المادة كاملة    

شهر محرم من الشهور المعظمة في شريعتنا وهو بعد شهر رمضان في المنزلة، وفيه يوم عاشوراء يوم نجى الله فيه موسى عليه السلام من فرعون، ويشرع صيامه وصيام يوم قبله أو بعده، ولكن ما يقوم به أهل التشيع من المظاهر المخالفة للشرع هي بدع منكرة، فاللطم والنوح واستخدام آلات الطرب وغيرها مما يحيه الشيعة من شعائر لإظهار حزنهم على مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما هي بدع أنكرها العلماء ونهى الشرع عنها.

  1. فضل شهر الله المحرم بين الشهور

     المرفق    
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهدي الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة والأخوات! فإننا في هذا الشهر المبارك شهر محرم, هذا الشهر الحرام، الذي حرمه الله تبارك وتعالى وفضله على سائر الشهور ما عدا شهر رمضان؛ باعتبار أنه أحد الأشهر الأربعة الحرم المذكورة في كتاب الله تبارك وتعالى، وهو أفضل تلك الأربعة، فبالتالي يكون أفضل شهور العام بعد شهر رمضان. أقول بهذه المناسبة: إن مما يقتضيه الواجب الشرعي والنصيحة العامة للمسلمين جميعاً: أن نتحدث عما يجري في هذا الشهر من بعض المسلمين من البدع ومن المخالفات, مع التنبيه إلى أن حرمة الشهر وعظمته, وما شرع الله تبارك وتعالى فيه من العبادات هذه ليس المجال مجالها الآن, فإن الإخوة الأفاضل والخطباء والدعاة والعلماء يتحدثون عنها دائماً وأبداً.
  2. أركان قبول العبادة عند الله تعالى

     المرفق    
    القاعدة التي لا ينبغي أن تفوت على أي مسلم في هذا الأمر: أن نعلم جميعاً أن هذا الدين -دين الإسلام- يقوم على ركنين مهمين:
    الأول: ألا يعبد إلا الله تبارك وتعالى.
    والثاني: أن يعبد الله تبارك وتعالى بما شرع؛ فلا يعبد بالبدع.
    وهذان المعنيان العظيمان جاءا في سورة الفاتحة نفسها؛ فنحن حين نقول: (( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ))[الفاتحة:5]؛ فنحن نعبده وحده لا شريك، ثم ندعوه فنقول: (( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ))[الفاتحة:6]؛ فلا نعبد الله تبارك وتعالى إلا بما شرع وفق هذا الصراط المستقيم, الذي بعث به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم.
  3. نبذ البدع والتنفير منها

     المرفق    
    إذاً: البدع من أي إنسان أو أي طائفة صدرت فهي غير مقبولة ولا جائزة شرعاً, ونحن لا نريد في هذا المقام الاستطراد في هذه القضية؛ أي: في بيان تحريم البدع, أو ما يقع في هذا الشهر من البدع التي يقع فيها كثير من العوام من مختلف الطوائف؛ وإنما في الحقيقة أننا نريد أن نوجه نصيحة خاصة أخوية إلى كثير من المسلمين المترددين أو الحيارى في شعيرة يقوم بها بعض الناس في هذا الشهر, وهي: المآتم والحزن الذي ابتدعوه ولم يشرعه الله تبارك وتعالى، كما سنبين من كلام الأئمة والعلماء أهل الشأن في هذا الخصوص.
    المقصود: أننا عندما نتحدث عن هذا فإننا لا نريد بذلك أن نفضل طائفة على طائفة, أو نوعاً من البدع على نوع، بل نحن ننكر البدع جميعاً, ونحن ندعو المسلمين جميعاً إلى تركها أياً كان فاعلها, ونحن نعلم أن فيمن يدَّعون أنهم من أهل السنة أو أهل الولاية أو أهل القرب أو الدعاوى الأخرى كالأقطاب والأوتاد والأبدال وما أشبه ذلك؛ نعلم أن فيهم من البدع ما هو أكثر من هذه البدعة وأعظم وأطم؛ ولكن نحن نريد أن ننبه فقط في هذه المناسبة لقرب العهد ومناسبة الشهر, ثم كل القضايا الأخرى لها وقتها من الحديث سواء منها ما فعلته طائفة من المسلمين أو ما فعلته طائفة أخرى.
    نحن نتحدث في الحقيقة بالخصوص عن مسألة يخفى على بعض المسلمين حكمها عند أئمة المذهب الشيعي, وهي ما يكون في هذا اليوم من الشعائر، التي سوف نرى عن طريق العلم الموضوعي والمحايد أنها ليست من كتاب الله، ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أوصى بها علماء وأئمة الشيعة الأولون من المنسوبين إلى أهل البيت ولا من غيرهم.
  4. مقدمة مهمة يستعان بها في فهم بعض القضايا العقائدية

     المرفق    
    وحقيقة ينبغي من مقدمة نوضح بها بعض الشيء فيما يتعلق بتطور الدراسات الحديثة, والاستعانة بهذه الدراسات في فهم كثير من الأمور، فمثلاً: لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة سوف تتبع سنن من كان قبلها؛ فارس والروم في رواية، أو اليهود و النصارى في رواية أخرى، ونبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن النياحة من أمر الجاهلية، ونهى عنها، وجعلها من الكفر كما في الحديث: (ثنتان في الناس هما كفر -وذكر منها- النياحة على الميت).
    أقول: لما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن هذا من أمر الجاهلية، ومن أمر الأمم قبلنا، فهو أنار لنا الطريق لكي نستعين بالعلوم الحديثة التي بحثت تاريخ الأمم وأحوالها, وقارنت بين الشعوب في العادات والثقافات والتقاليد، ونرى حقيقة ذلك كما أخبر بها صلى الله عليه وسلم.
    الواقع أن العلم المختص بهذه القضايا هو ما يسمى: علم الأنتربولوجيا؛ وهو ما يمكن أن نسميه العلم الذي يقوم بدراسة ثقافات ومعتقدات الشعوب, والمقارنة بينها, وبالتالي تكون هذه المقارنات لها نتائج عجيبة جداً في معرفة العقائد: كيف تطورت أو كيف تغيرت.
    في الفكر العلماني أو الفكر اللاديني ربما تكون هناك أخطاء كثيرة جداً؛ نتيجة أنها معزولة عن الوحي, ومعزولة عن أصل فطرة التوحيد التي فطر الله تبارك وتعالى الناس عليها، لكن نحن في الفكر الإسلامي القائم على الكتاب والسنة نستطيع أن نحدد ونجد المعلومات الصحيحة, ونميز ذلك من الخرافات أو الافتراضات التي يفترضها علماء الأنتربولوجيا أو غيرهم.
  5. أقوال بعض علماء الشيعة المنكرين لبدعة النياحة واللطم والتطبير في يوم عاشوراء

     المرفق    
    حقيقة أنا أرى أن أبدأ مع الإخوة في بيان من أنكر هذه البدع -وهي شعائر النواح واللطم أو ما يقال له: التطبير- من علماء الشيعة أنفسهم -أما إنكارها عند أهل السنة والجماعة فمعلوم- وكيف أنكروها بإيجاز, ثم ننتقل بعد ذلك إلى ما يؤيد ذلك من علم الأنتربولوجيا، ومقارنة ذلك بما كان يفعله البدائيون من قبل؛ لنرى مصداق قوله صلى الله عليه وسلم أن هذا الأمر من أمر وشأن الجاهلية.
    1. الشيخ محسن الأمين

      هناك مؤلف عاش في القرن الرابع عشر الهجري -القرن الماضي- مؤلف شيعي مشهور جداً وهو إمام عندهم, وهو الشيخ محسن الأمين , وهو رجل مشهور ومعروف, وألف كتاباً ضخماً جداً سماه أعيان الشيعة . الشيخ محسن في أعيان الشيعة تعرض لمسألة الرد على من قال: إن العادات التي يفعلها الشيعة في المآتم وفي عاشوراء من الشعائر.. فقال: إن هذه العادات هي تقليد لما كان في أمر الجاهلية.
      الشيخ محسن في هذا الكتاب رد على هذا القول وأنكره وقال -بالنص-: وأما ضرب الصدور بالأكف والسلاسل فمن فعل الجهال. وقال: ولا يزيد عما يفعله مشايخ الطرق من ضرب الشيش ونقر الدفوف والتمايل يميناً وشمالاً وفق نغمات محددة. (الجزء الأول صفحة 74).
      جعلها من فعل الجهال، وأنكر أن تكون من الشعائر, ثم جعلها مثل ما يفعله علماء أو أئمة أو مشايخ الطرق الصوفية من التمايل والنغمات؛ طبعاً ما يفعله الصوفية ليس من باب الحزن، وإنما من باب النشوة والطرب والفرح، وأولئك ضدهم.
      الكلمة المجملة التي نقولها في هذا الشأن: أن السنة النبوية -وهذا ديننا دين الإسلام- جاءت وسطاً؛ فقد شرع الله تبارك وتعالى الأمر وسطاً؛ فنحن مشروع لنا أن نصوم يوم عاشوراء، فهو ليس بعيد لأننا نصومه, فالذين يحتفلون به ويجعلونه عيداً يأكلون ويلهون ويمرحون فيه بينما نحن صائمون, وهو ليس مأتماً؛ لأننا عندما نتعبد الله تبارك وتعالى بالصيام فإننا لا نشارك في هذه المآتم؛ فالسنة الحق وسط بين ما تفعله الأمم السابقة هكذا وهكذا.
      وقد ورد حديث في المسند (أن السفينة استقرت على جبل الجودي في يوم عاشوراء), ومن هنا نفهم أن هذا اليوم لدى الشعوب القديمة له ذكرى، وله تأثير لديهم, فهو أيضا يوم فرح.
      وقد ثبت في الصحيحين أنه (اليوم الذي أنجى الله تبارك وتعالى فيه موسى من فرعون وقومه)؛ فزاد اليهود وأضافوا إلى التعبد الفرح والطرب واللهو وما أشبه ذلك، وبعض المسلمين اتبعوهم في هذا, أما الأمم السابقة من البابليين والفينيقيين والمصريين في أيام تسلط الفراعنة وما أشبههم, فإنهم جعلوا ذلك للنواح وللعويل وللصراخ ولطم الوجوه ولطم الصدور وما أشبه ذلك، فكانت هذه مقابلة البدعة بالبدعة، وكل ذلك ليس من الإسلام في شيء.
      نرجع إلى كلام الشيخ العاملي، فهو عندما قال هذه الكلام نلاحظ بعد فترة أن موقفه قد تغير, ومن يقرأ سيرته -وهي في مجلدين حياته الشخصية- يجد أنه فعلاً شعر بأنه لا بد أن يحسم هذا الموقف يوماً من الأيام, وأن يتراجع عما قاله في كتابه أعيان الشيعة .
    2. الشيخ محمد حسين فضل الله

      لو بدأنا بالتلميذ الذي أثار هذا الموضوع، وهو الشيخ محمد حسين فضل الله .
      محمد حسين فضل الله في الندوة التي أصدرت في حواراته ودروسه الأسبوعية, وطبعت في مجلد كبير, في صفحة أربعمائة وتسعة وخمسين حين سُئل: ما هي المصلحة في إثارة مسألة التطبير من قبلكم -والتطبير كما قلنا: هو ما يفعل من ضرب ولطم، وخدوش وجراحات قد تؤدي إلى الموت- ومن قبل آية الله العظمى السيد الخميني؟
      فيقول في الجواب: في الواقع أننا لسنا أول من أثار المسألة, فالسيد محسن الأمين أثارها بطريقة علمية، وكانت الغوغاء قد أثارت الموضوع ضده, ولم يردوا عليه بشكل علمي, والسيد أبو الحسن الأصفهاني وقف مع السيد محسن الأمين ، والسيد مهدي القزويني في البصرة والسيد البروجردي في أحاديثه الخاصة والسيد الخميني كذلك؛ فلسنا أول الناس في ذلك.
      يعني: هو بين أن هؤلاء جميعاً ضد هذا التطبير, ويقول: إنه حتى السيد الخوئي كان يفتي بحرمتها في كتابه المسائل الشرعية التي نشرتها الجماعة الإسلامية في أمريكا و كندا , وذكر أنهم لما سألوه قال: إذا أوجب سخرية الناس الآخرين فلا يجوز, وطبعاً تكلم هو وغيره في هذا أن الشعوب الغربية وغيرها, وكل أهل فطرة وذوق سليم يأنفون من هذا العمل, وإذا رأوه أنفوا منه فبالتالي فإنه يؤيد أن يسخر الناس من المذهب وينفرون عنه؛ فيقول يجب مراعاة ذلك ولا نواجه هذه المشاعر. وحقيقة أن ما قاله المؤلف هنا صحيح.
  6. أمور ينكرها الشيعة على أنفسهم في يوم عاشوراء

     المرفق    
    ومحسن الأمين العاملي له رسالة مستقلة قديمة، نشرت قبل حوالي ستين سنة بعنوان رسالة التنزيه في تنقية الشعائر الحسينية لا بأس أن نقرأ أيضاً جزءاً من مقدمتها.
    أول ما افتتحها بعد البسملة يقول: دور إبليس.
    يقول: إن الله تبارك وتعالى أوجب إنكار المنكر بقدر الإمكان؛ بالقلب أو اليد أو اللسان, ومن أعظم المنكرات اتخاذ البدعة سنة والسنة بدعة, والدعاية لها وترويجها, ولما كان إبليس وأعوانه إنما يضلون الناس من قبل الأمر الذي يروج عندهم كان كثيراً ما يضلون أهل الدين من طريق الدين؛ بل هذا من أضر طرق الإضلال. ثم قال: ومن ذلك إقامة شعائر الحزن على سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام التي استمرت عليها طريقة الشيعة من عصر الحسين إلى اليوم.
    ثم ذكر عنواناً: الأمور المنكرة التي تقع في هذه المآتم, فقال: أولاً: الكذب بذكر الأمور المكذوبة المعلوم كذبها, وعدم وجودها, ولا نقلت من كتاب, وهي تتلى على المنابر والمحافل بكرة وعشياً, ولا من منكر ولا رادع. - يعني: أخبار مكذوبة يدعي أهلها أنها وقعت في يوم عاشوراء في القصة-.
    قال: ومنها إيذاء النفس وإدخال الضرر عليها؛ بضرب الرؤوس وجرحها بالمدى والسيوف حتى يسيل دمها وكثيراً ما يؤدي ذلك إلى الإغماء بنزف الدم الكثير وإلى المرض أو الموت أو طول برء الجرح, وضرب الظهور بسلال حديد وغير ذلك, وتحريم ذلك ثابت بالعقل والنقل.. إلى آخر كلامه.
    قال: ومنها استعمال آلات اللهو كالطبل والزمر والصنوج النحاسية وغير ذلك.
    قال: ومنها تشبه الرجال بالنساء في وقت التمثيل.
    ومنها: إركاب النساء الهوادج مكشفات الوجوه، ويقول: إنه وقعت شناعة؛ وهي أن امرأة خاطئة مثلت دور زينب -كانوا يمثلون في بعض المناطق مشهد الفاجعة التي وقعت يوم كربلاء تمثل الفاجعة كلها, وهذه زينب وهذا حسن، وهذا حسين، وهذا القاتل، وهذا كذا، حتى إنه في بعض المرات يهيج العامة فيقتلون من مثل دور القاتل.
    قال: ومنها صياح النساء بمسمع من الرجال, قال: ومنها الزعيق المنكر بالأصوات القبيحة المنكرة, ومنها ما يوجب الهتك والشنعة مما لا يدخل تحت الحصر.. إلى آخره, وذكر أنه ألف كتاباً سماه إقناع اللائم على إقامة المآتم, وغير ذلك من الأمور.
    المقصود: أن هؤلاء المجموعة من العلماء المعتبرين عند الشيعة أنكروا هذه الشعائر.
  7. النشأة والتطور لفكرة اللطم والنياحة وغيرها في عاشوراء

     المرفق    
    ولكن كان هناك إشكالية في التاريخ: كيف بدأت؟! إذا كانت هذه الشعائر منكرة وهي محرمة؛ إذاً من أين جاءت؟! وكيف بدأت؟!
    أما فضل الله فإنه يقول أيضاً في هذه الندوة: لا أعلم تاريخاً متى بدأ ذلك.
    1. مراحل تطور الطقوس الشيعية في يوم عاشوراء

      لكن حقيقة أنا نجد عالماً شيعياً آخر فصل تفصيلاً علمياً في هذه المسألة, وهو محمد مهدي شمس الدين في كتاب سماه: ثورة الحسين في الوجدان الشعبي .
      لاحظ أيضاً أنه جعلها في الوجدان الشعبي, معنى: ليس في الأدلة الشرعية؛ بل ذكر هو بنفسه أن الأدلة الشرعية تحرم النياحة! وقال: لماذا استثنيت هذه المسألة؟ فبدأ يذكر أن هذه المآتم الحسينية مرت بعدة مراحل أو عصور, منها: مرحلة النواح العادي والترنم ببعض الأبيات الشعرية, واستمرت هذه عدة قرون -القرون الأولى- ثم بعد ذلك في عصر البويهيين وآخر العصر العباسي الثاني اشتهر نوَّاحات معروفات, وبُدئ بتأليف كتب للنياحة تقرأ وتتلى، لكن في العصر الأخير, والذي يمتد أيضاً عدة قرون من أيام الصفويين إلى الآن انتقل الأمر, فأصبح الأمر طقوساً معلومة محددة ومرسومة الهدف, منها: التمثيل الذي يقام, ومنها: كتب معينة تقرأ من أولها إلى آخرها, ومنها: طرق في عرض وإقامة هذه الطقوس وهذه الشعائر, بمعنى آخر: أنها تطورت تطوراً كبيراً جداً في العصور الأخيرة.
      وذكر محسن الأمين كلمة مهمة؛ وهي أن أصل هذه الشعائر في المرحلة الأخيرة المتطورة هو من أيام الصفويين ؛ بل إن الأمين يقول: إن أول من أنشئوا الحسينيات هم من الإيرانيين والهنود، وكأنه بذلك يفتح الباب فعلاً لأن يتدخل الآن علم الأنتربولوجيا الثقافية والاجتماعية؛ ليقارن وينظر بين هذه القضايا, معنى آخر: هل هناك ما يشهد أن هذه الشعائر أصلها هندي أو أصلها إيراني؟
    2. الزرادشتية وتطور النياحة واللطم في عاشوراء

      هنا أنبه حقيقة إلى مقالة قرأتها بمناسبة عاشوراء السنة الماضية وهي مما قد يثير العجب عند المسلمين, بعد أن من الله تبارك وتعالى على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالإسلام، ومن علينا ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم وهدانا الله تعالى به, وجعل الشرائع الأخرى إما باطلة أو منسوخة.
      نشرت جريدة الحياة في (21/مارس/2004م) تعليقاً على كلمة ذكرتها لـمحمد علي أبطحي؛ وهو مساعد رئيس الجمهورية الإيرانية, يقول: إنه لا يمكن أن نتصور إيران من غير زرادشت ولا أن نتصور زرادشت من غير إيران .
      وهو بذلك يتحدث عن يوم (النيروز) ويقول: إن الشعائر التي تفعل في يوم النيروز والحيطة بالنار والقفز وبعض الأدعية التي تقال ليست شركاً بالله؛ لأن هؤلاء لا يعتقدون أن النار هي الرب كما كان يفعل المجوس ، ما يفعله الناس في إيران لا يعتقدون بهذا العمل أن النار هي الله, ولكن هذه عادة اجتماعية درجوا عليها, ولا يمكن أن نتصور الفصل بين زرادشت وإيران من جهة, أو بين الشعب الإيراني وتقاليده وبين الزرادشتية.
      وهذه كلمة لا شك أن كل مسلم يدرك ماذا ترمي إليه؟! وماذا تدعو إليه؟! وهي تتضمن الإقرار بأن هذه الشعائر بالفعل هي في أصلها من الزرادشتية ، الواقع أن هذا الكلام الذي قاله تشهد به كتب الأنتربولوجيا، ومن ذلك كتاب تاريخ المعتقدات والأفكار الدينية , وهو كتاب مشهور في الأديان ومقارنتها والأنتربولوجيا الثقافية، ألفه مؤلف مشهور وهو مرسيا إلياد ترجمة عبد الهادي عباس, هذا الكتاب في صفحة (403) يقول: كان هناك عادة أكثر قدماً مميزة لسهوب آسيا الوسطى؛ وهي عرض الأجساد في مكان محدد -يعني: من باب التضحية والتقرب إلى الآلهة بالأجساد وتركها للكلاب والنسور وغير ذلك- يقول: وإن إيراني الشرق كانوا يطبقون المناحات الشعائرية, ويعاقبون أنفسهم بالضرب الذي قد يصل حتى إلى حد الانتحار.
      لكنه يضيف إضافة مهمة فيقول: ولكن الزرادشتية منعت البكاء والمناحات, وأفصحت أنها من اختراع أنقرامينو -يعني: في الكتب المنقولة وفي أكثر من مصدر عن زرادشت نفسه قال: إن المناحات التي تقام ليست مشروعة, وإنما هي من أنقرامينو, وهو معناه الشياطين كما في كتاب المعجم الموسوعي, أنقرامينو يعني: الشياطين هي التي أوحت بذلك.
      ولهذا فصل بعض الباحثين وقال: إن ما قاله زرادشت هو النهي عن هذا؛ لكن ابتدعت المجوسية بدعة في تعاليم الزرادشت ، وقد يكون في الحقيقة من أنبياء الله (( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ ))[فاطر:24], ولا يستغرب هو أو غيره أن الله يرسل أنبياء بالدين الحق التوحيد ثم يحرف، فالمقصود أن هذه معروفة حتى من قبل زرادشت ثم من بعده أنها من الوثنية التي نهى زرادشت بنفسه عنها! إذاً هذه كانت شعيرة معروفة.
    3. انتقال الشعائر الشيعية من الأديان السابقة إلى ما بعد الإسلام في يوم عاشوراء

      وقد يستغرب البعض يقول: كيف تنتقل هذه الشعيرة من الإيرانيين القدماء إلى الإيرانيين بعد الإسلام؟! وكيف تنتقل -كما أشرنا قبل قليل- من عادات آشورية وبابلية وغير ذلك؟!
      العجيب أيها الإخوة والأخوات! أن انتقال العبادات والإضلال بها هذا يستحق منا إلى حلقات أو لقاءات, أنا أشير إشارة فقط إلى كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنه: [أن وداً و سواعاً و يغوث و يعوق و نسراً انتقلت إلى العرب], وذكر كل قبيلة كيف كانت إليها عبادة شيء من هذا؛ أن هذا من قوم نوح استمر إلى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم, وبأسماء قد تختلف وقد تتفق.
      يعني: عزير يقال: أوزيريس مثلاً, والعزى يقال: أزيزو, موجود في الكتب القديمة مثلاً، و نسر هو نسر في الحضارات القديمة إلى أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهكذا, هناك الشيطان واحد، والإضلال واحد، وهناك ما يمكن أن نسميه الامتزاج الذي يحدث بين الضلالات فتخرج بالناس عن جادة التوحيد.
      نؤكد هذا ببعض الحقائق التاريخية، لدينا كتاب مهم جداً في التاريخ وهو تاريخ سوريا للمؤلف المشهور يوسف الدبس يقول في صفحة (206) مثلاً:
      إن المعبودات حقائقها واحدة، وإن اختلفت الأسماء في النهاية فهي تعبر عن حقيقة واحدة, ويضرب مثالاً في ذلك, فيقول: عشتروت هي من معبودات الحثيين والكنعانيين, يقال: إن عشتروت أو عشتر هي العزى؛ ولكن هذا تحريف لفظي.
      يقول: وابن عشتروت البابلية وعروسه هو تموز أو أدونيس عند الفينيقيين, ويسميه الآراميون في سوريا هداد، وهو في آسيا الصغرى أنيس راعي النجوم... إلى آخر ذلك.
      يعني: قد تتغير الأسماء وقد تتشابه, فمثلاً: عندما كان البابليون يلطمون ويخدشون كانوا يقولون: تموز تموز؛ فأصبح الآن: حيدر حيدر, يعني: وضعت كلمة بدل كلمة؛ لكن الشعيرة واحدة.
      الفينيقيون كانوا يقولون: أدوني أو أدوناي، واليونانيون أضافوا إليها النسبة عندهم فيقولون: أدونيس -اسم الذي تسمى به الشاعر المعروف الحداثي -.
      أدوني كلمة قديمة، وهي من العربية القديمة التي تعني الديان؛ وهو الله تبارك وتعالى! وعند اليهود أدوناي ما تزال معروفة, بمعنى: الله الدوناي؛ فالفينيقيون أخذوا أدوني وأضافوا إليها شعائر اللطم والنياحة, ويلطمون أنفسهم ويخدشون ويقولون: أدوني أدوني.
      هذا الكلام نفسه جاء مؤكداً في التوراة, ففي الكتاب المقدس في أسفار التوراة في سفر الملوك الأول يذكر قصة هي من أمثل القصص في هذا الكتاب, التي تدل فعلاً على أن هناك حقيقة كما بينها الله تبارك وتعالى في كتابه؛ وهي أن كل الأنبياء دعوا إلى توحيد الله تبارك وتعالى, وفي القرآن ما يؤيد ذلك عن إلياس عليه السلام حين قال: (( أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ ))[الصافات:125], القصة التي وردت في سفر الملوك هي عبارة عن مناظرة بين الكهنة؛ كهنة بعل الذي هو أدوني أو أدونيس وبين نبي الله تبارك وتعالى إيليا أو إلياس, وكانت المناظرة بحضور الملك، وكيف أن كلاً منهم يدعو إلهه لعله يستجيب. فيقول في الفقرة رقم (28): إنه لما تحداهم النبي بدعاء غير الله تبارك وتعالى أخذوا يصرخون -يعني: دعوا البعل- ولم يستجب لهم أحد، فأخذ يهزأ ويسخر بهم ويقول: ربما يكون إلهكم نائماً, أو قد يكون مشغولاً, أو مسافراً أو كذا -يسخر عليه السلام مما يفعله هؤلاء-.
      ثم قال في السفر: (فأخذوا يصرخون بصوت عظيم، ويهشمون أجسادهم بحسب شعائرهم بالسيوف والرماح حتى سالت دماؤهم). وهذا كان غاية التقرب عند الفينيقيين الذين يعبدون بعلاً، أن يضربوا ويضربوا ويلطموا حتى تسيل الدماء فيقولون: إذا فعلنا ذلك ورأى الإله -هذا المعبود الصنم- الدماء فإنه يستجيب لنا ومع ذلك لم يستجب لهم على الإطلاق.
      فهذا يؤكد ما جاء في التاريخ, وذكره علماء الأنتربولوجيا أيضاً، والمؤرخون في الكتاب المقدس, ويؤيده ما جاء في القرآن من عبادة بعل, وأن عبادته كانت بالتقرب إليه بذبح الأبناء, وهذا جاء في أسفار كثيرة جداً من التوراة, وأنكر أنبياء كثيرون عليهم ذلك, منهم على سبيل المثال: النبي أرمياء، فقد نعى عليهم ذلك، يقول: كيف تذبحون أبناءكم لـبعل ولآلهة الفينيقيين!
      ومن ذلك أيضاً: شعائر الدعاء؛ وهي الضرب بالحديد والرماح والسيوف حتى تسيل الدماء.
      فيمكن أن نستشف من هذا حقيقة مهمة جداً ذكرها علماء الأنتربولوجيا، ونضرب لهم بمثال: العلماء أو الباحثون العرب منهم مثلاً: سيد محمود القمني وهو كاتب كان يكتب في مجلة الكويت فترة طويلة ثم ألف كتاباً بعنوان الأسطورة والتراث , نحن لا نقره على تفكيره العلماني أو اللاديني في هذا الكتاب, ومزجه الأحاديث الصحيحة بالضعيفة وبالموضوعة وبالرواية الكتابية المكذوبة، لكن الذي يمكن أن نستشفه أنه فعلاً قدر من الحقيقة هو أنه بطريقة الذكاء والمهارة استطاع أن يريك العلاقات الواضحة بين ما كانت تفعله الطقوس والأديان القديمة في كل مكان، إلى حد أنه في إحدى عباراته في الكتاب يقول: لعل التشابه بين هذه الاعتقادات الفارسية -يعني: اعتقاد المخلِّص الذي يأتي في آخر الزمان بطريقة معينة ذكرها أيضاً بلياد وغيره- وهذه العقيدة اللطم والضرب وما أشبهها يقول: التشابه بين هذه الاعتقادات الفارسية وبين ما جاء في اعتقادات الفرق الشيعية الإمامية أوضح من أن يشار إليه, وتقريباً الكتاب كله هو في هذا الموضوع، وممكن نحن أن نرجع إلى مصادره, مثلاً لو رجعنا إلى قاموس الآلهة والأساطير كما تسمى في بلاد الرافدين وفي سوريا القديمة، نجد أن هناك أيضاً قصة تؤكد ذلك، وهي في صفحة مائة وتسعة وتسعين: أن الحبيبة أو العشيقة عشتار -أو عشيقة البعل- شرعت لهم أن يخدشوا أنفسهم؛ لما وجدته ميتاً فخدشت وجهها وخمرت شعرها وأدمت جسدها وبدنها كله, وأخذت تصرخ وتعول, فأصبحت هذه عبادة عندهم، والبعض يقول: إن أصل هذه العبادة أن المصريين القدامى أو أيام الفراعنة أسبق من بابل, والبعض يقول: غير بذلك، هل هي من هؤلاء أو هؤلاء.
      المهم أن الهدف واحد والمدلول واحد, وبذلك نجد أنه مثلاً هذا الكتاب الآخر أيضاً عن قضية مصر القديمة نجد أن حورس الذي حصل له نفس الشيء بالقتل أو التشنيع, وأقيمت المناحة, وأصبحت الشعائر والمناحات لـحورس أو لـأوزريس في العقائد المصرية القديمة أيضاً من شعائر مناحات تضرب فيها الأبدان وتسيل فيها الدماء, وتقوم فيها هذه الطقوس التي حرمها الله تبارك وتعالى, والتي تدل فعلاً كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم على أن هذه من أمر وشأن الجاهلية, فالجاهليات واحدة، نجدها في إيران القديمة، ونجدها في بابل وفي آشور ، ونجدها عند الفينيقيين مع بعل ، ونجدها عند المصريين مع حورس .
      ثم نفس الشعائر تنتقل إلى العالم الإسلامي مع الأسف الشديد، ويفعلها من يتنسبون للإسلام, وبعض الطوائف الإسلامية يفعلون ذلك، ولكن متى؟ كما بين مهدي شمس الدين أنها وقعت وحدثت في العصور المتأخرة.
    4. تقسيم العالم الشيعي علي شريعتي التشيع إلى نوعين

      حقيقة لو رجعنا إلى العصور المتأخرة نجد أن هناك رجلاً شيعياً إيرانياً عالماً باحثاً مشهوراً وهو علي شريعتي ؛ علي شريعتي ميز بين نوعين من التشيع -وقد ميز غيره لكن هو اشتهر بذلك- التشيع العربي، والتشيع القديم, وذكر شريعتي بالنص في الكتاب يقول: كان الأولون على عقيدة واحدة, وكان الخلاف سياسياً, يعني: في القرن الأول كان المسلمون جميعاً على عقيدة واحدة, وكان الخلاف سياسيا ًفي الخلافة، الحقيقة وجد هناك الشيعة الغلاة جداً؛ السبئية الذين حرقهم علي رضي الله تعالى عنه, وأنكر الصحابة عليه أن يحرقهم؛ لكن كلامه يقول: كانت العقيدة الدينية واحدة, وطبعاً هؤلاء زنادقة خارجون من كل الدين؛ لكن التشيع الصفوي هو الذي جاء بطقوس مجوسية قديمة، ليست من الإسلام في شيء على الإطلاق.
      فهو هنا يتفق مع ما قاله أيضاً مؤلف كتاب ثورة الحسين في الوجدان الشعبي ، بالفعل أنه في المرحلة الأخيرة فقط تكونت وتشكلت هذه الطقوس, والصفويون تشيعهم مخلوط بالتصوف، وهذه حقيقة, وهذا يؤكد أننا نحن ننكر البدع من أي مذهب جاءت، لكن كانت العقيدة الصوفية في أيام هؤلاء وغيرهم كانت تميل إلى الابتداع, كما قلنا بجانب الانتشاء والوجد والذوق حتى يغمى عليه من الطرب والوجد, كما ذكر الشاعر:
      يكنون عن رب السماء بزينب وليلى ولبنى والخيال الذي يسري
      فيتغزلون في ليلى ولبنى وسلمى والخيال والأطياف .. إلى آخره، ويكنون بها عن الله.
      لكن هنالك يقيمونها على الضد؛ وهو المآتم والحزن والألم والأسى الذي كان يفعل.
      فكأن علي شريعتي يضع النقاط على الحروف في هذه المسألة, ويقول: إن التوحيد هو الدين الذي يجب أن يكون عليه جميع المسلمين.. وذكر أن القباب والقبور والشعائر والطقوس كلها هذه البدع أنها ليست من الإسلام في شيء.
      طبعاً معروف مصير علي شريعتي فقد قتل بعد ذلك، واتهمت الثورة الخمينية بقتله -الله أعلم لا يهمنا- لكن المقصود أن هذا الاتجاه قائم, وأنه موجود حتى في داخل إيران، وفي داخل المدارس والأئمة الشيعية, سواء منهم أئمة الحوزة, أو العلماء أو الباحثون الآخرون, بالإضافة إلى ما ذكرنا وقررنا من أن علم التاريخ القديم وعلم الأديان القديمة وما يمكن أن نسميه الأنتربولوجيا الدينية الثقافية للشعوب القديمة تؤكد جميعاً أن هذه الشعائر ليست من الإسلام في شيء.
  8. بدائل عن اللطم والنياحة والتطبير وغيرها مما يفعله الشيعة في عاشوراء

     المرفق    
    يبقى قضية أيها الإخوة والأخوات! وهي أن علماء الشيعة الذين ينكرون هذا الطقس لما وجدوا ذلك وتأكدوا أنه ليس مشروعاً أخذوا يستبدلونه أو يريدون أن يضعوا له بديلاً، هذا البديل نقرؤه من كلامهم هم.
    1. البديل عند علماء الشيعة المنكرين للطقوس التي تقام في عاشوراء

      نحن نجد أن الشيخ محمد مهدي شمس الدين في هذا الكتاب الذي هو ثورة الحسين في الوجدان الشعبي بعد أن بين أن هذا بدعة، وأنه لا يجوز يقول: في محاضرات ومقابلات في الراديو والتلفزيون وأحاديث صحفية اقترحنا استبدال أعمال ضرب الرءوس بالسيوف -التطبير- في اليوم العاشر من المحرم -والذي يجري في مناطق شيعية في العراق وغيره- اقترحنا استبدال هذا العمل بتأسيس بنوك للدم -يعني: للتبرع بها- يتبرع بها الراغبون للجرحى والمصابين.
      فمن يميل إلى هذه الاتجاه، وأن هذه البدع لا تجوز، قالوا: إذاً ما دام لا يجوز الضرب والتطبير فلماذا لا نحيي النواح، يستمر النواح -مع أن النواح نفسه حرام بهذا الشكل- لكن نحن نستبدل الضرب وإخراج الدم بالتبرع بالدم، فأصبحوا يستدعون الهلال الأحمر أو ما أشبه ذلك ويطلبون أخذ الدم فيؤخذ الدم. على كل حال هذا الحل الذي رأوه.
    2. البديل في الشريعة الإسلامية

      أما الحل الصحيح فهو ما ذكره نفسه محمد مهدي شمس الدين وقبله محسن الأمين وهو المطابق للكتاب والسنة وما عليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم, وهو أن البدعة بدعة، وأنها لا تعوض ولا تعدل ولا تبدل؛ بل تنكر وترفض، وأننا يجب علينا نحن المسلمين جميعاً أن نعود إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وننقي الدين مما فيه من البدع المورثة القديمة, ولا سيما كل ما كان من أمور الجاهلية, ومن الأمور التي بعث محمد صلى الله عليه وسلم بتغيرها واستبدالها، فبعد أن جاء الله تعالى بهذا الدين, وبعد أن جاء محمد صلى الله عليه وسلم وأرسله الله بهذا الدين وأصبح هو الشريعة السمحة النقية التي قال صلى الله عليه وسلم فيها: (تركتكم على مثل البيضاء) وهي الشمس؛ فيجب علينا أن ننبذ وأن ننفي كل الشوائب التي لا علاقة لها بهذا الدين.
      أخيراً: أيها الإخوة! الموضوع الحقيقة متشعب وطويل, ولعل الله تبارك وتعالى أن يهيأ لنا فرصة لنستطرد ونفصل في بعض القضايا فيها، إنما أردنا بهذا استغلال المناسبة للنصيحة لإخواننا المسلمين جميعاً بالتمسك بالكتاب والسنة، وألا يعبد إلا الله تبارك وتعالى, كما أننا نقول: إنه لا يعبد إلا الله، فنقول: ألا يعبد أيضاً الله تبارك وتعالى إلا بما شرع؛ لكي يتقبل الله تبارك وتعالى منا أعمالنا, ولكي يتحقق أمر عظيم نحن نسعى إليه في هذه المرحلة من هذا العدوان الصهيوني الصليبي الشرس علينا, وهي وحدة المسلمين، لا يمكن أن نتوحد ومنا من يأخذ من شعائر الجاهلية، ومنا من يأخذ من شعائر الإسلام، الذي يوحدنا جميعاً هو أن نتوحد على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فنصوم العاشر وقبله التاسع أو نصوم يوماً قبله ويوماً بعده، فنكون بذلك على الجادة الوسطى، لا نقيمه أعياداً كما يفعل المشركون من قبل اليهود وأهل الكتاب، ولا نجعله أيضاً مآتم كما يفعل هؤلاء الذين أعادوا مآتم المجوس والبابليين والآشوريين والفينيقيين والفراعنة وجعلوها من الإسلام.
      نسأل الله تبارك تعالى أن يوفقنا وإياكم جميعاً لاتباع الهدى, وأن ينفع الله بهذه الكلمة, وأن نتعاون جميعاً على النصح والتسديد, إنه على كل شيء قدير.
      وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.