ثم يقول المصنف: [وقوله: "فعلَّمه سيدَ المرسلين" إذاً: الروح الأمين جبريل عليه السلام علم القرآن سيدَ المرسلين محمداً صلى الله عليه وسلم، وفي هذا كما قال: تصريح بتعليم جبريل إياه إبطالاً لتوهم القرامطة وغيرهم أنه تصوره في نفسه إلهاماً]، وقد تحدثنا عن مذاهب الناس في كلام الله، وهنا ذكر المصنف قولاً واحداً منها وهو قول القرامطة لأنه أشنع ما قيل، فقول الذين قالوا بأنه حكاية أو بأنه عبارة هم أخف وأهون شراً من القائلين بأنه فيض وإلهام، وهذا القول هو قول القرامطة والمتفلسفة والباطنية عموماً، وهو قول المستشرقين وأذنابهم حديثاً، فالوحي عندهم هو مجرد شعور بالإلهام أو كما كان الأولون يعبرون بأنه فيض فاض، وقد سبق أن ذكرنا نظرية الإيجاد والخلق عند فلاسفة اليونان وعند الصابئين والتي أخذتها الباطنية والقرامطة والفلاسفة.
ومن ذلك أيضاً نظرية العقول العشرة، وأن العقل الفعال يفيض على من دونه، وتأويلهم للوح المحفوظ ولعالم الملكوت وعالم الجبروت، وهذا الكلام سبقت الإشارة إليه، لكن لا بأس أن نعيد شيئاً منه هنا للإيضاح.
وبالمناسبة فإن كتاب بغية المرتاد لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كان قد طبع مع مجموع الفتاوى الكبرى في أقدم طبعاتها، وهي الطبعة المطبوع في أولها التسعينية وفي آخرها العقيدة الأصفهانية وبغية المرتاد، ثم حقق الأخير وطبع مستقلاً واسمه: بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية أهل الإلحاد من القائلين بالحلول والاتحاد، وهي رسالة عظيمة حققها الدكتور موسى بن سليمان الدويش من الجامعة الإسلامية في المدينة، وفي هذا الكتاب يرد شيخ الإسلام رحمه الله على القرامطة والباطنية مزاعمهم في الوحي وغيره، كما رد على ابن عربي وابن سبعين والقونوي، ورد على أرسطو وأفلاطون وغيرهم.
فمثلاً في صفحة (100) ذكر نظرية الفيض فقال: "نظرية الفيض عبارة عن تصوير صدور الموجودات عن الله أو صدور الكثرة عن الواحد" فهم لا يقولون: إن الله سبحانه وتعالى خلق المخلوقات وخلق جبريل ومحمداً صلى الله عليه وسلم وتكلم بما شاء كيفما شاء، إنما يقولون: إن العقل الأول هو الذي يفيض المعرفة على الأشياء، فأول ما بدأت النظرية عند أفلوطين وشيعته، وصورها عندهم شيخ الإسلام أنهم يقولون: "إن إحداث الأشياء ما هو إلا انتشار ما في العلة الأولى من القدرة على التعقل والتأثير، مع بقاء ذاتها على ما كانت عليه من السكون والكمال المتعالي عن كل نوع من التغيير والحركة" ونفاة الصفات إنما أخذوا مذهبهم عن هؤلاء كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة الحموية حيث يقولون: إن الله تعالى منزه عن الحوادث، وعن الحركة، وعن التغير، وعن الانتقال وغير ذلك، ولذلك ينفون عنه الكلام والنزول والاستواء وغيرها من الصفات بمثل هذه التعليلات التي قال بها أولئك الأقدمون من الوثنيين.
إذاً فهم يقولون: العلة الأولى ينتشر ما فيها من القدرة على العقل والتأثير فيضاً مع بقاء ذاتها؛ وقد كان لدى أفلاطون وأرسطو تصور عجيب، وهو أن الكامل لو فكر في الناقص لعدَّ ذلك نقصاً، فلهذا يحاولون أن يجعلوا العلة الأولى التي يعبرون بها عن الله سبحانه وتعالى في كلامهم كمالاً مطلقاً، ومن كمالها المطلق عدم التفكير فيما دونها ولا مخاطبته ولا كلامه، ولذلك فالذين نفوا غضب الله ورضا الله ورحمة الله، وأولوها من المعتزلة والأشعرية - إنما نفوها بناء على ذلك؛ يقولون: حتى لا يقال إن ما وجد من العلة الأولى يؤثر في العلة الأولى التي هي كمال مطلق، بمعنى أن من يعصي أو يفسد أو يظلم فإنه قد أغضب الله، فكأن المخلوق إذا أغضب الله قد أثر في الخالق، فقالوا: إذاً الأفضل أن ننفي عنه الغضب والمحبة والرضا ونحوها من الصفات، فوقع نفيها بهذه الشبهات التي أصلها من كلام الكفرة الذين لم يعرفوا رسولاً ولا كتاباً ولا وحياً، فجاء هؤلاء فنقلوا هذا الاعتقاد إلى دين المسلمين.
ثم ذكر شيخ الإسلام نظرية ابن سينا وغيره من الفلاسفة، وقد أفاض رحمه الله تعالى في بيان تأثر أبي حامد الغزالي بهذه النظرية، إلى أن قال في (ص 326): "والأصل الثاني من الأصلين الفاسدين: كون روح العبد تطالع اللوح المحفوظ" وهذا ما كان ولا يزال يقوله غلاة الصوفية من أهل الحلول والاتحاد، فإنهم يرون أنهم يطالعون اللوح المحفوظ.
يقول ابن تيمية رحمه الله: "فإن هذا هو قول هؤلاء من المتفلسفة القرامطة أن اللوح المحفوظ وهو العقل الفعال أو النفس الكلية، وذلك ملك من الملائكة، وأن حوادث الوجود منتقشة فيه، فإذا اتصلت به النفس الناطقة فاضت عليها" وهذا الكلام هو الذي قرره أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في الفترة التي كان فيها على مذهب التصوف.
وحاصل قولهم: أن اللوح المحفوظ تعبير عن العقل الفعال أو عن النفس الكلية، وهذه النفس الكلية تتصور في شكل مخلوق، فإذا اتصلت به نفس من النفوس أفاض عليها من النور والحكمة والمعرفة، وعليه فالرسالة مكتسبة والوحي مكتسب كما صرح به بعضهم، وقد كان ابن سبعين ممن يعتقد ذلك، وقد جلس في غار حراء زمناً طويلاً معتكفاً، متوقعاً أن الوحي سينزل عليه، ولما نوقش في ذلك وقيل له: إن الوحي قد انقطع، قال: لقد تحجر ابن آمنة واسعاً، يعني حين قال: (لا نبي بعدي).
فكانوا يتوهمون أنه بالمجاهدة وبالرياضات يمكن أن ينزل عليهم الوحي، والوحي عندهم هو ما ذكرناه؛ لأنهم قرءوا ذلك في كتب الباطنية القرامطة وأمثالهم، وهذا الكلام موجود في مجموعة رسائل إخوان الصفا، وهذا هو تقديرهم للعقول العشرة أو الأفلاك العشرة، وهذا البحث قد مر معنا في عدة مواضع كمبحث الكلام ومبحث النبوة، وعند قول المصنف قريباً: "وأما كتبه عندهم، فإنهم لا يصفونه بالكلام، فلا يكلم ولا يتكلم، ولا قال ولا يقول، والقرآن عندهم فيض فاض من العقل الفعال على قلب بشري زاكي النفس طاهر، متميز عن النوع الإنساني بثلاث خصائص: قوة الإدراك وسرعته لينال من العلم أعظم ما يناله غيره، وقوة النفس ليؤثر بها في هيولى العالم، يقلب صورة إلى صورة، وقوة التخيل يتخيل بها القوى العقلية في أشكال محسوسة وهي الملائكة عندهم، وليست ذاتاً منفصلة تصعد وتنزل وتذهب وتجيء وترى وتخاطب الرسول، وإنما ذلك عندهم أمور ذهنية لا وجود لها في الأعيان" والمقصود أننا في موضوع النبوة والقرآن والإيمان بالكتب تعرضنا لهؤلاء ولشأنهم ولمذهبهم الباطل.
والباطنية أول ما ظهرت في الربع الأخير من القرن الثالث، في جهة سواد الكوفة، ثم بدأت هذه الدعوة الخبيثة تنتشر، وبالنظر في انتشارها يمكن تقدير ما أصاب الأمة في آخر القرن الثالث وأول الرابع من الضعف والهوان وفساد العقيدة لوجود هؤلاء، فقد انتشروا في بلاد فارس والعراق وجزيرة العرب وبلاد الشام ومصر واليمن، كل هذه البلاد عمتها دعوة الباطنية، بل أصبحت حكوماتها باطنية ولم تبق إلا الخلافة في بغداد ودمشق وبعض المدن.
وهؤلاء الإباحيون كانوا قد أبطلوا الصلاة والصيام وغيرها من الشرائع العملية، وأبطلوا أيضاً العقائد ومنها القول باليوم الآخر، والقول بأن القرآن حق، والقول بأن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم حق، وغير ذلك، وما هذا الانتشار إلا دليل على ما وصلت إليه الأمة من الضعف والانهيار، حتى قيض الله سبحانه وتعالى لها الأتراك السلاجقة الذين قضوا على دويلات الباطنية.
والمقصود أن هؤلاء القرامطة والباطنية يعتقدون أن القرآن فيض فاض، ولا يعتقدون أنه كلام الله نزل به جبريل وعلمه محمداً صلى الله عليه وسلم، وهذا من الأمور التي جعلت أكثر فرق المسلمين تكفرهم كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله.
وأشار -أيضاً- في ص (235) إلى أنهم عمدوا إلى الألفاظ الشرعية فجعلوها أسماء لمسميات أخرى، فمثلاً جعلوا العرش فلكاً من الأفلاك العشرة، فالسماوات السبع هي سبعة أفلاك، ثم الكرسي هو الفلك الثامن، والعرش الفلك التاسع، فأولوا السماوات السبع والكرسي والعرش بهذه الأمور، وأولوا اللوح المحفوظ بأنه العقل الفعال أو النفس الكلية؛ وعند بعضهم أن جبريل هو العقل الفعال أو النفس الكلية التي فاض منها الوحي، وأولوا النبوة، وأولوا عالم الملكوت والجبروت ففرقوا بينهما، قالوا: هذا عالم وهذا عالم، فهم يأتون بالألفاظ الشرعية فيؤولونها، أي أنهم يأتون إلى كلمة فلسفية أو اصطلاح فلسفي قديم عند قدماء اليونان، ثم يأخذون لفظة شرعية فيعبرون بها عن ذلك المعنى الفلسفي، وهذا من غاية التمويه والفساد إذ أنه يعكس معتقدات الناس، فكان الله عندما يخبرنا عن جبريل يقصد به العقل الكلي، وعند إخباره عن العرش فقصده الفلك التاسع، وهكذا.
يقول الغزالي رحمه الله تعالى: "ومنهم من لم يتدرج في الترقي -أي من المحجوبين عن الله- على التفصيل الذي ذكرناه، ولم يطل عليهم الطريق، فسبقوا من أول مرة إلى معرفة القدس وتنزيه الربوبية عن كل ما يجب تنزيهه، فغلب عليهم أولاً ما غلب على آخر الآخرين، إذ هجم عليهم التجلي دفعة واحدة، فأحرقت سبحات وجهه جميع ما يمكن أن يدركه بصر حسي وبصيرة عقلية من غير تدريج، ويشبه أن يكون الأول طريق الخليل" يعني بالأول التدرج، وبالخليل إبراهيم عليه السلام، قال: "والثاني طريق الحبيب صلوات الله عليهما" فإنه رأى ذلك دفعة واحدة. يقول: "فهذه إشارة إلى المحجوبين بالنور والظلمة، ولا يبعد أن يبلغ عددهم -إذا فصلت المقامات، وتتبع حجب السالكين- سبعين ألفاً، ولكن إذا فتشت لا تجد واحداً منهم خارجاً عن الأقسام التي حصرناها، فإنهم: إما محجوبون بصفاتهم البشرية أو بالحس أو بالخيال أو بمقايسة العقل أو بالنور المحض كما سبق" فجعل الغزالي من أنواع المحجوبين من حجب بالنور المحض، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {نور أنى أراه}، فالنبي صلى الله عليه وسلم حجب بالنور المحض، فهو عنده من جملة المحجوبين.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "فهذا الكلام مع ما فيه من تصويب نفاة الصفات من المتفلسفة والقرامطة ونحوهم، وتخطئة الصفاتية الذين هم سلف الأمة وأئمتها وأهل الحديث والتصوف والفقه، وحذاق أهل الكلام من الكلابية والأشعرية والكرامية والهشامية وغيرهم، ويتضمن أيضاً تفضيل الذين يعتقدون في أحد النفوس والعقول أنه رب العالمين، وغايتهم أن يجعلوا ذلك هي الملائكة. ويتضمن تفضيل من يعتقد في ملك من الملائكة أنه رب العالمين على من يقر برب العالمين" لأنه إذا كان العقل الفعال أو النفس الكلية هو جبريل، فمعنى ذلك أن هذا الملك هو رب العالمين الذي صدرت ونشأت عنه المخلوقات، وفي الفكر اليوناني قاعدة ورثها عنهم الرومان ثم هي الآن في الفكر الأوروبي، وهي أن كلمة الإله تطلق على كل من نبغ وتفوق في أي شيء، ولذلك سموا نيوتن إله العلم؛ وسموا دارون إله العلم، وسموا هيجل إله الفلسفة، حتى إن بعض الممثلين سموا إله الفن.. إلخ، ومثله ما يحصل عندنا من إطلاقهم على المغني: (معبود الجماهير) لكنها عندهم حقيقة، أما نحن فنستخدمها بصورة مجازية بحتة، وهي عندهم أقرب إلى أن تكون حقيقة، فمن نبغ وتفوق فهو إله؛ لأن من عقائدهم الوثنية اليونانية القديمة أن كل شيء له إله، فالمطر له إله، والرياح لها إله، والجمال له إله، والخير له إله... إلخ، فمقتضى كلام الغزالي: أنه تصديق بحقيقة العقل الفعال والنفس الكلية، وأن اتصال مخلوق من البشر مع النفس الكلية يقتضي الفيض، ومن لوازمه اعتقاد أن من يعتقد أن الخالق هو أحد الملائكة أنه على حق، إن لم يكن أفضل، واعتقاد أنه إن لم يكن هو صاحب النظرية الصحيحة، فعلى الأقل أنه على صواب، عياذاً بالله من ذلك.
يقول شيخ الإسلام: "ويتضمن تفضيل من يعتقد في ملك من الملائكة أنه رب العالمين على من يقر برب العالمين من الصفاتية المسلمين واليهود والنصارى. وإذا كان معلوماً بالاضطرار من دين الرسل كلهم أن الفلاسفة الصابئة الذي يعبدون الملائكة -مع قولهم أنهم مخلوقون- هم أسوأ حالاً من أهل الكتاب -اليهود والنصارى- مع ما وصف الله به هؤلاء من المقالات الغالية في التعطيل فكيف بهؤلاء؟
ولبيان كلامه نذكر ذلك بالتدرج: فالمؤمنون الموحدون أتباع الخليل محمد صلى الله عليه وسلم، يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله كما أخبر رب العالمين، وأما أهل الكتاب فكفار؛ لكنهم يقرون بأن الله هو الخالق وأن له رسولاً حقيقياً مخلوقاً اسمه جبريل عليه السلام، وأنه ينزل بالوحي على بشر حقيقي هو موسى أو عيسى أو غيرهما من الرسل، فيتفقون معنا في مثل هذه المعاني، ويخالفوننا فيما يتعلق بصفات الله، كما قال تعالى: ((وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ))[المائدة:64] وأيضاً: ((لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ))[آل عمران:181].
إذاً: اليهود خالفونا في بعض الصفات، لكننا متفقون معهم في قدر كثير نعلم به أنهم أقرب إلينا ممن بعدهم من عباد الملائكة، فمن يعبد ملكاً وإن كان يعتقد أنه مخلوق لله فهو أبعد عن الهدى وأكفر من اليهود والنصارى، وهؤلاء هم الذين قال الله سبحانه وتعالى فيهم: ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ))[الإسراء:57].
ثم إن هناك من هو أبعد منهم جميعاً، وهو من قال: إن هذه الكواكب مستقلة بالخلق والتأثير والإيجاد، وأطلق عليها أسماء الملائكة، وهؤلاء هم الصابئة وأشباههم من الوثنيين الذين بعث فيهم إبراهيم عليه السلام، فكيف يتفق لـأبي حامد الغزالي أن يجعل الأربعة الأنواع من أنواع الحجب فيقول: هذا محجوب بالحس والخيال، وهذا محجوب بالصفة البشرية، وهذا محجوب بالقياس، وهذا -يعني محمداً صلى الله عليه وسلم وهو الخليل- محجوب بالنور، وكيف يصدق قول من قال: إن جبريل هو العقل الفعال أو النفس الكلية، وأن اللوح المحفوظ هو ما ينتقش من العلوم في قلوب أو في نفوس الأولياء، فإنه لو فضل اليهود لأنكر عليه، ولو فضل عبَّاد الملائكة لأنكر عليه، فكيف وهو يفضل من يعبدون هذه الكواكب ويعتقدون أنها هي الله وأنها هي الملائكة! يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "ومع هذا فالمشركون الذين يعبدون الملائكة أو غيرها أسوأ حالاً من هؤلاء باتفاق المسلمين مع إقرارهم برب العالمين، فكيف بتفضيل من يقول: إن ملكاً هو رب العالمين على طوائف المسلمين واليهود والنصارى الذي يثبتون الصفات.. إلى آخر ما ذكر".
يقول: "ومنشأ هذا الضلال الذي وقع في قصة إبراهيم ما تقدم ذكره من ظنهم أنه قال: إن الكوكب أو القمر أو الشمس رب العالمين، وليس الأمر كذلك، بل إبراهيم عليه السلام خاطب قومه المشركين الذين كانوا مع إقرارهم برب العالمين يعبد أحدهم ما يستحسنه ويهواه ويراه نافعاً له، فهذا يعبد المشتري وهذا يعبد الزهرة، وهذا يعبد غيرهما كما كانت الكواكب تعبد، وكان أعظم ما يعبد من ذلك الشمس والقمر لظهور تأثيرهما في هذا العالم".
ثم يقول: "وقد ذكر المصنفون لأخبارهم أن أحد مسجدي دمشق، وحران هيكل المشتري، والآخر هيكل الزهرة، وكان إبراهيم عليه السلام قد ولد بـحران كما هو معروف عند أهل الكتاب وجمهور المسلمين، وكان أبوه في ملك النمرود، وكان قد استولى على العراق وغيرها، وكانوا صابئة فلاسفة يعبدون الكواكب. وقد صنف من صنف في مخاطبة الكواكب والسحر على مذهبهم مثل كتاب السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم " لمؤلفه الرازي إمام الأشعرية في عصره، فيكون قد ألف هذا الكتاب مؤيداً لمذهب الصابئة . والمقصود من كل هذا أن المصنف رحمه الله يؤكد على أننا نعتقد ونؤمن بأن جبريل نزل بالقرآن وعلمه محمداً صلى الله عليه وسلم إبطالاً لما يعتقده أولئك الكفرة، فمن اعتقد قولهم فقد كفر وإن أخطأ من أخطأ وتابعهم في ذلك من علماء المسلمين.