المادة كاملة    
أعطيت المرأة في الإسلام مكانة عظيمة ومنزلة كبيرة، فقد كرم الإسلام المرأة بعد أن أهانتها الجاهلية، وأصبحت تعلب دوراً أساسياً في البناء الأسري، فهي الأم والزوجة والأخت، وهي أيضاً شريكة الرجل في تحمل مسئوليات الحياة، وأعطيت من التكاليف ما يتناسب مع طبيعتها وتكوينها، ولكن دعاة الشيطان وأتباع الشهوات يحاولون جاهدين لتغيير الأخلاق وهدم القيم في المجتمع، فادعوا أنهم يريدون تحرير المرأة وإعطائها حقوقها، فجردوها من حياءها وحشمتها، واسترخصوها حتى أصبحت سلعة مهينة تباع وتشرى، وأرهقوها بأعمال وأشغال تتنافي مع طبيعتها وتكوينها الأنثوي.
  1. المعركة المحتدمة بين الشيطان وبين المصلحين

     المرفق    
    الشيخ: إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمد عبده ورسوله, اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: أيها الإخوة والأخوات! وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى. أولاً: أقول لكم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ثم بعد شكر الله تبارك وتعالى الذي هو حق واجب على العبد في كل حال، نشكر الإخوة والأخوات الذين رغبوا وأحبوا أن نجتمع ونلتقي في هذه الليلة التي نرجو أن يجعلها الله طيبة مباركة، وبجهودهم وبحرصهم وباهتمامهم كان هذا اللقاء، الذي ندعوه تبارك وتعالى أن يكتب لنا جميعاً أجره، إنه على كل شيء قدير. في الحقيقة أن الموضوعات التي يمكن لأي زائر لمثل هذا الجمع المبارك أن يتناولها كثيرة جداً، والنشاط الذي يقوم به هذا المركز الطيب؛ نشاط منهجي, ويتناوب على القيام بالدروس والمحاضرات, وفيه نخبة من الفضلاء، لا يمكن أن أدخل بينهم عرضاً, ولا أن آتي معهم بجديد؛ ولذلك أحببت -وهذه شبه عادة لي- أن أجعل من مثل هذه الزيارة المباركة فرصة للالتقاء وللتعرف وللإفادة؛ لكي ننقل هذه التجارب إلى مناطق أو ربما إلى دول أخرى إن شاء الله تبارك وتعالى، فهذا الذي أظن أنه هو الحصيلة والرغبة والغاية التي نحققها في هذه الليلة المباركة. فالتدارس والتذاكر في كثير من المشكلات -في نظري- هو الضرورة التي ينبغي أن نتعامل معها في مثل هذه الظروف الحرجة، التي -كما أشار الأخ المقدم وفقه الله- تعيشها الأمة ويعيشها الجميع، ونحن نعاني منها في كل مكان وفي كل زمان؛ بل في كل بيت؛ لأننا نواجه هذه الهجمة وهذه العداوة الشيطانية، التي تتجدد مظاهرها، وتفيد من المحدثات في التقنية والاتصال، وإلا فهي قديمة قدم خلق أبوينا في الجنة. ‏
    1. التعري وعلاقته بالهدف الشيطاني في عداوته

      الشيخ: فنحن نعلم مما قصه الله تبارك وتعالى علينا في القرآن الكريم -ولا سيما في سورة الأعراف- أن الهدف الشيطاني -وهو إبداء العورات وكشفها وتعرية الأجساد- هو ذلك الهدف الذي لا يزال هؤلاء يسعون وراءه، ويريدون من خلاله إفساد العقيدة والدين؛ لأنهم وجدوا أن الوسيلة الكبرى لتغيير العقيدة هي تغيير الأخلاق, وتغيير السلوك، ومن هذا نجد دليلاً عجيباً حقاً على أن هذا القرآن من عند الله تبارك وتعالى، ففي كل عصر من العصور يتفوق أو يغلب دعاة الشيطان, أو تكون لهم الريادة في القوة، نجد أن هذه المظاهر الشيطانية تزداد. الذي يطلع على تاريخ الأزياء أو الموضات أو الملابس عموماً في العالم يجد أنه إلى ما قبل ثمانين سنة أو أقل كانت الميزة والسمة العامة في العالم كله في كل فئاته هي التستر والاحتشام، بينما الموضة الجديدة التي ظهرت الآن, والجاهلية الحديثة, والجاهلية الأخرى التي تقابل الجاهلية الأولى المذكورة في القرآن، هذه لم تظهر إلا في الفترة المتأخرة، وهي انتكاسة وارتداد وعودة بالجماعة البشرية إلى الوضع الذي كان الشيطان يخطط له ولا يزال أبوانا في الجنة.
    2. المرأة بين ما يريده المصلحون وما يريده المفسدون

      الشيخ: فهنا نلحظ إلى أي مدىً يريد هؤلاء أن يعيدونا, وإلى أي هاوية يريدون أن يضعوا فيها هذه الجماعة البشرية، بعد أن حررها الله تبارك وتعالى بالإسلام، وبعد أن بعث إليها هذا الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وكتاب الله يتلى بين أيديها، وهذا لن يكون إن شاء الله، لكن نحن يجب أن نستحث الهمم, وأن نعلم أن هناك مؤامرة كبرى، وأنا لا أحتاج أن أدخل في نفق: هل هي مؤامرة أو غير مؤامرة كما يقولون؛ لأن الذين يبحثون عادة في هذه النظرية إنما يناقشون القضية من مسألة التفكير والتخطيط البشري، أما من كان يؤمن بالله تبارك وتعالى وبكتاب الله, وما ذكر الله تبارك وتعالى عن الشيطان وأوليائه، فلا تحتاج المسألة عنده إلى أن يفكر فيها أصلاً، فهو يعلم أن الشيطان هو وراء كل هذه الفتن، وله أولياؤه، وله أعداؤه, وقد وضحها الله تبارك وتعالى في كتابه: (( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ))[النساء:27].
      فهذه عداوة بين المصلحين والمفسدين, وبين من يريد التوبة والطهارة والعفة والفضيلة وبين من يريد الشهوات وإثارة الغرائز والفجور والفسق, كما نلاحظه الآن في هذه المعركة، التي لم يعد هناك نوع من المواربة أو التورية أو المداراة بشأنها، بل إن هناك استهدافاً واضحاً للإسلام من حيث هو الإسلام، وللدين والفضيلة والخلق من حيث هي دين وفضيلة وخلق.
    3. احتدام المعركة بين الحق والباطل مؤشر لانتصار الحق

      الشيخ: وهذا الانكشاف على خطورته هو من جانب آخر يعطينا الأمل في أن الله تبارك وتعالى سوف يجعل العاقبة للمتقين. فهذا الدين لم يَغْلب ولم يَتَفَوق في أي مرحلة من المراحل إلا بعد أن تحتدم المعركة, وبعد أن تشتد الوطأة، وبعد أن يُزلزل الأنبياء أو المصلحون أو المؤمنون حتى يقولوا متى نصر الله، فعندئذٍ يأتي النصر من عند الله تبارك وتعالى. والوسائل التي يستخدمها جنود الشيطان أو أعوان الشيطان وأولياؤه في إمكاننا نحن أن نستخدمها أيضاً، مع الفارق الكبير بين عمل يباركه الله تبارك وتعالى ويؤيده ويوفقه، وإن قل العدد وقلت الإمكانيات والجهود، وبين أعمالٍ الشيطان الذي يدفعها ويحركها ويدعمها، ولا شك أن حزب الله هم المفلحون, وهم الغالبون, وهم المنتصرون، وإن حزب الشيطان هم الخاسرون، وهم المدحورون بإذن الله تبارك وتعالى، فهذه من سننه الثابتة في خلقه كما أخبر عز وجل.
  2. أمور مهمة متعلقة بالمرأة

     المرفق    
    الشيخ: وحتى يهيئ الإخوة والأخوات الكرام ما لديهم من -لا أقول: أسئلة بقدر ما أقول- ملاحظات أو تنبيه أو لفت نظر أو ما أشبه ذلك. ‏
    1. التساؤل الخاطئ الذي توضع فيه قضية المرأة

      الشيخ: أنا أريد ألفت النظر إلى مسألة واحدة فقط، يمكن أن تكون مدخلاً لكثير من البحوث التي تتعلق بمسألة المرأة، وهي أيها الإخوة والأخوات: أن السياق الذي توضع فيه قضية المرأة هو خطأ من أصله, بمعنى آخر: إذا كان السؤال خطأ فمن المحتمل إذا أجبت عليه أن تخطئ؛ بل لا بد أن تخطئ إذا كان السؤال نفسه خطأ، ونحن الآن وُضِعْنا أمام الغرب والعالم, وفي وسائل الإعلام, وفي العداء الخارجي من جهة، وما يكتبه المنافقون من أبناء الإسلام أو المنتسبين إليه من جهة أخرى، وُضِعْنا في السؤال الخطأ. السؤال الخطأ هذا هو: هل أنتم مع المرأة أو ضد المرأة؟
      وهكذا كل ما يتفرع عن هذه القضية فهي يمكن أن تصنف بهذا الشكل، حتى في لقاءات مع كبار سن أو مع صغار أو مع مثقفين؛ وعندما تصنف الحكومات أو الأنظمة أو القوانين؛ وعندما يُتَحَدث عن أعمال خيرية أو دعوية .. إلى آخره، تصبح القضية: أنت مع المرأة أو ضد المرأة ؟! والسؤال خطأ والإجابة غالباً ما تكون خطأ؛ لأن السؤال خطأ.
      وأذكر من الأمثلة البسيطة: لما كنا في مراحل الدراسة الأولى كان المدرس إذا أراد أن يختبرنا مثلاً يقول: عاصمة بريطانيا هي باريس أو مدريد؟ فإذا أجبت بأي الجوابين أنت مخطأ طبعاً؛ لأنها ليست لا هذه ولا هذه. وهكذا في كثير من العلوم.
      من هذه البدايات البسيطة نستنتج الخطأ؛ عندما توضع المجتمعات الإسلامية وتدمغ بدمغة تاريخ طويل من الصراع الفكري والحزبي والجنسي -يعني: بين الجنسين- في الغرب، ويراد منا نحن أن نحدد موقفاً معيناً من قضية نحن لم نشارك فيها؛ ولم نخضها، ولا علاقة لها بتاريخنا ولا بديننا ولا بقيمنا، ولكن مطلوب منك أن تجيب بنعم أو لا!.
      لو كان السؤال بشكل آخر, لو كانت المسألة مسألة مع أيٍ تقف أنت، ولا نقول: المرأة أو الرجل؛ بل هل أنت مع الظالم أو مع المظلوم؟
      فلا يختلف اثنان أبداً في الجواب: أنه يجب أن نكون -من أي مسلم بالذات- نحن مع المظلوم على الظالم، نحن ننصر المظلوم بقدر ما نستطيع أياً كان.
    2. الموقف الصحيح في قضية المرأة ونيلها لحقوقها

      الشيخ: عندما ننظر إلى قضية المرأة، وكيف يمكن أن تعطى حقوقها، لا ينبغي أن ننساق وراء أن هناك قضية امرأة، وأن المرأة في مقابلها الرجل، فهذا خطأ في البدايات، وبالتالي يستتبع منا أخطاء كثيرة في المعالجة. القضية عندنا نحن هي قضية "من المرأة" أصلاً التي يقول عنها الغرب وأولياؤه: إنها المرأة! من هي؟ إذا كان الكلام عن الأم، فمن منا يناقش في قضية الأم. إذا كان الكلام عن البنت، فمن منا يتحدث عن زينة الحياة الدنيا التي هي أجمل زينة؛ والتي نشاهد جميعاً أنه ما من أب له ابنة إلا يراها تعادل عنده الدنيا كلها أو أكثر. إذا كانت القضية قضية الزوجة، فهل هناك من يستطيع أن ينصف زوجتي أكثر مني! أو من يمكن على حقيقة الأمر وفي واقعه أن يعلم هل أنا ظالم لها أو غير ظالم؟! ولو كان أخص وأقرب قريب لي لا يستطيع ذلك، إلا إذا كان الرقيب علي في هذا هو الله تبارك وتعالى، وهو الذي أخشى أن يحاسبني وأن يجازيني, وهي كذلك أيضاً من حق الزوج عليها. هنا تتغير النظرة كلياً إذا نحن أصلنا القضية في السؤال وفي الجواب بالتأصيل الإسلامي الشرعي الصحيح.
    3. أثر التنافس والصراع في الغرب حول المرأة

      الشيخ: عندما يتحول الغرب إلى كتل وهذه قصته وحضارته وهذا شأنه، ولو أن لدي ولديكم وقتاً كان من الممكن أن نشرح لكم أحداثاً طويلة جداً عن هذا الأمر، لكنها على أية حال لا يمكن لك إذا قرأت تاريخ الغرب -الحضاري والفكري والسياسي والاجتماعي- إلا أن تجد هذه الظاهرة، فالغرب حياته كلها هي حياة صراع وتنافس حاد، التنافس الحاد هذا يؤدي إلى عملية استقطاب، فهناك في الغالب قطبان متنافران متنافسان، فتجد الحاكم يحرص على أن يكسب أكبر قدر ويأخذ من الشعوب، والشعوب تحاول أن تأخذ أكبر قدر من الحاكم، ورب العمل والعامل، والفقير والغني، والطبقات العليا والطبقات الدنيا، والحضارة الأرثوذكسية السِّلافية الشرقية والحضارة البروتستانتية الغربية الديمقراطية.
      حتى داخل الغرب نجد استقطابات وصراعات، ونجد اللون الأبيض أو اللون الآخر كما هو معروف في أمريكا و بريطانيا وأمثالها، ومن هنا أيضا تأتي مسألة الرجل أو المرأة، وتتحول القضية عددية، مثلاً: الدولة الفلانية عندها مجلس برلمان أربعمائة رجل منه عشرون امرأة، ما فارق الرقم؟! الدولة الفلانية فيها أربعون وزيراً منهن ثلاث نساء؛ فهذا قضية عددية رقمية ليس لها علاقة بماذا حقق أو ما الذي لم يتَحَقق.
    4. حال المرأة في الغرب

      الشيخ: ما وضع الأم هناك؟ أي أم تبدأ تقترب من سن اليأس أو العجز والضعف يبرز أمامها دائماً باستمرار دار العجزة؛ ولذلك يفزع كثير منهن إلى الانتحار أو الهروب، أو اللجوء إلى أي شكل من الأشكال كالمخدرات وما أشبه ذلك للهروب من الواقع، بسبب تصور دار العجزة. وفي المقابل لو تصورنا كيف حال الجدة والأم في المجتمع المسلم؛ لوجدنا أن كل امرأة في الغرب -ولو كانت ملكة- تتمنى أن تكون أماً أو جدةً في البيئة الإسلامية، حيث الصغير والكبير يحترمها في أي مناسبة. وعندي قصص كثيرة من الواقع المعاصر الآن في حياتنا، على سبيل المثال: أذكر أن امرأة تعمل قنصلة لدولة غربية معروفة، فدعيت إلى زواج هنا فحضرت، ففاجأها أمر غريب جداً، وهو كيف تعامل الجدات؟! كل الداخلات يدخلن ويسلمن على هذه الجدة ويحترمنها ويقدرنها، وما إن تشير إلى شيء إلا ويتسابق الجميع لخدمتها. فتمنت أن تكون أماً مسلمة أو جدةً مسلمة، ونحن قد لا نشعر بعمق هذه الأمنية وحجمها، لكن هي تعلم ذلك؛ لأنها في الثلاثينيات أو في الأربعينيات وتفكر أنها بعد عشرين سنة؛ سأكون مهملة ملقاة في دار العجزة أو ما أشبه ذلك. يعني: رقم وانتهى الرقم أو بهت، لا يأبه به أحد ولا يهتم به أحد.
    5. حاجة المرأة في الغرب إلى المنظمات التي تدافع عن حقوقها

      الشيخ: فلذلك هم في الغرب يحتاجون إلى تكتل نسائي لمقاومة ما يسمى التكتل الآخر الرجالي، ومن الطبيعة البشرية في التاريخ كله التي جعلها الله سنة في التاريخ أن تنشأ قوة مضادة من هنا وقوة مضادة من هنا، فينشأ من يدافع عن المعسكر النسائي من بين الرجال، كما ينشأ من يرتدُّ -كما يسمونه- من المعسكر النسائي ليقاوم الحركة النسائية.
      والآن من أقوى الحركات في أمريكا والتي يعوِّل الحزب الجمهوري عليها في الانتخابات -وربما تتابعون ذلك عن قرب هذه الأيام- هي الحركة النسائية المضادة، التي تنكر الإجهاض، وتنكر الشذوذ، وتنكر كثيراً مما يريد أصحاب الحركة النسائية -التي تتماشى تقريباً مع مقررات الأمم المتحدة- أن يفرضوه على المجتمعات، فأولئك ردة فعل محافظة ضد ردة فعل عنيفة على الرهبانية التي كانت في أوروبا.
    6. أساليب الإسلام البديلة عن المنظمات النسائية الغربية لنيل حقوق المرأة

      الشيخ: الذي أريد أن أقوله: أننا نربأ بهذه الأمة المباركة، ونربأ بأسرنا وبيوتنا ومجتمعاتنا وأمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا, ونربأ بأنفسنا جميعاً أن ندخل في خضم هذه الصراعات التي لا تنتهي، والإشكالات التي لا مخرج منها على الإطلاق، والتي تحولنا إلى صراع دائم بين حاكم ومحكوم، فهذا يحكم وهذا يعارض، ولا بد أن يغلب أحدهما الآخر، وبين عامل ورب عمل، وبين رجل وامرأة، فكأن كل ما يحققه الرجل من مكسب فهو على حساب المرأة، كما أنهم يرون أن كل ما يحققه العامل من ربح فهو على حساب رب العمل أو العكس.
      كل هذه ليست في الإسلام، في الإسلام نحن جميعاً نطيع الله ونتقي الله، ونحتسب في أن يرد بعضنا بعضاً عن ظلمه، وعن خطأه، فلو علمنا أباً عاقا لبناته أو زوجة عاقة لزوجها -ناشزاً- أو أياً من ذلك، فنحن في مجتمعنا الإسلامي نحرص بقدر الإمكان أن نحل الموضوع بأي طريقة من الطرق، كما بين الله تبارك وتعالى: (( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ))[النساء:114]؛ فربما نلقي موعظة عامة في مسجد ويسمعها هذا الأب ولم نخاطبه مباشرة، أو قد نرسل له رسالة شخصية، أو قد يتكلم معه من يثق فيه, وهكذا.
      لدينا وسائل كثيرة جداً لا علاقة لها بشيء اسمه "منظمات المرأة" أو مظاهرات ولافتات تخرج في الشارع، فلا يمكن أبداً أن تؤدي -هذه اليافطات والعناوين- إلى أن يرتدع الظالم عن ظلمه؛ بل يأتي هو أيضاً بالنوع المضاد, ولا تنتهي المشكلة بأي حال من الأحوال.
      لكن عندما تُخَاطب القلوب بما خاطبها الله تبارك وتعالى به، وعندما تُذكَّر بالله وتُوعظ فإنها تستجيب.
      ومن المَلاحِظ التي يراها كل من يقرأ في كتاب الله تبارك وتعالى: أنك تجد التركيز والتذكير والتكرار في "آيات التقوى" يأتي في سورة الطلاق والبقرة والنساء، وفي المواضع التي تتعلق بالأسرة, وبالعلاقة التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى, مثل: ما بين الأسرة، وبالذات ما بين الزوجين.
      تجد "التقوى" هي الحل المأمور به والمؤكد والمكرر؛ لأنه من غير تقوى لا ينفع أي شيء، فليحكم القاضي لكِ أو عليكِ أو لكَ أو عليكَ، فإذا لم يكن هناك تقوى لا يمكن أحد أن يلزم المرأة أن تلتزم, أو يلزم الرجل أن يلتزم.
    7. تميز المسلمين على الغرب بنور الوحي والقرآن

      الشيخ: ثم إنني أقول: إن الله سبحانه وتعالى أنزل هذا الكتاب لعلاج جذري لأمراض القلوب، فإذا كانت الأمم تلك العابثة المتصارعة المتناحرة تفتقد نور الوحي، ولم يمنَّ الله تبارك وتعالى عليها به، فما عذرنا نحن الذين نراه ونسمعه، ونعيش هذا النور بين أيدينا ونسمعه ولله الحمد؛ بل حتى القيم الاجتماعية الموجودة لدينا هي إلى حد ما وفي كثير من الحالات مستمدة أصلاً من هذه المعاني والمفاهيم والقيم التي نأخذها من كتاب الله سبحانه وتعالى، والتي عاشها الأنبياء والصالحون، وعاشها الآباء وعاشتها الأمهات من قبل، فكانت حياتهم تقوم على معاني كثيرة؛ ليست مجرد التعامل التجاري؛ كالقبض والأخذ أو سداد الدين والمحاسبة التي يريد الغرب أن يفرضها علينا، فيعش الحالة المادية التجارية في حياته العامة، ويريد أن يفرضها علينا حتى في مشاعرنا وعواطفنا ورغباتنا الشخصية والنفسية, لا, نحن لدينا رباط الحب والمودة، ورباط التقوى، ورباط الصبر ورباط الشيم والخلق، كثيراً ما تصبر المرأة على زوجها شيمة وخلقاً منها وصبراً، لأمر آخر ليس قضية الرباط الجسدي, ولا قضية الناحية المادية على الإطلاق، وكثير من الرجال أيضاً يتحمل من أجل هذا الشيء، منهم من ينظر إلى الأبناء، ومنهم من ينظر إلى الأخوال، ومنهم يتحمل حتى لا يقال: إنه طلق، وما أشبه ذلك، ويعلم أن هذه أمور مما يحفظ بها أسرته، فيصبر على مضض وعلى ملل وتكون عاقبة الصبر حميدة، وكم من امرأة شرسة أو رجل غليظ القلب انقلب بعد عِشْرة ما إلى الخير والصلاح والهداية، وهذه سنة الله تعالى، وبالصبر يحقق العبد ما لا يجده أبداً في مسألة البغضاء والشحناء والأحقاد التي يراد أن تصب علينا صباً. في الحقيقة المقدمة هذه التي ما كنت أريد أن تطول, هي حول مسألة: كيف نبدأ أو كيف ندخل في الصراع من أساسه, وكيف نتعامل مع معركة الشيطان وأوليائه من أولها دون أن ندخل في أعماقها وفي دوامتها, ثم لا نعرف ولا نستطيع الاهتداء أو العودة إلى الطريق القويم. مع الأسف الشديد أننا الآن نعيش في وضع يُفرض علينا المنهج الغربي, وتُفرض علينا المعركة الشيطانية فرضاً ومن غير إرادتنا، ومن هنا يجب أن نتنبه إلى مثل هذه المخاطر، فيجب أن تكون دائماً لدينا الرغبة الصادقة في تغيير واقعنا ليطابق ما أنزل الله تبارك وتعالى، أو الإرادة الجازمة لتكون لدينا هذه الإرادة لنمتثل ما أمر الله تبارك وتعالى به, وننتهي عما نهى الله تبارك وتعالى عنه، فبطاعته نهتدي ونحقق الخير والسعادة والفلاح، وبغير ذلك ندخل في دوامة لا تنتهي على الإطلاق.
    8. العلاقة بين حقوق المرأة والعقيدة الإسلامية

      الشيخ: فالمسألة مسألة اعتقاد.. مسألة إيمان.. مسألة أساس، أرجو ألا يظن بعض الإخوة والأخوات أنه لا يوجد في كتب العقيدة كلام عن المرأة، وليس في كتاب العقيدة كلام مثلاً عن تاريخ الأمم السابقة، أقول بكل صراحة ووضوح -ونحن مِن مَن عرف العقيدة وعايشها ودرسها ولا نزال والحمد الله- أقول يا إخوان: خذ عقيدتك الكاملة المتوازية من القرآن نفسه قبل أي كتاب، وهناك تجد أن ما ذُكر في القرآن وما كُرر وما استفاض الحديث فيه؛ فهو من أصول الإيمان والاعتقاد المهمة جداً، ومن ذلك هذه الأمور التي قد يظنها البعض مجرد فروع أو كأنها قضايا اجتماعية أو تاريخية؛ بل حتى أحياناً ما يتعلق بالأدب كأنها قضية أشكال أدبية أو شعرية أو نثرية.. إلى آخره.
      بينما لو أرجعنا كل هذه الأمور إلى كتاب الله سبحانه وتعالى؛ لوجدنا أن هناك أسساً لا يمكن على الإطلاق أن نتخلى عنها إلا وقد تخلينا عن جزء من إيماننا وعقيدتنا في الله سبحانه وتعالى، وفي هذا القرآن الحكيم، ومن ذلك: موضوع الجانب الذي يتعلق بالأسرة، -ولا نقول: المرأة والرجل؛ بل نقول: الأسرة عموماً- وما يتعلق بنجاح أو فلاح الأسرة, ثم نجاح وفلاح المجتمع الذي يتكون من مجموع هذه الأسر، ثم الرحمة العامة التي جعل الله تبارك وتعالى دين محمد صلى الله عليه وسلم باعثاً لها ورسالته هدفاً لها: (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ))[الأنبياء:107]؛ فينعم في ظل الإسلام من لم يسلم فكيف بمن أسلم.
    9. دور الحضارة الغربية في إفساد العادات القيمية كالحشمة

      الشيخ: وهذا هو الواقع الذي يشاهده أو يقارنه التاريخ البشري, فأهل الذمة والمستأمنون والقريبون من ديار الإسلام كلهم أَمِنُوا؛ بل كل الحضارة العالمية -ولا يوجد حضارة عالمية في التاريخ حقيقية إلا الحضارة الإسلامية والحضارات الأخرى مركزية عنصرية- أقول: نعمت البشرية جميعاً فيها؛ لأن المسلم أينما ذهب ينشر الفضيلة.
      عندما ذهب المسلمون إلى أجزاء كثيرة من أنحاء العالم للتجارة نشروا الإسلام، وتُسْلم القبائل أو الدول التي سكانها اليوم عشرات ومئات الملايين بعد أن كانوا عراة رجالاً ونساءً، يسلمون فيتحضرون؛ لكن الحضارة الغربية كما رأينا في جنوب شرق آسيا وغيره، دول كانت في غاية الحشمة وجاءت الحضارة الغربية فعرتها وجردتها من الحياء، وجردتها من الفضيلة.
      أذكر لكم مثالاً فقط لهذا: في الدول البوذية -مثل اليابان و كوريا وكثير من دول جنوب شرق آسيا- عندهم نوع من الحشمة تقليدية من قرون, لم يفقدوها على الإطلاق إلا بعد أن احتكوا بالحضارة الغربية؛ من هذا النوع: أن المرأة تتستر ولا تكاد تبدي إلا شيئاً من وجهها، وإذا التقى الرجل والمرأة في الطريق فمن آداب البوذية أن الرجل يجعل وجه جهة الجدار الأيمن مثلاً والمرأة جهة الجدار الأيسر حتى يعبرا الطريق فلا ينظر كل منهما إلى الآخر.
      حدثني بعض الإخوة ممن له شأن ووفقه الله للإسلام وهو من أهل الشأن الكبير في كوريا على سبيل المثال، يقول: حتى الآن هذه العادة لا تزال عندنا في الريف، وعندما نزل الأمريكان في تايلاند في بانكوك أيام حرب فيتنام وعندما جاء الاحتكاك بالغرب وأفلام الغرب وانحطاط الغرب، بدأت المظاهر الأخرى تتسلل إلينا وبدأ دعاة المحافظة يردون أن نبقى ونحافظ على قيمنا.
    10. الحشمة فطرة بشرية يجب الالتزام بها وتقديمها أنموذجاً للعالم

      الشيخ: المقصود: أن هذه القضية هي فطرة بشرية إنسانية والله سبحانه وتعالى علم هذه الفطرة أنبياءه جميعاً، ومن بقايا النبوة في العالم أن نرى بقايا الحشمة وبقايا الفضيلة، واحتقار الزنا واللواط والرذيلة وما أشبه ذلك هذا شيء يكاد يكون جمعاً عليه بين كل البشر الأسوياء في العالم. إذاً: نحن أحوج بلد, وأحوج أمة, وأحوج أناس، لا أقول: فقط أن نتمسك بالدون؛ بل أن تكون لنا الريادة والقيادة في الفضيلة، وفي جمع موكب أهل الخير، وقيادة أهل الإيمان والفضيلة في العالم كله؛ بحيث يفيء إلينا ويلتجئ إلينا كل من تحاصره الرذيلة، وكل من يهاجم في عقر داره للتخلي عن هذه القيم وهذه الأخلاق، حتى ولم لم يكن مسلماً, يجب أن تكون الجماعات الإسلامية موئلاً لمن يريد الفضيلة, ومن يريد الخير, ونموذجاً في القدوة وفي الاحتشام. عندما نقدم النموذج القوي الأمثل في عصر انحطاط وانحراف وإباحية وانحلال؛ فإننا بذلك نكسب مكاسب دعوية لا حصر لها، وهذه كما يبدو لي -والله تعالى أعلم- هي المقدمات التي تجعل هذا الدين يبلغ ما بلغ الليل والنهار بإذن الله تعالى، فكثير من الناس لم يسلموا لأنهم قرؤوا في العقيدة أو عن العقيدة، لكن المظاهر التي قد لا نأبه لها أحياناً، والتي يرونها "الروابط الأسرية" هي التي تجعل الإنسان الحائر الضائع؛ يجد أن هناك قيماً عظيمة جداً، وأنه لا يمكن أن يفرط فيها. رب كنوز لنا لا نعرف قدرها، ورب كنوز لنا دمرناها، وكثير من الناس يتكلم أن الأمة الإسلامية عندها الموارد العظمى؛ مثلاً: عندها البترول، وعندها القطن، وعندها المواقع المهمة, لكنها فرطت فيها، وهذا حق، لكن عندنا ما هو أكبر وأغلى وأعظم؛ وهو القيم الإيمانية والكنوز الإيمانية، ومع الأسف أن هناك من يفرط فيها أو يريد التفريط فيها.
    11. الحشمة لدى المسلمين في العصر السابق والحالي

      الشيخ: أنا أذكر مثالاً بسيطاً جداً -وأنا أحب دائماً الأمثلة المبسطة؛ لأنها تبقى في الذهن- أنا عشت في الرياض قبل يمكن عشرين سنة أو أكثر، وأذكر أني كنت أذهب إلى البطحاء، فألاحظ أن الأمهات يلبسن اللباس الطويل والواسع الجيد، وكنت أجد فيها الكثير من المحلات التي تبيع هذه الملابس الطويلة، لكن الآن لو ذهب أحد إلى هناك لن يجد تلك الملابس، بل سيجد الملابس الغربية القصيرة الضيقة في أي محل أزياء، وفي أي مكان، وفي أي شارع، لكن لو تبحث عن تلك الملابس الطويلة ربما يقولون: ربما يوجد محل أو محلان أو ثلاثة، لكن نتيجة الصحوة واليقظة الإيمانية -وهذا إن شاء الله موجود في بعض المحلات والمدن- أُفتتح محلاً -عمد- للحجاب والمحجبات وما أشبه ذلك، بمعنى آخر: بعد أن كانت الفضيلة ورمزها -ولا نعني أن الفضيلة هي اللباس, بل هو رمز لها ودليل عليها، والقلوب أحوالها عند الله- هي الأصل بسرعة شديدة انقلب الأمر.
      نحن مثلاً لا يلفت نظرنا كثيراً أن ترى امرأة لا يرى منها أي شيء، وإنما هي كتلة من السواد يمشي أمامك، وبجانبها ابنة أو طفلة في العاشرة أو الثامنة، وذراعاها مكشوفتان, وساقاها مكشوفتان، وشعرها على الطريقة الغربية، ربما أصبح مألوفاً لدينا، لكن أي إنسان يأتي من بلد بعيد يرى أن هذا يعطيه دلالات كثيرة وخطيرة؛ منها: أن هذا المجتمع الآن هناك جيل قديم ينقرض, وهنا جيل حديث يولد، هناك قيم يراد أن يتخلوا عنها لكن يصعب عليهم بحكم الإلف والعادة، وهناك جيل صاعد متفتح، إلى آخر ما يراد أن يفرض علينا؛ وهذا كما قلنا وذكر ذلك شيخ الإسلام رحمة الله عليه في اقتضاء الصراط المستقيم، وهو من أعظم من قدَّم التحليل الأول لهذه الظاهرة؛ علاقة الإيمان الظاهر بالإيمان الباطن, وارتباط هذين بعضهما ببعض.
  3. الأسئلة

     المرفق    
    الشيخ: أشكر الأخوات الحقيقة على أنهم قدموا الأسئلة. ‏
    1. مشاركة المرأة في ملتقى الحوار الوطني

      السؤال: هل ترون مشاركة الداعيات في ملتقى الحوار الوطني؟ وبماذا توصون من تريد المشاركة؟
      الجواب: أنا أولاً أقول بكل صراحة, وبكل وضوح, قلته للمسئولين الذين قابلتهم مباشرة: هذا الحوار أنا ما رأيت إلا أنه مسمار أو إسفين -كما يقال- لتمزيقنا وتفريق مجتمعنا، وهدم ثوابتنا، بكل صراحة وبكل وضوح أقول هذا, وقلته لأكبر المسئولين الذين استطعت أن أقابلهم، ولكن لا يعني هذا أنه عدم المشاركة فيه، وخاصة فيما يتعلق بموضوع المرأة.
      الحوار هذا في الوقت الذي نحن أحوج ما نكون فيه أن نبرز ونظهر للعالم أننا أمة واحدة ومجتمع واحد, وأن ديننا والحمد الله واحد، وأننا على خير وفضيلة متفقين عليها، إذا بنا نُبرز -وقد كتب ذلك وقيل- وكأننا أربعة أديان وأربعة مذاهب وأربع ملل، وكل ملة يمثلها طائفة بشكل مفتعل، تفتعل الطائفة ويفتعل من يمثلها حتى لا يكون الحوار مخلاً، وأردأ من ذلك عندي وأسوأ أنه لكي تكون مشاركاً في الحوار؛ يكفيك أن ترد على شيخ من المشايخ والعلماء المشهورين، ويكفي أن تخرج مقالتين أو ثلاث تهدم الثوابت، ويكفي الكاتب أو الكاتبة أن يكتبا عن الفساد والانحراف, أو يدعوان إلى قضية حساسة أو قضية شكلية أو ثانوية أو أي شيء؛ لكن المجتمع ينظر لها نظرة معينة، فبذلك يصبح مرشحاً لأن يكون عضواً في الحوار!
      أما هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء وغيرهم من الدعاة فيهملون إلا من اختير منهم، ومن اختير منهم حضر لقاءين فقط, بل أكثرهم في اللقاء الأول سُحِبوا، فإذا كان هناك تخطيط لإخرج الإخوة الدعاة منه فبلد من يمثلون؟! شيء عجيب حقيقة.
      شيء عجيب حقيقة.
      لكن مع ذلك أقول: لا يعني هذا كله ألا نشارك، بل نشارك فيه وبالذات "الملتقى الثالث" الذي يعقد بعد شهر تقريباً، فأوصي الأخوات بالمشاركة فيه وبكل قوة وفاعلية وتأثير، وأن يكون هناك تركيز على من يمثل هذه البلد، أليست هذه -بكل صراحة- الأمور وأشكالها مما تريده أمريكا وتطلبه منا أن نفعله، وتعتبره من الإصلاح، لكن أمريكا نفسها هل تطبق هذا على نفسها؟!
      لا، لا تطبقه، ومن الأمثلة على ذلك: أن في أمريكا طائفة المورمن يرون تعدد الزوجات، فهل ترضى أمريكا أن تعطيهم حق تعدد الزوجات؟! والله ما تعطيهم.
      وفي أمريكا
      أكثر من ثلاثين أو أربعين مليون ملوَّنين، هل تعطيهم أمريكا حقوقهم؟! لا ترضى.
      فأمثلة كثيرة جداً لا تطبقها أمريكا على نفسها, وإنما تريد أن تفرق بيننا, وأن توجد بيننا حصان طروادة، وأن تجد من تمتطي عليه؛ مثلما امتطت أناساً فدخلت عن طريقهم إلى كابل , وامتطت آخرين فدخلت من طريقهم إلى بغداد, فهذه هي القضية ليس أكثر من ذلك.
      ولذلك يجب أن يكون موقفنا قوياً، والمرأة المسلمة -سواء مثلت أو لم تمثل- من يحضر ويتكلم عنها في هذا اللقاء يقول وبكل وضوح وصراحة: نحن والحمد الله على الفضيلة والخير مجتمعون، والأكثرية الصامتة التي قد تكون تسعة وتسعين أو ثمانية وتسعين في المائة هي مع الفصلية والخير، ولا يصح لأحد أن ينافق ويتكلم باسمها ويدعي أنه هو الذي يمثلها.
      ما حدث في منتدى جدة الاقتصادي نموذج لذلك، فعندما كشفت بعض العجائز عن شعرها وتصورت، كانت النتيجة في النهاية أن أقيمت قضايا ودعاوى عليه في المحكمة, وما أشبه ذلك، فالشذوذ لا حكم له، لكن الذي يؤسفنا أمران:
      الأول: أن الشذوذ مدعوم من قوى خارجية.
      الثاني: من ينظم لهذه المؤتمرات مع الأسف الشديد.
    2. فتح مجالات لمواجهة التحديات ضد المرأة كالقنوات وغيرها

      السؤال: فضيلة الشيخ! مع ضخامة التحديات ضد الإسلام عموماً والمرأة خصوصاً, وتنوع الأساليب والمخططات, ما رأيكم في فتح قنوات جديدة لمواجهة دفاعية ضد هذه الحملات؟ وما هي الضوابط التي ترونها؛ خصوصاً وأن من يقود زمامها هن من النساء الصالحات فقط؟
      الجواب: فتح قنوات أو فتح مجالات هو مما لا بد منه, ولن يعجزنا الله تبارك وتعالى, والله تعالى أعطانا عقولاً؛ بل نحن والحمد الله نعمل بعقولنا كاملة؛ فالمؤمن -ذكراً أو أنثى- يعمل بكل الطاقة العقلية, بخلاف الفاجر أو الفاسق الذي يبددها في اللهو واللعب والسهر أو في المخدرات أو في شرب الخمر أو ما أشبه ذلك.
      فالمؤمن يعمل بطاقته العقلية، ويعمل بنور الوحي، فلا يمكن لمن يعمل بهذه الطاقة المتكاملة وبنور الوحي المبين؛ أن يغلبه الآخرون على الأقل في التخطيط أو في التفكير!! ومشكلتنا نحن أحياناً -كما قلت قبل قليل- السؤال الخطأ أو المدخل الخطأ في القضية، مثل أن يقال لك: إذا كنت لا تمتلك التكنولوجيا فلن تملك أن تقاوم الغرب، إذاً ستسلم! وهذه أكبر خطأ في التعامل.
      نحن نقول: إننا نملك من قوى التأثير ما لا يملكه الغرب على الإطلاق، وعندنا من قوة التأثير مثل هذا الملتقى المبارك والحمد الله, والأعمال المتفرعة عنه وعن أمثاله لو تلاحم المجتمع فيها.
      عندما قامت الثورة الثقافية في الصين وفي روسيا وأرادوا فرض الشيوعية فرضاً بالقوة على الناس بدون طبعاً دراسات؛ لكن أثبتت الدراسات أن أكثر من يستعصي على الثورة هي المناطق التي فيها مسلمون، فطلب ماوتفيتون و استالين معرفة سبب ذلك، فدرسوا فوجدوا الظاهرة التي لا ننتبه لها -وهي الكنوز العظيمة التي عندنا؛ لكن نحن لا نكاد ننتبه لها- قالوا: إن المسلمين يحضرون دروس الثورة، والتي تبث في الإذاعة ساعة بعد المغرب أو ساعتين -وطبعاً لم تكن الوسائل في تلك الأيام إلا الإذاعة والصحافة والثقافة الشعبية كما يسمونها- فالفلاحون المسلمون بعد غروب الشمس بساعة أو ساعة ونصف يجلسون ليسمعوا درساً كل يوم, لكن الظاهرة التي بسببها لم يتأثر المسلمون بـالشيوعية:
      أنهم يجتمعون خمس مرات في اليوم ويتثقفوا بثقافة أخرى، فقال لهم ماو: هل من المعقول أن يوجد أناس يجتمعون خمس مرات في يوم واحد. فقالوا: نعم، هذا معقول.
      بل لو أن عندك شركة هل تستطيع أن تجمع الموظفين خمس مرات في اليوم؟! هذا مستحيل طبعاً، بل إن جمعهم خمس مرات في الأسبوع صعب أيضاً؛ لكن في الإسلام يجتمع المسلمون في اليوم الواحد خمس مرات.
      ومن هنا نبدأ؛ أعني بذلك: أن ننطلق من المسجد ومن إحياء رسالة المسجد وأهمية المسجد, ثم المسجد يكون منطلقاً للعلاقات، ثم بعد ذلك تمتد هذه العلاقات لتشمل المجتمع كله، وكلمة حق تقذف بها على ألف طن من أقوال الباطل تدمغه بإذن الله تبارك وتعالى.
      وكما ذكرت الأخت السائلة أن يقوم بزمام هذه الأمور هن النساء الصالحات فقط، كلمة (الصالحات) هذه أرجو أن نضع خطوطاً تحتها؛ لأننا عندما نكون في موقع التربية الإيمانية فنحن نشترط أو نهدف إلى تربية المرأة الصالحة أو الشاب الصالح المستقيم كما أمر الله؛ لكن عندما نكون في حال المدافعة فنحن نجيش حتى هذا الشاب أو تلك الشابة ونجعلهما في واجهة العدو، وكثير من الناس نساء أو رجالاً لا يهتدي أصلاً ولا يرجع للدين إلا لما يعلم أنه في معركة مع الشر، الخطأ الكبير الذي نقترفه أحياناً أننا نصنفه على أنه من الشر، ونبدأ نتعارك معه على أنه في فئة الشر شاء أم أبى، وهنا نخسر الكثير ونجد أنفسنا آحاداً.
      لا شك أن في مجتمعنا الآن -والحمد لله- أن الزنا والرذائل الأخرى المتعلقة به منبوذة، ولو ظاهراً عند كل الناس والحمد الله، إذاً هل استطعنا أن نستفيد من هذه الميزة العظيمة؟ أي: الاجتماع المطلق المطبق على أن هذه الفاحشة حرام، ويجب أن نقاومها, ما أثره في واقعنا مع الأسف الشديد؟ تنتشر مظاهر الفساد والتعري والقيمة موجودة؛ ولا تزال حتى عند من تكشف حجابها, أو عند من تذهب إلى محلات الأزياء التي تبيع الملابس الغربية، فهذه القيمة إن شاء الله لا تزال موجودة، والمفروض أن تكون هذه القيمة باعثاً على الالتزام الأكثر، وأن يوجد روابط أن كل من يلتزم بهذه القيمة فهو في صف الإيمان ويقاوم أهل الشر والفساد، ومن هنا نستطيع أن نغير وجه المعركة؛ إذا نحن نقلنا أولئك إلى الصف الآخر على ما فيهم, فكلنا مذنبون, وكلنا فينا عيوب، وكلنا لنا أخطاء؛ بحيث تصبح الكلمة النافعة والموقف الجيد ولو جاء ممن فيه شيء من الفسق أو الفجور, يوظف لصالحنا، ونحاول ألا نصنف القائل الذي أخطأ في أقوال له بأنه ليبرالي أو علماني أو متحلل أو ما أشبه ذلك، بقدر ما نصنفه ومن خلال أقواله الطيبة على ما يمكن أن يكون في صف أهل الفضيلة وفي صف أهل الإيمان، هذا من التخطيط الاستراتيجي المحكم للمعركة, أرجو أن يكون في هذه الإشارة كفاية.
    3. التفريق بين الثابت والمتغير

      السؤال: [ما هي الفروق بين الثابت والمتغير؟]
      الجواب: كثير من الأسئلة تدور حول ما يمكن أن أقول هو التفريق أو التمييز بين الثابت وبين المتغير في ديننا وقيمنا في عاداتنا وما يتعلق بذلك.
      المُشاهد الآن أن دعاة الفساد والانحراف يراهنون على أن التغيير حتمي وهي نظرية ليست غريبة، فهي نظرية ماركسية , وأيضاً يوجد في فلسفات غربية أخرى غير الماركسية وغير الشيوعية نظرية التقدم المطلق كما يسمونه، "حتمية التغيير" مثلاً: الآن المرأة لا تتبرج؛ لكن بعد جيلين حتماً الكل سيتبرج، ثم يقيسونها على أمور ليست من شأن الثوابت، مثلاً: أنه قبل عقد من الزمن كانت المرأة لا تتعلم والآن تتعلم وهكذا، الخلط بين الثابت والمتغير هي إحدى المشكلات التي من خلالها تفتح علينا أبواب ورياح لا نستطيع أن نسد الباب في وجهها.
      هناك أيضاً مسألة أن المرأة تشارك في العمل أو تفتح مصانع أو تعمل كذا، القضية عندنا في الإسلام ليست قضية أن المرأة عندها عمل، أنا أحياناً -أكاد ولو رأيتني قد تراني أضحك وأنا لوحدي- لما تقرأ أن وفداً غربياً جاء إلى المملكة وأشاد بها وقال: وجدنا المرأة في السعودية من حقها أن تملك؛ فعندها شركات، وعندها مصانع! ويفتخر بها العلمانيون في جرائدنا!
      ملكية المرأة ولو كانت لمصنع طائرات ليست شيئاً غريباً على الإطلاق في بلد تقسم التركة فيه بمقتضى الشريعة الإسلامية، فإذا كان الأب يملك أكبر مصنع في العالم، ومات وورثته ابنته أو ابنتاه، فطبيعي أن ترث المصنع حتى لو لم تكن هي التي أنشأته، فالتملك ليس هو مشكلة كما يظنون هم، أو يوجد لدينا ما شاء الله في وزارة التجارة كذا سجل تجاري باسم امرأة، فهذه ليست قضية, ولا هي مكسب, ولا هي مؤشر على شيء إلا الشيء العادي الطبيعي في الأمة, لكن هناك ماذا يبنى على مثل هذه النظرة الخاطئة؟
      إذا كنا جادين أو نريد أن نكون -وهذا الواجب علينا- فنحن الآن في عصر العولمة ، وفي عصر التقنية التي أصبح من أبسط الأمور فيها هو تحرير التجارة من العوائق التقليدية، التي كانت تعيشها التجارة إلى ما قبل عشرين سنة، وقبل ذلك في التاريخ.
      على سبيل المثال: الشركات الأمريكية الآن تحرص أن يكون المصنع التجميع مثلاً في الهند، أو في الصين، والعمالة قد تكون فلبينية, والشركة مسجلة في اليابان ولكن المالك يعيش في أمريكا، ما فيه غرابة في هذا، ثم النوع الآخر الذي هو بفضل ما أعطى الله تعالى البشرية من استخدام الآلة الجديدة الحديثة؛ ثورة المعلومات أو الإنترنت، هناك أعمال كثيرة جداً ممكن أن تؤدى في البيوت، وأصبحت الفرص الوظيفية في البيت الآن تعد بالملايين.
      عندما نتكلم عن فرصة وظيفية في البيت يظن البعض أنه فقط لمجرد المحافظة على الفضيلة, وهذا هدف عظيم ونفخر به، لكن ينسى أنك توفر من المواصلات ومن استهلاك البنية الأساسية التحتية عندما تكون المرأة في بيتها, من اللباس ومن المكياج، وأيضاً أشياء كثيرة جداً مثل رعاية للأطفال وغير ذلك من الأمور الكثيرة جداً.
      ثم إذا كانت أمة مؤمنة فهي تفتخر بهذا أصلاً وتعمل له أكثر، ووجدت جمعيات في دول لا تعرف الحجاب كما نعرفه نحن الآن ولكنها عاملة، كما في إندونيسيا وفي تركيا هناك مصانع التجزئة، وهي أيضاً فكرة حديثة تغنيك عن مجمع ضخم للعمال وحركة نقل ضخمة وكذا، وهو أنك توزع العمل إلى أجزاء, وهذه الأجزاء يتولَّاها أناس في مجمعات أو في أماكن صغيرة جداً، ثم في النهاية يدور أحد الأشخاص ويجمعها.
      فهناك وسائل كثيرة جداً لست خبيراً فيها ولا من أهلها؛ لكن مما نسمع من أهل الخبرة. نقول: لو صدقنا مع الله تبارك وتعالى, وأردنا أن نبني مجتمعاً متطوراً متقدماً تقدماً تجارياً وصناعياً لأمكننا أن نفعل ذلك من غير إخلال على الإطلاق بهذه القيم والمبادئ.
      ولذلك هم أصلاً لا يفخرون بأن امرأة تمتلك مصنعاً مثلاً يديره رجال، ويعمل فيه آلاف العمال, ما تسمع أحداً يفتخر بهذا، الفخر عندهم أن مصنعاً ولو حقيراً ولو شاذاً ولا قيمة له تجارياً أنه وظف امرأتين أو ثلاث، فهم ينظرون من زاوية الفساد والإفساد لا أكثر ولا أقل.
      وما ذكرت الأخوات -والإطالة في هذا تستغرق وقتنا كله- أن وسائل الإعلام أو الكتاب وما أشبه ذلك في غيبة صوت الحق يمرحون ويسرحون، نحن أيها الإخوة والأخوات لدينا وسائل كثيرة لأن نثبت وجودنا وأن نقاوم، وأن يكون لنا أيضاً قنوات فضائية وإعلام وصحافة خاصة بنا، وأن نزاحم الكتابة في هذه الصحف ونرد, وحتى أن نشكر من ينشر أو من يأتي بموقف إيجابي، بمعنى آخر: إذا كنا نحن على مستوى من الوعي فنحن أكبر كتلة وأقوى قوة تتحرك والحمد لله في هذا البلد؛ بل في كثير من البلاد بفضل الله سبحانه تعالى.
      إذا كان أخواتنا في مصر وفي تركيا يناضلن ويكافحن ويجاهدن من أجل أن يثبتن أنه يجب أن يكنَّ على لباس من الحشمة والعفة، ألا يكون في المكان تحرشات، وما أشبه ذلك، فكيف يهدمون بنياناً شامخاً قائماً ونحن نرضى ونسكت لذلك ...
      لا أقول: لا يرد على الشبهات؛ لكن يا إخوان ليست أنها شبهات لم يرد عليها أو أنها شبهات اقتنع بها من يقتنع، الشهوات هي التي تقود أكثر الناس إلى الانحراف في هذا الجانب، الشبهات تأتي عندما نتحدث عن عقائد أو عن أفكار أو عن آراء مجردة، أما ونحن نتكلم عن قضية المرأة والاختلاط وما أشبه ذلك فإنها قضية شهوات بالدرجة الأولى.
    4. رفض ملتقى الحوار الوطني للمرأة من أصله والدعوة للمشاركة فيه

      السؤال: فضيلة الشيخ! كيف تدعون للمشاركة في الحوار وترفضون المشاركة؟ الجواب: لا, أنا لا أرفض المشاركة، لكن أنا قلت يا أخوات: إنني رفضت هذا الحوار من الأصل, وتحدثت مع المسئولين, وقلت لكم أسباب الرفض؛ أمَّا وقد أصبح أمراً واقعاً, ويتشدق بموضوع المرأة ويمثلها من ليس أهلاً لها، فأنا أقول: إنه في هذا اللقاء الثالث القادم فلتشارك أكبر عدد من الأخوات المؤهلات, وهن والحمد لله القوة البارزة ثقافياً واجتماعياً، ولو جمع كل ما يسمى ليبراليات وعلمانيات فهن لا يشلكن ولا واحد في المائة بالنسبة للأخوات، فأقول للأخوات: ليشاركن بقوة؛ ليأكدن الأصل الذي يراد للمؤتمر هذا أن ينقضه، فأرجو أن الموضوع قد استوعب إن شاء الله.
    5. الاستفادة من دعاة الباطل في موافقتهم للحق وتشجيعهم

      السؤال: ذكرتم عدم تجييش الناس وإن كانوا عصاة, وهذا كلام ورع ومَطِر؛ لكن ما معنى جعلهم أصحاب الفكر مع أصحاب المعاصي لبرالي علماني، وأنتم تعلمون أنهم الصف الخامس والمنافقون؟
      الجواب: أيضاً نوضح القضية هذه فنقول: هناك في عقيدة أهل السنة والجماعة ؛ وعندما -أيها الإخوة والأخوات- نرجع الأمر إلى العقيدة فإننا نرتاح ونريح، أولاً: نرتاح لأنها مسلمات لا نقاش فيها؛ ونريح أيضاً الإخوة لأنها لا داعي للجدل الطويل في مسائل أدلتها واضحة.
      العقيدة الإسلامية واضحة مثل الشمس والحمد الله وهي فطرة، فمن بدهيات العقيدة والتي هي موجودة ومسطرة في الكتب, وقد لا ينتبه لها الكثير أن الإيمان يزيد وينقص، وأن الإيمان شعب، وأن النفاق شعب، وأن الكفر شعب، فهناك نفاق عملي، ونفاق أكبر اعتقادي، وكفر عملي وكفر اعتقادي، أو كفر أصغر وأكبر, أو هناك كبائر وهناك مخرجات من الملة, وهناك أيضاً مندوبات, ثم واجبات, ثم أركان الإسلام, ثم أصل الدين العام درجات, كل هذه درجات: الكفر والإيمان والشرك والنفاق.
      فمن تمحض للنفاق وللشرك وللبدعة ليس حديثنا عنه الآن، فلا ندخل رافضياً ولا علمانياً -مثل بعض الكتاب المعروفين المشهورين بالزندقة والإلحاد هذا لا أتكلم عنهم- فهم من كما قلت: هم المنافقون وهم الأعداء (( هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ))[المنافقون:4].
      لكن نحن نتكلم عمن خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ونحن منهم، عندما نريد أن نتعامل مع العدو لا نحسب هؤلاء الذين خلطوا أو اللاتي خلطن ذلك لا نجعلهم لقمة سائغة للأعداء؛ بل يجب علينا أن ننظر إلى الشُعَب -شعب الإيمان وشعب الخير- الموجودة لديهم.
      فمثلاً: المرأة التي تصلي، والتي تقول: إن الفواحش حرام, والفضيلة حق, وما أشبه ذلك، هذه نأتي بها إلى صفنا، ونزيد إيمانها إن استطعنا, وإن لم نستطع فلنجعلها تقاوم الشر في هذه القضايا التي لا نقاش فيها، فنحن هنا لن نحول القضية كما يريد البعض -كما قلت وأعيد القول- حين يفرض عليك معركة خطأ وسؤالاً خطأ، لا, هذه المرأة التي تقول: الزنا والفاحشة حرام, نريد منها أن تحول هذه العبارة وهذه العقيدة إلى برامج عملية كثيرة جداً لمحاربة الزنا والفاحشة, ولو كان فيها تقصير.
      أقول لكم بكل وضوح مع الأسف: إذا كان هناك أخت فيها بعض المعاصي, وفيها بعض الأمور التي يمكن أن تكون خلافية مثلاً: كونها تتنمص مع أنه ذنب ومعصية لا شك في ذلك نجد بعض الأخوات إذا رأوها بهذا الشكل قالوا: لا لا, هذه لا تصلح، فيتم رفض ما لديها من خير، ونحن بهذه الطريقة ربما نجعلها في جبهة الشر، وربما نحيدها ونحن أحوج ما نكون إليها ما دامت معنا في الأصل.
      وهذا لا يعني السكوت على أصحاب المعاصي، بل أقول -وأنتم إن شاء الله كلكن أخوات داعيات ومربيات-: إن كل إنسان -حتى الطفل والطفلة في البيت- فيه جوانب يأتي بها خطأ وجوانب يأتي بها صح، فيمكن تنمية الصواب والهدى لديه, والتقليل من الآخر.
      وهكذا كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم في معركته مع أعداء الإسلام يوم تبوك وغيره، جند الأمة واستنفرها كلها, والمنافقون خرجوا معه وهموا بما لم ينالوا وهم معه إلى الجبهة، ففي الذهاب والعودة كانت هناك مؤامرات عليه صلى الله عليه وسلم؛ لكن لم يقل لهم: لا تخرجوا معنا، إلا من نهاه الله عنه ممن تمحض للشر.
      فالمقصود: أنه عندما تكون هناك حكمة ومهارة في إدارة الصراع فإنك على الأقل يمكن أن تحيد أكبر قدر فلا يكون عليك، لكن طبعاً الأفضل من ذلك أن تجعله في صفك.
      عندما تتكلم صحفية لا اهتمام لها بالإسلام وتتكلم مثلاً عن الحجاب وأهميته، وعن ما رأت في الغرب من فساد وانحراف؛ أجد كل الأخوات وكلنا نتلقف المقالة وننشرها ونعممها، وهذا هو الذي نريده، فالله تعالى قال في القرآن: (( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ))[الأحقاف:10], (( أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ))[الشعراء:197], لماذا؟
      لأنه لو قال أبو بكر : أشهد أن هذا الدين حق, لقالوا: أنت أبو بكر صاحبه، لكن لما يشهد عبد الله بن سلام! هنا تكون شهادة مؤثرة, وهكذا عدة مصالح لا يتسع لها الوقت.
      أقول: طريقتنا في إدارة الصراع يجب أن تكون صحيحة، وبمعنى آخر: لا نفترض أن كل الأكثرية الصامتة هذه هي غائبة أو مغيبة عن المعركة، لا, بل يجب أن نحاول أن نوعيها لتكون معنا على العدو في الأساسيات وفي الأمور القطعيات, وفي الأمور التي لا خلاف فيها، وحتى إن بدرت منهن معاصي في أمور فلا تجعلنا نترك ما لديهن من خير في أمور أخرى, ففي النهاية نجد أن الذي جعله الشرع معياراً ثابتاً في هذا الموضوع هو القبلة، فمن كان من أهل القبلة ذكراً كان أو أنثى يجب أن يكونوا يداً واحدة في الخير والفضيلة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنهم من أهل القبلة.
    6. الإشادة ببعض أعمال المركز النسائي للداعيات في الرياض

      السؤال: [ما تقييمكم لأعمال المركز التي لاحظتموها؟]
      الجواب: الحقيقة أن هذا يدخل في الأهداف كما يدخل في الإنجازات، فاسمحوا لي أن أشكركم وأشكر الأخوات جميعاً وكل من شارك في هذا العمل؛ وهو التنسيق بين المؤسسات الخيرية النسائية في مدينة الرياض ، فهو هدف تحقق، وهو يدخل فيما ألمحنا إليه آنفاً من أن الأمة أحوج ما تكون إلى بناء التكتلات القوية التي لا يستطيع الأعداء أن يخترقوها، ولها مزايا كثيرة جداً؛ منها: عدم تكرار الجهود, وإفادة البعض من البعض الآخر، والتخصص، وهكذا. حتى إنك لو جلست مع أي إنسان له خبرة في التخطيط أو في الإدارة، سيقول لك: هذه من الضروريات, لماذا تتكرر الجهود؟ ولماذا تتبعثر؟ لماذا لا يكون هناك تنسيق بينها؟ لماذا لا يكون هناك تخصص؟ فعندما يجتمع الأخوات في مثل هذا المشروع التنسيقي فهو الحقيقة مشروع رائد, وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك جهود الإخوة والأخوات القائمين عليه.
      وأخبركم أنه بقدر الله سبحانه تعالى كان هناك اجتماع في مكة للجهات الخيرية، وأنا حقيقة سوف آخذ هذه الورقة معي, وأستأذنكم بذلك, حتى نستفيد من تجاربكن في مكة وجدة إن شاء الله.
    7. الموقف من العصرانيين

      السؤال: [ما هو الموقف الصحيح من العصرانيين؟]
      الجواب: يجب أن نعلم أيها الإخوة! أن وجود العصرانيين أو أشكالهم أو غيرهم، وأياً كانت تسميتهم فلا يهمنا ذلك سواء قلنا: عصرانيين أو معتزلين أو متحررين، فليست القضية بالتسمية -مع أن كل إنسان بفطرته يعلم أن انحرافاً خطيراً بدأ يتفشى في مجتمعنا, وبدأ يتلقفه كثير من الناس وهو يؤثر، وله عدة أوجه وأشكال وصور- لكن العبرة التي يجب أن نفقهها جميعاً: أن نعرف الحق ونتمسك به, وأن نحرص عليه, ونعرف كيف نتعامل مع المخالف.
      ثم إننا نقول: لا مستقبل أبداً لهؤلاء بأنواعهم, ليس لهم مستقبل بإذن الله تبارك وتعالى؛ لكن الشيطان لا بد أن يكون له أولياء؛ لأن الله يبارك وتعالى يقول: (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ))[الفرقان:31], فلا بد أن يوجد مثل هؤلاء, ولا بد أن تؤتى فتنة لاختبار مدى إيماننا، ومدى صدقنا، فربما أحياناً تكون انتكاسة لمجموعة من الأخوات لم يكن يخطر ببال أي واحدة من الأخوات الفاضلات أن هذا يقع منهن، هذا أيضاً من الابتلاء، فالابتلاءات لا بد منها؛ لأن عملنا هذا دعوة، والدعوة عبادة، والعبادة أصلاً نحن خلقنا من أجلها، وفي هذه الحياة خلق الله تعالى الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملاً.
    8. عدم احتشام بنات بعض الداعيات اللاتي يدعين إلى الحشمة والحجاب

      السؤال: فضيلة الشيخ! بعض الداعيات تدعو الناس للتستر والحجاب؛ لكن مع الأسف نجد بعض بناتها لا يقمن بهذا العمل؟ الجواب: كلنا يمكن أن نكون كذلك, فهذه معركتنا مع الشيطان، فأقصد يا إخوان! ينبغي إلا تأخذوا الباب من زاوية أن الأخت هذه أهملت بناتها، بقدر ما أيضاً خذه من زاوية أن أنبياء غلبهم أبناؤهم بالكفر, وأن أنبياء غلبتهن زوجاتهن بالكفر, كما ذكر الله سبحانه وتعالى مثلاً: ابن نوح، وامرأة نوح، وامرأة لوط -وفي المقابل امرأة فرعون- فهي نماذج بشرية. فإذاً: ننصح هذه الأخت ونحرص على أن نذكرها بذلك، ونذكر أنفسنا أولاً بألا نهمل أبناءنا وأسرنا, ومع ذلك فالبلاء متوقع في أنفسنا وفي أهلينا, وفي أي أمر قد يأتينا من حيث لا نشعر؛ بل من مأمنه يؤتى الحذر كما قال العرب في أمثلتهم.
    9. كيف تواجه الداعية انحرافات المجتمع النسائي

      السؤال: فضيلة الشيخ! عند دخول أي داعية إلى مجتمع نسائي تواجهها انحرافات كثيرة جداً, لا سيما في المظهر الخارجي, ما هو التوجيه في مثل هذا الحال؛ خصوصا أن الإنكار المباشر يؤدي إلى النفرة بين الداعية وبين المجتمع في أول لقاء بينهما؟
      الجواب: هنا نؤكد على الحكمة، الحكمة هذا أمر مهم, كما قال تعالى: (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ))[النحل:125], هذا أول شيء، ونؤكد أيضاً -كما كررنا قبل قليل- أنه لا ينبغي لنا أن نخسر هذه الأخت من أجل نوع من المظهر أو نوع من الخطأ، وإن كانت المسألة خلافية فينبغي ألا نفتح الموضوع أصلاً، فإذا كانت هي تعتمد على فتوى للعلماء ونحن نرى فتوى أخرى الأصل ألا نفتح الموضوع, وعلماؤنا في هذه البلاد يختلفون في بعض المسائل، ونحن وكل طالب علم على أثرهم نقتفي.
      فنجعل الهدف الأساس الاجتماع على القضايا المهمة التي لا خلاف فيها مثل: تحريم الفواحش، والعمل من أجل الفضيلة, ونقاء القلوب وصفاؤها؛ فمطالب الله تعالى التي أمر بها لا نضيعها من أجل هذا الشيء؛ بل نحرص إن شاء الله على استكمالها، وعندما يرق القلب ويخشع لله تبارك وتعالى ويلين ويخبت؛ فهناك تبدأ مسألة الأخذ بالعزيمة لا بالرخصة, وتمحيص الخلاف؛ ليرى هل عملت لأجل الفتوى أو عملت لأجل الشهوة؟ وهكذا من المعالجات الإيمانية التي لا تخفى على مثلكم. حفظكم الله.
    10. مشاركة المرأة في الملتقيات العامة

      السؤال: [فضيلة الشيخ! هناك خلاف حول مسألة: هل تشارك الأخت في ملتقيات عامة وما أشبه ذلك أو لا تشارك؟] الجواب: هذه أيضاً مما ينبغي أن يتسع المجال والذهن والفكر فيها لنا جميعاً, حتى عند الرجال، فهناك مشايخ لا يرون المشاركة في وسائل الإعلام؛ فليكن يا أخي! فليتفرغوا للتأليف، وليكن في المساجد، لماذا إلا أن يشارك أو لا يشارك، وكذلك الأخوات ليست القضية أن يشارك الكل أو لا يشارك أحد، بل القضية قضية من كانت لديه الفرصة للمشاركة والتأهيل النفسي والذهني فليشارك، ولا يلومه الآخر ولا يعنف عليه، فكل ميسر لما خلق له، أيضاً قضية التفريط في حقوق الأزواج والأولاد، لا, لا بد أن يعطى كل ذي حق حقه دون هضم لهذا ولا ذاك، والمعيار في ذلك يختلف أيضاً بحسب الأخوات وبحسب اجتهادهن.
    11. الحركة النسائية المضادة في الغرب

      السؤال: تقول الأخت: الحركة النسائية المضادة لم نسمع لها ذكراً في وسائل الإعلام؟ الجواب: مع الأسف إعلامنا هنا لا يرينا إياها, ولأننا نجهل لغة القوم أو لا نسمع ولا نرى إعلامهم بشكل تخصصي لا نعلم عنها، المواقع على الأنترنت -الذي رأيته أنا- مواقع كثيرة جداً للحركات النسائية المضادة، ويمكن إن شاء الله تعالى أن نكلف بعض الإخوان -لأني أنا ابتعدت عنها فترة طويلة- أن يأتينا بالعناوين ونرسلها لكم إن شاء الله، ومن عنوان واحد يمكن أن تنطلق؛ بل الإخوة والأخوات القادرون على البحث يمكن أن يبحثوا عن هذا ويجدوها, ومنها ينطلق بعد ذلك؛ لأن الإنترنت مفتاح لك لأي معلومة تقريباً.
    12. الإرجاء ومدى انتشاره في زمننا

      السؤال: ما هو الإرجاء؟ وما مدى انتشاره في مجتمعات المسلمين في هذا الزمن؟
      الجواب: الإرجاء هي قضية تتعلق بالإيمان, وليس كما يحاول البعض الآن أن يجعلوه يتعلق بالعالم أو الحاكم أو بالموقف من الجماعة الفلانية، هذا كله كلام فاضي غير صحيح, فـ الإرجاء يتعلق بالإيمان, فمن لم يجعل العمل من الإيمان فهو مرجئ, فإذا غلا وقال: يُكتفى بالتصديق أو بالإقرار القلبي فهو جهمي، و الجهمية قال بعض السلف: ليسوا حتى من فرق الأمة؛ لأن الشيطان يصدق ويقر بقلبه.
      إذاً نرجع ونقول: من لم يجعل العمل من الإيمان فهو مرجئ، هذا الإرجاء الحقيقي، الإرجاء أو ما يشتكى منه في هذه الأيام هو مظاهر أو شبهات تنبني على الإرجاء أكثر من كونه إرجاء.
      فمثلاً: قد لا يأتيك إنسان يقول لك: أنا لا أرى العمل من الإيمان؛ لكن في واقعه العملي يقول: الإيمان في القلب، ولا يبالي أن يؤدي الفرائض أو لا يؤديها، فهنا مشكلة ما ينشأ من مظاهر هي دلالات على هذا الشيء وأيضاً قد تدخل شبهات الإرجاء على بعض الناس وهو لا يشعر، مثلاً: عندما نأتي إلى كفر صريح، مثل: الحكم بغير ما أنزل الله، واتخاذ شرائع وضعية بدل الكتاب والسنة, أو دعاء غير الله سبحانه وتعالى والشرك الأكبر، فيأتي أحدهم ويقول: يا أخي! أنا أدري هم يستحلونه أو لا يستحلونه! فهذا دخلت عليه شبة الإرجاء وإن كان ليس مرجئاً؛ لأن الشرك الأكبر لا يشترط فيه الاستحلال، الاستحلال إنما يكون في الذنوب والمعاصي التي هي دون الكفر، مثلاً: شرب الخمر أو زنى أو سرق، فهنا نقول: استحل أو ما استحل؟ لكن أشرك بالله أو كفر فلا نقول: استحل أو ما استحل! لأن الكفر هو كفر بذاته، والاستحلال أمر زائد على ذلك, فقد يكفر عناداً وإباء واستكباراً, وقد يكفر وهو يرى أن الكفر كفر، والله تعالى حدثنا عن الملكين ببابل هاروت وماروت (( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ))[البقرة:102]؛ فهل نفعهم معرفتهم أن هذا كفر وتحذريهم من الكفر؟ ما نفعهم ذلك.
    13. تقييم كتاب الثوابت والمتغيرات للدكتور صلاح الصاوي

      السؤال: هل يمكن الاستفادة من كتاب الثوابت والمتغيرات في مسألة العمل الإسلامي للدكتور صلاح الصاوي؟
      الجواب: نعم يمكن الاستفادة منه إن شاء الله تبارك وتعالى.
    14. القول بأن تحديد يوم لمحاضرة أسبوعية أو شهرية والاستفادة من النشرات من البدع

      السؤال: فضيلة الشيخ! بالنسبة لمسألة تحديد أول يوم من الأسبوع أو أي يوم آخر لمحاضرة, أو الاستفادة من النشرات أو المطويات وما أشبه ذلك يؤسفنا جداً أن نجد من يقول: إن هذا من البدع! فما رأي فضيلتكم؟!
      الجواب: الحقيقة إذا وصلنا من التفكير إلى هذا المدى فنحن مثل من يلقي السلاح للعدو في المعركة بسلام وبهدوء، وما هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، ولا هكذا كان أصحابه على الإطلاق.
      النبي صلى الله عليه وسلم ثبت في حديث ابن مسعود (أنه كان يعظ أو يذكر الناس كل خميس)؛ إذاً هو حدد يوماً، ومع ذلك لم يقل أحد من العلماء: يسن التذكير كل خميس! لماذا؟ لأنهم عرفوا أنها ليست قضيتها قضية أنه خميس، فهو رأى أن ذلك يناسب، فلو جعلناه نحن كل يوم فلا مشكلة في ذلك، أو جعلنا ذلك كل أحد أو كل ثلاثاء, أو أول يوم من كل شهر حتى تنضبط فلا إشكال في هذا، والسلف لم يتحدثوا أبداً عن مثل هذه الأمور أنها تدخل في باب البدع أو غير البدع، إنما هذه مما جعل عاماً للناس.
      أما مسألة الوسائل فأعتقد أن كثيراً من الأخوات التي يمكن أن يقلن هذا الكلام, لولا أنها قرأت نشرات وسمعت أشرطة ما اهتدت هي بنفسها، فيجب أن نعلم أن من الافتراء على الله, ومن أخطر الذنوب التي نرتكبها جميعاً أن نحرم ما أحل الله عز وجل، أو نحلل ما حرم الله, (( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ))[البقرة:169], (( وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ))[النحل:116], فمن أخطر الأمور أن نقول: هذا حلال أو حرام أو بدعة بدون دليل؛ لأن هذا تشريع، ونسبة شيء إلى الشرع لا بد أن تكون من الشارع, أو ممن هو على دليل وبرهان واضح من الأدلة الشرعية، فتوزيع الأشرطة أو النشرات أو المطويات لا يشك أحد في فائدتها وأهميتها، وأظن أن ليس هناك أي إنسان له فطرة سليمة يناقش في ذلك، إذاً لا يصح الاحتجاج بأنه لم يكن في أيام النبي صلى الله عليه وسلم نشرات أو مطويات؛ لأننا نقول: أيضاً لم يكن في أيامه مطبعة، بل هذا الفاكس الذي جاء السؤال عليه ما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ وأيضاً الحج والعمرة الآن أصبح بالطائرات والقطارات أفضل، فهل لا بد أن تكون على الجمل مثلاً؟ إذاً الوسائل هذه لا تدخل أبداً في هذا، ومن لديه فهم صحيح معتدل في الكتاب والسنة يعرف الفرق الواضح جداً بين هذا وذاك.
    15. الموقف من فتوى إباحة البنطلون للنساء

      السؤال: نجد بعض الدعاة وطلبة العلم يفتون في قضايا المرأة, ويكون لهذه الفتاوى أثر عكسي على المجتمع النسائي, فيكون خذلاناً لمن يدعون إلى الفضيلة, مثل: فتوى إباحة لبس البنطلون، أو وضع العباءة على الكتف وغير ذلك، وبغض النظر عن الخلاف الفقهي فليس من المصلحة أن تعلن مثل هذه الفتاوى؛ فما رأي فضيلتكم؟
      الجواب: يا أخواتي الكريمات! مثل هذه الفتاوى أنا أقول: لا نجعلها قضية، فلا نريد أن نجد في المسجد فتاوى معلقة فيها تحريم لبس البنطلون, ولا أخرى فيها إباحة لبس البنطلون، فالقضية ليست في لبس البنطلون, فيجب أن يكون لدينا من سعة الأفق ومن الفهم ما نرجع فيه إلى الأصول والأساسيات.
      أنا أقول لكم: إن كثيراً من الأسئلة تأتيني على الهاتف من الأخوات فتقول إحداهن: أنا ألبس البنطلون لزوجي في البيت فهل يجوز أو لا يجوز؟! فأقول لها: سبحان الله! من قال لكِ: لا تلبسي؟ فتقول: لأن فيه أناساً يقولون: لبس البنطلون حرام. فهذا عجيب ألا يجوز لبس البنطلون حتى في البيت ولزوجها.
      المشكلة أننا نضع أموراً تفهم خطأ وقد تكون خطأ, وننقل المعركة إلى فرعيات أو شكليات أو مسائل من المظهر، لا أقول: من المظهر تحقيراً لها؛ لأن الإيمان عندنا أهل السنة والجماعة في عقيدتنا الإيمان ظاهر وباطن سواء، لكن الإيمان الباطن هو الأساس، والإيمان الظاهر يكفينا ما جاء فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم لباس محدد للرجل ولا لباس محدد للمرأة، فلو أنك وكل واحد منا رجع بذهنه إلى التاريخ القديم ورأى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ورأى الرجال والنساء لوجد أنواعاً من اللباس مختلفة؛ فهذه عباءة رومية، وهذه من برود اليمن, وهذه مما جاء من مصر وهذه من القطن، وهذا إزار ورداء، وهذا قميص طويل, وهذه جبة، وهذه عمامة، وهذه أخفاف, فكل واحد يلبس ما يناسبه، مثلما تدخل الآن أي مسجد من مساجد الرياض فيها الهندي والجاوى والعربي وغير ذلك، فهذا أمر عادي وهو المفروض، فالتشكيلة هذه بالفطرة والاجتماع موجود.
      المرأة إذا كان لباسها لا يصف ولا يشف فما عدا ذلك ليس فيه إشكال، أما كون بعض اللباس أفضل من بعض فهذا أمر آخر؛ لكن ليست المعركة فيه، فنحن نقول مثلاً: أن ترتدي المرأة كذا أفضل من أن ترتدي كذا, هذا ليس فيه إشكال، فلو كان الكلام ينصب حول هذا الموضوع نجد أنه يتقبل ذلك حتى من يفعل المفضول، أما أن تجعل هذه قضايا أساسية، وقد يترتب عليها أحياناً مولاة أو معادة, فهو مما نبهنا إلى أنه يفتح علينا ثغرات خطيرة، ويبعدنا عن أصل المعركة وأصل المشكلة.
    16. أهمية التأصيل العلمي

      السؤال: فضيلة الشيخ! ما أهمية التأصيل العلمي للأخوات؟ الجواب: نحن في الحقيقة نحتاج إلى منهجية لطلب العلم مع الحرص والحث على طلب العلم؛ لأنه إذا كانت المنهجية منحرفة فكما لاحظنا قبل قليل: قد تكون هناك نظرة منحرفة لا تفيد أبداً في التراكم الكمي من المعلومات. والتأصيل لذلك يكون بقراءة واضحة للأحاديث الصحيحة الثابتة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع نسائه؟ كيف تعامل مع المجتمع؟ كيف دعا إلى الله؟ هذه لا يعذر منا أحد فيها. ثم ليس من شرط الدعوة إلى الله تعالى التمكن العلمي القوي في كثير من الأمور والمسائل والفرعيات؛ لأننا نحن الآن ندعو إلى أساسيات وبدهيات لا يناقش عليها، فليكن فينا من يتخصص للفتوى ورد الشبهات؛ لكن يكون هناك قطاع عريض واسع من المجتمع لتثبيت الثوابت والبدهيات الواضحات التي ليس هناك مشكلات فيها، وإنما أي طالب وطالبة علم تستطيع أن تأتي عليها بالأدلة؛ مثل: تحريم الشرك.. تحريم الزنا.. تحريم البدع.. التمسك بالخير والفضيلة.. الحث على الصلاة، وما أشبه ذلك، فهذه لا نحتاج فيها إلا إلى قدر معين, وبعد ذلك المهارة والموهبة التي يعطيها الله تعالى للمتحدث أو المتحدثة فيقنع أسرته أو طلابه أو تلميذاتها إذا كانت أختاً مدرسة.
    17. الخلاف بين الأخوات

      السؤال: ما رأيكم في الخلاف بين الأخوات؟
      الجواب: الخلاف هو شر في أي شكل من الأشكال, وما كنّا نريد أن بعض المشاكل في مجتمع الرجال تتحول أيضاً إلى الأخوات الكريمات؛ لكن هذا قدرنا على أية حال، فأقول أيها الإخوة والأخوات: إن الأصول القطعية لا يصح أن تُهدر من أجل أوهام نختلقها أو اجتهادات نراها، فمن الأصول القطعية: الاجتماع على الحق والاعتصام؛ كما قال تعالى: (( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ))[آل عمران:103], فهذا أمر قطعي.
      ومن الأمور القطعية أيضاً ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم).
      فهذا الأمر قطعي، ولا داعي أن نكثر النقاش فيه، فالمسلم دمه مثل دم أخيه، وهو وأخوه يد على من سواهما، فلا نقاش في هذا، ولا داعي أن نقول: هذا ضد هذا أو هذا ضد هذا؛ بل من كان مسلماً ومن أهل القبلة فإنه يجب أن تكون أنت وهو يد على من سواكم، مع التنبيه أن هذا لا يلغي الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر أو يلغي التناصح فيما بيننا! ولا يعني أننا لا نقع في الذنوب. لكن نقول: هذا وهذا يجتمعان، فلا نهدر الأصول التي تدل على جمع الكلمة أو التعاون، من ذلك مثلاً: أصول محكمة جاءت في الشريعة لا تقبل أبداً التأويل, مثلاً: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، وفي يوم عرفة يقول: (إن دماؤكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا)، فهذه قطعيات لا تحتمل التأويل!
      والمسلم هو من ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (من سلم المسلمون من لسانه ويده), فإذا نحن استحلينا أعراض بعضنا أو دماء بعضنا بالتأويلات؛ فقد أضعنا هذه الأصول القطعية, ودخلنا في متاهة لا تنتهي أبداً، وهذه الأمور تبدأ بالتهوين من شأن الغيبة, وتنتهي بالوقوع في بدع ومحرمات, وارتكاب موبقات لا يعلمها إلا الله عز وجل.
      إذاً: علينا أن نتنبه إلى هذا, ولا نتكلم في حق أي أخ أو أخت بحضوره أو بغيابه إلا بقدر الحاجة إلى ذلك، إذا رأينا الخطأ نسعى إلى تقويمه وتسديده بأي وسيلة؛ لكن ما نجتمع عليه نحن وهذا الأخ وهذه الأخت والمسلمون جميعاً من عداوة لأهل الكفر والإلحاد والزندقة, والذين ينشرون الإباحية والانحلال في المجتمع قطعي, لا ينبغي أن نختلف فيه، ولا نتردد فيه أبداً؛ فنجعل للقطعي موضعه وموقعه, ونجعل لهذه التفريعات موضعها.
      وإذا اختلفنا في مسألة فيلكن بيننا الحوار العلمي، والبحث عن الدليل، وكم من عالم -وهذه الكتب بين أيدينا تدل على ذلك- كان له رأي ثم غيره؛ بل الإمام الشافعي رحمه الله وهو أعظم فقهاء الأمة كما قال الإمام أحمد، أصلح بين أهل الرأي وأهل الحديث بالفقه الذي يجمع بين الاستنباط وبين الأثر.
      الإمام الشافعي كان له مذهبان: مذهب قديم، ومذهب حديث، فإذاً قد يتراجع العلماء عن فتواهم, فلماذا تأتي أخت بمسألة وتصر عليها, وتوالي وتعادي فيها، وقد ترجع هي عنها؛ فضلاً عن إذا كانت ترى أن ذلك الصواب فغيرها يرى أن ما هو عليه هو عين الصواب.
      لو جعلنا المسألة مسألة تناصح ومودة لكسبنا قلوباً كثيرة، ولما عصينا الله تبارك وتعالى بالغيبة والنميمة، ولما أوجدنا للشيطان مجالاً لفتح الحالقة, التي يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا أقول: تحلق الشعر؛ لكن تحلق الدين)، ويقول: (إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه لكن رضي -بماذا؟- بالتحريش بينكم)، والتحريش كافٍ، وقد رأينا أن التحريش يبدأ بحزازات شخصية, أو بحسد بين داعيات أو بين دعاة، ثم ينتهي بمنهجين كما يقال: هذا منهج وهذا منهج، ثم ينتهي المنهجان إلى قتال بين طائفتين, وإذا بنا أضعنا الأمر من أساسه, نسأل الله العفو والعافية.
      فيجب أن يتنبه الإخوة والأخوات وفقهم الله! إلى الحفاظ على هذه الأصول القطعية الثابتة، لن يسألني الله: لماذا لم أتكلم في فلان؛ لكن إذا تكلمت فسوف يسألني: ماذا قلت عنه؟ أهو حق أو باطل؟ فإن الكلام عن الرذيلة أو عن المعصية أو عن البدعة فلي في الأمر سعة، لكن إذا قلت عن فلان أو فلانة فهنا حساب دقيق، وهو من الديوانين، لأن الأمر ديوانان، فهذا أحد الديوانين الذي لا يغفر إلا إذا أحلك صاحبه، أما بينك وبين الله فالله تعالى حليم كريم, يغفر لمن يشاء سبحانه وتعالى.
      والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.