر داخلياً, وبالذات في هذه الجزيرة التي والحمد الله حماها الله تبارك وتعالى من أن تطأها قدم مستعمر؛ بالذات المملكة و اليمن، طبعاً بقية دول الخليج معروف؛ لكن التي لم يدخلها المستعمر يجب أن تكون أبعد عن التأثر, ومع ذلك نجد هذه الظاهرة الجديدة والغريبة والفريدة.
  4. الضخ الإعلامي وأثره على تبرير التغيرات

     المرفق    
    في المقابل نجد أن التغيرات لها -لا نقول: ما يبررها على الإطلاق- ما يفسرها ويوضح حجمها, وسبب ذلك: هذا الضخ الإعلامي الذي يأتينا من خلال القنوات.. والفضائيات.. والإنترنت.. إلى آخره، وهذا تحدي خطير جداً, ويمكن بالفعل أن يؤدي بأي مجتمع ضعيف أو قيمه غير ثابتة إلى الانحراف إلا إذا كان هناك فلنقل: "العقل", ولنقل بالنسبة لنا: "الإيمان" طبعاً.
  5. ما أثبتته التجارب البشرية

     المرفق    
    ولعلكم اطلعتم أنه من هذا اليوم بدأت طوكيو بتسيير قطارات خاصة بالنساء، طبعاً النموذج الياباني يعتبر نموذجاً متقدماً لكنه محافظ، ولا أحد يشك أنها أكثر تقدماً من أمريكا في المجالات الدقيقة الالكترونية، فمثلاً: أمريكا في عالم الفضاء لا تستطيع صناعة بعض الأشياء، والشركات اليابانية تصنع لوزارة الدفاع الأمريكية ما يتعلق بأخص قضايا الدفاع وتقدمها لها, لا يشك أحد في التقدم؛ بل كانوا يسمونها المعجزة اليابانية.
    الشاهد: أن المجتمع الياباني حاول منذ أن احتك بالغرب أن يحافظ على قيمه، وعلى كثير من عاداته في اللباس بالذات زي المرأة، فهم مجتمع متفسخ طبعاً؛ لكن على قيم الشنتو؛ القيم البوذية، تجد نوعاً من المحافظة على الزي الوطني للمرأة في الأعياد, وفي الأكل، وفي النهاية وجد أنه بالفعل الذي يدمر اليابان اليوم هو انسياقه وراء النموذج الغربي في الربا والاقتصاد, وليس هذا موضوعنا؛ لكن هذا أخطر ما يواجه اليابان، وهذا الذي نحذر منه أي: التقليد والاتباع لهؤلاء؛ لكن الذي يميزها إلى حد ما هو أنها تعتز بقيمها، إلى حد أنها لا تبالي ولم يبالِ البرلمان الياباني أن يقولوا: أنتم في آخر الزمان مطاوعة تضعوا قطاراً خاص بالنساء أو أنه تميز ضد المرأة!!
    لم يفكروا في هذا أبداً، بينما مع الأسف في مجتمعات عربية وإسلامية اتفاقية التمييز ضد المرأة مرعبة ومخيفة!
    يتكلم عنها -أعني: المرأة- على استحياء؛ وهناك تحفظات عليها.. ونحن لا نقدر.. كمن يقول: هنا الطريق لكن!!
    القضية قضية دين, وقضية إيمان, وقضية مواقف، حتى التجارب البشرية التي جعلها الله سبحانه وتعالى ماثلة أمام أعيننا, وأذكر أن وفداً أوروبياً جاء إلى المملكة قبل عشر سنوات, فذكر كيفية تميز وتفرد المرأة السعودية؛ لأنها لا تختلط بالشباب، المرأة السعودية متفوقة جداً في مجال التعليم, وقالوا: هذه تجربة فريدة ينبغي أن ننقلها.
    وبالفعل يوجد جامعات وكليات في أمريكا غير مختلطة، وقد عملت تجارب على فصل البنين عن البنات، وعلى اختلاطهم معاً، فوجدوا أنه بقدر نسبة الاختلاط تكون نسبة الفشل في الدراسة.
    المقصود: أنه حتى التجارب البشرية التي تجربها أمم لا تؤمن بالآخرة فـاليابان ليس في دينهم الأجر والثواب, ولا الإيمان بالآخرة، هي نوع من الحكمة الشرقية, حكمة عملية, وتجارب للعيش في الحياة فقط، ومع ذلك وجدوا أنه لا بد من وجود هذا النوع، ولا يهمهم ما يقال من التمييز والفصل؛ لأنه يحقق خيراً للمرأة؛ فنسبة الجرائم ونسبة التحرش الجنسي -كما يسمونه- نسب هائلة جداً في الغرب وفي أمريكا تجعلهم يفعلون هذا بدون أي تردد ولا لحظة واحدة.
  6. معاملة الحضارات القديمة مع المرأة

     المرفق    
    الحضارات القديمة التي أشرنا إلى طرف منها كانت تمارس نوعين من التمييز ضد المرأة: ‏
    1. ذبح الفتيات والتقرب إلى الآلهة بذلك

      النوع الأول: نوع واضح, ولنبدأ به؛ جاء في كتاب الله قوله سبحانه وتعالى: ((وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ))[الأنعام:137], فكانوا يأتون بالفتيات فيذبحونهن, وكانت ترمى البنات في النيل حتى يرتفع, وهذه أمور معروفة في الحضارات القديمة، وكان كل ملك إذا فتح بلداً يختار من بناتها مائة بنتاً, ويذبحهن في مذبح الآلهة كقربة.
    2. استعمال النساء في الجنس المقدس

      النوع الثاني: وهو ما يروج عندنا؛ وهو الجنس المقدس بمعنى: الفاحشة أو البغاء المقدس، والفاحشة المقدسة كانت عبارة عن نسوة يوضعن في المعابد -والعياذ بالله- يمارسن البغاء الذي يسمونه مقدساً، ويقولون: إن الله يتقبله؛ لأنه من الدين, وهذا الذي أبطله الله في قوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ))[الأعراف:28], وهذا باطل, ولم يأت به الله، ولضعف الوازع الديني في العصر الحاضر لم تعد هذه الطقوس تمارس على أنها طقوس تعبد أو تقرب -يعني: أنه قد نزع الجانب الديني منها- لكنها لا تزال تمارس.
      والبلد الذي يريد ألا يتهم بالتمييز ضد المرأة فعليه أن يمارس هذه الطقوس بشكل من الأشكال؛ لكن تحت اسم الحضارة والأمم المتحدة وقرارات الجامعة الدولية والتطور.. إلى آخر ما أزكمت به البشرية.
  7. إمكانية مقاومة المتغيرات ووجوبها

     المرفق    
    الذي يهمنا في الأخير أيها الإخوة والأخوات! أن نقول: إنه رغم أن السنن الربانية ثابتة، ورغم ضغط المتغيرات الجديدة المؤثرة في المرأة؛ والتي لا يمكن أن نأتي عليها في لقاء مثل هذا إلا أننا يمكننا أن نقول: إن المقاومة موجودة، واستطاعت هذه الأمة أن تثبت من خلال الأخوات في فلسطين وفي العراق؛ أن المقاومة في جبهة الأسرة والبيت والمجتمع لا تقل عن المقاومة العسكرية التي تعتبر نوعاً من الخوارق والمعجزات، إذا عرفنا حجم دور دولة إسرائيل وقوتها ومدى قوة من يقاومها وكذلك في العراق.
    أنا أبشركم بأن الدعوة في العراق تخطو خطوات متميزة ومشجعة جداً، ويوجد الآن وبفضل الله تعالى في هذه السنة أكثر من نصف مليون شاب وشابة في حلقات تحفيظ القرآن، لأول مرة في تاريخ العراق، وبإذن الله خلال سنتين سيكون هؤلاء حفاظاً، والمحفظون والمحفظات متطوعون, وهذه ظاهرة جديدة، وبعض المناطق في العراق أخذوا من هذه البلاد الطيبة, ومن مثل هذا المركز المبارك نماذج وقدوات هناك يعني: في طريقة تقسيم الأحياء, وترتيب الحلقات, واستفادوا من هذه التجربة.
    المهم أن المقاومة بكل أنواعها ضد هذا العدو الذي يريد أن يجردنا من ديننا وإيماننا وحتى من ثرواتنا وأخلاقنا، ويريد أن يجردنا من كل شيء؛ مقاومته ممكنة؛ بل واجبة؛ بل متحققة في النتائج بشرط وجود البيت المسلم, ووجود المرأة المسلمة القوية، ووجود الدعوة إلى الله.
  8. نصيحة أخيرة في ضرورة التعامل فيما بيننا بالتي هي أحسن

     المرفق    
    لا أريد أن أطيل في مسألة كيف يمكن أن نقاوم؟ فكل الإخوة والأخوات يدركون هذا؛ بل يعايشونه ويعاينونه، أنا أريد فقط أن أعظ نفسي وإخواني موعظة لعل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها. وهو: ما يتعلق بالتعامل فيما بيننا -وليعذرنا الإخوة أنا أكرر هذا الكلام في عدة أماكن، ولعل التكرار إن شاء الله ليس من باب الإملال، ولكن لأهمية أن تكون العلاقة فيما بيننا جميعاً كل من يدعو إلى الله- أن تكون العلاقة بيننا علاقة المحبة, وعلاقة المناصحة, وعلاقة التأييد، لا يكون بيننا لا تباغض ولا تحاسد, ولا نوع من الجرح أو التنفير إن شاء الله تبارك وتعالى، بالعكس كل من كان على ثغرة, وعلى شعبة من شعب الإيمان, وبقدر ما عنده من الشعب نحبه، ولو كان على أدنى شعب الإيمان؛ إماطة الأذى عن الطريق, ويعمل من أجلها في المجتمع؛ ندعو الله له بالتوفيق, ونسأل الله أن يوفقه, وقد يدخل بها الجنة بإذن الله تبارك تعالى؛ لأن الجنة عند الله, والله تبارك وتعالى يثيب المخلص على أي عمل خالص يعمله. أكبر خطأ يرتكب وخاصة في مثل مرحلتنا هذه في المواجهة أو الدعوة؛ أن يظن الواحد أن عمله هو المنهجي النموذجي الكامل مقابل أن غيره على خطأ، فكونك تعتقد أن ما تعمله كاملاً وصواباً -طبعاً لولا هذا الاعتقاد ما أحد منا يعمل أي شيء- لكن ضع في حسابك أن هناك مثلك أو أفضل منك، وأقل شيء أن نضع في حسابنا أن غيرنا ليس معيار نجاحه أو إيمانه أو قبوله عند الله هو معياري أو عملي أنا، إنما المعيار ما عند الله تبارك وتعالى من التوبة والإخلاص وصواب العمل, نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لذلك إنه على كل شيء قدير. المقدم: جزى الله فضيلة الشيخ خير الجزاء على هذه الإبانة والتوضيح الطيب المبارك.
  9. الأسئلة

     المرفق    
    المقدم: وهناك أسئلة, ونقدم الأسئلة التي تختص بالموضوع. ‏
    1. ما يطرح من ضرورة التغيير ومواكبة العصر.. "التيسير" نموذجاً

      السؤال: فضيلة الشيخ! هناك بعض الأخوات بدأن يتأثرن بما يطرح في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة من ضرورة التغيير ومواكبة الواقع, وإن الناس سينفرون من الدين إذا لم ييسر ويسهل عليهم, وإن التيسير من مقاصد الشريعة, فما تعليق فضيلتكم على هذا؟
      الجواب: للجواب على هذا نضع بعض الحقائق وفقنا الله وإياكم! وهي: أن هناك حلالاً واضحاً, أو حقاً واضحاً, وهناك خطأ واضحاً أيضاً، ونادراً ما نختلف في هذه الأمور؛ لكن الإشكال والمعمعة الفكرية تقع فيما كان يحتمل الحق والباطل معاً أو يتداخل فيه، وقول علي رضي الله عنه: [كلمة حق أريد بها باطل], هي جانب من هذا، فممكن أن تطالب بشيء لنفسك وأنت محق في أهدافك, وممكن الآخر يطالب بنفس الأمر، وفعلاً المثال الذي ذكره الأخ أو الأخت السائلة هو نموذج لهذا.
      "التيسير" يمكن أن يقوله المربي الفاضل أو الأخت المربية الداعية الحكيمة؛ التي تريد أن ترتقي بإيمان الأخوات وترفعهن إلى درجة الإحسان والتقوى واليقين بإذن الله تعالى، فتأتي بالتيسير, كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليعلم اليهود أن في ديننا فسحة )، لكي لا نصدم مشاعر أناس جدد في الدعوة إلى الله نثقلهم بأنواع لا نقول: تكاليف؛ بل عبادات فينفرون منها؛ ولكن مع الأسف ممكن أن يستخدم هذا وخاصة في مرحلة الهزيمة، أي فكر ينشأ بعد مرحلة هزيمة تأنى فيه, ولا تأخذ به؛ لأن الهزيمة تولد داخلياً إشكالات، وقد درست هذه الظاهرة في جميع كتب الرجال تقريباً، كيف نشأ الإرجاء؟!
      كيف يأتي من يقول: العمل ليس من الإيمان؟!!
      لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أحد لا يعمل أبداً، حتى المنافقين كانوا يجاهدون ويخرجون معه صلى الله عليه وسلم للجهاد, وهم منافقون وليسوا مسلمين.
      لكن ما ظهر الإرجاء إلا بعد هزيمة ابن الأشعث ومعه مجموعة كبيرة جداً من العلماء, حتى قيل: لم يتخلف عنه أحد، قاموا من ظلم الحجاج فخرجوا وقاتلوا في أكثر من معركة ضد الدولة الأموية وضد الحجاج فهزموا، فلما هزموا قالوا: إن العمل ليس من الإيمان, والمفروض ألا نقاوم ولا نتحرك ولا نغير، وبدأت فلسفة.
      وأيضاً من أعظم ما يحتجون به ما قاله أنس في مواجهة الحجاج حينما شكوا إليه الحجاج، كما في صحيح البخاري قال: ( لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم ).
      الكلام هذا لو كان لما قاله أنس رضي الله عنه لم يعملوا ما فعلوا، لقالوا: إذاً نصبر على الفتنة، لازم القول هذا "أن تصبر" تقاوم بقدر ما تستطيع المقاومة الدعوية والإيمانية, حتى يستريح بر, ويستراح من فاجر، فلما قاموا مقاومة غير متوقعة وغير مطلوبة، وتعدت المقاومة نتج عن ذلك هزيمة على يد الحجاج وجنوده، ونتج عنها تبرير أنك لا تنكر, ولا تتحرك, ولا تخرج.
      وبدأت فلسفة ما يسميه شيخ الإسلام ابن تيمية "الطاعة الشامية"؛ أنه إذا ولى الله عبداً كتب له حسناته ولم يكتب علي سيئاته. وليس لها أصل, ولذلك الزهري رحمه الله واجه بها هشام أو الوليد قال له: أصحيح أنه إذا ولى الله عبداً - يعني: على الأمة- كتب له الحسنات ولم يكتب عليه السيئات؟ فقال له الزهري: يا أمير المؤمنين! أخليفة نبي أفضل أم خليفة غير نبي؟ قال: خليفة نبي. فقال: (( يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ))[ص:26], فإذا كان الله تعالى قال ذلك لداود وآخذ داود فكيف بغير ذلك؟!
      الشاهد: أن التيسير على الناس إن كان من باب رد الناس إلى السنة النبوية -وليس التشدد؛ لأن التشدد الذي ينشأ على الخوف من المتغير؛ إذا زاد عن حد السنة المعقولة ينبغي لنا أن نخفف منه, ونرد الناس إلى الحنفية السمحة هذا نعم وحق؛ إذا كان من هذا الباب فجيد، ولا بد منه، ولا ينفعنا أنه جديد أو متغير جديد أننا نعمل ثورة ضده.
      ولعلي أضرب لكم مثلاً -عفواً الأمثلة قد توضح وتنشط أحياناً- كنا في الرياض -ودرست بعض الابتدائية في الرياض- وكان أحد الوعاظ غفر الله له ورحمه يعظ في المسجد ويقول: "السَّحَّاب الخلفي"، لا تعرفونه؛ لكن أمهاتنا يعرفنه, ويقول: إن واحدة ماتت تضع سحاب من وراءها كلما أتوا لدفنها وجدوا ثعبان أسود في القبر، ويحذرنا من "السَّحَّاب الخلفي".
      الشاهد: أن هذا التشدد غير المعقول قد يؤدي إلى أن يأتي جيل يكفر بالمواعظ كلها والعياذ بالله، فينبغي أن ننظر إلى هذه الأمور بمنظار الشرع.
      نقول إذاً: إن التيسير في الدين هو الاستقامة على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان، والآن موجودة نغمة أخرى -مع الأسف- وهي أن التيسير مدخل للتفلَّت من القيم، ومجتمعنا والحمد لله لا يزال محافظاً, فإذا ضخمنا وبالغنا قضية التيسير إلى حد التخلي عن هذه القيم لم يعد بيننا وبين غيرنا أي فرق، وعلى سبيل المثال: نحن هنا عندما ننظر إلى انتشار ظاهرة كشف الوجه، إذا قارنتها بـتركيا ترجع المرأة فتغطي جسمها إلا الوجه، وتعتبر أنه هناك صورة وسط، هنا طيب وهنا طيب, الحقيقة غير صحيح أبداً والنظرة هذه خطأ؛ لأن الفتاة هناك تدينت وغطت إلا الوجه, وقد تغطي الوجه, وموجود الغطاء في تركيا وغيرها والحمد لله.
      أخواتنا الصوماليات نشرن الحجاب الكامل في أمريكا والحمد لله, وإن الله ينصر هذا الدين بمن شاء سبحانه حتى بأضعف الضعفاء.
      الشاهد: إذا كنا نحن في هذا المجتمع على قيم راسخة وثابتة بأن غطاء الوجه هو الحجاب، وهذا هو الصحيح, وهذا هو المفهوم الشرعي الصحيح، ولا يمكن أن نقول قبل الحجاب عندما كانت الصدور مكشوفة والأعناق, وبعد الحجاب أصبح الوجه مكشوفاً فقط، لا أعتقد أن هذا منطق وليس هذا مجال التفصيل فيها، ولكن مجرد توضيح أن بعض الناس يظن أن الجامع المشترك هو أن هذا وهذا سواء، فالأخت التي تكشف وجهها في بيئة محافظة مثل بيئتنا وتخرج تخاطب أي أحد كاشفة الوجه، تعتبر مثل الأخت التي في إسطنبول بقوة وباحتجاجات شديدة استطاعت أن تغطي شعرها وجسدها!! هذا غير صحيح، انظر الدافع الإيماني الموجود, لا شك أن هذه لديها ضعف في الإيمان أو ضعف في الجانب العلمي الفقهي؛ لكن تلك لديها إيمان قوي دفعها إلى هذا, ولكن اتقوا الله ما استطعتم.
      فلا نقول: إنه من التيسير أن نترك المرأة تكشف وجهها، بالعكس نحن نقول القول الذي يعتقده الإنسان, ونعتقد أنه الصح والحق: أنه لا يجوز لك أن تتراجع عن ضغوط الواقع, وتقول: ما دامت خلافية ففيها قولان.
    2. تغير الفتوى وكيفية التعامل مع هذا الطرح المغرض

      السؤال: تغير الفتوى بتغير الزمان يطرح دائماً لإقناع الناس بتغير ثوابتهم, وهذا طرح نجده دائماً من الليبراليين والعصرانيين يقولون كلمة حق ويريدون بها باطلاً، كيف نتعامل مع هذا الطرح المغرض؟
      الجواب: طبعاً الليبراليون والعصرانيون وإن كان بعضهم لا يستحق أن يسمى لا عقلاني ولا عصراني، إنما هم في الحقيقة ببغاوات, وكل منهم ينعق خلاف الآخر، وتصنيفهم على أنهم منهج تعظيم لهم ولا يستحقونه؛ لأن كل واحد منهم له نغمته الخاصة. طبعاً ليست المشكلة في تغير الفتوى؛ لكن المشكلة هي أن يؤثر ذلك في عمل الفئات الدعوية.
      طبعاً "تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان". معناه: أن المجتهد الذي بنى أحكامه على نظرة لها مناط -المناط هو متعلق الحكم فأنت درست ظاهرة معينة وبنيت عليها الحكم من خلال هذا المناط- إذا تغير المناط تتغير الفتوى بالنسبة للمجتهد، والنصوص موجودة في الحالتين وثابتة، والقطعيات قطعيات في الحالتين.
      لنفرض مثلاً: أن أمراً من الأمور كان عندك نظرة فيه أنه من المحرمات، فرأيت أنت أنه ينزل -في هذا العصر وفي هذا الوقت وفي هذا الأمر- إلى منزلة الضرورات, "فالضرورات تبيح المحظورات"، فهو كان محظوراً عندك؛ لكن قلت بجوازه للضرورة, وإذا زالت الضرورة رجع الحكم؛ لأن النصوص موجودة ولا تتغير, وإنما غيرت رأيك؛ لأنك اكتشفت أن المناط غير المناطات، أو غيرت رأيك؛ لأنك وجدت أن المصلحة أكبر، ومعنى المصلحة ليست مصلحة الهوى، إنما نحن نقول: أخذت مجموع أدلة وجاءت عندك بعض الأدلة الشرعية -كلاهما أدلة، فمن أجل أن تُعمل عدد أكبر من الأدلة قدمتها على العمل ببعض الأدلة فتغيرت فتواك, وكثيرة جداً هذه القضايا الفقهية الطويلة.
      وليس المقصود بالتغيير: أن ما كان حراماً يصبح حلالاً، لكن مثلاً: تعليم البنات كان يراه بعض المشايخ حراماً, وقاومه بقوة، ثم رأى أنه لا بأس به, فالمشايخ هؤلاء لم يغيروا النصوص وإنما غيروا فهمهم للنص، فبعد أن رأوا أن التعليم جيد, أصبح بعضهم يسعى إليه, والبعض يمكن ما يرغم على ذلك؛ لأن هذا الدين أنزله الله سبحانه وتعالى ليُقِيم الواقع، لكن هؤلاء الناس يريدون العكس, كما عبر بعضهم: الدين للواقع، بمعنى: نرى واقع الناس ونأتي إلى الدين ثم نفصله حتى يتفق مع الواقع، لكن نحن نقول: إن الدين نزل ليغير هذا الواقع ويرتفع به.
      ما بين هذين العمليتين يوجد نقطة رمادية، عندنا الأبيض واضح, والأسود واضح، ودائماً في كل دائرة فكرية أو فقهية توجد منطقة رمادية نختلف فيها هل هي سوداء أو بيضاء؟ وهذا ليست هي المشكلة، المشكلة أننا نحسم موضوع الأبيض الواضح وهو الثبات على القيم الإيمانية والمحرمات القطعية, ولا تباح المحظورات إلى للضرورات.. إلى آخره، ونفرق بين المنطقة الأخرى؛ وهي أن الحرام بيّن, ويجب أن يجتنب, وكذلك الشبهات تجتنب ما أمكن, الحرام لا يجوز إلا للضرورة, والشبهات لا تجوز إلا للحاجة.
    3. تفسير اختلاف الفتوى في المسألة الواحدة عند بعض العلماء

      السؤال: فضيلة الشيخ! كيف تفسر اختلاف الفتوى من قبل بعض المشايخ؛ فما كان ممنوعاً في السابق أصبح مباحاً عند نفس الشيخ؟ الجواب: لعل الإشارة تقدمت لهذا، إذا كان هذا من تغير المناطات فلا إشكال، وإن كان من التأثر بضغوط الواقع التي لا تعني التأثر بالضرورات والحاجيات وإنما تعني التأثر الناتج عن ضعف الإيمان وضعف المقاومة فهذا خطأ.
    4. حضور الداعية المؤتمرات اللبرالية لأجل المناظرة

      السؤال: ما رأي فضيلتكم حول حضور مؤتمرات وندوات اللبراليات خاصة, وأنه يحضرها جمهور أحياناً لأجل الرد والمناظرة؟ أم الأفضل الاجتناب والاشتغال بالبناء فقط؟ الجواب: لا بد أن يكون عندنا دفاع وهجوم، ولا بد أن يكون عندنا من يترصد لهؤلاء, ولا أشترط الحضور، إذا استطعنا أن نقضي على هذا المنكر -أو نناظر وندحر حجتهم بأي شكل من الأشكال- فلا بد، وإن كان من ذلك الحضور. المقصود من هذا هو أنه يجب أن نقاوم وأن نناظر وأن نقيم الحجة ولا ننسحب من الميدان، الوسيلة والكيفية تلفت نظري إلى شيء مهم جداً، كما قلت في أول حديثي عندما آتي لمثل هذا المركز المبارك -أكون صريحاً معكم أنا لم آت لأقول لكم رأياً تتبعوه بالعكس- آتي لأشاوركم، ورأيي هذا من الممكن أنكم تعدلوه أو تصححوه في كل هذه القضايا. قضايا الدين والإيمان الحمد الله لا اختلاف بيننا، لكن في التعامل مع المتغيرات يمكن أن يكون لنا نظرة أفضل من نظرة, ورأي أفضل من رأي. وأنا أعتقد ولا مجاملة لكم أنكم بحكم التخصص, والأخوات ما شاء الله تبارك الله بحكم خبرتهن في العمل الدعوي النسائي، هن أفضل منا, وبإمكانهن إن شاء الله أن يمدونا بما يعيننا, وما نوصله إلى الجهات الأخرى.
    5. ظاهرة التبديع والتفسيق وموقف الداعية المسلمة منها

      السؤال: هناك سؤال يا شيخ! ورد كثيراً ودائماً ما تتكرر في أسئلة طويلة ومختصرة؛ يقول: ظهرت في الوسط الدعوي النسائي ظاهرة التحزب والتبديع والتفسيق للأسف عند بعض المنتسبات للعلم والصلاح, فما موقفنا نحن خاصة ممن اكتوين بذلك؟ هل نهملهم أم نرد عليهم أم نسعى للإصلاح؟ وإذا كانوا غير راغبين في الإصلاح فكيف نتعامل معهم؟
      الجواب: هذه القضية تكفيها الإشارة؛ لأنها داء وعقوبة لمن ابتلاه الله سبحانه وتعالى بذلك، هي أولاً عقوبة له.
      وأقول لكم من باب الأخوة في الله والمحبة والنصيحة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع عليها "النصح لكل مسلم": والله لا تجد أحداً ذكراً كان أو أنثى اشتغل بعيوب غيره حتى لو كان محقاً إلا وجد قسوة في قلبه.
      وكان السلف الذين نيط بهم هذا المجهود الهائل في تنقيح الأحاديث وتصحيحها والحكم على الرواة؛ يبكي أحدهم حينما يقول: فلان غير ثقة، وهو يعرف عبادته وزهده وأخلاقه فيقولها بحرقة وألم، لأنه يجب أن يدافع عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ويبين أن الرجل هذا -مهما كان فيه من الجهاد والخير والفضل- في الرواية وفي الحفظ وفي الإتقان ضعيف، أو أنه ما أدرك فلاناً, وإن قال: عن فلان فهو ما أدركه، فيجب أن تبين هذه في حالة الضرورة؛ لحفظ دين الله تبارك وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أما أن تستهل في حق إخواننا المسلمين الدعاة.. سبحان الله!!
      دائماً يجب ألا ننسى أنه هناك أحكام الآخرة, وهناك أحكام الدنيا -وهذه من عجائب هذا الدين أنه من عند الله، حتى كلام النبي صلى الله عليه وسلم- لكن ما يتعلق بالعمل المقرب إلى الله والمدخل إلى الجنة فهو مرتبط بالإيمان، ففي القرآن تجد: المؤمنين.. المتقين.. المصطفين الأخيار، أي اسم مدح من طبقة الإيمان فما فوق.
      لكن في حقوق العباد -وهذا الشاهد- أن الارتباط يكون بالإسلام فقط؛ كما في الحديث: ( حق المسلم على المسلم )، ( المسلم من سلم المسلمون لسانه ويده ).. إلى آخره. لماذا؟؟
      لأن الحقوق المتعلقة بالعباد رَاعِ فيها الجانب الأدنى، فما دام أنه مسلم أو مسلمة فلا تتكلم في عرضه على الإطلاق، هي منطقة محرمة: ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ).
      إذا كانت القضية قضية اختلاف وجهات النظر -أو ما أشبه- ممكن أن تقول الأخت الفاضلة: فلانة لي رأي يخالف رأيها، هي قالت كذا أنا أقول كذا ولا مشكلة، كما قال العلماء: نحن رجال وهم رجال، يمكن أن يقال مثلاً: نحن نساء وهن نساء، ليست هذه القضية, إنما القضية في الاشتغال بالعيوب أو التحزب لأشخاص أياً كانوا.
      نحن أمة واحدة, والعدو يتكتل عليناه كما ترون، العالم الغربي الآن يقتسمنا اقتساماً، بعدما أمريكا أخذت العراق وغضبت أوروبا أعطوها السودان ولبنان لـفرنسا، - وكل واحد يأكل بطريقته الخاصة؛ طريقة الأكل والخلسة مختلفة؛ ومع أنه ليست فرنسا ألمانيا... ألمانيا بروتستانتية تكفر الكاثوليك ولا تؤمن بالبابا, وتعتبره المسيح الدجال، و فرنسا كاثوليكية، وهذه لها أهداف, وهذه لها أهداف، وهذه احتلت هذه أيام هتلر؛ لكن الآن خطة ألمانية فرنسية واحدة علينا، كل العالم يتكتل على اختلاف أديانه وعلى اختلاف لغاته ونحن مع الأسف الشديد لا زلنا متفرقين.
      وحتى لو كانت الأمة غالبة مغلوبة فأنا أقول: إن أي إنسان يشغل نفسه بما لا خير فيه, ويشغل نفسه بشيء يقسي قبله فسوف يجد عاجل العقوبة.
      لا نحب أن نذكر ببعض الأشياء المؤلمة ولا نفرح بها، لكن أذكركم قبل عشر سنوات أو أكثر؛ راجت أشرطة ضد علماء ودعاة. اسأل الآن أين الذين روجوها!! اسأل من الذي انحرف منهم ولم يعد يعرف الصلاة ولا المسجد والعياذ بالله, ونسأل الله العفو والعافية.
      هل هناك عقوبة تتخيلها أنت أشد من هذا، لو جلد.. لو سجن.. لو ضرب.. لو أقيمت عليه الحدود؛ لكان أخف، لكن أكبر عقوبة يعاقب بها أن ينحرف عن الدين بالكلية؛ بينما كان يرى نفسه أهل للطعن في كل العلماء, وكل الدعاة, وكل المشايخ.
      أن تنتقل هذه الإشكالية للوسط النسائي مشكلة وكارثة؛ لأن الوسط النسائي ينبغي أن يكون فيه جانب الرقة والرحمة والرأفة أكثر, يجب كما نصحت أولاً أن نتعاون على طاعة الله سبحانه وتعالى، وكل أحد منا يزجر نفسه عن أي كلمة وأي شيء لا ينفعه في الآخرة.
      وهؤلاء الواقعون في هذه الإشكالية ينبغي علينا تجاههم ما يلي:
      ما يتعلق بحماية المجتمع منهم؛ فينبغي أن نبذل جهدنا في حماية المجتمع من هذه الأفكار بأبسط وأسهل ما نستطيع؛ حتى لا نحدث إثارات وبلبلات.
      ومن ناحية هؤلاء من تمحض منهم أو منهن لهذا البلاء نسأل الله أن يهديه, وأن يرده للصراط المستقيم وندعو له، ولا نناظره, ولا نرد عليه أبداً مهما قال, ومن كان لا يزال قريباً فيمكن أن يجتهد معها البعض ويدعها البعض.
      لكن المهم حماية الأجيال المؤمنة, وحماية مسيرة الصحوة المباركة من هذا النوع، الذين أقل ما يقال: أن كل من يتكلم فيه فهو من باب قول الله تبارك وتعالى: ((تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ))[البقرة:134].
      ولو كان الله تعالى يسألني عن عيوب الناس لكانت كارثة، والمشكلة في عيوبنا التي نسأل عنها، وثقوا يا إخواني! أن أي عامل لله بإخلاص لا يمكن أن يشغل نفسه بغير عيوبه وبغير ذنوبه.
    6. كيفية حماية الداعيات المبتدئات من ظاهرة التفسيق والتبديع

      السؤال: يا شيخ! بالنسبة لموضوع التبديع والتفسيق يوجد بعض الأخوات والنساء خصوصاً المبتدئات فيهن عاطفة, فكيف تكون حماية هؤلاء, وقد تكون هناك أنشطة ومن خلالها تطرح مثل هذه الأمور؟
      الجواب: مثل هؤلاء المبتدئات أو حديثات العهد بالتدين نوعان:
      النوع الأول: نوع بطبيعته يميل إلى الحدة والعجلة, ولديه مشكلة يمكن من الصعب علاجها.
      النوع الثاني: نوع آخر فقط من باب أنه مغرر به يعني: أنه تأثر, فنحن نعمل مع هذا ومع هذا بما يناسبه.
      والأدواء سواء كانت أدواء للبدن أو المجتمع قد تذهب المرض؛ لكن يبقى في الجرح ندبه، هذا قدر الله سبحانه وتعالى، فيه طائفة ((وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا))[الأنعام:25].. هؤلاء موجودون ولا بد منهم، لكن هذا لا يجعلنا نيأس، فكثير من الناس بهم نوع من التغرير, ونوع من الجهل, ونوع من المجازفة.
      بمعنى آخر: الإعداد الإيماني الصحيح المتدرج في المراكز التربوية وفي البيوت هذا يجعل الإنسان أو الفتاة تعيش في عالم آخر، يستنكر هذا لمجرد أن يسمع عنه ولو كان في حق عامي.
      الله سبحانه وتعالى لما وضع هذه الزواجر، فمن قال لأخيه: يا كافر! والعياذ بالله كلمة خطيرة جداً، ووضع زواجر في مجال العرض؛ إما أربعة شهود وإلا الحد في ظهرك، فهذه زواجر وحدود، ويترتب عليها دعاوى شرعية وأحكام، وكل ذلك حتى تنبهنا أن هذا الموضع موضع خطر، أما الكلام عن ظاهرة عامة فلو تكلم أحد عن البدع فهذا جيد, ونحن نشجع عليه, ودائماً نوصي الأمة بالسنة, وننهاها عن البدعة؛ لكن أن تبدع فلاناً بغير حق أو تكفره أو تفسقه أو تضلله لهوى، هذا هو عين التحزب -طبعاً كل كلامنا في دائرة أنهم الدعاة.
      وأنا أؤكد لكم أن هناك روافد أخرى لا تدخل في مجال الدعوة إلى الله، وهذه الروافد لا أحب الحديث عنها كثيراً, ولننتقل من الرافد المحلي لها إلى الرافد الخارجي، وأضرب لكم مثالاً فقط لأجل ضيق الوقت: أعتمد في الخارجية الأمريكية ما سموه هم "new salavism" "السلفية الجديدة" والسفلية بريئة من هذا، أعتمد هذا المنهج في الخارجية الأمريكية بوثائق وعُمم.
      فعُمم على القذافي وعلى الجزائر، وعمم على بعض الدول العربية, وتقبلته وأصبحت تحاول أن تعين الأئمة ممن يعتنق هذا الفكر، الذي يقول: إن أمريكا "أهل كتاب"، وأن طالبان مشركون، وأن القائمين في العراق لا خير فيهم, وينزل ذلك حتى يصل للدعاة، فهذا الفكر يعتمد غربياً على أساس أنه مطية يمتطيها أعداء الله سبحانه وتعالى، وتكفي هنا الإشارة.
    7. كيفية تعامل الزوجة مع تغير زوجها للانحراف أو ترك الالتزام

      السؤال: فضيلة الشيخ! ما التصرف الأمثل الذي تعمله الداعية نحو التغير الحادث في حياة زوجها؛ كما لو ترك الالتزام أو أنحرف؟ الجواب: ينبغي أن نعلم قاعدة: أن كل أحد من بني آدم -إلا من رحمه الله- عرضة للانحراف، أما الذنوب فكلنا عرضة لها. المقصود: عندما نستشعر هذه القاعدة, ونعلم أن كل أحد يمكن أن ينحرف، فهذا يهون علينا ما نراه من بعض الإخوة والأخوات إذا رأوا من ضعف أو فتر أو قل إيمانه أو تمسكه بشعب من شعب الإيمان؛ فإن الحادث يأخذ أكبر مما يستحق، وبالتالي يكون نوع من الإحباط في معالجته، هناك حوادث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تأكد ذلك؛ لندع حادثة الردة، ونتكلم عن شرب الخمر مثلاً؛ أن يشرب الخمر من صحب ويصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يحب الله ورسوله!! معنى ذلك: أنه يجب علينا أن نراعي في هذا الزوج -أو الأخ المنحرف أو الأخت المنحرفة أو من ضعف أو فتر- هل هذا الفتور لا يزال معه شعب أخرى من الإيمان وثوابت موجودة أو لا؟ هذا يهون علينا الموضوع؛ لأنه قد نجد إن شاء الله شعباً أخرى, وقيماً أخرى, وحدوداً أخرى، أو أنه نوع من الانحراف والهبوط والضعف الشديد، مثل: توقف القلب فجأة, وهذه مشكلة والحمد الله هي قليلة ونادرة؛ لكن يمكن أن تقع. على أية حال القاعدة العامة في هذا: أن يكون كل واحد منا في حالة استنفار دائم، استنفار في الطاقة والقوة الإيمانية له ولقرابته ولمن حوله، لا نضمن انحراف الزوج أو الزوجة أو الابن أو الأخت، الفتن تتراكم وتتضاعف نسأل الله أن يعصمنا ويحمينا جميعاً منها، والقلوب بيد الله تبارك وتعالى يقلبها كيف يشاء، ودواعي الإغراء والانجذاب إلى الشهوات والدنيا وما أشبه ذلك كثيرة جداً؛ لكن من حكمة الله تبارك وتعالى ومن رحمته -كما في الطب البشري وكذلك في أدواء القلوب- أن الغالب والمعروف أنه يصحب أي مرض مقدمات، وإذا أمكن بإذن الله تبارك وتعالى كما هو الحال مع أبداننا أن نتدارك أي مرض في بدايته؛ يعني: الحمد الله أكثر الناس لا يذهب للمستشفى إلا لأجل ذلك ويتعافون بإذن الله. المقصود: أن نتدارك أي شيء من بدايته، الإيمان قد يبدأ بنوع من التساهل في بعض المعاصي, وقد يبدأ بنوع من الشروع في بعض العلاقات المحرمة، وقد يبدأ في التهاون ببعض الطاعات ثم ينتهي إلى غير ذلك، إذا نحن ضبطنا أو حاولنا أن نضع "الحد الأدنى" الذي إذا وصل إليه المرض أو الانحراف؛ أعلنَّا هذه الحالة من الاستنفار فالحمد الله، ويمكن ضبط ذلك. والاستنفار يكون بطرق كثيرة، كالتأثير -ولنفترض حالة الأخت أنه الزوج- عليه من طريقها هي؛ أو من طريق الأهل.. الأقارب.. المعلمين.. المربين.. الأصدقاء؛ لأن كل أحد هناك من يَتَأثر أو تَأَثر به، وهناك من يستحي أن يعلم أنه على هذه الحال، لكن لا يكون على سبيل التشهير والفضح, إنما كل أخت فهي أعلم الناس تقريباً بمن يتأثر به زوجها، ومن يستحي منه زوجها, ومن يمكن أن يكون سبباً لهدايته من الزملاء أو من المشايخ أو من غيرهم, في حالة الاستقامة أو قبل ظهور بوادر الفتور والضعف, فتأثر عليه أو تطلعهم بطريقة معينة بحيث يُحتضن الأخ، ويكون هنا واجبنا جميعاً ألا ندع أخاً منا للشيطان.
    8. مواجهة انفتاح الشبه والشهوات

      السؤال: فضيلة الشيخ! مع الانفتاح كثر نشر الشبه, وبعض الداعيات تقف حائرة في بعض المحاضرات فلا تستطيع ردها, فما هو الحل؟
      الجواب: عصرنا هو عصر شبهات وشهوات وفتن، ومع بالغ الأسف الشديد الذي أقوله: إن المحاضر الذي يقلي المحاضرة في مئات -ولنقل: في ألوف- يحتاج أن يرتب لها شهوراً -فالمحاضرة تذهب ثم تقر ثم ترجع ثم يوافق عليها ثم يلقيها في المسجد- لكن الضخ المستمر يومياً وفي كل ساعة وفي كل حين من مختلف وسائل الإعلام لا يتوقف على الإطلاق، بما فيه من شهوات وشبهات، وهذا يجعل العمدة والقاعدة التي يجب أن نقوم بها ونتأملها جميعاً هو دائماً "تقوية الإيمان", فلابد من تقوية الإيمان, وعوامل الإيمان, وحماية وصيانة المجتمع والأسرة والأبناء من هذا الشرور ومن هذه الشبهات وهذه الفتن، ومن هذا الباب كره العلماء -علماء السلف- مناظرة أهل البدع، فيخشى أن يقع في قبلك شيء, وأن تكون سبباً في نشر البدعة.
      وأنا أقول شخصياً: بعض ما ينشر في مواقع الإنترنت - التي لا ترتبط بإشراف دعوي- أو الإعلام، قد يكون مما يعين على نشر الشبهة، وإن كان في صورة من يغار أو يتحدث بها من باب الغيرة أو أن هذه الظاهرة انتشرت، لكن قد يؤدي إلى كأنه يسهم ويعين -بدون قصد طبعاً- ويحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا أو تشيع البدعة في الذين آمنوا، فلنتنبه لهذا.
      فمن صيانة النفس والأسرة والمجتمع الحماية من مجرد إلقاء الشبهة, أما إذا ألقيت فيجب الرد، والذي يعجز في هذه الحال لا شيء عليه, ولا ينبغي لمن لا يستطيع الرد العلمي القوي أن يتصدر فيرد؛ لأن كثيراً من البدع ما فتن الناس إلا ضعف الردود عليها، ولو أنها تُركت ولم يرد عليها لكان أهون بكثير، لكن عندما يرد عليها ضعفاء بمنطق ضعيف وبحجة واهية فهذا يؤدي إلا أنها تتأصل.
      الحمد الله الصحوة في خير كبير جداً, وأنا أذكَّر بشيء مهم: لو أردنا مقاومة كل هذا المتغيرات وهذه المشكلات كما ينبغي -أنا أخشى أننا نستعجل، والعجلة لا تؤدي إلى نتائج طيبة- فلنأخذ القضايا المهمات الأولويات ونرتبها ونبدأ بها ونستمر في التربية، حتى يتهيأ الجيل للرد على هذا الشبه والإشكالات -وسوف يتهيأ بإذن الله-، إذا نحن بقينا كما عملتم من تطوير المهارات والتدريب, وزيادة العلم الشرعي, وتعميم الفائدة.
      لا تجعلنا كثرة الشبهات الواردة ننسى أنه لابد من مقاومتها بأسلوب حكيم وبخطة مدروسة، كل أنواع المقاومة وأنا أركز الآن على المقاومة؛ لأن الأمة في حالة استنفار يجب أن يكون شاملاً في جميع الميادين، كل أنواع المقاومة الآن أبشركم أنها مباركة، وأنها تسير في خطى جيدة؛ بل تقطع وتحقق ما لم يمكن أن يحقق.
      لكن لا نستعجل!! فسواء كانت مقاومة شبهات أو شهوات أو مقاومة في الميدان الجهادي.. لا بد من الحكمة.
      بطبيعتنا البشرية نحن نستعجل, وهذه من أكبر الآفات في طريق الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ونتألم من المنكر ومن الشر أن ينتشر، لكن قد لا نوفق في معالجته بالطريقة المثلى، حتى الظواهر البسيطة التي لا يمكن لأحد أن يتوقعها.
      التدخين قبل أربعين سنة أو ثلاثين سنة كانوا يعظون الناس ويذكرونهم, وينهون عنه, ويكررون الكلام فيه, ويكرهون من يدخن، أساليب معينة كانت عجلة, وفيها جهد كبير؛ لكنه لم ينتج، الآن بدأنا نجد أنواعاً ووسائل كثيرة جداً في مقاومته، وهو داء مكشوف ومعروف نطاقه وإطاره كله تحت المجهر.
      الاستعجال من غير خطة راشدة واضحة ينبغي أن يتوقف الدعاة ذكوراً وإناثاً عنه، لكي تكون الخطة المحكمة الناجعة وفي نفس الوقت -الموضوع له علاقة بهذا- أن نصبر، فالله تبارك وتعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر: ((فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ))[الأحقاف:35], فالصبر دائماً مأمور به في أكثر من تسعين موضعاً في كتاب الله؛ لأنه لا بد من الصبر، ولا يعني الصبر: ترك العمل كما يظن بعض الناس، لكن تصبر على تحمل الثبات.. على تحمل مشقة الاستقامة والمواجهة، ولعلي أضرب لكم مثلاً حياً؛ لأن هذه الأمة تتفرد بميزات عظيمة جداً لكنها لا تدركها، وهذه من مشاكلنا: أننا لا ندرك الميزات التي أعطانا إياها الله تبارك وتعالى، وهذا يؤدي إلى ضعف الإيمان, ونحن كما قال الله تعالى: ((وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ))[آل عمران:139].
      المقاومة في العراق حتى الآن لم تكمل عامين في مقاومة أعتى قوة في العالم، والتي جندت أكثر من ثلاثين أو أربعين دولة؛ لم تكمل عامين، ولو نقرأ تاريخ الحروب الصليبية، وحروب التتار، وقبل ذلك السيرة النبوية، فالسنتان لا تعتبر مدة كافية، لكن ما حدث في المقاومة العراقية لو أبعدنا عاطفتنا الأخوية والإسلامية وقرأنا التحليلات وماذا يقول هؤلاء؛ فسنجد تحليلات عالمية تؤكد أن المقاومة الجهادية في العراق مقاومة فريدة ولا نظير لها، لا غابات ولا جبال ولا وديان ولا غير ذلك, شعب مجاهد يحتمي بالشعب. مجاهد ضمن الأمة ومنغمس في الأمة, ويقاوم أعتى قوة.
      لم تستطع أمريكا على الإطلاق أن تحقق أي هدف من أهدافها، لا الاستراتيجية ولا العسكرية ولا الاقتصادية ولا أي شيء, وإخفاق كبير جداً، وأصبح من يفرض إرادته الآن هم المجاهدون، بل قال أحد المحليلين الأمريكيين: أنا رأيتهم في الليل الأمر بأيديهم, وفي النهار دباباتنا تتجول، لكن في الليل كل الموضوع بيد المقاومة.
      أنا أقول والله أعلم وإن شاء الله أن أكون مصيباً في هذا: إن من رحمة الله بنا وعلم الله ضعف إيماننا في هذا الزمان؛ أنه يعطينا براهين قوية على أنه معنا سبحانه وتعالى بشرط أن نتوكل عليه، ولكن أيضاً أن نعمل بخطة محكمة سواء في مجال الشبهات والشهوات أو في مجال الجهاد البدني.
      لاحظ مثلاً: لماذا نحن في هذه المسألة نفرق بين من يذهب من الشباب والصغار والمراهقين ومن لا يفقه إلى هناك، ونقول: لا تذهبوا؛ وبين أنه يجب دعم المقاومة هناك بكل أنواع الدعم، فرق بين هذا وذاك, هذا من الخطة وليس لأنه اعتراض.
      لكن قد يقول البعض والعياذ بالله: إنه لا مقاومة ولا جهاد، وهذا لا نقول: إنه مجرد تخذيل؛ بل أسوأ أنواع التخذيل يمكن أن يمارس ضد هذه الأمة؛ ألا تدافع عن حقها في الحياة, وحقها في الوجود ومقاومة المحتل!!
      لا نقول: الشرائع السماوية فقط؛ بل الشرائع الأرضية؛ بل الغرائز الحيوانية!! فالطير يرفض أن يدخل أحد على عشه ويأخذ فراخه وبيضه ولا يقاوم، ولا يتحرك بأي شكل من أشكال الحركة، فهذا غير معقول!!.
      لكن نحن نقول: مشكلتنا -ولهذا أوردت هذا الكلام- "الاستعجال"، فبعض الإخوان يسأل: بشروا كيف الأخبار؟ كم هي سنتان ليست شيء، مع أنك لو تقرأ فإنك تجد أن الحروب الصليبية بقيت حوالي قرن.. وكذلك لو تقرأ عن التتار.. الآن بالعكس الحمد لله في فلسطين وفي العراق وفي الشيشان وفي كشمير وفي أي مكان التوازن الآن بدأ، وهذه إن شاء الله مرحلة سنعيشها بإذن الله, ويشهدها من يمد الله في عمره، أما الأجيال بعدنا إن شاء الله فستراها.
      يبدأ الانتصار بالتوازن نوعاً ما، كان يوم بدر ثم يوم أحد ثم الأحزاب.. ثم اليوم نغزوهم ولا يغزونا بدأت، انقلب من حال الدفاع إلى حال الهجوم، وليس فقط الهجوم بمفهوم المعارك فقط الحقيقة: أننا نجد أن الإسلام ينتصر, أن الإيمان ينتصر, أن القرآن ينتصر، إذا كان بعد سنتين سيكون عندي خمسمائة ألف حافظ في العراق فهذا انتصار كبير جداً، وتأكدوا تماماً أن آثاره ستبقى لقرون.
      وهذه الأمة يا إخوان! ونقول هذا الكلام على سبيل التثبيت لا يقال: شهوات.. شبهات.. كلها ستمر وتبقى هذه الأمة خالدة بإذن الله، فقط نحتاج إلى إيمان ويقين وتوكل، الأمة دائماً تثبت، وعندما تصاب وتمتحن وترجع إلى الدين؛ فتذهب المحنة وتزول والرجوع إلى الدين باق، حين جاء التتار كانت الأمة في تردي وضعف وانشقاقات وانقسامات فنهضت، ولندع الآن النهضة الجهادية التي قاومت الصليبين والتتار، نهضت أيضاً نهضة علمية، النهضة العملية اليوم والصحوة الآن وكل الجهود العلمية أو أكثرها على تراث ما بعد الحروب الصليبية، انظر لـابن تيمية وابن القيم و ابن حجر و ابن كثير و ابن رجب و الذهبي وغيرهم، لكن انظر ما أُلف قبل قرنين.. لا تحب قراءته إلا قليل. الجيل الذي نشأ بعد الهزيمة, ونشأ في رحم المقاومة وفي إطار المقاومة الشاملة للأمة هو الذي نقله، كان ابن قدامة صاحب المغني على الميمنة مع صلاح الدين، ولذلك كتاب المغني غير الكتب الأخرى خاصة ما يتعلق بالجهاد والأحكام، وكلام شيخ الإسلام وجهاده أشهر من أن يعرف, وهكذا.
      أنا أبشركم بهذا؛ لأنه دائماً نجد أنه -مثلما تفضل الأخ أو الأخت السائلة- تكثر الشبهات والإشكالات، بينما أسوأ هذه الشبهات ما يتعلق بفرض الهزيمة النفسية علينا.
    9. ما حققته الحملة العالمية لمقاومة العدوان الصليبي

      السؤال: سؤالان يا شيخ! متعلقان بك:
      السؤال الأول: نود أن نعرف متى يعود موقع الشيخ للعمل؟
      السؤال الثاني: هل لكم أن تحدثونا عن بعض ما حققته الحملة العالمية لمقاومة العدوان الصليبي, لا سيما وقد مضى على قيامها فترة من الزمن خصوصاً فيما يتعلق بشؤن المرأة والأسرة؟
      الجواب: أنا لا أحب أن أطيل في موضوعات شخصية, وإن كان بعضها عام.
      الموقع ليس مثل موقعكم يريد أن يقدم شيئاً للناس بقدر ما هو تحت رغبة الإخوة, ونزولاً عند إلحاحهم, وهو أشبه بأرشيف علمي للنتاج السابق, فهو ليس موقعاً حياً متفاعلاً, حصلت فيه إشكالات فنية, نرجو أن تعدل قريباً إن شاء الله.
      بالنسبة للحملة العالمية: من الأمور التي أرجو الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا اللقاء مباركاً نافعاً فيها هو التواصل معكم في هذا، في الحقيقة كانت هناك فعلاً مرحلة معينة عشناها شهوراً لم ينقطع التواصل ولم ينقطع العمل فيها، بل كانت هناك اجتماعات بمعدل كل ثلاث أسابيع تقريباً, والإخوة يأتون من كل المناطق، وهناك والحمد الله إعداد وقد أعدت برامج لكافة اللجان, وبعض اللجان الفاعلة في الميدان الحمد الله بمستوى لا بأس به، لكن كل شيء يتوقف على المؤتمر وإعلان الحملة الذي حصل في قطر والحمد الله في الشهر الماضي بفضل الله سبحانه وتعالى، بعد ذلك سننطلق انطلاقة جديدة بإذن الله.
      ما يتعلق بالأسرة كانت خسارة وفاة د. خديجة بخاري رحمة الله عليها، -ولا شك أن الأخوات يعرفنها نسأل الله تعالى أن يرحمها, ونرجو من كل أخت أن تدعو لها ولجميع موتى المسلمين- كانت خسارة كبيرة بعدما كان من أنشط اللجان لجنة الأسرة، ليست المشكلة في البديل, فإن شاء الله فيه بديل وفيه بديلات، لكن الإشكال أنها جاءت في وقت نحن مضغوطون جداً بقضية المؤتمر، لكن إن شاء الله سبحانه وتعالى سيكون عندنا لقاء بإذن الله تبارك تعالى الجمعة القادمة 13 ربيع, إن شاء الله سيكون هناك نوع من العمل الجديد أو الاستئناف بشكل جديد.
      طبعاً أنا شخصياً -حتى تكون الصورة واضحة-كنت أميناً مؤقتاً.
      الآن إن شاء الله تطور الأمر بشكل أكبر وأفضل، وأصبح هنالك إمكانية للعمل أكثر لضغوط واقعنا وضغوط ظروفنا الخاصة، فلم نعد نمثل الأمانة في عمل مباشر مع اللجان, فقد حولني الإخوة -جزاهم الله خيراً- إلى مجلس الأمناء، لكن التواصل سيظل بيننا بإذن الله.
      وموضوع الأسرة أرجو وأناشد الأخوات جميعاً: أن يهتموا بهذا الشأن؛ أن يكون هناك اهتمام بهذه اللجنة، وقلت في المرة الماضية وأقول لكم: أي فتاة تتحجب وأي أخت تحفظ القرآن وأي مؤمنة في هذه الأرض تتمسك بشيء من فضائل الخير فهي مقاومة, وهي مع الحملة، فالحملة ليست عبارة عن إدارة تنفيذية أو توجه أو تعطي أوامر؛ بقدر ما هناك نوع من التوعية العامة, ونوع من تجميع الجهود التي هي موجودة وترتيبها وتهذيبها، ويمكن أن تكون بعض الجهود قد لا نحتاجها هنا في المملكة في بعض الأمور؛ لأنه والحمد الله الصحوة ظاهرة وكبيرة جداً, ونرجو الله أن يكون كل من خالفها شذوذ ولا عبرة به، لكن أنا أبشركم عندما تجد في دول مثل المغرب أو الجزائر أو نيجيريا.. أن الأشياء التي يمكن أن تعمل هي في الحقيقة تعتبر نقلة نوعية وتأثر قوي؛ لأنه كما تعلمون -وهذه ما أحب أن أطيل فيها- نحن عندنا مشكلة في الأمة الإسلامية؛ قبل أن نعمل أي عمل متفق عليه عندنا مشكلة الفرقة والانقسام، والنظرة أحياناً إلى بعض المناطق بالذات: نحن في البلد هذه نمثل نوعاً من العقيدة المتشددة التي تبدع وتكفر المسلمين وأنه كذا وكذا، بينما الجهة منفكة, كما يقول الفقهاء.
      هذه ليست قضايانا, هذه شكليات تعتمد على إجراءات فنية يمكن أن يتفق عليها؛ لكن فرضاً قالوا: نحن عندنا موضوع يتعلق بالمرأة.. فمن هنا نحتاج في الظواهر الجديدة إلى قضية الشورى, وتداول الرأي فيها, فيما قد قررنا فيه الرأي وانحسم أن نراعي كيف نطبقه والله تعالى الموفق.
    10. موقف الداعية من الإنترنت والدش

      السؤال: فضيلة الشيخ! من المتغيرات التي طرأت على مجتمعنا في السنوات الأخيرة الإنترنت والدش, ما موقف الداعية من هذين المتغيرين الخطيرين؟
      الجواب : نحن لا بد أن نصحح الأمر أولاً.
      إذا قلنا: الإنترنت أو الدش فمعنى ذلك: أن نفتح على أنفسنا إشكالية قد لا ننتبه لها، أول ما ظهرت هذه الفتنة كانت الفتوى تحريم الدش، وبعد ذلك وجدت قنوات طيبة ووسائل طيبة، فجاء بعض الإخوان فقال: هي طيبة يا شيخ! لكنها عن طريق الدش. ولا الله تعالى ولا رسوله ما حرم الدش، لنتكلم عن القضية في ذاتها.
      -قد نحتاج للنكتة أحياناً- حدثي أخ: أن أحد المحتسبين طرق الباب على رجل تخلف عن الصلاة -ليس محتسباً في الهيئة؛ لكنهم كانوا يتفقدون من يتخلف عن الصلاة, وهذه سنة جيدة- فدخل فإذا بذاك قد نام وتأخر عن الفجر والراديو مفتوح على القرآن. فقال: أوه؛ تأخرت عن الصلاة, وتسمع القرآن من آلة اللهو أيضاً. فاعتبرها جريمتين.
      ليست المشكلة مشكلة الآلة، لا الإنترنت آلة لهو، ولا الدش ولا الراديو آلة لهو، الآن هناك وعي عام والحمد الله؛ ولكن التنبيه للقضايا الفقهية؛ لأنها قد تفهم خطأ، وعي عام عند الأمة أن تفرق بين الموقع والموقع، الموقع المتميز الذي رأيناه الليلة مثلاً يشرح الصدر نسأل الله لهم التوفيق، فهو ليس مثل -ولا يقارن والعياذ بالله- موقع منحرف في بدعة أو في علمنة أو إباحة وإفساد، لا مقارنة أبداً, ذاك تحث عليه وتشجعه وتدعمه بقدر ما تستطيع وذاك ترفضه، بإمكان الإنسان أن يتخيل أنه بإمكانه أن يدخل إلى المسجد وقد أذن المؤذن، أو يذهب إلى أحد الأزقة والعياذ بالله, ويضع حبوب مخدرة أو ما شابه ذلك.
      الإنسان مكلف ومبتلى في هذه الدنيا ليطيع الله أو يعصيه، ((إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا))[الإنسان], وفي أي عمل يمكن أن يكون شاكراً أو كفوراً، يستخدم هذا في الخير أو في الشر، هذا لا يعني إلغاء الاحتياطات, لا, بالعكس، مما يوجب علينا ذلك الحذر إذا كان هناك من لا يستخدم هذه إلا في الشر أو يمكن أن يقع في الشر لصغر السن أو لعدم التربية، فلا بد أن تعمل الاحتياطات، إذا كان من الاحتياطات ألا تكون عندك فلا تدخلها، وأنا لست من الذين يقولون: لا بد منها، إذا الشخص لا يريدها فالحمد الله, ولا حرج عليه في هذا أبداً، ويمكن أن يعوض ذلك عن طريق شراء الشريط المسموع أو المرئي، فليس إجبارياً ولم نقل: إنه يجب، لكن إذا كان أحدنا يستطيع أن يضعها في حدود الجائز أو الواجب أو الفائدة فالحمد الله.
      فلم يجعل الله تعالى دواء هذه الأمة ولا حتى متعتها ولا راحتها فيما حرم الله عليها، بالعكس ما حرم عليها شيء إلا وضرره واضح, وأباح لها من الحلال ما هو واسع جداً والحمد الله.
      أو بمعنى آخر: إنها مثل المجلة أو الكتاب، فقد تشترى المجلة النافعة, وقد تشترى المجلة الضارة، وقد يشترى الكتاب النافع, وقد يشترى الكتاب الضار، فهي من جملة الوسائل؛ لكن كل وسيلة بحكم العملية الفنية لها طريقة في تضييق الشر أو إلغائه.
    11. لزوم الداعية (عليكم أنفسكم) في بيئة الفتن والمخالفات

      السؤال: فضيلة الشيخ! انطلاقاً من مبدأ حتمية التغيير: على نطاق واسع نجد الكثير ينادي: عليكم أنفسكم، فأنا معلمة في مدرسة تموج بالأخطاء والمخالفات الشرعية, وتضييع الأمانات, والدائرة تتسع والسفينة تكاد تغرق, فهل أسكت وأردد: عليكم أنفسكم؟ الجواب: علينا أنفسنا بمعنى: أن نقوم بواجب الدعوة إلى الله والاحتساب وإنكار المنكر، ولا نفهم من (عليكم أنفسكم) ألا تدعو, وهذه معروفة وأنكرها الصحابة ووضحوها من قبل. لكن أرجع إلى الأخت المعلمة فأقول لها: هل المجال فعلاً لا يمكن أن تعمل فيه؟ هذا سؤال وهي تجيب عليه, ويمكن أن تقول: لا. وممكن أن تعمل ولو على ضعف، الأهم من هذا: هل عملها الوحيد في التغيير هو المدرسة الموبوءة؟ أو الأسرة الموبوءة فرضاً! فبعض الأسر موبوءة, ونحن هنا لا نشعر بهذا, لكن في الدول الأخرى أو بعض المناطق تكون الأسرة كلها منحلة -الأجداد والجدات والعمات كلهم ما بين الشيش والدخان وترك الصلاة- إلا فتاة واحدة بينهم، ماذا نفعل، هل لا يوجد وسيلة؟ نقول: بلى, التواصل مع المجتمع ومع الأخوات الأخريات في مجالات أخرى يجب أن يستمر؛ لإصلاح هذه الأسرة أو المحافظة على رأس المال؛ وهو الإيمان، فلا يمكن أن نقول: ما دامت المعلمة في مدرسة لا تستطيع أن تعمل شيئاً إذاً لا أعمل شيئاً وعليكم أنفسكم، لا. نقول: يجب أن تفكر لماذا لا أستطيع أن أعمل؟ لماذا لا أستطيع أن أغير؟ وقد يكون التغيير من الخارج, قد تنقل هذه الصورة المزرية إلى من يستطيع علاجها بطريقته، ونحن في هذا المجتمع بالذات أحيينا سنة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله. إذاً: هذه مدرسة اسمها كذا فيها مشكلات كذا وكذا فعلاً، ما دور إدارة التعليم؟ ما دور الوزارة؟ ما دور الهيئة؟ ما دور الدعوة في الحي؟ إلى آخره, من أجل أن ننقذ هذه المدرسة، فتكون إنقاذها بواسطة ما تكتبه وتوضحه الأخت أو تبلغ به من يهمه هذا الشأن، إذاً هناك مجالات إن شاء الله للتغير، دائماً هناك مجالات للتغيير.
    12. توجيه حول النهضة النسائية

      السؤال: فضيلة الشيخ! منذ زمن ونحن نتحدث عن النهضة النسائية, وإلى اليوم لم نر مناراتها, هل هناك خلل يا ترى في طرائق التربية والتوجيه الحالية أم أن المسألة مسألة وقت؟
      الجواب: إذا كان السؤال ينطلق من رؤية: أن كل ما نعمله فهو في دائرة التقصير، وحاجة الأمة إلى أكثر منه, فهذا صحيح، أما إن كان لا قدر الله في دائرة الإحباط, وأنه لا شيء, فهذا غير صحيح.
      ولنفترض أن المقصود هو الأول، يعني: لابد أن ننظر إلى أعمالنا نظرة التقصير والنقص، ولذلك ننصح كل أحد بالاشتغال بعيوبه، ومن ذلك: ألا يشتغل حتى بالدفاع عن نفسه إذا كان ذلك يجعله يدافع وينسى الدعوة، أو يؤثر على ضعف إنتاج دعوته، بمعنى: اغتنام كل فرصة, وكل وقت من أجل القيام بهذا الواجب بكل الوسائل؛ بالعلاقة الطيبة.. بالكلمة الطيبة.. بالإحسان.. بالمعروف.. بأي وسيلة، حتى الذي لا يجد شيئاً كالعجوز المقعدة التي لا تجد مالاً مثلاً ولا وسيلة لنصرة الدين، هذه عندنا لها باب ممتاز جداً, وهو الدعاء، وفي الحديث: ( إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم )، فنقول لها: صلي وصومي وتعبدي وادعي الله كل يوم، ادعي الله لإخواننا في العراق وفي فلسطين ادعي الله لمشروعنا أن ينجح, ادعي للمركز هذا أن يستمر، لا نستهين بالدعاء.
      إذاً: كل طاقة يمكن أن نوظفها, وكلنا سنظل في دائرة النقص، ولذلك هي ليست في حق النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة بالنقص الذي في حقنا.
      وحتى تتضح الصورة: فإن الله سبحانه وتعالى يريد أن بعضنا يبني على ما أثره عن الآخر، فالنبي صلى الله عليه وسلم بلغ الدين وأدى الأمانة والرسالة، ثم جاء الصحابة فقاتلوا المرتدين وفتحوا البلاد، ثم جاء التابعون وعلموا الدين لكثير من البلاد التي فتحها الصحابة.
      لاحظ كيف جهد يبنى على جهد, فالآن الحمد الله أنا أعتبر؛ لأن الموجود الآن أساس كبير جداً, وقاعدة قوية جداً لانطلاقة إن شاء الله على مستوى العالم.
  10. كلمة توجيهية للداعيات بالثبات على الحق وعدم التنازل مع ضغوط الواقع وكثرة الفتن

     المرفق    
    المقدم: نريد من فضيلة الشيخ في ختام اللقاء كلمة توجيهية إلى أخواتنا الكريمات على الثبات على الحق, وعدم التنازل مع ضغوط الواقع وكثرة الفتن والشبهات, جزاكم الله خيراً.
    الشيخ: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا ولكم، وأنا الحقيقة أشكر الأخوات الفاضلات، فقد فوجئت بحجم الحضور ما شاء الله تبارك الله! نسأل الله أن نكون عند حسن ظنهم، وأن ينفعنا وإياكم بما نسمع ونقول.
    ميزة هذه الأمة أيها الإخوة والأخوات! أنها كما قال ابن القيم رحمه الله في المثل العربي القديم: تمشي رويداً وتجيء في الأول، ولا يمكن لأحد أن يمشي رويداً ويجيء في الأول إلا إذا كان هناك سر خاص ومعجزة خاصة ومدد خاص غير ما يراه الناس، هذا المدد هو الإيمان بالله, والثقة في وعد الله, والصبر على ما ننال أو يظهر في هذه الحياة الدنيا، وعدم التعجل كما أشرنا وذكرنا.
    أن نقف عند حدود الله ونراعيها، وأن نأتي بكتاب الله تعالى ونضعه نصب أعيينا، فما أحل أحللناه, وما حرم حرمناه, وما أمر به التزمنا, وما نهى عنه اجتنبناه, وما وسع وأفاض فيه وسعنا وأفضنا, وما أجمل أجملنا في كل نواحي الحياة.
    وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم هي المعلم الهادي الواضح النير في هذا، أي جهد نبذله -إن كان مركزاً أو موقعاً أو محاضرة أو أي شيء- فإننا نأخذ نماذج من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ونضعها معالم له، علمها من علمها, وجهلها من جهلها، فهو القدوة الكامل في كل شيء؛ في السياسة.. في الإدارة.. في التعامل.. في المنزل.. في العبادة.. في العلم.. في كل شيء, وصحابته رضي الله عنهم نموذج للتطبيق العملي.
    لا بد أن نقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة الصحابة بمعنى: ألا نكتفي بقراءة العلم المجرد أو الفقه المجرد على أهميته؛ بل نقرأ معه كيف فهمه الصحابة؟ وكيف تلقوه؟ وكيف طبقوه؟
    وكيف نأخذ من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ما نواجه به هذه الفتن؟ التي هي فعلاً في زمان الفتن، لكي نلقى الله تعالى وقد أعذرنا إلى الله من أنفسنا بقدر ما نستطيع من الجهد، لا نحقر الكلمة, لا نحقر الهدية, لا نحقر النصيحة, لا نحقر الدعوة, لا نحقر أي عمل من أعمال الخير، تبسمك في وجه أخيك, أو نصيحتك لأي أحد لا تحقرها.
    لا تكون الدعوة عندنا منحصرة في أنك تلقي كلمة أو محاضرة وإلا فأنت لست بداعية، أو الاحتساب؛ أنك تنكر المنكر, وتبلغ عن صاحب جريمة, وإلا فلست من أهل إنكار المنكر, لا, أبداً.
    أمر النصيحة والدعوة أعم من هذا كله، حتى تأليف عاصي أو فاجر أو فاجرة, وتأليفها على الخير ونصحها به، والتعاون معها بلطف وبإحسان وبخير لكي تكسب قلبها، هذا إن شاء الله من أبواب الخير الكثير, الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لها، وأسأل الله سبحانه وتعالى دائماً أن يكون مستصحباً في قلبي بالدعاء لكم والمحبة لكم في الله عز وجل, وأن يجمعنا بهذه المحبة في جنات نعيم, إنه على كل شيء قدير, والحمد الله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    المقدم: جزى الله فضيلة الشيخ خير الجزاء على هذه المحاضرة الطيبة القيمة, وهذه الإجابات الشافية, ونعتذر للأخوات اللاتي لم ترد أسئلتهن, وقد طلب فضيلة الشيخ جميع الأسئلة حتى تكون محل عناية واهتمام واستفادة إن شاء الله, ونشكر كذلك الشيخ الدكتور الفاضل عبد الكريم على قيامه بفرز هذه الأسئلة, ومرة أخرى نشكر فضيلة الشيخ, ونشكركم جميعاً, ونصلي ونسلم على نبينا محمد, وعلى آله وأصحابه أجمعين.