وهؤلاء الخوارج طبقات ودرجات وفرق -وإن كان أصلها واحداً- ويجب أن ننبه دائماً على أن البدعة مدعاة للفرقة فما ابتدع قوم بدعة قط إلا وتفرقوا فيها، فأول ما بدأ الرفض والتشيع في رجل واحد اسمه عبد الله بن سبأ اليهودي، ثم أصبحوا -كما في كتبهم- أكثر من سبعين فرقة، وكذلك الخوارج، ومثل ذلكالصوفية إذ أنها بدأت بأشخاص زهَّاد يتعبدون و... إلخ، والآن طرق الصوفية لا تحصى كثرةً، بل الطريقة الواحدة تنشق إلى طريقتين والطريقة التي انشقت تنشق إلى طريقتين أو ثلاث أو أربع أو عشر... إلخ.
وبما أن البدعة دائماً مدعاة للفرقة فلا يوحد الناس ولا يجمعهم إلاَّ منهج أهل السنة والجماعة الذي هو المنهج الحق، فـالخوارج أول ما خرجوا كانوا فرقة واحدة، وكانوا رأياً واحداً كل همهم وكل جهدهم هو تكفير علي رضي الله تعالى عنه، ثم كفروا أيضاً عثمان رضي الله تعالى عنه، وكفروا بطبيعة الحال معاوية وعمرو بن العاص، بل لما كانت معركة الجمل -وكانوا مع علي رضي الله تعالى عنه- كفروا أصحاب الجمل، وهكذا أخذوا يكفرون حتى إنه لم يسلم من تكفيرهم من الأمراء المؤمنين أو الخلفاء إلا الشيخان أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ولهذا لما أرسل إليهم علي رضي الله عنه من يناظرهم قالوا: لا نبايعه ولا نرجع في طاعته، وقالوا: إن جئتمونا بمثل عمر دخلنا في طاعته، وعلي ليس كمثل عمر، فمن أين نأتي بمثل عمر؟! وليت الخوارج رضوا بعد الجهد أن يبايعوا علياً رضي الله تعالى عنه، لكنهم أبوا واستمروا بلا راية، حتى اجتمعوا في مكان يقال له حروراء، ولهذا يقال لهم: حرورية -كما قالت أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: [أحرورية أنتِ؟] عند أن سألتها امرأة: لماذا تقضي الحائض الصيام ولا تقضي الصلاة؟ تريد أن تكشف لنا منهج الخوارج، وهكذا سؤال الخوارج دائماً: لماذا كذا؟ أما المؤمنون فهم يسلّمون ولا ينازعون ولا يجادلون، هذا هو الدين وهذا هو الشرع-.
بعد أن تجمع الخوارج في حروراء أمَّروا عليهم رجلاً من بني تميم يقال له عبد الله بن وهب الراسبي، هذا في زمن علي رضي الله تعالى عنه حتى إن ابن حزم رحمه الله نقدهم في ذلك قال: "طالبوا بـعمر أو بمثل عمر، فلما لم يجدوا أمَّروا عليهم عبد الله بن وهب وهو أعرابي بوال على عقبيه ليس له سابقة ولا فضل ولا شهد الله له بخير" وليتهم أمروا أحد الصحابة.
فالمقصود أنهم خرجوا وكانت المعركة التي أشرنا إليها ثم تطور حالهم فيما بعد، وبعد عام الجماعة بقي الأمر في مدة خلافة معاوية رضي الله تعالى عنه هادئاً، وكانت تلك العشرون سنة التي تولى فيها معاوية رضي الله تعالى عنه من أفضل وأصلح العصور، هدأت فيها الأحوال وسكنت فيها الفتن وانصرف الناس إلى العلم، وكثير من الأحاديث والآثار إنما رويت في هذه الفترة، وأراد الله سبحانه وتعالى أن يأتي بعده يزيد ومع يزيد ظهرت الفتن واستشرت، ومنها انتشار الخوارج، ثم بعد ذلك في أيام عبد الملك بن مروان والحجاج كان ظهورهم أشد، فـالخوارج أشد ما ظهروا وقويت شوكتهم في زمن بني أمية، مع أنهم خرجوا في أيام علي رضي الله تعالى عنه، واستمرت فتنتهم حتى قتلوه رضي الله تعالى عنه، لكن ما تطوروا وتفرقوا وحكموا بعض الأقطار إلا في آخر زمن صغار الصحابة، كـعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه وعبد الله بن عمر وأبي سعيد الخدري وأمثالهم.
ونستطيع على سبيل الإجمال أن نصنف الخوارج بحسب غلوهم إلى ثلاثة أصناف رئيسية، وإلا فهم فرق كثيرة:
  1. الأزارقة

  2. النجدات

  3. فرقة الإباضية