المادة كاملة    
في هذا اللقاء تحدث الشيخ عن العمالقة (الذين في إثبات وجودهم تغيير لمسار التاريخ العام)
من حيث إبطال نظرية التطور بشقيها والخرافات والتحريفات، وإثبات صدق الوحي.
بداية تحدث الشيخ عن الأهمية التاريخية للعمالقة حيث أنه ورد ذكرهم في الكتب السماوية وثبت وجودهم في البحث العلمي، وعن تأثير إثبات وجودهم على مسار العالم للتاريخ والنظريات.
ثم دخل في صلب الموضوع مقارنا بين ما يقوله العلم والبحث العلمي مع تجريده من الأكاذيب والافتراءات والتأويلات الظنية، وبين الوحي مع تصفيته من الروايات الضعيفة والموضوعة والتفاسير الباطلة، حتى تظهر لنا الحقيقة ناصعة جليلة في هذا الشأن. 
ناقش ما جاء في التوراة -أول مصدر تحدث عن العمالقة- وما أضيف إليها من الخرافات، التي أدت إلى إنكار وجود العمالقة. كما عرض ما تؤكده الدراسات الانتربولوجية  من أن كل الشعوب في الأرض تؤمن بأن آبائنا وأجدادنا كانوا أكبر منا وأقوى، ويتحدثون عن آثار موجودة ينسبونها إليهم!.
وبعد ذلك تحدث عن العمالقة في التاريخ الإسلامي الذي في مصادره ما يعطي المسلمين قناعة بأن هناك من هم أشد قوة وأعظم خِلْقة، دون الحاجة إلى الاستشهاد بالآثار وغيرها.  حتى أبطل نظرية التطور بشقيها العضوي والمعرفي مثبتا ومؤكدا أن البشرية في تاريخها الطويل كانت على التوحيد.
ثم بين كيف يمكن للعقل البشري بالبحث المجرد أن يصدق الوحي ويكذب الأساطير والخرافات، وأن الحقيقة في الإسلام يبحث عنها ولا يجزم بها، فلا يقطع إلا بما جاء في الوحي المعصوم أو كان الدليل العقلي قاطعا فيه، مع التمثيل بما ذكره المقريزي والاقريشي وما نقل عن عبد الله بن المبارك وكذلك الأهرام أعظم الآثار
حتى وصل لتقرير أن الوحي الصادق الذي جاء في القرآن والسنة هو الحق، من خلال ما ورد في الكتاب والسنة، وما كُشف من آثار وما وُجد من القبور والعظام.
وختم بأن الله خلق هذا الإنسان خلقا مستقلا وكرمه وفضله وأعطاه هذه القوة وهذه الضخامة، فكانوا ضخام الأجسام طوال الأعمار، وعوضنا نحن بالفهم والعلم والتراكم المعرفي.
العناصر:
1.مقدمة
2.العمالقة والأهمية التاريخية
3.العمالقة في الوحي والعلم 
- في التوراة ونتيجة ذلك
- الحقائق المتوارثة (الانتربولوجيا)
- في التاريخ الإسلامي
4.وجود العمالقة يبطل نظرية التطور ويؤكد توحيد القرون الأولى
5.البحث المجرد يصدق الوحي ويكذب الأساطير
- المقريرزي
- التابعي الجليل عبدالله بن المبارك
- الأهرام
6.الخاتمة.
 
  1. قضية العمالقة

     المرفق    
    الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين. أما بعد: أيها الإخوة والأخوات! فإن موضوعنا في هذا اللقاء يتعلق بقضية الإنسان القديم أو الإنسان العملاق أو الضخم. وما يُعبر عنه في علم الجغرافيا الطبيعية وغيرها بالعمالقة أو بقبور العمالقة. ‏
    1. الاهتمام البالغ عند الناس بموضوع العمالقة

      وموضوع العمالقة وما يتعلق بهم يحظى بجذب شديد، وبتطلع كثير من الباحثين والمتعمقين في العلم, ومن العوام في كل الشعوب؛ فله جاذبية, وله اهتمام؛ ربما لطرافته أو لغرابته، ولكنه أيضاً يمكن أن يكون موضوعاً تجتمع فيه كل المؤثرات أو الصفات التي ذكرناها عن المناهج الثلاثة للمعرفة. فهو من جهة الوحي والكتب السماوية مذكور ومشهور، وهو من جهة البحث العلمي موجود، وهو من ناحية الخرافة والأساطير موجود، فلا حد ولا نهاية لخرافات الشعوب الكتابية منها وغير الكتابية في الحديث عنه والتأمل فيه.
    2. سبب الحديث عن العمالقة

      نحن في الحقيقة نورده هنا لسببين: أولاً: لأن هذا موضعه التاريخي. وثانياً: لأمر أهم من ذلك؛ وهو: أن موضوع مسار أو شكل التاريخ البشري منذ أن خلق الله تبارك وتعالى الإنسان في هذه الأرض تختلف فيه الآراء والأنظار، وهذا الموضوع -ما يتعلق بالعمالقة- يؤثر في هذه النظرة، أي: في تقويم نظرتنا إلى شكل ومسار التاريخ البشري, بمعنى: أننا إذا أخذنا أو سَلَّم البعض كما هو ملاحظ في معظم العلوم الطبيعية الآن التي تدرس وفقاً لنظريتي التطور العضوي منها والفكري، فيعتقد أكثر الخلق أن الإنسان ما هو إلا مرحلة من مراحل تطور القردة -كما يزعمون- بشكلها الطبيعي المعروف لدى الناس، -القردة شكلها معروف وأضخم قرد شكله معروف، وكذلك الحلقة المفقودة أصلاً لا وجود لها لا بين القرد والإنسان ولا بين غيره-. المقصود: أن هناك مرحلة انتقال من الشكل الحيواني ومن الحضارة والمفاهيم الحيوانية، مثل: مجرد الأكل بالتناول باليد, واستخدام الحجر, وأكل الطعام نيئاً.. إلى آخره، كأن الحضارة بدأت من هذا المستوى المنحط, والدرك الهابط، ثم تطلعت وارتقت حتى وصلت إلى مستواها الحاضر -كما مرت التفاصيل في الحلقات السابقة- هذه نظرة. النظرة الأخرى: أنه إذا ثبت أن هناك من كانوا أعظم منا قوة وأطول أعماراً وأعظم أجساماً، وأتقن في فن من فنون الحضارة على ضوء التقنية التي استطاعوها أو وصلت إليهم، فإن مسار التاريخ يختلف تماماً وينعكس على نظرة التطور بشقيها كما ذكرنا.
  2. العمالقة في الوحي والعلم

     المرفق    
    نحن نجد أن هذين خطين متعارضان، نجد أنه لا بد أن نرى ما الذي يقوله العلم المحايد في هذا الشأن، وما الذي يقوله الوحي المعصوم مع تجريد كل منهما من الخرافة، بمعنى: نجرد النقل من الروايات الضعيفة والموضوعة والتفاسير الباطلة، ونجرد أيضاً العلم والبحث التاريخي من الأكاذيب والافتراءات والتأويلات الظنية؛ فحينئذٍ تظهر لنا الحقيقة ناصعة بإذن الله تبارك وتعالى؛ وهي ما نبحث عنه في كل حلقة من حلقات هذا البرنامج بإذن الله تبارك وتعالى. ‏
    1. العمالقة في التوراة

      لو بدأنا بالمصادر هذه حسب تاريخها، فمن أقدم المصادر التي تتحدث عن هذا الموضوع التوراة والتفاسير أو الشروح لها، في الحقيقة أن هناك نوعين ممكن أن نجعلهما باختصار هما محور ما جاء في التوراة :
      النوع الأول: هو أن البشر وجدُوا أول الأمر على هيئة كبيرة وضخمة, وهذا موجود؛ لكن ليس بنفس الدلالة القطعية والصراحة الموجودة في القرآن والسنة؛ لكن نعم كانوا أعظم, وكانوا أكثر قوة؛ وهناك ما يدل على ذلك، لكن أضيف إليه من الخرافات الشيء الكثير! وربط في النهاية بما يسمى عمليق أو عماليق, وهو من ذرية عيسو بن إسحاق ابن إبراهيم عليه السلام، فحدثت إشكالية كبيرة جداً هنا في المسألة -الإفاضة في شرح الإشكالية قد تطول لكن نحن نأتي بالحل- نقول: إن القوم الجبارين الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى في كتابه، والذين رفض اليهود أن يدخلوا المدينة التي هم فيها، هم الذين حُصر فيهم -عند كثير من علماء التوراة- مفهوم العمالقة أو عمليق؛ أنهم قوم جبارون, وهؤلاء الجبارون لا يمكن مقاومتهم, ثم أخذت الخرافة مداها؛ فأصبح كأن هؤلاء القوم لا يكاد يوجد لهم ذكر إلا فيما يتعلق بمرحلة موسى عليه السلام ثم ما بعده.
      نذكر باختصار مثالين:
      المثال الأول: قولهم عن عوج بن عنق أنه كان معاصراً لموسى عليه السلام -هذا ليس في التوراة لكنه في التلمود- وأنه كان ضخماً, ثم ذكروا أنه كان حياً من أيام نوح عليه السلام، وأنه أيام الطوفان كان يخوض في الطوفان ولا يصل إلا إلى قدمه، وأن الذي قتله موسى عليه السلام, وكان طويلاً عليه السلام, وعصاه طويلة، وقفز حتى وصلت الضربة إلى كعبه أو إلى ساقه.. وكل هذا تهاويل وخرافات؛ لكن ربطت بما يتوهمه بنو إسرائيل عن القوم الجبارين، الذين كانوا أجبر منهم وأقوى منهم، ومن العرب الكنعانيين الذين كانوا يسكنون في أرض فلسطين وبلاد الشام ، ومن غيرهم من بقايا إرم التي سميت آرام أو بقايا قوم عاد وثمود.
      الناحية الأخرى: أن اليهود جعلوا جوليات -يعني: جالوت - ضخماً وجباراً ومن العماليق؛ ليعظموا بذلك شأن داود عليه السلام وأنه قتله؛ ولذلك تجد في مواقع الإنترنت وغيرها التي تتحدث عن العمالقة لقطات من أفلام -هي ليس لها أصل من الحقيقة إنما هي أفلام خيال؛ سينما أمريكية- وضعوا صورة جالوت كإنسان عظيم ضخم الجثة، وداود مثل فتى صغير ضربه بالمقلاع ثم حز رأسه إلى آخر ذلك.
      هذا الوضع هو الذي جعل كثيراً من الناس يقولون: إن هذه كلها خرافات، ولا يوجد أصل صحيح لأجيال من العمالقة الضخام الجثة الذين تتحدث عنهم الكتب المقدسة.
      عندما ظهر النقد التاريخي للتوراة في القرن السابع عشر والثامن عشر كان من السهل على الناس أن ينفوا ذلك، وأن يقولوا بهذا الكلام, وأن ينفوا وجود عمالقة، ولما ظهرت نظرية التطور في منتصف القرن التاسع عشر كان سهلاً أيضاً عليهم أن يؤمنوا بها -أو كثير منهم- ويغضوا النظر عن كل ما يخالفها من كتب التاريخ، أو الحقائق التي يرثها الأبناء عن الآباء عن قبور العمالقة, وعن عظام العمالقة، وعما في ذاكرة البشرية من وجود هؤلاء البشر الضخام، وعن آثار في الأرض أيضاً تدل على ضخامة من كان قبلنا، كان هناك مرحلة تشاد وصراع وتطاحن بين العلم وبين الدين، فهؤلاء كلهم لم يبالوا على الإطلاق بما ذكر في هذه الأمور؛ وإنما ركزوا على الأهم؛ أن كل هذا خرافة فأبطلوه بجميعه، وليس لديهم معيار لمعرفة تفاصيله, وأخذ الحق وترك الباطل، أو لم يبحثوا عن معيار؛ لأنها مرحلة نفور, ومرحلة عداوة واشتداد، مثل مبارزة شد الحبل؛ كل منهم يريد أن يجر الآخر إليه مطلقاً دون أن يلتقي الجمعان أو الطائفتان على نقطة وسط.
      هذا ما يقرره إذاً التوراة وشروحها وما ألحق بها من خرافات وضعها التلموديون وغيرهم.
    2. الحقائق المتوارثة عند الشعوب عن وجود العمالقة

      في المقابل نجد أن هناك حقائق متوارثة عند كثير من الشعوب، التي لم تعترك معترك الدين والخرافة بهذا الشكل الذي وقع في أوروبا ، أو التي تأخذ بعض القضايا بعيداً عن الفلسفة السابقة واللاحقة لها.
      تقريباً كما تذكر الدراسات الأنتربولوجية: كل العلماء أو كل الباحثين وجدوا أن كل الشعوب في الأرض تؤمن بأن آباءنا وأجدادنا كانوا أقوى منا وأكبر منا، ويتحدثون عن آثار موجودة, وعن صخرة ضخمة كل منهم يقول: جد قديم -قد يسميه العوام هنا في جزيرة العرب أبو زيد الهلالي- هذه صخرته أو حذفته, أو هذه يده أو هذا بيته إذا كان كهفاً هائلاً ضخماً، وهكذا فكل أمة لها شيء من هذا يدرجه بعضهم تحت اسم: الفلكلورات الشعبية, بمعنى: أنه قد لا ينفيها بالمرة ولا يثبتها بالمرة؛ لكن هي تندرج ضمن ما تؤمن به الشعوب، ويقولون: إن الأساطير لا يعني: أنه ليس لها أصل, وليست أيضاً لها الصفة العلمية المطلقة، فلتُحلَّل.. هم يجمعونها لتُحلل أو يدرسها غيرهم, أو ليؤمن بها من شاء أو ليفكر بها من شاء, لا يهمهم هذا.
      على أية حال هناك أيضاً حقائق ملموسة مشاهدة بغض النظر عما يضيفه العوام أو غيرهم، هناك فعلاً أشياء ثابتة، وأثار عظيمة في الأرض موجودة وحية، وهناك قبور في أماكن كثيرة من العالم ضخمة وكبيرة تختلف عن غيرها، وهناك آثار عظام أو بالأحرى هياكل بشرية بعضها شبه سليم وبعضها عظامه واضحة أنها هيكل بشري، بضخامة يتعجب الباحث أو المطلع عليها، وهذه ثابتة!
      مثلاً: لو نظرنا إلى آخر ما توصل إليه الغرب بعد أن هدأت المعارك نسبياً في هذا القرن، والبحث الذي يدأب إليه الباحثون للبحث عن هذه المقابر -بغض النظر هل هم مؤمنون بنظرية التطور أو غير مؤمنين- نجد أن ذلك أنتج أشياء عجيبة! مثلاً: هناك ما يسمى القبور العملاقة, طول بعضها يبلغ خمسين متراً مثلاً، بعضهم وجدوا بعض الجثث التي وجدت من العمالقة تزيد على مائة قدم كما قال شامبليون , يعني: ثلاثة وثلاثين متر تقريباً أو أكثر، بعض الناس يتخيل عشرين قدماً, بعضهم ذكر ستة عشر قدماً، إلى أنه قد لا نصدق؛ لكن بعضهم ادعى أنه قابل قبيلة من العمالقة في محيط نهر الكنغو, وطولهم ثمانية عشر متراً.
      لكن يوجد أشياء ثابتة بالفعل ومصورة ومؤكدة, وهي: أنه بالفعل هناك قبور عملاقة كبيرة؛ حتى لو كان بعضها تسعة أمتار -كما يقولون: إنها قبور الأنبياء أو ما أشبه ذلك- فهي أيضاً قبور كبيرة, والعظام التي فيها تدل على ضخامة في الخلقة، وهناك أيضاً آثار عظيمة لا يمكن أن تنسب بنايتُها إلا لأناس من النوع الذي فعلاً يتمتع بقدرة بشرية خارقة؛ لأننا نكاد نجزم أنه لم يكن لديهم وسائل للرفع والنقل والحمل، أو الوسائل الهندسية والتقنية التي تجعلهم يبنون هذه المآثر العظيمة إلا بهذا الافتراض؛ قوة بشرية ضخمة.
      عندما ننظر إلى ما هو ثابت -على سبيل المثال- في الولايات المتحدة الأمريكية ؛ الهواة من جهة, والمحترفون من جهة؛ أصبحت مهنة البحث عن العمالقة وعن قبورهم أمراً رائجاً علمياً وهو هواية عند الهواة، لا تكاد توجد ولاية من الولايات المهمة في أمريكا إلا واكتشف فيها بالفعل, ووضع في متحفها بالفعل العظام أو الدفائن التي وجدت, والتي تدل على ضخامة هذا النوع البشري الذي وجد فيها؛ فهناك مثلاً: عمالقة بنسلفانيا .. عمالقة كولورادو .. عمالقة ألاسكا ، كل منطقة لها عمالقتها الذين وجدوا بالفعل، مع أنه تقريباً عندهم شبه مؤكد أن الإنسان لم يعبر إلى أمريكا إلا بعد انحسار العصر الجليدي، يعني: قرابة عشرة آلاف إلى اثني عشر ألف سنة بالكثير.
      ففي هذا الزمن التاريخي يمكن أن تكون أحجام هؤلاء البشر بهذا الشكل، وربما يكون هناك ما هو أقدم من ذلك؛ لكن في أوروبا مثلاً طبعاً أقدم بكثير، القبور الأكثر طولاً وعرضاً أو العظام الأكثر لا تزال في أوروبا ، وأكثر من ذلك ما وجد في وسط آسيا ، وبالمناسبة: العالم كله وأكثر الناس يتوقعون أن جزيرة العرب هي الأكثر احتمالاً؛ لأنها مهد الإنسان الأول عند أكثر العلماء, ولأنها -وهذا ثابت- موطن قوم عاد.
      ومن هنا البعثات الأثرية الحقيقة أنها قليلة -والحمد الله على ذلك؛ لأنها يمكن أن تشوه أي شيء, فليست جزيرة العرب مسرحاً لأي بعثة من البعثات وخاصة في الفترة السابقة- لكن عموماً هناك احتمال كبير بوجود هذا، مما روَّج الأكاذيب والأساطير؛ ومنها: ما ظهر قبل فترة من الفترات على مواقع في الإنترنت أن شركة أرامكو عثرت على جثة عملاق، وبعد ذلك تبين أن هذا أكذوبة، وكان مكتب العلاقات في شركة أرامكو على اتصال دائم لمراسلة كل الناس في الإنترنت وغيره؛ لتبين أنه لا حقيقة لهذا الأمر.
  3. العمالقة في المنظور الإسلامي

     المرفق    
    فلنعد إلى تاريخنا الإسلامي, وإلى ما ذكره علماؤنا, حيث لا إشكال بين الدين وبين العلم، ولا بين العقل والتجربة, ولا شيء من ذلك، إنما هي حقائق تؤخذ في غاية البساطة, وفي غاية الوضوح. أولاً: ما الذي يجعل هذه الحقائق بسيطة؟! القول أو الاعتقاد بأن هناك من هم أشد منا قوة, وأشد منا بطشاً, وأعظم أجساماً, وأطول أعماراً! هذا ليس فقط معتقداً عربياً أو تقليداً عربياً توارثوه وثبت لديهم! ‏
    1. إثبات العمالقة من القرآن الكريم

      جاء القرآن الكريم فأكده في مواضع كثيرة, وأصبح مما يقرؤه الصغير والكبير؛ أن الذين قبلنا كانوا أشد منا قوة, وأشد منا بطشاً, و(( وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوْهَا))[الروم:9], يعني: على الأقل من نزلت في أيامهم هذه الآيات, (( وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ ))[سبأ:45], هذا عام (ما أتيناهم)، والمعشار يقول العلماء: عشر العشر، وما ذكر الله تبارك وتعالى عن قوم نوح وقوم عاد -وبالذات عن قوم عاد- كل هذا يعطي المسلمين قناعة بأن القرآن يدل على ذلك؛ فلا يحتاج إلى جدال, ولا يحتاج إلى استشهاد بآثار أو بغير آثار.
    2. إثبات العمالقة من السنة النبوية والآثار

      يأتي أيضاً الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله تبارك وتعالى خلق آدم على صورته طوله ستون ذراعاً), فيبين الحديث أن طول آدم عليه السلام كان ستين ذراعاً, وهذا حديث صحيح لا شك في ذلك.
      ثم تأتي أيضاً الأحاديث والآثار عن الصحابة وعن التابعين وعن الوقائع التاريخية أيضاً التي تؤكد أنه فعلاً ولا شك في أن هؤلاء كانوا ضخام الأجسام, وبالذات قوم عاد؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: (( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ))[الأعراف:69], وكما جاء في الآية الأخرى: (( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ))[الفجر:6-7], فهو زادهم بسطة ولم يخلق مثلهم في البلاد! هناك ميزة واختصاص لقوم عاد في هذه القوة, وفي هذه الضخامة، حتى أنه لما أهلكم الله تبارك وتعالى شبههم: (( كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ))[الحاقة:7], والنخل معروف ضخامته وطوله، وهذا دليل على ضخامة أجسادهم أيضاً.
      إذاً نستطيع أن نقول: من خلال ما هو ثابت ديناً وتواتراً في التاريخ -وأيضاً وقائع سنذكر لكم بعضها الآن إن شاء الله تعالى- أنه لم يكن هناك أي إشكالية عند الناس في أن قوماً قبلنا كانوا أكبر منا, وأعظم منا, ولا سيما قوم عاد.
  4. وجود العمالقة يبطل نظرية التطور

     المرفق    
    تبقى قضية الآثار؛ ثبت أن عاداً بنت الأهرام أو بنت في اليمن أو بنت في تدمر لا إشكال فيها، فهذه قضايا بحثية يبحثها أي إنسان، ويبحثها العلم.. ويبحثها التاريخ، وربما البشرية حتى الآن لم تصل في البحث إلا إلى مستوى بسيط جداً؛ لكن ليست هذه مشكلة, فالمهم ما يتعلق بنظرية التطور, فلا شك أنه عندما يثبت وجود هذه الأمم بهذا الشكل يبطل نظرية التطور بنوعيها أو بشقيها: العضوي, والفكري.
    1. إبطال نظرية التطور العضوي

      أما العضوي فيبطل؛ لأنه حتى الآن لم يثبت وجود أي حلقة من الحلقات المفقودة أو الموصلة ما بين جنس وجنس، يعني: ما بين النباتات والأحياء, ثم ما بين -مثلاً- رتبة الأسماك والبرمائيات، ثم البرمائيات والأسماك والطيور، ثم الطيور إلى الثديات.. لا يوجد شيء يثبت هذا! فالموجود إما هذه الأجناس مستقلة منفردة كما نشاهدها اليوم، وإن وجد فهو شيء ضئيل جداً؛ هو ما يكون تشويهاً خلقياً, والتشويه لا يعتبر حلقة، الداروينية أرادت أن تحشر أو تحاول البحث عن أي خلق مشوه لتجعله حلقة وصل، وافتروا في سبيل ذلك ما أشرنا إليه في الحلقة الماضية؛ أن اصطنع بعضهم جماجم معينة وفكاكاً معينة, وقد ثبت الآن بعد خمسين سنة أو أكثر أنها كانت مفتعلة.
      إذاً: عندما يثبت وجود هؤلاء العمالقة الضخام فهو يؤكد تأكيداً قطعياً ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم, وما لمح وأشير إليه أيضاً في التوراة من قبل: أن هذه الأمم السابقة أعظم منا, وأنهم خلق مستقل خلقه الله تبارك وتعالى, وأبعد ما يكون عن الحيوان.
    2. إبطال نظرية التطور الفكري

      كذلك من ناحية التطور الفكري يصبح أن هؤلاء الذين بنوا هذه الأبنية وشادوها, وكتبوا عليها ودونوا عليها, وبعضها لا يزال محفوراً ومعروفاً, وبعضها لم يعرف بعد، هم كانوا بالفعل على دين, وعلى معرفة بالله سبحانه وتعالى, وعلى إيمان باليوم الآخر، وإن كان بعضهم يغلب عليه الشرك، ولكن يمكن أن تكون هناك فرضية نطرحها ونعتقد صحتها؛ وهي: أن بعض العبارات الشركية, وبعض المخالفات هي تأويل أو إضافات على النصوص الأصلية التي كانت للبعض! لا نقول: إن كل ما كتب من نقوش كتبها موحدون؛ لكن نقول: الموحدون كتبوا, ويأتي من بعدهم فيضيف أو يعدل. وهذه الكعبة بيت الله الحرام بناها إبراهيم عليه السلام على التوحيد, ومع ذلك نجد أن العرب ملأوها ووضعوا فيها الأصنام؛ فلو جاء من يبحث في الآثار, وقال: هذه الأصنام وضعها إبراهيم لكان كاذباً! بل إنهم صوروا إسماعيل عليه السلام وهو يستقسم بالأزلام، وكذبهم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك, فما كان ليفعل ذلك, فما يضاف إلى الآثار أو الأبنية الموجودة لا يمكن أن يحسب أنه أصل هذا البناء. الكتابات التي على الأهرامات أيضاً لا يمكن أن نقول: إنها فعلاً تعود إلى الفرعون الذي كُتبت ونسبت إليه هذه الكتابات. إذاً: هذا يؤكد أن البشرية في تاريخها كله الطويل القديم كانت على التوحيد, وعلى استقامة في الخلْق والخُلق, والفكر والدين والاعتقاد، ولكنها تهبط فيأتي الله تبارك وتعالى إليها بالرحمة, وهم الأنبياء يُنزل عليهم الوحي فيرتفع بهم، ثم تَنْزل ثم يأتي بالأنبياء وهكذا؛ حتى جاء الدين الخاتم الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ليظهره على الدين كله, وسوف يظهر على الدين كله بإذن الله تبارك وتعالى.
  5. نماذج وصور مؤكدة لوجود العمالقة

     المرفق    
    الآن نذكر بعض التفاصيل التي يمكن أن تعيننا وتوضح لنا كيف يمكن للعقل البشري بالبحث المجرد أن يصدق الوحي, وأن يكذب بالأساطير وبالخرافات.
    واختصاراً رأيت أن أنقل من بعض المصادر التاريخية المعروفة، على سبيل المثال: عندنا الخطط المقريزية نقل عن المسعودي وعن غيره ممن سبق، نذكر مجموعة -بعضها آثار ثابتة, وبعضها قد تحتمل وبعضها لا تحتمل- كنموذج للحقيقة في الإسلام أنها يُبحث عنها, ولا يجزم بها ولا يقطع إلا بما جاء به الوحي المعصوم, أو كان الدليل العقلي قاطعاً فيه؛ لكنها على أية حال تذكر، ولا إشكال في ذكرها, ولا تؤثر على من ذكروها لا المسعودي ولا الأقريشي ولا المقريزي ولا غيرهم ممن ذكر شيئاً من هذا.
    1. صور مما ذكره المقريزي

      مثلاً: عندما يتحدث المقريزي في الخطط أنه عثر في بعض المقابر وأخرج منها جمجمة عظيمة، ووضعت على عجلة يجرها ثوران مثلاً كقضية من القضايا.
      وعندما يتحدثون أنه كان في الإسكندرية ضرس إنسان عند قصاب يزن به اللحم زنته ثمانية أرطال!
      وعندما يذكر -وهذه إشارات فيه نوع من الأهمية ثبتت- أن أعمدة الإسكندرية بناها من قوم عاد رجل يقال له: البتون بن مرة العادي , وأنه حملها من جبل جهة أسوان حتى أوصلها إلى هناك.. هذا كلام؛ لكن هل نرى له احتمالية؟!
      سنرى فيما بعد أن عمالقة من قوم عاد وثمود كانوا هم الذين حملوا الحجار الضخمة تحت إبطهم, وقد يكون بالعربات، المهم حملوها من المناطق التي تبعد مئات الكيلومترات من مقاطع أو محاجر الأهرام؛ حتى بنوا بها الأهرام, وبنو منها منارة بـالإسكندرية, وبنوا منها آثار تدمر , أو بنوا منها آثاراً بـ اليمن .
      الحقائق هذه كلها تؤكد في النهاية أن أصل الحضارة هو جزيرة العرب، وأن الجزء الجنوبي من هذه الجزيرة الطيبة المباركة هو أصل الحضارة العالمية، وأول ناطحات سحاب بنيت -ولا تزال موجودة ومبنية- في اليمن ، وما يوجد في الشام و العراق فهو لأن هذه الشعوب -ومنها الكنعانيون والفينيقيون وغيرهم- أصلاً هاجروا من اليمن ، والتشابه في الأسماء الموجودة وبوضوح في اللغات ما بين اللهجة اليمنية وأماكن في صنعاء وما حولها، وبين ما يوجد في الشام و العراق وغيرها هو أيضاً مما يدل على أن أصل الحضارة المعروفة والمشاهدة: هو في هذه الجزيرة, وفي جنوبها بالذات.
      المقصودك أنه ذكر أسماء وأعمدة مأرب و بينون ومآثر اليمن .. إلى آخره، كل هذا مما يدل على أن هناك قدراً من الحقيقة.
      ثم يقول المقريزي رحمه الله: وكأني بمن قل علمه ينكر علي إيراد هذا الفصل -بعدما ذكر فصلاً طويلاً في هذا- ويراه من قبيل المحال, ويكذب به, لا يوحشنّك ذلك! اسمع قول الله تبارك وتعالى عن عاد قوم هود: (( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ))[الأعراف:69], أي: طولاً وعظم جسم, وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: [كان أطولهم مائة ذراع, وأقصرهم ستين ذراعاً].
      (( وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً )), قيل: كانت على خلق آبائهم, وقيل: على خلق قوم نوح، ويحتمل أنه زادهم في الخلق عن الأمم المحيطة بهم، ثم ذكر أيضاً وهب بن منبه و ابن لهيعة وغيرهم أن الوحوش كانت تضع أولادها في قحف العين للعماليق!
      على كل حال إذا كانوا بهذا الطول؛ فلا يستبعد أن الوحوش فيما بعد إذا وجدت مقبرة تضع أولادها في مثل هذا؛ ولا غرابة, وقد كان الناس -كثير منهم- لم يصدقوا أن أبا عبيدة رضي الله تعالى عنه جمع بعض الصحابة في قحف عين الحوت، أو أن البعير سار من تحت ضلعه، والآن اكتشف الناس وعرفوا أن الحوت الأزرق هو أضخم من الفيل بعشرة أضعاف! وأن هذا الكلام عادي جداً, كما وقع في أيام الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وهكذا تتضح الحقائق ولو بعد حين.
    2. صور مما ذكرها الأقريشي

      هناك شيء من الطرافة فيما نقله عن الأقريشي -في باشقرد أو في مناطق من أواسط آسيا - أن هناك نوعاً من العمالقة؛ ولكن بشكل أقل, يقول: فك الرجل منهم سبعة عشر ذراعاً, بعضهم يقول: أربعة أذرع.. ثلاثة أشبار, ليست مشكلة, وإنما بشكل معقول قريب جداً مما ذكره ويل ديورانت في قصة الحضارة، وقريب من القبور التي نحن رأيناها بأنفسنا هنا في جزيرة العرب, وفي منطقة الجنوب حيث وقفنا عليها، فهي فعلاً قبور كبيرة, ليست مثل قبور هذه الأمة، ولكنها ليست أيضاً بالضخامة الهائلة التي تحدث عنها الغربيون, يعني: خمسين متراً أو أربعين متراً, وإنما هي تقريباً أربعة أمتار، تقريباً يمكن يكون طول الرجل منهم ما بين مترين ونصف إلى ثلاثة أمتار, والله تعالى أعلم؛ لكنها قبور متميزة وموجودة, ووقفت عليها بنفسي أيضاً.
      على كل حال؛ هناك من يتحدث عن صنف من هذا النوع كان موجوداً في أيام الأقريشي ، و المقريزي يضيف ويقول: أنا أدركت شيئاً من ذلك، وذكر قصة وقعت أيام السلطان الظاهر برقوق ، وأن ناساً اختلفوا في ترِكة, وأنه وجد رجل ضخم الجثة في مصر , الآن أصبح الحديث عادي جداً في هذه الأمور, وأن ما يوجد في مصر وغيرها أكثر بكثير مما كان يتخيل أو كان يُظن، بعد أن تفرغ الباحثون والمختصون, وبدءوا ينقبون في كل مكان, لعلنا نذكر طرفاً منها إن شاء الله تبارك وتعالى.
    3. صورة ذكرها عبد الله بن المبارك

      لكن نحب أن نوضح من مصدر ثقة, وهو أن الإمام المجاهد العلامة العابد: عبد الله بن المبارك رضي الله تبارك وتعالى عنه، وهو مَن نعلم قيمته, وما ورد في فضله، أُوتي في أيامه بأسنان يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء -الجزء الثامن المحقق صفحة أربعمائة وسبعة عشر-: قال أبو إسحاق الطالقاني كنّا عند ابن المبارك فانهد الحصن -حصن كان لديهم- فأوتي بسِنَّين -عظام أسنان- فوجد وزن أحدهما مَنوان, يقول المحقق: أن المنوان.. المنا: 8,10 , يعني: المنوان يزنان حوالي كيلوين إلا ربع أو شيئاً من هذا.
      يقول: فأنشد عبد الله بن المبارك رضي الله تعالى عنه في هذه السن شعراً يقول:
      أتيت بسنين قد رمتا من الحصن لما أثاروا الدفينا
      على وزن منوين إحداهما تقل به الكف شيئاً رزينا
      ثلاثون سناً على قدرها تباركت يا أحسن الخالقينا
      فماذا يقوم لأفواهها             وما كان يملأ تلك البطونا
      يعني: كيف تأكل هذه الثلاثين سناً والواحد منها ملء الكف؟!
      إذا ما تذكرت أجسامهم تصاغرت النفس حتى تهونا
      وكل على ذاك ذاق الردى فبادوا جميعاً فهم هامدونا
      رضي الله تعالى عنه.
      هذا مما يؤكد الشيء المهم؛ أنه مثل هذا كان أمراً عادياً ومعروفاً.
    4. نموذج مما تحدث به الباحثون عن قصة الحضارة

      لما نرجع إلى ما تحدث به الباحثون نجد مثلاً أن في قصة الحضارة -نفس المنطقة تقريباً التي كان يسكن فيها الإمام عبد الله بن المبارك- يتحدث ويل ديورانت أن من أقدم الأماكن الحضارية أو ما يقول به الكثير منهم، أن موطن الإنسان القديم العملاق كان في وسط آسيا ، هناك من يقول: تركيا , وهناك من يقول: الحبشة , لا اعتراض لنا على هذا، المهم أن نعتقد ونقول: أنها جزيرة العرب؛ لكن امتدوا في الأرض, وامتدوا في الآفاق.
      فيقول: إن مدينة يكترا مساحتها يمتد قطر دائرتها اثنين وعشرين ميلاً, يعني: أكثر من خمسة وثلاثين كيلو! يعني: مدينة في تلك الأزمان السحيقة -البعض يرجعها إلى تسعة آلاف سنة قبل الميلاد - يعني: أحد عشر ألف سنة من الآن أو نحو ذلك, ويكون قطرها خمسة وثلاثين كيلو متر!
      ثم يذكر عِظَم الآثار التي وجدت -طبعاً حتى لو قدرناها أنها أربعة آلاف متر كما يرى هو وغيره- المهم أن هناك شيئاً بالفعل يشد الانتباه والنظر في تلك المناطق, ولو نقب -وقد بدأ بعد انهيار الشيوعية بالتنقيب أكثر وأكثر- لوجد أعظم وأعظم, مما يدل ويؤكد قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى خلق آدم طوله ستين ذراعاً؛ فما زال الخلق ينقص).
      فمعنى ذلك: أن هذه الأمم العظيمة التي عاشت سواء كانوا في أواسط آسيا أو في تركيا أو في اليمن أو في بلاد الشام أو في أي مكان؛ أنهم فعلاً أمة عظيمة هائلة وجدت, وأنها كانت على هذا القدر من العظم والخِلْقة.
  6. الأهرام

     المرفق    
    تبقى قضية الآثار، وأعظم الآثار تقريباً -ويمكن أن نقول ذلك بدون جدال- في العالم كله هي الأهرام -وسيأتي إن شاء الله تعالى عند ذكر الفراعنة تفصيل لهذا, فنحن الآن فقط نلمح إلماحة- أعظم ما يقال من الآثار في العالم وهي حقاً عجيبة ومدهشة؛ بل لم تنته أعجوبتها بعد هي الأهرام, وما يوجد في مصر من المسلات والأعمدة والمعابد، حقيقة أن الأسرار -كما يقال- في الأهرام, واكتشاف اللغات, واكتشاف العقائد والأساطير المحيطة بها شيء ضخم جداً، حتى أن إحصائية أجريت في أمريكا تشير إلى أن عشرة ملايين أمريكي -وهي قد مضى عليها عدة سنوات- يعتقدون ويؤمنون بأسرار غيبية للأهرام، والبعض يعتقد فيها اعتقادات -تعالى الله عما يشركون- شركية؛ من دعاء الأموات, ومن الاستشفاء بها, ومن اعتقادات باطلة أخرى.
    المهم أن من زارها من الأمريكيين, واعتقدوا فيها يبلغون عشرة ملايين فضلاً عن غيرهم من شعوب العالم، ولك أن تتخيل هذه الأهمية لهذه الآثار.
    ذهبت النظريات فيها شتى؛ كيف بُنيت؟ ومن بناها؟ لا يهمنا الآن هذا, -وسيأتي له إن شاء الله شيء من التفصيل عندما نتكلم عن الفراعنة, ونأتي في موقعهم التاريخي- الذي يهمنا الآن فيما يتعلق بهذا هو أن نقول: علاقة هذا بقوم عاد، فمن المحتمل جداً أن يكون الذين بنوها هم فعلاً قبل ما يعرف الآن من التاريخ الفراعنة -قبل الميلاد بـ1300 أو 1400سنة أو ما أشبه ذلك, على ما سنوضحه إن شاء الله تبارك وتعالى- يحتمل أن تكون بالفعل من آثار قوم عاد أو الأمم العظيمة القوية.
    ولنا أن نستأنس هنا ببعض ما كتبه بعض الباحثين المعاصرين؛ من ذلك الأستاذ: محمد سمير عطا ؛ فهو ذكر أو نص على أن قوم عاد هم الذين بنوا الأهرام، والدليل على ذلك: وجود آثار لهؤلاء العملاقة، آثار وجدت في مصر -طبعاً في عدة أماكن؛ منها في المعادي ومنها في سوهاج ومنها في منطقة جنوب الأقصر أو الكرنك- هياكل عظمية طول البعض ستة عشر متراً، ويربط هذا بقضية أنه لا يمكن أن يكون الذين بنوا الأهرام هم الفراعنة الذين نحتفظ بمومياءاتهم، وهم بالشكل القريب من شكلنا الحالي -هم مثلنا بالضبط تقريباً- إنما هم قوم أكبر من ذلك، وهناك قضايا أخرى في التقنية في نقل الحجارة.. في تقطيعها.. في ترتيبها، قضايا كثيرة جداً تشعرك بأن أمة عظيمة هي التي بنت ذلك، وأن ملايين العمال في حجمنا الحالي لا يستطيعون أن يبنوها في المدة التي ذكرها هيرودوت , وفي النهاية أن الرمال غطت كثيراً من الآثار، ما لم تغطه الرمال واكتشفه الفراعنة كتبوا أسمائهم عليه كأنهم بنوه، وما غطته الرمال واكتشف حديثاً الآن وجد أنه ليس لهم كتابة عليه؛ مثل: أبي الهول، فهذه في تقديرات الباحث الأستاذ: محمد سمير عطا تؤكد أن الذي بناها هم قوم عاد، وأن الله تعالى سلط الريح عليها, وأنها ليست كما تنسب أو كما يدعي الفراعنة.
  7. الوحي الصادق من الكتاب والسنة هو الحق

     المرفق    
    على أية حال؛ الذي يهمنا نحن في هذا الموضوع هو أن الله سبحانه وتعالى عندما ذكر قوم عاد وعِظم خِلقتهم، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم عِظَم خِلقة آدم عليه السلام، وأن ما نعتقده في القرآن وفي السنة من هذه الأمم العظيمة التي قبلنا وما ممكنهم الله تبارك وتعالى فيه، وما بنوه في اليمن و الشام و العراق ووسط آسيا وغيره، وما هو موجود من قبورهم وعظامهم وآثارهم، كل ذلك يؤكد حقيقة عظيمة جداً وهي: أن الوحي الصادق الذي جاء في القرآن والسنة هو الحق.
    أما الخرافة التي أضيفت إلى الوحي القديم كما أضيفت قصة عوج بن عنق أو غيره إلى ما ذكره، حتى في كتب التفسير الإسلامية بعض الإسرائيليات؛ هذه نشطبها ونلغيها, ولا نقرها ولا نؤمن بها.
    تتضح الحقيقة ناصعة بين ما يدعيه أهل نظرية التطور وبين ما يدعيه المخرفون أو أهل الأساطير والتهاويل والإسرائيليات وغيرها، وهي حقيقة تقوم على ظاهر القرآن الكريم, وعلى السنة النبوية الصحيحة، وأن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الإنسان خلقاً مستقلاً وكرمه وفضله، وأعطاه هذه القوة والضخامة، وكان من قبلنا ضخام الأجسام وطوال الأعمار، وعوضنا الله تبارك وتعالى والأجيال اللاحقة بالقوة وبالفهم وبالعلم، بالتراكم المعرفي لدى البشرية حتى أصبحنا في الوضع الذي نحن الآن عليه.
    نختم هذا اللقاء المبارك إن شاء الله ببعض الطرف -المفيدة أو شيء من هذا- وهو أنه أجري استفتاء في أمريكا عن الإيمان بهذه الهياكل العظمية والمخلوقات القديمة والعمالقة؛ فكان هناك من يؤمن بها، وهناك من يقول: إنها بقايا حيوانات، وهناك من يقول: إنها مشوبة بالأساطير، وطبعاً هناك من يتردد, ومن يتوقف.
    إذاً: المسألة لا قطع فيها ولا جزم فيها إلا ما جاء في الكتاب وما جاء في السنة الصحيحة، وما هو متواتر ومشهور عند أهل التاريخ, وعند كافة الشعوب من عظم الأمم التي قبلنا, وما تدل عليه آثارهم لنا.
    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الاعتبار بهذه الآثار والأحوال, وأن يجعلنا ممن يستمعون الحق ويستمعون القول فيتبعون أحسنه.
    وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.