المادة كاملة    
في هذا اللقاء يستكمل الشيخ حديثه عن مقام النبوة في المنهج الكتابي - الوحي المحرف- ودرجة الأنبياء فيه مع المقارنة بالمنهج الإسلامي، وخصوصا فيما يتعلق بأنبياء بني إسرائيل، وكان قد توقف في اللقاء السابق عند داود عليه السلام وهنا يكمل حديثه عن سليمان عليه السلام.
أكد في بداية حديثه إلى ما يحظى به أنبياء بني إسرائيل في الإسلام ولا يحظون به عند أهل الكتاب، وتحدث عن سليمان عليه السلام وما يلحق نسبه من الطعن القديم وكذلك كونه في نظرهم أن والدته هي زوجة القائد يوريا الحثي الذي احتال داود عليه السلام للحصول عليها! بينما أمه لها ذكر في الإسلام بأنها امرأة صالحة تحث ابنها على العبادة والصلاة.
ثم بين كيف أن سيرة سليمان عليه السلام في الوحي المحرف مثقلة بالنفسية المتعطشة للدنيا والتي تعشق الثروة والمال حيث تتناول سيرته من هذا الجانب! مقارنا ذلك بما جاء في القرآن الكريم حيث أن سيرته مرتبطة بتوحيد الله تبارك وتعالى وما أعطاه الله تبارك وتعالى من الملك الذي سخره في عبادة الله وطاعته.
ثم تحدث عن نشيد الإنشاد ونسبتهم إياه إلى سليمان عليه السلام على ما فيه الكلام الفاحش الذي يؤخذ على أنه نصوص مقدسة! وناقش تأويلهم لهذا الفحش الواضح.
بعد ذلك انتقل إلى البهتان العظيم حيث يزعمون أنه في آخر حكمه عليه السلام بدأ بتعدد الزوجات، ألف من النساء والإماء أملن قلبه! حتى أصبحت الأصنام والأوثان تعبد في بيته! بينما في القرآن الكريم نجده نبيا ملكا جعله الله تبارك وتعالى نموذجا للملك العابد الذي لم يشغله ملكه عن الطاعة بل كان شاكرا لنعم الله وقاضيا بين الناس بالعدل.
وختم حديثه بالتأكيد على أن ما جاء في الكتب المحرفة لا حقيقة له؛ لا من حيث النسب القديم ولا من حيث ما تعرضوا به من شأن أمه وقصة أوريا الحثي، ولا أيضا من جهة مملكته والانحراف والفساد الأخلاقي، مؤكدا على أن القضايا عندما تتناول القطعيات فإننا لا ننظر في الروايات إن كانت كتابية أو غير ذلك.
العناصر:
1.مقدمة
2.سليمان عليه السلام في الوحي المحرف. 
– النظرة لسيرته من حيث الثروة والمال فقط
3.سليمان عليه السلام في القرآن الكريم (مقارنة)
4.نسبة نشيد الإنشاد إليه عليه السلام.
- تأويلهم لذلك
5.إفكهم العظيم على نهاية حكم سليمان عليه السلام.
6.خاتمة.
  1. سليمان عليه السلام في الوحي المحرف

     المرفق    
    الحمد الله رب العالمين, الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, وعلى سائر الأنبياء المختارين المصطفين, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    أما بعد:
    أيها الإخوة المشاهدون! فقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن الأنبياء كما هو الموضوع النبوة، ورأينا مقدار نبوتهم, ومدى الاحترام الذي يحظون به في الإسلام, ولا يحظون به عند أهل الكتاب، وكان الحديث عن هارون وداود عليهما السلام, ووعدنا بأن نستكمل إن شاء الله في هذا اللقاء ما يتعلق بسليمان عليه السلام.
    ونعود فنذكر أننا حتى الآن لا نؤرخ لتاريخ الأنبياء، وإنما نؤرخ فقط أو نتحدث عن تاريخ النبوة أو عن حقيقة النبوة عند أهل الكتاب، هذا المنهج المحرف حيث ابتليت الأمة؛ بل البشرية جميعاً بأن يأتي مثل هؤلاء فيحرفوا كلام الله تبارك وتعالى, ويفتروا على الله الكذب, وعلى أنبيائه الزور والبهتان.
    سليمان عليه السلام أشهر وأعظم الأنبياء عندهم بعد موسى عليه السلام, وترتبط الشهرة عندهم بالغنى والثروة والملك، ومع ذلك كله فإنهم لا ينظرون إليه عليه السلام على أنه نبي مكرم, وعبدٌ صالح, آتاه الله تبارك وتعالى الملك, فسخر ذلك الملك والقوة والسلطان لتوحيد الله وعبادة الله وطاعة الله، وإنما ينظرون إليه كما نظروا إلى أبيه من قبل على أنه ملك؛ بل إن التشويه الذي لحق أباه يلحقه -كما أشرنا- من جهة النسب الأول القديم, ومن جهة نسب سليمان عليه السلام نفسه أكثر؛ لأن أمه عندهم -كما يزعمون- هي بات شبع التي كانت زوجة أورويا الحثي , وكما ذكرنا في اللقاء الماضي ما نسبوا إلى داود عليه السلام من الاحتيال والخديعة للحصول على زوجة قائده أورويا الحثي وامتلاكها لتكون زوجة له.
    نجد حتى في هذه المسألة -وهي لا تتعلق بالنبوة؛ ولكن لأن أمهات الأنبياء وأنساب الأنبياء معظمة- نجد أيضاً هنا في الإسلام ذكراً لأم سليمان عليه السلام؛ حيث روى ابن ماجه وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قالت أم سليمان عليه السلام: يا سليمان! لا تكثر النوم بالليل؛ فإن كثرة النوم بالليل تدع العبد فقيراً يوم القيامة), فلها ذكر في ديننا؛ أنها امرأة صالحة, تحث ابنها -مع ما آتاه الله تبارك وتعالى من ملك- على العبادة, وعلى الخير, وعلى الصلاة.
    1. تشويه اليهود لسليمان من جهة البيئة التي ولد فيها

      أول ما يبتدئ اليهود بهذا التشويه من جهة أبيه, وأنه ورث عن أبيه الاستبداد، وأن البيئة التي ولد فيها ورباه أبوه فيها كانت بيئة أحقاد وضغائن.
      فمثلاً: يذكرون أن أبناء داود عليه السلام تقاتلوا، وأن التنافس بينهم كان شديداً، وأن إخوة سليمان الأكبر منه قُتلوا؛ بل يذكرون أن إحدى أخواته اغتصبت -يعني: ابنة نبي الله داود عليه السلام- وشناعات كثيرة في تربية ونشأة سليمان عليه السلام، فكأنه نشأ في هذا البلاط الذي لا يختلف عن بلاط أي ملك من ملوك الأرض فيه من الدنس, وفيه من البغضاء, وفيه من التقاتل, وفيه من التنافس على الدنيا ما فيه.
    2. تشويه اليهود لسليمان بكونه حرص على الملك

      ثم بعد ذلك تأتي قضية الصراع على هذا الملك, بمعنى: أن سليمان عليه السلام عندهم حاول مبكراً ولاحقاً أن يقضي على إخوانه, وأن يقتلهم فيستأثر دونهم بالملك, ولا سيما أخاه الذي هو أدونيا, حيث استطاع سليمان في النهاية أن يتخلص منه, وأن يأمر من يقتله, بعد منافسة شديدة على الملك، كما يحدث أيضاً في بلاط ملك من ملوك الدنيا في تلك الأيام أو فيما بعد.
      ولذلك لا عجب أن نجد قاموس الكتاب المقدس يعرف هذا النبي العظيم فقط من ناحية الملك, فيقولون: هو ابن الملك داود, وهو كان أعظم ملك، وقد ملك أربعين سنة.
      فأهم قضية عندهم هي أنه ملك، ثم تأتي إشارات إلى نبوته كما في قولهم: إنه رأى حلماً في المنام، وفي دائرة المعارف الكتابية يقولون: إن له مقابلات مع الله أو ما أشبه ذلك؛ لكن السيرة العامة له هو أنه ملك، وما يتحدثون عنه من مظاهر الملك والأبهة والفخامة هذا أيضاً مستفيض في الكتاب المحرف الذي تحدث عن سليمان عليه السلام، وحتى بناء بيت الله -المسجد الأقصى- يتكلمون عنه على أنه بناء عظيم للهيكل، فيتكلمون عن الأبهة والفخامة, ولا يتكلمون عن المضمون؛ وهو عبادة الله تبارك وتعالى وتوحيده إلا لماماً.
    3. نظرة اليهود لسليمان من جهة الثروة والمال

      فالقضية أننا نجد سيرة سليمان عليه السلام مشبعة ومثقلة بتفكير الأحبار والرهبان، والذين جاءوا من بعدهم من كهان وأشباههم، وهو التشبع بالنفسية الجشعة التي لدى هؤلاء الأقوام من بني إسرائيل؛ نفسية متعطشة للدنيا، نفسية تعشق الملك, نفسية تعشق المال والذهب والتجارة والمراكب الفخمة والخيول والأبنية العظيمة وما أشبه ذلك، حتى أنهم شبهوه برمسيس الثاني؛ الذي هو فرعون في كثرة ما بنى, وتسخير آلاف العمال لبناء الفخامة والملك والمجد، دون أن نجد أي شيء يذكرنا بأنها سيرة نبي عظيم من أنبياء الله تبارك وتعالى، جعله الله تبارك وتعالى قدوة في تسخير الملك والمال والغنى والثروة والسلطان في طاعة الله عز وجل، كما جعل أنبياء آخرين وأعظمهم في ذلك محمد صلى الله عليه وسلم قدوة للخلق في الزهد والعزوف عن الدنيا والتواضع والرحمة والمسكنة؛ فـ(كان صلى الله عليه وسلم قد أثر الحصير في جنبه), و(كان صلوات الله وسلامه عليه يأكل كما يأكل العبد, وينام كما ينام العبد ). فكان عبداً رسولاً, بينما كان سليمان عليه السلام ملكاً رسولاً، وعلى هذين المحورين تدور دائماً النفوس الإيمانية، فالنفوس الإيمانية في البشر جميعاً من قديم الدهر وفي حديثه هم: إما غني شاكر, وإما فقير صابر، إما زاهد في الدنيا راغب عنها, ويتعبد الله تبارك وتعالى بذلك، وإما أوتي حظاً في الدنيا؛ لكن يسخره لطاعة الله تبارك وتعالى، فيجمع بين الطائفتين الطاعة والعبادة والتقوى, وكل منهما يأخذ بحظه من الدنيا كما كتبه الله تبارك وتعالى له، وكما اختار له.
      هؤلاء الذين كتبوا هذه الأسفار وحرفوها لا يأتي في فقههم أو في نظرهم هذه المعاني العظيمة التي تحدث عنها على سبيل المثال والمقارنة فقهاء الإسلام، ولا نعني الفقه العملي؛ أي: فقه الأحكام.. فقه العبادات؛ لكن نعني: فقه أعمال القلوب، حتى أنهم ذكروا أيهما أفضل الخلافة أو الملك؟ وتقريباً لا يوجد خلاف في أن الخلافة أفضل من الملك؛ لكن تكلم بعضهم عن جواز الملك وعدم جوازه؟ والصحيح أن الملك جائز؛ لكن بشرط أن يكون ملكاً مسخراً لدين الله تبارك وتعالى، وبالتالي نجد أثر هذه الوراثة النبوية في الصحابة.. ونجدها في العباد.. ونجدها في أئمة الإسلام.
      فمثلاً: نجد في حياة أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه كان زاهداً؛ لكن كان لديه مال؛ وفي المقابل عثمان رضي الله تعالى عنه و الزبير بن العوام و عبد الرحمن بن عوف وغيرهم كانوا ممن أنعم الله تبارك وتعالى عليهم وتوسعوا في الدنيا؛ بل نجد في عصر الزهد الذي تميزت فيه الصفات, وأصبحت الكتابة فيه عن الزهد, كما كتب وكيع وكما كتب الإمام أحمد وكما كتب عبد الله بن المبارك وغيره، نجد أن العلماء الأئمة -أئمة اليقين والتقوى والزهد- يشملون هذين النوعين، من أخذ جانب العبودية والزهد بمعنى: الاقتداء بالنبي العبد, ومن أخذ -مع أنه زاهد- جانب الاقتداء بالنبي الملك، وكلاهما كانوا على درجة من اليقين والتقوى, والخير والصلاح.
      فنجد مثلاً: عبد الله بن المبارك رضي الله تعالى عنه كان يشبّه بالملوك في حياته, ونجد الليث بن سعد وكذلك أيوب السختياني وغيرهم من الأئمة في العباد والعلم والجهاد؛ لكن كانت حياتهم حياة توسع مما أعطاهم الله, وينفقون على إخوانهم أيضاً، وفي الوقت نفسه نجد مثل: الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه والأئمة الآخرين -طبعاً وهم الأكثر في هذا الشأن- من أئمة الإسلام كانوا يتقللون من الدنيا بقدر الإمكان.
      المقصود: أن هذا المعنى العظيم الذي لا يفقهه هؤلاء القوم لا نجد له ذكراً لديهم؛ بل تنحى كتاباتهم في القديم والحديث عندما حرفوا الأسفار والكلام -كما في سفر الملوك وغيره عن سليمان عليه السلام, أو عندما كتبوا ويكبتون الآن- تنحى منحى الملك والأبهة والعظمة والفخامة البعيدة عن التقوى والمجردة عنها, كما سننقل بعض كلامهم.
      إلى حد أن إحدى الروايات الأدبية المشهورة في اللغة الانجليزية عنوانها: كنوز الملك سليمان -هذه من العصر الكلاسيكي- وأصبحت مثلاً عاماً لمن يريد أن يكتب؛ فيتكلم عن كنوز الملك سليمان, يتكلمون عن زوجات الملك سليمان, ويتكلمون عما هو أشنع مما سنذكره الآن إن شاء الله تبارك وتعالى.
  2. سليمان عليه السلام في القرآن الكريم

     المرفق    
    المقصود: أن سيرة هذا النبي العظيم كلها نُظر إليها من زاوية الثروة, ومن زاوية جمع المال والجشع في ذلك، حتى الأحداث العظيمة التي وقعت في أيامه مثل: قدوم ملكة سبأ مثلاً، فعندما نجد أن القصة في القرآن قصة عجيبة جداً, قصة لا نظير لها على الإطلاق, لا في كتب أهل الكتاب ولا في غيرها، وهي من الدلائل العجيبة والعظيمة على أن النبي صلى الله عليه وسلم يتلقى الوحي من عند الله تبارك وتعالى، وإلا -كما ذكرنا في الحلقة الماضية- فهؤلاء اليهود يعادون النبي صلى الله عليه وسلم، وبنو إسرائيل الذين ينتسبون إلى هؤلاء الأنبياء يعادون المسلمين، ومن ينسب إلى عدوه ما يقوله عنه أتباعه فما ظلمه؛ لكن أن يأتي هذه الوحي العجيب بأمور تخالف ما عند هؤلاء الأعداء في تعظيم متبوعيهم وأنبيائهم وأئمتهم, وعبادهم وعلمائهم؛ فهذا غاية في العدل, وغاية في التجرد, ومتضمنة لأخبار لا يمكن أن تأتي عليها علوم البشر, وإنما هي وحي من الله تبارك وتعالى.
    القضية في أصلها كلها مرتبطة بتوحيد الله, بالإيمان بالله تبارك وتعالى؛ الذي لم ينكره عليهم فقط نبي الله العظيم سليمان عليه السلام؛ بل أنكر ذلك أيضاً الهدهد؛ فقد أنكر الشرك.. وأنكر الكفر.. وأنكر الجحود والسجود لغير الله تبارك وتعالى، وهو أحد المستخدمين لدى هذا النبي العظيم، وأحد من خدموه, وأحد من سخرهم الله تبارك وتعالى له من جملة ما سخر له: من الرياح, ومن الطير, ومن الجن, ومن الإنس، فيأتي هذا الطائر العجيب ويستنكر أن يجد أمة تسجد للشمس! -وهذا الآن مؤكد من خلال الآثار, ولا تزال حتى اليوم القبور في تلك المناطق متجهة جهة الشمس, والآثار والنقوش مكتوبة عن عبادة الشمس بالآلاف-، فإذا أنكر الهدهد ذلك, فكيف بسليمان عليه السلام, فقد كتب إليها أن تأتيه مسلمة هي وقومها، لا يريد منهم إلا الدين والإيمان, ولم ينظر إلى الثروة, ولا إلى الكنوز, كما تذكر الأسفار المحرفة، وأن المراكب كانت تأتي محملة بالضائع من اليمن ومن بلاد العرب، وتأتي إلى سليمان, وكذا..
    ونحن لا ننفي ذلك ولا يفترض أن ننفيه؛ لكننا نقول: لم يكن هذا هو الغرض الأساس, وإنما تأتي هذه الأمور تبعاً؛ فما أعطاه الله تبارك وتعالى من الملك, وما أعطى لملكة سبأ من الملك, ومن العظمة؛ سُخرا في النهاية في طاعة الله تبارك وتعالى, وفي توحيد الله, وفي عبادة الله، ونستطيع بناء على هذا أن نقول: إنه حتى الملك الذي أعطاه الله تبارك وتعالى لعبده سليمان عليه السلام أوسع وأعظم مما تخيلوا.
    هم يقولون: إنه حكم من الفرات إلى شبه جزيرة سيناء تقريباً، فهم يرونه حكم هذه المنطقة بهذا الحكم الذي فيه استبداد مطلق بلا رقابة كما تقول دائرة المعارف الكتابية يعني: هناك فساد مالي إداري.
    على أية حال الذي يظهر لنا من القرآن الكريم من قصة نبي الله تبارك وتعالى سليمان أنه حكم أوسع وأعظم من ذلك، ولا سيما إذا خضعت له ملكة سبأ؛ فمعنى ذلك: أن جزيرة العرب قد خضعت له ولا غضاضة في ذلك.
    وهنا أيضاً نشير إلى الافتراء الذي يفتريه القوميون العرب وغيرهم من الحديث والقول بأنه لا يمكن أن يكون ذلك قد حدث؛ لأنه إذا أثبتنا ذلك فقد أثبتنا حق اليهود في جزيرة العرب أو في غيرها, ونحن نقول: (( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا ))[آل عمران:67], ولا داود ولا موسى ولا الأسباط ولا سليمان، هؤلاء أنبياء الله تبارك وتعالى, وهؤلاء يحكمون بحكم الله وبشريعة الله تبارك وتعالى، وكل ما أعطاهم الله من الأرض فإنهم يستحقونه؛ لأنهم يقيمون فيه دين الله تبارك وتعالى؛ فليس لهم هوى, ولا مطامع شخصية.
  3. نسبة اليهود نشيد الإنشاد إلى سليمان عليه السلام

     المرفق    
    المقصود أيها الإخوة! أن نبوة هذا النبي من أنبياء الله تبارك وتعالى هدمت وحجِّمت في ما يسمونه: الحكمة، فيقولون: إن الله تبارك وتعالى لما ظهر له في المنام أمره أن يسأله: ماذا يريد؟ فطلب منه الحكمة؛ فلذلك ينسبون إليه كثيراً مما يسمونه أسفار الحكمة من كلامه في سفر الأمثال مثلاً, وفي الباقعة التي يستحي الإنسان من ذكرها والمرور عليها, وهي نشيد الإنشاد, وكذلك في سفر الجامعة .
    الذي يهمنا الآن هنا ليس فقط قولهم بأن بعض المزامير تنسب إليه من الزبور , أو أن له في الأمثال كذا أو ليس له؛ هذه قضية ثانوية، الذي يهم جداً في هذا الموضوع -موضوع العلاقة بالنبوة وتقديس الأنبياء والنبوة- هو أن ينسب إلى سليمان عليه السلام نشيد الإنشاد.
    وهذا النشيد الحقيقة أنه من أفحش الكلام الذي لا نستطيع أن نعرض نماذج منه أمام الإخوة المشاهدين؛ لما فيه من الغزل المكشوف, لكن حسبنا فقط أن نشير إلى أن هناك من كتب عما يسمونه الحب في التوراة؛ من خلال هذا السفر وأمثاله من المواضع التي وردت في الكتاب المحرف، والتي نجد في كتاب الله تبارك وتعالى في القرآن -هذه أحد المقارنات التي تدلنا على ذلك- من العظمة في الأسلوب, ومن السمو.. ومن العلو.. ومن الترفع.. ومن طهارة الألفاظ الشيء العجيب!
    حتى عند الحديث عن قصة يوسف عليه السلام, أو مثلاً عند الكلام عن الحيض وتطهرها وما أشبه ذلك، هذا الذي يدل حقيقة أن هناك تفصيلاً وبياناً واضحاً للقصة أو بياناً واضحاً للأحكام الشرعية؛ ولكن مع العفة والفضيلة والطهارة والسمو في التعبير والإجمال، ولكن مع الأسف الشديد أننا نجد أن هؤلاء الذين يتكلمون وألفوا في القديم والحديث عن الحب والغرام في التوراة ؛ لم يكتفوا بأن دنسوا مقام الأنبياء بجعلهم من أبناء الزنا -كما تقدم- ولم يكتفوا بأن جعلوا الأنبياء يعشقون؛ بل إضافة إلى ذلك دونوا باسمهم هذه الأسفار، ومنها هذا النشيد الذي يسمونه نشيد الإنشاد, ونسبوه إلى سليمان عليه السلام.
    الإشكال في هذا النشيد وفي أمثاله هي أن تؤخذ على أنها نصوص مقدسة, ومن هنا لا نجد هناك إجماعاً منهم على ما هو المقصود من هذه الأسفار, أو كيف يمكن أن نؤولها.
    بمعنى آخر: أن اختلافهم في تأويل مثل هذه الأسفار؛ لأنها لا تليق بالأنبياء زاد الأمر حيرة وشكّاً، على سبيل المثال: بعض الرهبان من النصارى وأمثالهم يقولون: إن ما جاء في هذا النشيد إنما هي رموز! يعني: العشق الشهواني الواضح فيه الذي يمكن أن تقارنه بالشعر الإباحي لدى بعض الشعراء المتقدمين أو بعض الشعراء المعاصرين -قريب من كلام نزار قباني أو ممكن أفحش- يقولون: هذا رمز للعلاقة بين الله وبين الكنيسة! فهذه القضية ليست كما يزعمون مجرد عشق شهواني حسي إباحي ظاهري, وإنما هذا رمز العلاقة بين الله وبين الكنيسة الجامعة والمؤمنين، وأن هؤلاء عندما يتغنون بهذا, فإنما هو غناء أشبه بما يتغنى به الصوفية.
    وهذا في الحقيقة مما يدلنا على أن الداء واحد, وأن الشيطان واحد في كل الأمم، فما يتغنى به الصوفية من العشق والهيام والوجد والغرام وذكر الأطلال والدمن.. إلى آخره, صارف لهم عن ذكر الله تبارك وتعالى وعن قراءة القرآن، ولا نقول: إن هذا النوع من الشعر هو حرام في ذاته؛ لكن أن يكون هو ما يتعبّد به! لا الذكر ولا العبادة التي هي القربة إلى الله تبارك وتعالى.
    لو جعلت هذه الأشعار والأناشيد على هامش العبادة فالأمر فيه سعة بشروط وضوابط؛ لكن أن يكون الغرض هو هذا فلا، حتى إن بعضهم يقولون: فلان زنديق, لأنه يقول: أقرأ القرآن فلا أتأثر، فإذا جاءت مثل هذه الأشعار تأثرت.
    المقصود: أن هذا أحد التفسيرات والتأويلات لهذه الأساليب والقصص أو الأناشيد أو الأغاني التي تسمى نشيد الإنشاد بمختلف قضاياه -هو نشيد حواري؛ يقوم حوار بين العروس وبين العريس وبين الجوقة أو المجموعة- يقولون: هذا كله تمثيل, أو القضية هي قضية أنه عشق إلهي؛ لكنه جاء في شكل الألفاظ الحسية والأساليب التي يألفها الناس.
    هناك بعض التفسيرات الأخرى يقول بخلاف ما تقدم من التأويلات؛ فيقول: إن هذا من عظمة هذا الكتاب, ومن الفسحة التي في هذا الدين, وأنه كان سليمان وداود عليهما السلام هذا عندهم. وهذا من أخطائهم وشنائعهم, فالكتاب يتكلم عنهم بواقعية, ويبين ما فعلوه حتى يكون عبرة لغيرهم.
  4. بعض افتراءات اليهود على نهاية حكم سليمان عليه السلام

     المرفق    
    على أية حال الإشكال الأعظم وهو أفحش من هذا كله؛ هو ما جاء في النهاية التي يعتبرون أنها نهاية حكم وملك سليمان عليه السلام. ‏
    1. ادعاء اليهود بميل سليمان عليه السلام إلى النساء الأجنبيات

      انطلاقاً من نظرته إلى النساء, ومحبته لهن, وميله لهن يصرحون كما هو بالنص من قاموس الكتاب المقدس يقول: إن الفترة الأخيرة من حكمه كانت مؤسفة؛ فقد بدأ بتعدد الزوجات.
      لاحظ لأن الكتبة نصارى فيجعلون الإشكال هو تعدد الزوجات مع أنه في التوراة لا شيء في ذلك, ولا يوجد ما يحرمه.
      ثم من التعدد بدأ يحب النساء الأجنبيات الغريبات, ومن جملتهن بنات الملوك, مثل: بنت فرعون.. وبنت ملك صيدا.. وبنت ملك عمون أو عمان.. إلى آخر ذلك.
      لو كان الأمر كذلك لقلنا: هذا يندرج في الشهوة والحب والميل إلى التحلل الأخلاقي -كما يزعمون- لكن أكثر من ذلك أن هؤلاء النساء اللاتي بلغن سبعمائة من الزوجات, وثلاثمائة من الإماء أملن قلبه -كما يقول التوراة في الملوك- إلى الآلهة الغريبة, حتى بنى أماكن لعبادة الأوثان إرضاء لهن؛ فغضب الرب عليه وهدده بتمزيق ملكه!.
      سبحان الله! ما أفحش هذا الكلام أن ينسب إلى هذا النبي الذي دعا إلى توحيد الله تبارك وتعالى, وكان هو وجنده -حتى جنوده من الطير- يوحدون الله تبارك وتعالى, وينكرون على أمم الشرك، فيصبح الطير أعلى من الإنسان فكراً، وأسمى منه خلقاً؛ لأنه يوحد الله ويدعو إلى توحيد الله وينكر الشرك، ينسب إليه أنه بنى بيوتاً للأصنام؛ استرضاء لزوجاته الغريبات الأجنبيات من بنات فرعون أو ملوك عمون أو ملوك صيدا, أو ما أشبه ذلك.
    2. ادعاء اليهود بكون الأوثان كانت تعبد في بيت سليمان

      ومن أسوأ ما ختموا به كلامهم الشنيع القبيح عن هذا النبي -صلوات الله وسلامه عليه وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم- أنهم جعلوا خاتمة حياته هي أنه أنهك وأجهد وضعف أمام هؤلاء الأجنبيات الوثنيات، فأصبحت الأصنام والأوثان تعبد في بيته, ويصورون التماثيل ويعبدونها, ويذبحون لهذه الآلهة الغريبة في بيت نبي الله, وفي بيت هذا الملك الذي جعله الله تبارك وتعالى نموذجاً للملك المطيع العابد, الذي لم يشغله ملكه عن طاعة الله تبارك وتعالى؛ بل إنه في كل حياته كان شاكراً كما دعا ربه تبارك وتعالى أن يوزعه شكر النعمة، فكان شاكراً لنعم الله تبارك وتعالى عليه في الخيل، شاكراً لنعم الله تبارك وتعالى عليه في الريح، شاكراً لنعم الله تبارك وتعالى في تعليمه منطق الطير، شاكراً لنعم الله تبارك وتعالى عليه لما آتاه من المال.
      كان يقضي بين الناس بالعدل, وأعطاه الله تبارك وتعالى تلك الحكمة في القضاء والفهم؛ حتى أنه فهَّمه ما لم يفهِّم أباه -كما جاء في كتاب الله تبارك وتعالى- ومع ذلك -مع الأسف الشديد- نجد أن أسوأ ما يمكن أن تجد من الكلام في سيرة أي نبي من الأنبياء؛ فإن اليهود أشبعوا به سيرة هذا النبي العظيم، ونعني بهم: الذين ضلوا وانحرفوا عن هدى الله تبارك وتعالى، وإلا فإن المؤمنين من قبل ومن بعد لا يزال له في قلوبهم من التقدير, ولا يزال في قلوبهم من التعظيم لأنبياء الله تبارك وتعالى، فبقي المؤمنون على قلة شديدة وعلى ضعف حتى أوحى الله تبارك وتعالى إلى عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن، وهذا الذكر الحكيم.
      فانتقلت القضية نقلة بعيدة جداً عما كان يدور بين بني إسرائيل وأتباعهم؛ إلى أن يقرأ ويتلى في المحاريب على مدى هذه القرون وفي كل مكان ما ذكر الله تبارك وتعالى عن هذا النبي وعن أبيه، في سورة البقرة مثلاً: قصة داود عليه السلام, ثم نجد في سورة النمل, ثم في سورة ص وغير ذلك, نجد أن أسيراً عجيبة عظيمة، هي -كما تقدم- قدوة ونموذج للعباد وللزهاد وللصالحين من المسلمين، الذين جمع الله تبارك وتعالى لهم بين خيري الدنيا والآخرة، فكما كان عثمان رضي الله عنه أو عبد الرحمن بن عوف أو الزبير بن العوام أو كما قلنا عبد الله بن المبارك أو الليث بن سعد ، الذين أعطاهم الله من المكانة والمنزلة ما جعلهم يسخرونه بدون أي غضاضة في طاعة الله تبارك وتعالى، ويشعرون أن لهم قدوة في هذا؛ وهم الأنبياء الكرام الذي أعطاهم الله تبارك وتعالى من الملك ومن النعمة ما يستخدم جميعاً في طاعة الله تبارك وتعالى.
  5. الجزم بكذب الوحي المحرف على سليمان عليه السلام فيما ادعوه

     المرفق    
    نحن نجزم إذاً بدون أي تردد أن ما شوّه به هؤلاء المشوهون في الكتب المحرفة لا حقيقة له، لا من حيث النسب القديم له, ولا من حيث ما تعرضوا به من شأن أمه وقصة أورويا الحثي، ولا أيضاً من جهة مملكته والانحراف والفساد الأخلاقي الذي كان فيها، فكل هذا باطل.
    ونجزم أيضاً بأن ما نسب إليه عليه السلام من أنه مال بقلبه إلى الأجنبيات الوثنيات, وأصبحت الأصنام تعبد في بيته؛ نجزم بأن هذا أيضاً لا يمكن أن يصح بأي حال من الأحوال؛ لأن القضايا عندما تتناول القطعيات والأساسيات المحكمات فإنا لا ننظر إلى الروايات إن كانت كتابية, وإن كانت غير كتابية؛ لأن هذه من الأمور التي عصم الله تبارك وتعالى منها أنبياءه جميعاً, وبيّن ذلك وفصله, ونحمد الله على ذلك.
    فيكف ولدينا الخبر الصريح الصادق بالوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، عن هذه القصص جميعاً, وعن هذه الأحوال جميعاً, وعن توحيد الله تبارك وتعالى، ودعوة سليمان عليه السلام إليه, ودعوته الناس أن يدخلوا في الإسلام, ومنهم أهل اليمن ، وعن تسخير كل ما أوتي من ملك واستخدامه في طاعة الله تبارك وتعالى وفيما يقرب إليه، هذا هو المنهج المقتدى به, وهذه هي النبوة في معانيها السامية الكريمة وأخلاقها الفاضلة التي يدعو إليها الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
    نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا جميعاً بما نسمع وما نقول، وأن يجعل للمسلمين وللعالم أجمع العبرة والعظة فيما يقال عن هؤلاء الأنبياء؛ بأن يأخذوا ما قيل في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وأن يلغوا كل ما يخالف ذلك ويشوهه من الكتب المحرفة, أو من أفكار الفلاسفة الذين يدّعون أن النبوات مكتسبة وأشباههم, أو من كلام الماديين والملحدين الذين ينكرون النبوة من أساسها.
    نسأل الله تبارك تعالى أن يهدينا جميعاً إلى صراطه المستقيم, وأن يجعلنا نعظم ما عظم, ونوقر ما وقر, ونعزر من عزر.
    وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, والحمد الله رب العالمين.