المادة كاملة    
في هذا اللقاء يستكمل الشيخ حديثه عن التقويم الإسلامي مقارنا إياه مع غيره من الانحرافات لتتضح أكثر حقيقة المنهج الصحيح للمعرفة.
قدم لحديثه عما شرعه الله تبارك وتعالى وكان الأنبياء على الملة القويمة ومن انحرف عنها حتى اجتاح العالم أو يكاد التقويم الغربي.(الجيورجري).
ثم تحدث كمدخل للموضوع عن رسوخ الوجدان الديني عند الشعوب مهما انحرفت، وكذلك عن البدع والانحراف إذا خضعت الأمور الدينية للأهواء والذي تضرب النصرانية مثالا شنيعا عليه، وأورد بعضا منها وشيء من الفوضى العبادية والمنطقية.
بعد ذلك تناول قضية التقويم الإسلامي مؤكدا على أنه هو الصحيح والمنضبط، ومقارنا إياه مع تقويم أوروبا والنصرانية ونتيجة ذلك. ثم أورد ما يثبت أن التقويم علم نبوي أصله وحي من الله تبارك وتعالى كما جاء في حديث هرقل، وأن المسألة ليس تنجيما، وإنما هو من التاريخ النبوي ومما علمه الله تعالى للناس، ويُعرف ذلك بالتقاء النجوم.
ثم انتقل للحديث عن أن كل حضارة لها تقويمها الخاص بها ولها طقوسها وأعيادها المختلفة ولا بد من مرجع عام يتفقون عليه وهو ما يمثله الوحي المحفوظ، وأورد بعض الأمثلة على ذلك:
التقويم العبري، تقويم بعض طوائف الهند، تقويم الصين، الحبشية، اليابانيون الذين لم يحلوا المعضلة برغم والتطور والدقة لو أن المسألة تحسم بالعقل والدقة!
وبعد استعراضه لهذه الأمثلة وضح أنه لا بد للناس أن يتمسكوا بمنهج الوحي، وما أتيح للعقل البشري المجال فيه فلهم أن يضعوه كما يشاؤون، لكي تتظافر العقول بنور الوحي وتكمل حياة البشر وتستقيم أديانهم على الوحي ودنياهم على العقل الصحيح.
 العناصر:
1.مقدمة
2.تقويم الأنبياء لأممهم والانحراف عن ذلك.
3.مدخل للموضوع 
-رسوخ الوجدان الديني
-خضوع الأمور الدينية للأهواء النصرانية كمثال.
4.دقة التقويم الإسلامي ومآل الابتداع
5.التقويم علم نبوي الأصل
6.كل دين أو حضارة لها تقويمها
7.الخاتمة
 
  1. بيان أن الحديث عن التقويم الغير متعلق بالتنجيم

     المرفق    
    الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم, مالك يوم الدين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: أيها الإخوة والأخوات! فقد كان موضوع اللقاء الماضي هو التقويم, ونعني به: كيف تحسب الأمم القديمة -ومنها هذه الأمة- حسابها, وتعرف مواقيتها الدينية والدنيوية، وهنا ننبه إلى أن ما يتعلق بالتنجيم -وهو هذا الداء الخطير الذي تفشى في الأمم القديمة ولا يزال في الأمم المتحضرة كما تسمى- لن نتعرض له الآن, ولم نتعرض له في الحلقة الماضية، أي أن الكلام محصور في الفائدة المرجوة الدنيوية في التاريخ، يعني: الفائدة من التاريخ من حيث هو تاريخ، لا من حيث ما عُلق بالنجوم والكواكب مما لم يخلقها الله تبارك وتعالى لأجله، ولا شأن لها به إلا الخرافة والأوهام والشياطين وإضلالهم لبني آدم، كما حدث لقوم إبراهيم عليه السلام وغيرهم. هذا الموضوع -أعني: موضوع التنجيم- قد يأتي له إن شاء الله تبارك وتعالى حلقات نوضح فيها أصله وحقيقته وحكمه الشرعي.
  2. تقويم الأنبياء لأممهم والانحراف في ذلك

     المرفق    
    إذاً: نحن نتحدث هنا عن التقويم فقط من حيث إنه وضع أو اصطلاح لدى كثير من الأمم، وضعته مع أن الله سبحانه وتعالى قد شرع لبني آدم جميعاً, وكان الأنبياء جميعاً على ملة واحدة في هذا الشأن، كما هو ثابت الآن من العلوم المتقدمة السابقة؛ فكان الناس -منذ عهد البابليين ثم العبرانيين ثم جاءت الأمة الإسلامية- على ملة قويمة, وإن انحرف عنها من انحرف، وهذه الملة: هي اعتبار اليوم طبيعياً من غروب الشمس إلى غروبها، واعتبار الأسبوع عددياً؛ وهو سبعة أيام؛ وهذا لا يُعلم إلا بالوحي، والأمم التي لا تعرف الوحي, ولا تعرف التدين أو بعيدة العهد بذلك -لأنه ما من أمة إلا خلا فيها نذير- لا تعرف الأسابيع، وقد ذكر ذلك العلماء من قديم, كشيخ الإسلام ابن تيمية و المقريزي في الخطط وغيرهم، ولا يزال هذا معروفاً عند الأمم إلى اليوم.
    ومن ناحية أخرى اعتبار الشهر طبيعياً؛ وهو ما بين ظهور هلالين بناء على الرؤية طبعاً، واعتبار السنة عددية، وبذلك تكتمل الصورة, أو يكون الجمع بين أماثل وأفاضل التقاويم الموجودة، كل ذلك كان معروفاً لدى الأمم جميعاً, حتى -مع الأسف الشديد- اجتاح العالم الآن في عصر العولمة وفي عصر الانفتاح الإعلامي أو كاد يجتاحه وأن يطغى أو يراد أن يطغى تقويم من هذه التقاويم على الأخرى، وهو التقويم الوضعي الاصطلاحي، الذي لا مشاحة في الاصطلاح إذا كان موافقاً للحقيقة؛ فنحن قلنا: إن السنة الشمسية هي في الحقيقة عددية اصطلاحية لا إشكال في ذلك؛ لكن الإشكال هو أن ما اعترى ديانة النصارى وغيرهم من الأمم من تحريفات أصبحت علامة وسمة مميزة لها عن سائر الأمم!
    يعني: هنا يصدق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لكل قوم عيداً), ومعنى ذلك: الاختصاص، فكل أمة لها أعياد.
    الأعياد هي أبرز ما في التقويم, وكل أمة لها ما يختص بها، فإذا أردنا أن نركب تاريخ أمة على أمة، فمعنى ذلك: أننا مسخنا هوية تلك الأمة وألبسناها ثوب غيرها، مع أن هذا لو كان من بقايا الكتب القديمة أو الشرائع القديمة المنسوخة لما كان جائزاً؛ فكيف إذا كان من بقايا البدع والضلالات التي أحدثت في تلك الأديان وابتعدت بها كثيراً عن الأصل الرباني؟!
  3. رسوخ الوجدان الديني لدى الأمم

     المرفق    
    هناك مدخل لهذا الموضوع مهم جداً التنبيه عليه؛ وهو: أن العالم مهما ابتعد عن التدين فإن التدين يظل راسخاً في وجدان البشر, وفي مشاعرهم, وفي أحاسيسهم؛ بحيث إنه لا يمكن أن يغلب الاصطلاح على الدين، ومن هنا تمتزج الشعائر أو الطقوس الدينية بالأمور الاصطلاحية الوضعية في تشكيل هوية أو ثقافة أي أمة من الأمم.
    في غير التقويم على سبيل المثال: شعائر النكاح أو ما يتعلق بالنكاح تبتعد فيه الأمم كثيراً عن التدين؛ لكن يظل أن شعائر النكاح ومراسيمه دينية، ومثل ذلك: شعائر الموت والجنائز، فكثير من الأمم ابتعدت عن التدين فيه؛ لكنها تظل محتفظة بهذه الشعائر.. وهكذا، حتى ما يتعلق بجانب التشاؤم؛ فكثير من دول الغرب التي لا تؤمن بـ النصرانية من قرون, ولا تتعبد بها رسمياً؛ ومع هذا لا يوجد في طائراتها ولا في فنادقها رقم ثلاثة عشر الذي هو عندهم رقم مشئوم.
    وبالمناسبة هناك قصة واقعية؛ ولكنها طرفة من الطرائف التي وقعت في الغرب، والتي تؤكد رسوخ الوجدان الديني مهما كان، وهو أنه لما قامت الثورة الشيوعية في عام (1917م) في روسيا , وحكم لينين , وأقيمت احتفالات ضخمة هناك جاء أكبر شاعر من شعراء الروس أو من أكابرهم ليثني وليمدح قادة الثورة, وهم واقفون أمام الجماهير، فما وجد كلمة أو تعبيراً يمدحهم به أفضل من أن يقول عن لينين ويشير إليه: كأنك المسيح وحولك الحواريون! -وكان عدد أعضاء الثورة على عدد الحواريين فعلاً- فنكس لينين رأسه ومن حوله كذلك، وهزتهم هذه الكلمة الغريبة؛ لأن الدين -وهو المسيح- كان العدو الأول للثورة.
    الشاهد: أن الوجدان الديني الإيماني يظل عند الشعوب مهما أرادت أن تنحرف، أو مهما حاولت الفطرة أن تنحرف، فمن هنا يجب أن يكون الدين كما شرع الله تبارك وتعالى في أي مرحلة من المراحل, وفي أي عصر من العصور، فالدين أو ما يحتاج فيه إلى الوحي المعصوم يجب أن يكون نقياً بعيداً عن البدع وعن الشوائب.
  4. خضوع الأمور الدينية للأهواء.. النصرانية كمثال

     المرفق    
    أما ما خلقه الله تبارك وتعالى ووكل علمه للبشر, وأمرهم أن يسيروا في الأرض, وأن يسعوا فيها, وأن يبحثوا وأن ينظروا وينقبوا فليفعلوا ما شاءوا؛ لكن لا يدخلوا هذا في هذا، فإذا خضعت الأمور الدينية لأهواء الأباطرة والملوك أو الأحبار أو الرهبان أو الثورات أو ما أشبه ذلك فإننا نجد هذا التقلب العجيب الذي حصل, والذي تضرب الديانة النصرانية مثالاً شنيعاً عليه في هذا الشأن.
    فالدين النصراني الذي اعتنقته الإمبراطورية الرومانية بعيد جداً عما جاء به المسيح عليه السلام بسبب هذه البدع، ومنها: ما يتعلق بالأعياد والصيام، ونحن الآن نتحدث بما له علاقة بالتقويم؛ لأن الأعياد والصيام وكثيراً من أمور العبادة مرتبطة به، فحصلت فيه ضلالات بعيدة أبعدته تماماً عن الحقيقة.
    مثلاً: أن يُعتمد ميلاد المسيح عليه السلام بداية للتقويم، وهو أمر اعتمدته الكنيسة وضعاً من عندها، ولم يشرع الله تبارك وتعالى ذلك، ولا مشاحة في أن يكون بعض الأمور وضعياً أو اصطلاحياً، كما اصطلح الصحابة رضي الله تعالى عنهم على أن تكون الهجرة هي مبدأ التاريخ، كما عنون الإمام البخاري وترجم: باب التاريخ من أين أرخوا؟ يعني: كيف أخذ؟ فلا مشكلة في هذا؛ لكن الإشكال أنهم أخطئوا ونسبوا ذلك إلى الدين، فجعلوا كأن المسيح عليه السلام ولد في أول عام ميلادي من التقويم الذي يعملون به الآن بينما هو في الحقيقة ولد قبل ذلك بخمس سنوات, وكان هذا بداية لأخطاء كثيرة جداً، فالميلاد جعلوه يوم الخامس والعشرين من ديسمبر, وحقيقة الأمر أن هذا اليوم هو يوم عيد وثني قديم مشهور عند الرومان وغيرهم، ولا دليل لديهم على أنه في هذا اليوم ولد! فأخطئوا في اليوم, وأخطئوا في السنة, وتعبدوا بما لم يشرعه الله تبارك وتعالى.
    ثم بعد ذلك إذا نذر ملك من الملوك شيئاً زاده، كما قالوا: إن هرقل زاد في الصيام عشرة أيام لما انتصر على الفرس فأصبح الصيام أربعين يوماً فأضافوها أيضاً، وأشد من ذلك أنهم نقلوا الصيام إلى الربيع! فهنا دخلت الفوضى العبادية الدينية حتى أصبحت بعيدة جداً عما كانت عليه شريعة الأنبياء؛ بل تحويل الشهور نفسها إلى الشهور المعروفة الآن لكي توافق عدد السنة الشمسية، وتحولهم عن التقويم القمري الذي كان عليه الأنبياء والذي عليه التوراة وأسفار الأنبياء، كل ذلك أيضاً من البدع التي تراكمت حتى أصبح الإنسان لا يدري أين دينه, ولا يعرفه، والفرق الموجود الآن بينهم ليس سهلاً كما قد يظن، نحن أشرنا في اللقاء الماضي وذكرنا أن الفرق بين الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية خمسة عشر يوماً؛ لكن أيضاً في الواقع أن الفرق بين تقويم الكنيسة الحبشية وغيرها قرابة ثلاثة قرون؛ لأنهم اعتبروا التقويم من دخول الدين النصراني على المذهب اليعقوبي إليهم، فهم على المذهب اليعقوبي أي: مذهب الطبيعة الواحدة الذي يتبع مدرسة الإسكندرية، وهي القول بأن الله تعالى هو المسيح والمسيح هو الله, تعالى عما يشركون.
    فهنا فروق تعد بقرون, وفروق تعد بأيام وهكذا, فضاعت معالم الدين الحقيقي الذي أنزله الله تبارك وتعالى؛ حتى من الناحية المنطقية العقلية، فمثلاً: عندما جعلوا السنة على الترتيب الموجود حالياً الآن، وهي أن السنة تنتهي بكانون أول ثم تبدأ التي بعدها بكانون ثاني, وهذا غير معقول! لكن ماذا ترتب عليه؟
    ترتب عليه أنهم احتفظوا بأسماء الشهور ولكنها خطأ، فمثلاً: شهر سبتمبر، ومعناه: السابع! فيوم السبت هو اليوم السابع، ولا زال باللغة العربية؛ لأنه كما قلنا: اللغة العربية أصل كل اللغات هذه.
    فالسبت: هو بمعنى السابع أو سبعة. وسبتمبر يعني: الشهر السابع؛ لكن الواقع أنه الآن هو الشهر التاسع.
    ثم جاء بعده (أكتوبر) وهو الشهر الثامن, وهو الآن الشهر العاشر! ثم بعد ذلك يأتي (نوفمبر) ومعناه التاسع, وهو في الحقيقة الآن الشهر الحادي عشر! ثم (ديسمبر) ومعناه العاشر في أصل اللغة عندهم، وهو الآن الثاني عشر! فأصبحت حتى من الناحية المنطقية تسمى الأشهر بأرقام؛ لكنها غير مطابقة لهذه الأرقام.
    أهم من ذلك: أن بعض هذه الشهور هي أسماء آلهة أصلاً، فكيف يعتمدها النصارى؟!
    فمثلاً: يناير: اسم رب أو معبود من معبوداتهم الذي هو جنري ومارس يقولون: إنه إله الحرب.
    وفبراير يقولون: إن معناها من التطهر, وهو شعيرة رومانية قديمة.
    أما أغسطس : فمعروف أنه الإمبراطور الروماني المعروف؛ الذي في أيامه ولد المسيح عليه السلام مع بداية تأسيس الدولة الرومانية عندما قضى أغسطس على كليوبترا.
    وكذلك يوليو أو يوليوس قيصر.
    المهم أنك تجد أسماء آلهة أو معبودات أو أرباب أو أسماء قياصرة مثلما قلنا في أغسطس و يوليو !
    فالأرقام غير منطقية أيضاً مع تسميات الشهور! فهي فوضى في الدين, وفوضى في المنطق, وفوضى في الواقع، ومع ذلك يريد هؤلاء القوم أن يفرضوها فرضاً، ويريد الذين يتعبدون بالتقرب للغرب أو بالإعجاب به أن يفرضوها على الأمة التي وفقها الله سبحانه وتعالى للمنهج الصحيح الدقيق المنضبط.
  5. دقة التقويم الإسلامي

     المرفق    
    وعندما نقول: إن التقويم الإسلامي هو الصحيح والمنضبط فإننا واثقون من ذلك، أما الصحيح تديناً وعبادة فنحن نشاهد ذلك ولله الحمد والمنة، فما صام المسلمون في شهر غير رمضان, ولا حجوا في شهر غير ذي الحجة، وإن وقع -كما قلنا في السابق- اختلاف المطالع أو بسبب أي حادث أو طارئ، فهذا الاختلاف معفو عنه، عفا الله تبارك وتعالى عنه؛ لأنه لا يزيد عن يوم كما أشرنا في الحلقة الماضية.
    المقصود: أن هذه الأمة ما بين الصواب المطلق موافقة عين الحقيقة، وما بين العفو لما تسهو أو تخطئ فيه، ولم تكلف بإصابة عين الحقيقة, وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى, فهي إذاً على الحق في الدين.
    أما من ناحية الانضباط -وهذا هو المهم عند العالم اليوم- فنجد أن الأمة الإسلامية منذ أن بدأت تؤرخ بظهور الإسلام وفي العصور الإسلامية؛ تؤرخ تاريخاً دقيقاً منضبطاً والحمد لله؛ بخلاف بقية الأمم.
    فعلى سبيل المثال: أوروبا هذه لم تعرف التاريخ باليوم والشهر إلا في القرن السابع عشر! وأما قبل ذلك فكان التاريخ بالحوليات؛ أي: الحَوْل, وكانت تقع فيه أخطاء كبيرة جداً، ومهما قيل عن القدامى هيرودوت أو ديودور الصقلي أو من كانوا، فهم أفحش وأكثر أخطاء؛ بحيث كانت تعد بالقرون، وعندما كانوا يحسبون التاريخ المصري والتاريخ البابلي والآشوري، فإنهم يضعون نسبة من الخطأ قد تصل أحياناً إلى مائتي سنة! فهي لا تنضبط.
    طبعاً أدق مقياس الآن للزمن لديهم في الآثار هو الكربون المشع, ومع ذلك الكربون المشع لا يوجد اتفاق دقيق عليه، هل هو سبعة آلاف سنة, أو ستة آلاف وخمسمائة أو ستة آلاف وثمانمائة؟! أو شيء من هذا، المهم أيضاً فيه نسبة من الخطأ قد تكون مائة أو مائتي سنة.
    وهكذا نجد التفاوت إلا فيما ضُبط وحُقق, وهو ما شرعه الله تبارك وتعالى لهذه الأمة، الأمية المباركة، فاتبعته فلم تضل ولم تخطئ كما ضل من قبلها.
    وعندما نجد مثلاً: أن النصارى حوّلوا الصيام إلى الربيع -لعله من باب الرأفة ومن باب الشفقة-، والآن في هذا العصر يتحسرون على أن أعياد الميلاد تأتي وقت الشتاء، فلا يستطيعون أن يمرحوا ويهلوا ويلعبوا ويعبثوا بالنحو المطلوب، خصوصاً إذا تراكمت الثلوج أو حالت بينهم وبين التعري وما أشبه ذلك.
    لكن سبحان الله! نجد في هذه الأمة المباركة أن الصوم والحج بما أنها على الدورة القمرية فهما يدوران في كل فصول السنة، ففي إمكان الإنسان من المناطق الباردة أن يحج في السنوات الباردة، ولا يأتي في السنوات الحارة أو العكس، والصيام أيضاً -الحمد لله- يتقلب ما بين الحر والبرد, فهذا من لطف الله سبحانه وتعالى ومن رحمته، ولو كان الأمر ثابتاً لكان هناك مشقة عظيمة على الخلق، وخاصة أن هذا الدين العظيم -دين محمد صلى الله عليه وسلم الأخير- هو دين عالمي؛ للعالم أجمع، أما ما قبله فإنها كانت أديان محلية إلا أن بولس هو الذي جعل النصرانية ديناً عالمياً.
    المسيح عليه السلام قال: "إنما بعثت إلى خراف بني إسرائيل الضالة", لم يبعث إلى غيرهم, وقال ذلك للمرأة التي جاءت لتهدي, وهي كانت امرأة فينيقية -كما جاء في بعض الأناجيل- أو سورية، وهذا لا يفرق، المهم أنه قال لها: لم أبعث إلا على هؤلاء.
  6. مآل الابتداع في الأديان

     المرفق    
    هنا ملحظ مهم جداً يتعلق بأهمية تنقية الأديان من البدع, وهو أن الشريعة التي كان عليها اليهود , وبقيت في التوراة لم ينسخها المسيح عليه السلام، فهو صرح وقال: ما جئت لأنقض الناموس بل لأكمل؛ والناموس بمعنى: الشريعة؛ لكن بولس نقض الناموس نقضاً صريحاً, وأصبح مشهوراً جداً في الديانة النصرانية أن التبرير، والتبرر, والتقوى, والخير ليست في الشريعة أو في اتباع الشريعة, وإنما هي في الإيمان، وحارب بولس الشعائر الشرعية محاربة شديدة, ومن ذلك: الختان -وهذا سيأتي له ذكر إن شاء الله- ومن ذلك أيضاً: محاربة التطهر من النجاسة، فهم يقولون: إن النَّجِس ما يخرج من الأعلى لا من الأسفل، فعلى ذلك يدخلون إلى كنائسهم وهم غير متطهرين بأي نوع من أنواع الطهارة, ولا يغتسلون من الجنابة، ولم ينسخ ذلك نبي من الأنبياء, ولو فتحتم أي إذاعة تنصيرية بالعربي أو بغيره تجدون إلحاحاً شديداً على أن التطهر لا يكون بالشريعة وإنما هو بالإيمان, وما المعارضة بين الإيمان وبين اتباع الشريعة؟! لا معارضة أصلاً؛ فعلى الإنسان أن يتحلى بآداب الشريعة بأن يتطهر وأن يختتن وأن يتنظف, فهذه شعائر أو شريعة ومع ذلك الإيمان بالله سبحانه وتعالى على الحقيقة، أما عندهم فالإيمان بمعنى: الإيمان بأن المسيح هو المخلص ولا شريعة, إذاً هذا ليس ديناً.
    على كلٍ ليس المقصود الآن نقد الدين النصراني , فله إن شاء الله موضعه, وإنما المقصود بهذا بيان خطورة الابتداع, وإلى أي حال يؤول بالناس بسببه.
  7. التقويم علم نبوي الأصل

     المرفق    
    نجد في هذا الشأن -نرجع إلى موضوع التقويم والتوقيت- ما يؤكد أو يثبت أن هذا العلم نبوي، أصله من الأنبياء, وأصله وحي من الله تبارك وتعالى، ثم قد زيد ما زيد فيه أو حُرّف أو بُدّل، وفي الإسلام لدينا بعض المؤشرات على هذا, وذلك في حديث هرقل الذي رواه الإمام البخاري رحمه الله تبارك وتعالى في صحيحه في كتاب: بدء الوحي, من أول الصحيح حديث مشهور، لما قابل هرقل أبا سفيان ، ورأى هرقل في الرؤيا أن مُلك أو مَلك -على الروايتين- أمة الختان قد ظهر. فحينئذٍ أهمه ذلك, فقال لقومه: من يختتن؟ ايتوني بأي مختون؟! فقالوا: لا يختتن إلا اليهود وهم أحقر وأذل؛ فلا يهمك شأنهم؛ فقيل: إن العرب يختتنون, فجيء له بـأبي سفيان والحديث المشهور؛ لكن الشاهد: (وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم -على كلام الأسقف الذي روى الحديث- فلما رأى النجوم قال: إن ملك أمة الختان قد ظهر!), فكيف عرف ذلك؟!
    لو كانت المسألة تنجيماً، فالتنجيم مرفوض, والتنجيم لا يُقر ولا يرويه حتى البخاري رضي الله تعالى عنه، فالمسألة ليست كذلك؛ وإنما المسألة هي أن الأمم القديمة كانت تؤرخ بأحداث قديمة، مثلاً: التاريخ الإسكندري يؤرخ بفتح الإسكندر لبلاد الشرق مثلاً، والتاريخ الفارسي يؤرخ بأعمال لملوك الفرس, وهكذا أحداث كبيرة تقع، فالتاريخ النبوي أو العلامات النبوية لا تؤرخ بأحداث البشر -وبعض هؤلاء مشرك, مثلاً: الإسكندر وغيره مشركون لا يؤرخ بهم ولا بأحداثهم- التاريخ النبوي مما علمه الله تبارك وتعالى للناس أن يعلموا العلامات بالتقاء النجوم؛ لأنها بطريقة دوران ثابتة تماماً تُعرف باقتران الكواكب أو النجوم بعضها ببعض، فيكون هناك عند ذلك حدث معين سيقع؛ ولذلك كان اليهود وغيرهم يعلمون أن مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قد اقترب، هناك مثلاً: نجوم أو كواكب تقترب كل خمسة وعشرين سنة, بعضها كل سبعين سنة.. بعضها كل قرن.. وبعضها كل قرنين..
    على سبيل المثال: نجد الشِّعرى اليمانية التي ذكرها الله تبارك وتعالى في القرآن رُصدت من قديم، وهذا دليل يؤكد أن المسألة وحي, وإلا كيف يعرف البشر ذلك بمجرد النظر! وجدوا أن لها دورة كل ألف وأربعمائة وستين سنة، يعني: تدور دورة كاملة بحيث تشرق من نفس المكان بعد ألف وأربعمائة وستين سنة؛ ولذلك أمكن تصحيح التاريخ المصري القديم بناء على أنه عندما طلعت النجم الشعرى -التي يسمونها دج ستار يعني: نجم الكلب- في أيام أو في أوقات أحد الأباطرة وضعت عملة بهذه المناسبة، فأمكن من خلال ذلك -أي: من خلال معرفة متى وضعت هذه العملة- أن يصحح التاريخ المصري القديم في كثير من الجوانب التي كان خطأ فيه.
    الشاهد: أنه كان هناك دقة, وتعلمها الناس وتوارثوها لمن يعرف هذا، -طبعاً الآن الفلاحون والمزارعون في جزيرة العرب أو في بلاد الشام لا تنقصهم هذه، سبحان الله العظيم! فهي سهلة المعرفة، ويتعلمون متى تطلع, ويحرثون ويزرعون بناء على الطوالع هذه, ثم من تعمق أكثر عرف أكثر-، لما كانت تلك علامة للاقتران لم يبق هناك أي شك!
    الأحداث البشرية قد تختلف أو قد تضطرب، وما هو -مثلاً- حدث عظيم عند أمة -مثل: فتوحات الإسكندر حدث عظيم عند اليونان - لكنه نكبة وخسارة وبوار على الدول الأخرى أو البلاد المفتوحة, فلا يؤرخ به ولا يعتد به.
    لكن المعالم الثابتة في السماء لجميع البشر, ويهتدي بها جميع البشر؛ فمن هنا كان هناك ترقب في العالم -ولعل هذا إن شاء الله يأتي له تفصيل فيما بعد- عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى ما يسمى الهواتف من الجان وغيرهم أو الكهان؛ أن حدثاً بشرياً هائلاً سيقع! حدثاً تاريخياً لا نظير له في أحداث التاريخ جميعاً سوف يقع، ومن ذلك: ما حدث في السماء لما ملئت حرساً شديداً وشهباً, وأصبحت ترجم بها الشياطين، فعلم إبليس وجنوده من الجن والإنس أن حدثا هائلاً سيقع؛ وهو نزول هذا القرآن العظيم على النبي صلى الله عليه وسلم.
    رأى هرقل تلك العلامة وعرفها، وكان بالفعل كما ذكر ابن حجر رحمه الله تعالى وغيره: أنه كان ذلك مطابقاً بالفعل لصلح الحديبية؛ لأنه لما قُبض على أبي سفيان قال: نحن وهو الآن في عهد فلا ندري ماذا يفعل, والعهد هو عهد الحديبية اتفق عليه أبو سفيان ثم ذهب بتجارته إلى الشام فقبض عليه هناك, وذهب به إلى هرقل.
  8. كل حضارة لها تقويمها الخاص بها

     المرفق    
    المهم من هذا أن الأديان أو الحضارات الموجودة الآن في جميع أنحاء العالم؛ كل حضارة لها تقويمها الخاص بها, ولها طقوس لذلك، ولها أعيادها, ولها احتفالاتها المبنية على هذا التقويم.
    وهذا كله يؤكد أنه لا بد للناس من مرجع عام يتفقون عليه؛ لا يكون اصطلاحياً بحتاً, وإنما يكون من الوحي المحفوظ المطابق أو الموافق للاصطلاح الصحيح.
    ونذكر بعض الأمثلة على ذلك:
    نحن الآن في الألف السادس بالنسبة للتقويم العبري المعمول به عند اليهود أو عند الطوائف منهم.
    نحن الآن بالنسبة للسنة الهجرية (1426ه)، وبالجوري جوري (2005م)، وبالعبري (5765)؛ لأنهم يحسبون من بدء الخلقية، وهذه قضية الحساب من بدء الخليقة إحدى الأخطاء الكبرى في التاريخ البشري -كما سوف نرى بعد قليل عند الحديث عن اليابانيين-؛ لأن كل أمة تظن أن تاريخها هو بدء الخليقة, وقد أبطلنا ذلك فيما مضى.
    بعض الطوائف في الهند هم الآن تقريباً (1925) لاحظ الفرق بين (2005) وبين (1925) بناء على تراثهم أيضاً الهندوسي.
    هناك مثلاً في الصين اعتباراً من ميلاد كونفوشيوس هم الآن عام (2556) -يعني: قد يكون بعض السنوات فيه فرق سنة أو شيء من هذا- وعام (2556) هو ما يتعلق بولادة كونفوشيوس, وهو عيد أو احتفالات عندهم، وهو التقويم الذي بنيت عليه كل الأعياد وكل الحياة الاجتماعية والثقافية بالنسبة للصين.
    الحبشة الآن التقويم هو عام (1721)؛ ولذلك نكتة عند الغربيين إذا قلت له: متى ولدت؟ يقول لك: بالحبشي أو بالجوري جوري؟! لأن بعض الناس يكون عمره لو قال لك بالحبشي معناها عمرك كم؟!! نكتة؛ لأن الفرق هائل جداً ما بين (2005) وبين (1721) أو نحو ذلك.
    اليابانيون عندهم الآن السنة (2665) بناء على ميلاد شانتو أو بالتقويم الشانتوي.
    نريد أن نقف قليلاً عند اليابانيين, لماذا؟!
    لو تأملنا في الشعوب هذه التي ذكرنا جميعاً نجد اليابانيين أكثر هذه الشعوب تحضراً بلا شك، عندما كتب كينيدي كتابه: تطلع القرن الحادي والعشرين -وغيره طبعاً- كان متوقعاً أن اليابان هي الدولة الرائدة في القرن الحادي والعشرين، لا زلت أذكر أنه كان يسمي اليابان : المعجزة اليابانية. طبعاً لم تحصل معجزة؛ لأن اليابان دخلت في النظام الرأسمالي الربوي الغربي، وهي الآن تعيش وضعاً اقتصادياً صعباً؛ لكن لا يهمنا هذا, المهم أن اليابان فعلاً -على النظرة الغربية وعلى النظرة المادية- حققت معجزات في التقنية لم تحققها أي دولة, ولا أي مجتمع آخر.
    ما دام هذه المعجزة في التقنية.. في التطور.. في التقدم, وهي التي تصنع شرائح الصواريخ التي تدور في الفضاء وكل شيء! لو أن المسألة بالعقل وبالدقة لماذا لا تضع اليابان لنفسها وللعالم نظاماً تقويمياً دقيقاً؟! ولماذا هي على هذا النظام؟!
    نقرأ لكم هذا الكلام، والكاتب أمريكي يتكلم عن الحضارات, وليس كاتباً يابانياً، يقول: إن تاريخ اليابان الرسمي يبدأ عام ستمائة وستين قبل الميلاد -هذا من كتاب الماضي الحي- بيد أن المؤرخين اليابانيين يقررون بجلاء أن هذه السنة -يعني: ستمائة وستين قبل الميلاد- ما هي إلا بداية لأقدم أسرة حاكمة في العالم. فاليابانيون أصحاب العقول والتطور التكنولوجي يقولون: إن عام ستمائة وستين قبل الميلاد هي بداية الخليقة! فتاريخ الخليقة يرتبط بهذا, ويعتقدون أن الأباطرة -الذين هم حكام اليابان- كانوا يعيشون في السماء قبل ذلك، فالتاريخ الأسطوري الياباني في السماء وليس في الأرض! كما قرأنا عن بلاد ما بين النهرين.
    أنا حقيقة قبل أيام قابلني مدير وكالة الأنباء اليابانية وكان معي بعض الإخوة، في مقابلة إعلامية، فأردت أن أتأكد من هذه الحقيقة فسألته: هل تعتقدون أن الإمبراطور إله؟ فقال: نعم هو إله, يعتقدون أنه إله! تعالى الله عما يشركون. هذا الشعب الذي يقولون: إنه متطور!
    وطبعاً بالمناسبة كان سؤالي له عن الإله أني قلت له: الإله يبكي, ويوقع اتفاقية الخضوع للأمريكيين! وما نجد مقاومة مثل المقاومة العراقية؟ كان الموضوع عن المقاومة العراقية, وأن الإسلام يعطي صاحبه حق المقاومة ويجعله يختلف، فقلت: هذا فرق بيننا وبينكم أننا لا نستسلم, مع أن الذي وقّع الاتفاق عندكم هو رب! أتعتبره رباً؟ قال: نعم هو إله, تعالى الله عما يشركون.
    فيعتقدون أن الآلهة كانت في السماء ثم نزلت إلى الأرض, ومن سلالتهم كان الأباطرة.
    عندما ننظر إلى كلام المؤرخين المسلمين عن جنكيز خان نجد نفس الكلام؛ أنه ليس له أب, إنما أبوه هو الشمس! نزلت الشمس ودخلت في الخيمة التي كانت فيها أمه, وحملت به من الشمس! ويعلق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه تعالى على هذا فيقول: هذا دليل على أن التتار -المغول- يعتقدون أو يعلمون أنه ليس له أب معروف؛ ولذلك جعلوا أباه هو الشمس؛ فهو ابن غير شرعي.
    المقصود يأتي بالأسطورة كيف أن الإله القديم عند اليابانيين إيزناجي وزوجته وإيزانامي خلقا أول جزيرة -طبعاً اليابان بلاد جزر- ثم أرادت أن تُنجب الأم ابنها الذي يسمونه إله النار فهبطت إلى الأرض، ثم بدأنا في تاريخ أسطوري كله كذب, وكله لا حقيقة له، ومع ذلك فاليابانيون مستمسكون بهذه الأساطير، ومن الأساطير التي لا يزالون متمسكين بها أنه إله, ومن نسل الشمس الذي هو عندهم المعبود الأعلى, وكان في السماء؛ وعندهم أنه إذا مات الإمبراطور -أو أي أحد- تدفن معه أدواته؛ فلما مات هيروهيتو دفنوا معه النظارات والأقلام وكل شيء؛ لأنه حينما يقوم سيستخدمها في نظرهم، وهذا بالضبط ما هو موجود في الديانة المصرية القديمة وفي غيرها من الأديان القديمة، فهناك إيمان بالآخرة؛ لكن على طريقة ضالة.
  9. ضرورة التمسك بمنهج الوحي

     المرفق    
    على كل حال الذي نريد أن نوضحه في هذا الشأن -والموضوعات تتشعب بنا- هو أنه لابد للناس أن يتمسكوا بمنهج الوحي فيما هو منهج وحي، أما ما أتيح للعقل البشري المجال فيه فلهم أن يضعوه اصطلاحياً أو منطقياً أو عددياً كما يشاءون؛ بحيث تتضافر العقول السليمة المستنيرة بنور الوحي على وضع، وبذلك تكمل حياة البشر وتصح, وتستقيم أديانهم على الوحي, وتستقيم دنياهم على العقل الصحيح. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق المسلمين والعالم جميعاً لذلك؛ إنه على كل شيء قدير. والحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد. وعلى آله وصحبه أجمعين.