المادة كاملة    
لا يشك عاقل أن وراء كل حضارة دنيوية نهضة دينية وتجديد ديني، وأن كل حركة دينية تثمر مشروعاً حضارياً، وأن حضارة الإسلام هي أكبر مشروع نهضة في العالم، قامت على مبادئ سامية وأسس راقية من العدل والمساواة، والحقوق والواجبات، والتعامل مع الآخرين، وأن ما يحدث من تطرف أو غلو من بعض من ينتمون إليها ما هو إلا شذوذ خارج عن الجادة، لو قورنت نسبة وجوده مع ما يوجد في مجتمعات الغرب من تأصيل نظري وتطبيق منهجي لمظاهر العنف والفوضوية ورفض الدولة لهان الأمر، فما من خير في أي أمة من الأمم إلا وفي أمة الإسلام أكثر منه، وما من شر في المسلمين إلا وفي غيرهم أكثر منه.
  1. أبرز الإيجابيات التي أثمرتها الصحوة الإسلامية

     المرفق    
    المقدم: فضيلة الشيخ! نتمنى أن تتحفنا بمشاركاتك المثمرة كعادتك كتب الله أجرك.. ما هي أبرز الإيجابيات التي قدمتها الصحوة الإسلامية خلال المرحلة الماضية في رأيكم؟
    الشيخ: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
    وبعد:
    في الحقيقة ينبغي أن أعتذر للإخوة المشاهدين أولاً؛ لأن موضوعاً مثل هذا لا يمكن أن يوفى حقه في حلقة أو حلقات فضلاً عن أن أتحدث عنه في دقائق.
    لكن على أية حال أقول: إن مجرد إثارة الموضوع هو في الحقيقة أمر جدير بأن يهتم به, فإثارته عظيمة، وفائدته كبيرة، والإيجابيات التي قدمتها الصحوة الإسلامية قائمة ومشاهدة وملموسة؛ حيث إنها قد فرضت نفسها على مسار التاريخ، وعلى الأحداث العالمية برمتها، ولم تعد هماً انفرادياً كما كانت قبل عقود قريبة؛ بل أصبحت الآن هماً عالمياً, فهناك مؤتمرات عالمية, وقوى عالمية في الشرق والغرب، تهتم بها بغضاً أو عداوة أو ما شابه ذلك.
    وأبرز مثال على ذلك: تحول الاعتزاز بالإسلام، والاعتقاد بأنه الحق من عقيدة إلى عمل إلى مقاومة إلى مواجهة، وأنا في قراءتي -ودائماً أنا أقرأ ردود الأفعال عند الأحزاب في الغرب وغيرهم- لمست ورأيت أن مفكرين متعمقين يتعجبون من قوة اختراق هذه الصحوة لكثير مما يرونه من العوائق أو السنن التي لا يمكن تاريخياً أو من حتى وجهة نظرهم أن تخترق.
    فعلى سبيل المثال العاجل: المقاومة في فلسطين وفي العراق تعجب منها الغرب دون سواها؛ مع أن أمريكا ومن معها احتلت ألمانيا واليابان؛ ولم يوجد شيء عجيب في ذلك؛ لكن المقاومة العراقية فضلاً عن الانتفاضة أحدثت شيئاً عجيباً جداً؛ فقد غيرت نظرة الناس إلى مقومات النصر, ومقومات الهزيمة، وفرضت نفسها على شعوب وأمم كثيرة، وأصبحت تطمح في أن تتابعها في ذلك.
  2. تأثير النهضة الدينية على الحضارات

     المرفق    
    الشيخ: أمر آخر ولعل الإخوة تحدثوا كثيراً مع بعض الموضوعات في الماضي والحاضر؛ لكن لعلي أن آتي على المستقبل وهو أن هناك نظرية تتبعها -وأرجو أن أتوقف في الكتابة عنها وأوضحها- لاستقراء تاريخ الحضارات والأحداث العالمية في التاريخ القديم والحديث، وهي: أنني أستطيع أن أقول: إن كل حضارة دنيوية منذ عهد الجاهلين إلى الآن أصلها أو وراءها نهضة دينية، وتجديد ديني.
    وعلى هذا أؤكد بمثال واحد يعرفه المطلعون فقط: الذين كتبوا عن البروتستانتية؛ التي هي حركة الإصلاح الديني في أوروبا مارتن لوثر ومن معه، الذين جعلوها أساساً للحضارة المعاصرة قبل أن يجعلوها أساساً لنهضة الغرب؛ بالذات الغرب البروتستانتي مقابل العالم الأرثوذكسي أو القديم بالذات، ولتوضيح الصورة أكثر نقول: إن البيئة الجغرافية والمناخية والإقليمية الديمغرافية.. إلى آخره، في الولايات المتحدة الأمريكية و كندا هي تقريباً التي في الأرجنتين و البرازيل؛ صحيح أن هذا النصف الشمالي وهذا الجنوبي؛ لكنها واحدة من حيث العوامل الجغرافية وغيرها، ومع ذلك -كما نرى جميعاً- فإن الدول البروتستانية ومن غلبت عليها البروتستانتية هي دول ناهضة نهضة قوية جداً, بينما التي بقيت على الكاثوليكية متخلفة تخلفاً واضحاً جلياً.
    إذاً: نستطيع أن نقول في دراسة وتأمل التاريخ كله: إن كل نهضة وكل حركة دينية تثمر مشروعاً حضارياً ضخماً جداً.
  3. أهمية الصحوة الإسلامية وأسسه

     المرفق    
    الشيخ: بمعنى آخر: لن أتردد بالقول بأن الصحوة الإسلامية هي أكبر مشروع نهضة في العالم في التاريخ الحديث والقديم، ونحن ممكن أن نقدم مادة جيدة -من خلال ما تفضل به الشيخ والإخوة وغيرهم- لأي باحث ومطلع محايد -حتى وإن لم يكن مسلماً- على أن هذا هو أكبر مشروع حقيقة الآن في العالم؛ ولذلك لن نرى ثمراته إلا إذا شاء الله تبارك وتعالى؛ لكن أقول: سنرى كل الثمرات في جيلنا وعلى مدار الأجيال؛ بل ستمتد أجيالاً طويلة.
    فمن أسس الصحوة أصلاً التي قامت عليها منذ القرن الرابع عشر والخامس عشر الهجري إلى الآن ما وضعه شيخ الإسلام ابن تيمية، ومعه بعض العلماء في القرن السادس والسابع والثامن، فنلاحظ أن هذه المرحلة أسس عليها النهضات المعاصرة التي قامت؛ كدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، ثم ما تلاها، ثم الآن هذه الصحوة المعاصرة والتجديد الكبير العام؛ التيار الثاني الذي نراه الآن على رأس هذا القرن الرابع عشر وأول الخامس عشر هو امتداد لتلك النهضة.
    أعتقد أن هذا التجديد المعاصر بشموليته وبآفاقيته التي أتاحتها شبكات المعلومات والاتصالات سوف يكون مشروعاً ضخماً في المستقبل, وقد بدأت الملامح في الأفق تشير إلى ذلك؛ من خلال اندفاع الأمة للجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى, ومن خلال تميزها في دينها، وفي أخلاقها، وفي سلوكها، وإعجاب العالم كله أعني: الشعوب العالمية بما لديها.
  4. حدوث بعض التصرفات العدائية للتشريعات الأخرى كالتطرف والغلو

     المرفق    
    الشيخ: أما ما يحدث من تطرف أو من غلو أو من شذوذ, أو ما يحدث من معاداة لبعض التبعات المعادية للإسلام أصلاً؛ فهي بوادر طبيعية جداً حتى مع دعوات الأنبياء، ولا يمكن أن نقول: إن ذلك يرجع إلى الخلل في الصحوة -مع أن الصحوة تحتاج دائماً إلى معاهدة ومتابعة- لكن نحن نرجع هذا الأمر إلى قاعدة معروفة في تاريخ الأديان والفرق -وذكرها العلماء, ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة وغيره- وهي: أن أي خير في أي أمة في العالم ففي الأمة الإسلامية أكثر منه، وأن أي شر في المسلمين ففي غيرهم أكثر منهم.
    فمثلاً: ما يسموه بالإرهاب أو العنف أو أي شيء ... أوروبا، هؤلاء أضعاف مضاعفة من شباب قليل انحرفوا في مجتمعاتهم, ومثل ذلك: الدعوة إلى العنف الاجتماعي والفوضوية ورفض الدولة.. إلى آخره، هذا في الغرب أصلاً مؤصل تأصيلاً نظرياً ... في القرن التاسع عشر، بينما ما يحدث في العالم الإسلامي ما هو إلا شيء من الآثار, وبعض التقليد, وبعض الانحرافات التي لا تمثل التيار العريض الكبير للصحوة الإسلامية.
    المقدم: شكر الله لكم يا دكتور! وجزاكم الله خيراً! وبارك الله فيكم.