لما جاء
نافع بهذا التشدد وهذا الغلو وهذا التكفير العام للأمة خالفه رجل من أتباعه يدعى
نجدة بن عامر الحنفي، فقال:
نجدة هذا غلو، فخفف الغلو فقط وقال: من كان على مذهبنا ولم يستطع أن يهاجر إلينا لا يكفر، ومن أقمنا عليه الحد لا يكفر، وكلاهما متفقان على أن
علياً رضي الله تعالى عنه و
عثمان و
معاوية و
طلحة و
الزبير و
عائشة ... إلخ كفار، لكن اختلفوا في مسائل تتعلق بالتكفير، فالطائفة الأشد غلواً في
الخوارج الذين هم
الأزارقة يرون التكفير العام المطلق، وأقل منهم غلواً أو الوسط في مذهب
الخوارج الذين هم
النجدات -أتباع
نجدة بن عامر الحنفي، الذي خفف قليلاً أو شيئاً من غلو
الأزارقة وبقيت مصائب أخرى لم يخففها، وخرج من
الأزارقة ومن
النجدات أيضاً فرق وطوائف ومقالات، وقد اجتمعوا على تكفير
عثمان رضي الله تعالى عنه؛ لأنه تأصل لديهم أن كل من ارتكب معصية فهو كافر، ولو كان مؤمناً لم يعصِ، فعندهم أن
عثمان رضي الله تعالى عنه قد فعل أموراً خالف فيها سيرة الشيخين.
وقد قلنا: إن أصل الضلال في مسألة الإيمان هو اعتقاد الفرق المخالفة من المرجئة أو الخوارج في القديم أو الحديث: أن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص ولا يتبعض ولا يتجزأ ولا يتركب، ولو كانوا كـأهل السنة والجماعة -استنباطاً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم- يؤمنون بأن الإيمان يزيد وينقص لقالوا: إن عثمان رضي الله تعالى عنه أقل من الشيخين، فليس هنالك مشكلة، ولن نعترض عليهم.
وفي مثل هذا الباب من يسرق أو يزني أو يشرب الخمر ضعيف الإيمان، ويبقى على إسلامه ولكنه ناقص الإيمان، وهذا وأشباهه قول يقبل ولا بأس به، لكنهم يرون أنه شيء واحد فقط، وليس عندهم تدرج بل نفي للإيمان بالكلية، بخلاف الإيمان عند أهل السنة والجماعة فإنه بضع وسبعون شعبة، أعلاها كذا وأدناها كذا، فقد يكون عند الإنسان ثلاثون شعبة، أو أربعون، أو خمسة وأربعون أو خمسون يتعبد بها وهكذا، ومن ذلك الناس يتفاوتون في إيمانهم وفي صلاتهم وفي صيامهم وفي زكاتهم وفي حجهم تفاوتاً واختلافاً كبيراً، فقد يصلي الرجلان في الصف الواحد وبين صلاتهما بون عظيم، وهذا شيء واضح ومعلوم، لكن هؤلاء قالوا: لا. إما يكون مؤمناً إذا كان موافقاً للحد الذي وضعناه، وإما أنه ليس بمؤمن إذا خالف ولو في شيء يسير، وعليه فـعثمان رضي الله تعالى عنه عندهم كافر غير مؤمن لأنه ارتكب كبيرة -في نظرهم- إذ أنه نقص عما كان عليه الشيخان، فمثلاً حمى الحمى، واستأثر بشيء من بيت المال -بزعمهم- وولى أقرباءه، وأتم الصلاة في مكة.. إلى غير ذلك من أمور اجتهادية وهو رضي الله تعالى عنه له فيها رأي وله اجتهاد، وغاية ما في الأمر أنه أخطأ، لكنهم ليس عندهم شيء اسمه خطأ أو صواب، إما كافر أو مؤمن فقط، وليس هناك ناقص إيمان وضعيف إيمان، كذلك من جاء بعده كـعلي رضي الله تعالى عنه قالوا: حكَّم الرجال، والله يقول: ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ))[الأنعام:57]، فهذا كلام الله، وهو يقول بحكم فلان وفلان فقد كفر، سبحان الله! أهكذا يكون الاحتجاج؟!! أهكذا يكون الاستدلال؟!!
ولهذا حاجهم وألزمهم حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه من كتاب الله تعالى كما تقدم.
إذاً: ليس عندهم حجج ولا براهين، وليس عندهم إلا شبهات وآراء يجمعونها ويتصلبون عليها ولا يقبلون فيها نقاشاً، وهم بذلك يكفرون الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.