1. معنى جماعة المسلمين

    قال: "وقوله: (ولا نقول بخلقه) -أي: القرآن- (ولا نخالف جماعة المسلمين) تنبيه على أن من قال بخلق القرآن فقد خالف جماعة المسلمين"، والجماعة هنا ليست بمعنى الاجتماع على الإمام العادل وعدم الخروج عليه، بل بمعنى الحق والسنة، فمن قال: إن القرآن مخلوق، فقد خالف الحق والسنة، وكأن المصنف رحمه الله قد استدرك على هذا فقال: "فإن سلف الأمة كلهم متفقون على أن القرآن كلام الله بالحقيقة غير مخلوق"، واللالكائي رحمه الله تعالى في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ذكر طبقات تلو طبقات من الصحابة والتابعين ثم أتباعهم ممن يصرحون أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وذكر غيره نحو ذلك أو قريباً منه، فهذا اتفاق عند السلف، فمن خالفهم فقد خرج عن أن يكون من جماعة المسلمين، أي من قال: إن القرآن مخلوق فليس من أهل السنة والجماعة ؛ لأنه قد خالفهم في أصل عظيم ومفترق طريق بين الحق والباطل، لكن المصنف رحمه الله عاد فاستدرك على نفسه وقال: "بل قوله: (ولا نخالف جماعة المسلمين) مُجرى على إطلاقه: أنّا لا نخالف جماعة المسلمين في جميع ما اتفقوا عليه" أي: فليست قضية القرآن وحدها، بل ولا نخالف جماعة المسلمين في أي شيء؛ "فإن خلافهم زيغ وضلال وبدعة"، كما قال تعالى: ((وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا))[النساء:115] وهذه الآية من أصرح وأقوى الأدلة على أن مخالفة الإجماع لا تجوز، وإذا كانت المخالفة في العقيدة؛ فالمخالف ضال زائغ مبتدع، وقد يكون كافراً بحسب ما خالف فيه.
    إذاً: لا نخالف جماعة المسلمين، بل نحن متبعون ولسنا مبتدعين في كل باب من أبواب العقيدة وفي كل مسألة من مسائلها.
  2. ترتيب الفرق قرباً وبعداً من السنة

    قال: [فإن خلافهم زيغ وضلال وبدعة] فكل من خالف أهل السنة والجماعة وخالف ما كان عليه السلف الصالح فقد وقع في الزيغ والضلال والابتداع، وقد يكون هذا الزيغ والضلال كفراً، وقد تكون البدعة كفرية والعياذ بالله، وقد يكون أقل من ذلك، فبحسب المخالفة يكون الحكم على المخالف.
    ومن خالفهم في باب من أبواب العقيدة، فليس كمن خالفهم في بابين، ومن خالف في بابين فليس كمن خالف في ثلاثة أو أكثر وهكذا، فالمخالفة أنواع، ولهذا لما تعرضنا فيما سبق إلى أركان الإيمان الستة في موضوع الإيمان بالكتب، ذكرنا أن أعظم الناس ضلالاً وكفراً وبعداً عن الجماعة الفلاسفة كـابن سينا والفارابي والكندي ومن شابههم، ومن كان في طبقتهم من الحلولية والاتحادية كـابن عربي وابن سبعين والقونوي والتلمساني وأشباههم، فهؤلاء أبعد الناس عن الإيمان والسنة، وأشدهم كفراً وضلالاً.
    وأقرب الناس إلى أهل السنة والجماعة من الطوائف والفرق المخالفة لهم: الأشعرية والكلابية والماتريدية، وهذه الفرق في جملتها ليست من أهل السنة والجماعة، لكنها أقرب الفرق إلى أهل السنة، مع أن ما هم فيه هو ضلال وزيغ وابتداع، وعندهم انحراف كلي أو جزئي في بعض أبواب العقيدة، ثم بعد ذلك يأتي المعتزلة ومن وافق منهجهم، وإذا قلنا: المعتزلة ؛ فإن الشيعة الزيدية والإثني عشرية يدخلون تحتهم، كما تدخل ضمن ذلك الإباضية وهم من الخوارج وهم معتزلة، ثم بعد ذلك تأتي الجهمية ومعهم الروافض .
    ونحن إنما رتبناهم كذلك لأن الجهمية ينكرون الأسماء والصفات، والمعتزلة ينكرون الصفات ويثبتون الأسماء، والأشاعرة يثبتون الأسماء ويثبتون بعض الصفات، وبعض العلماء كـابن المبارك والفضيل بن عياض وسفيان بن عيينة وكثير من أئمة السلف أخرجوا الجهمية عن أهل القبلة.
    ثم يأتي بعد من ذكرنا أكثر غلاة الصوفية وغلاة الرافضة والباطنية والفلاسفة ومن وافقهم، وإن شئت أن تجعل الفلاسفة قسماً آخر مستقلاً فهم أكفر الناس جميعاً، وإن جعلتهم مع هؤلاء فلا حرج، فهذه هي طبقات هذه الفرق من حيث بعدها عن الجماعة والسنة.
    وإذا استخدمنا الأسماء نجد أن ابن سينا والرازي والمقصود هنا أبو زكريا الطيب لا فخر الدين الرازي المعروف بـابن الخطيب فإن بينهما ثلاثة قرون -والكندي وأشباههم من فلاسفة الصوفية الحلولية والاتحادية كـابن عربي، وابن سبعين وصدر الدين القونوي، وعفيف الدين التلمساني - الفاجر الذي سمى نفسه العفيف التلمساني-، والحلاج، ومع هؤلاء في الكفر والإلحاد الباطنيون من دعاة القرامطة أتباع حمدان قرمط، ودعاة الدرزية الذين دعوا إلى عبادة أو تأليه الحاكم العبيدي وأمثالهم.
    وأصحاب هذه الطبقة أكفر من اليهود والنصارى؛ ولهذا لا تحل ذبائحهم، ولا تنكح نساؤهم، ولا يؤخذ منهم جزية، ولا يقبل منهم إلا التوبة أو السيف، وإذا تابوا فلابد من التأكد من توبتهم، وبعض العلماء قال: لا يستتابون لأنه لا يمكن معرفة توبتهم، بل يقتلون رأساً، وأسوأ ما فيهم أنهم ينتسبون إلى دين الإسلام، وإلا فالذي يدين بـالنصرانية نقره على دينه بأحكام أهل الذمة المعروفة، أما هؤلاء فلا نقبل أن ينتسبوا إلى الإسلام وهم يطعنون فيه، ويفسدون على المسلمين دينهم، ويضيعون حقيقته، وقد ارتكبوا في حق المسلمين في جميع العصور جرائم لم يرتكب مثلها أعداء الإسلام.
    فالذين انتهكوا حرمة البيت الحرام وقتلوا الحجاج وأخذوا الحجر الأسود هم القرامطة، ولم يجرؤ على ذلك النصارى ولا اليهود ولن يجرءوا، ولكن القرامطة يفعلون ذلك ويجرءون عليه.
    هذا مع العلم أن الدروز يعتقدون أن الحاكم العبيدي سينزل في آخر الزمان فهم ينتظرونه، أما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فينتظرون المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، الذي يأتي فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وأما اليهود فينتظرون المسيح الدجال الأعور الكذاب، الذي يرفع شأنهم ويعيد ملكهم في العالم كما يزعمون، أما الدروز فقالوا: إن الذي يرجع هو الحاكم العبيدي، وإنه سيقيم دولة وقوة يسيطرون بها على العالم، وأعظم أفعاله إذا نزل أن الدروز يذهبون معه إلى مكة ويهدمون الكعبة حجراً حجراً، ويقتلون المسلمين واحداً واحداً.
    وأما الرافضة فينتظرون القائم المنتظر صاحب الزمان -بزعمهم- فإذا ما جاء فإنهم لا يكتفون بقتل المسلمين الأحياء كما يفعل الدروز، بل يعتقدون أنه يبعث أبا بكر وعمر وكل من ولي أمور المسلمين ويقتلونهم جميعاً انتقاماً لأهل البيت، ثم يقتل بقية الموجودين.
    وهذه كلها أحقاد وبواطل، وكلها ضلال إلا ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما عليه أهل السنة والجماعة الذين يجاهدون ويقاتلون لإحياء هذه السنة ولإعلاء كلمة الله حتى ينزل المسيح ابن مريم عليه السلام، أما أولئك فعقائدهم كلها أحقاد وتشفٍ، فنقول: إن هذه الفرق والطوائف الضالة خالفت الجماعة، وهذه أوجه مخالفتها متفاوتة قرباً وبعداً.