يقول: "وذهب طوائف من الفقهاء والقراء وأهل الكلام إلى أن هذا المصحف مشتمل على الأحرف السبعة، وقرر ذلك طوائف من أهل الكلام، كـ
القاضي أبي بكر الباقلاني وغيره، بناء على أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الأحرف السبعة. و
الباقلاني هو شيخ
الأشعرية وإمامهم.
وهذا القول هو نفس قول ابن أبي العز حيث قال: "وذهب طوائف من الفقهاء وأهل الكلام إلى أن المصحف مشتمل على الأحرف السبعة، لأنه لا يجوز أن يهمل شيء من الأحرف السبعة".
وأكبر حجة عندهم هي: كيف تهمل الأمة أحرفاً ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلغيها وكلها ثابتة؟ ويرد
شيخ الإسلام على هذه الشبهة فيقول: "وقد اتفقوا على نقل هذا المصحف الإمام العثماني وترك ما سواه، حيث أمر
عثمان بنقل القرآن من الصحف التي كان
أبو بكر و
عمر كتبا القرآن فيها، ثم أرسل
عثمان بمشاورة الصحابة إلى كل مصر من أمصار المسلمين بمصحف، وأمر بترك ما سوى ذلك.
قال هؤلاء: ولا يجوز أن ينهى عن القراءة ببعض الأحرف السبعة.
ومن نصر قول الأولين يجيب تارة بما ذكر
محمد بن جرير وغيره من أن القراءة على الأحرف السبعة لم يكن واجباً على الأمة".
والمصنف في شرحه يقول: "ولهذا قال
حذيفة رضي الله عنه لـ
عثمان: [[
أدرك هذه الأمة لا تختلف كما اختلفت الأمم قبلهم]] فجمع الناس على حرف واحد اجتماعاً سائغاً، وهم معصومون أن يجتمعوا على ضلالة، ولم يكن في ذلك ترك لواجب ولا فعل لمحظور" فـ
عثمان رضي الله عنه عندما جمع الناس على حرف واحد لم يترك واجباً، ولم يفعل محظوراً؛ لأن قراءة القرآن على سبعة أحرف جائزة لا واجبة. يقول: "إذ كانت قراءة القرآن على سبعة أحرف جائزة لا واجبة، رخصة من الله تعالى، وقد جعل الاختيار إليهم في أي حرف اختاروه"، أي أن
عثمان كان إمام المسلمين، والله جعل الاختيار للصحابة، فاختار
عثمان هذا منعاً لاختلاف الأمة.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: {
كلاكما محسن} يدل على أن من قرأ بواحدة؛ فإنه جائز، ولو اخترنا حرفاً أجمعنا عليه كي لا نختلف فهذا جائز، وهذا جواب جمهور
السلف على من قال هذا القول من الفقهاء والقراء والمتكلمين. يقول المصنف: "وقد جعل الاختيار إليهم في أي حرف اختاروه.
كما أن ترتيب السور لم يكن واجباً عليهم منصوصاً" وهذا فيه استدلال قوي
حيث أن الله جعل ترتيب الآيات داخل السور توقيفي، فلا يجوز أن تجتهد الأمة في تقديمها أو تأخيرها، بينما تقديم سورة على سورة تركه الله لهم؛ فلما أجمعوا على هذا الترتيب وجب قبوله، فلا يجوز لأحد بعد ذلك الإجماع أن يقدم سورة على سورة؛ لئلا نفترق.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "وقد جعل إليهم الاختيار في أي حرف اختاروه، كما أن ترتيب السور لم يكن واجباً عليهم منصوصاً، بل مفوضاً إلى اجتهادهم؛ ولهذا كان ترتيب مصحف عبد الله غير ترتيب مصحف زيد، وكذلك مصحف غيره".
ومن هنا يأتي المستشرقون وأفراخهم ويدعون أن المصحف قد زيد فيه ونقص، وكذلك الروافض قبحهم الله، وهذا مما يدل على أن هؤلاء ليسوا من الإسلام في شيء، وقد ألف بعضهم كتاباً أسماه فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب، نعوذ بالله من هذا الكفر والزيغ.
فيرد شيخ الإسلام على هذه الشبهة بقوله: "فلما رأى الصحابة أن الأمة تفترق وتختلف وتتقاتل إذا لم يجتمعوا على حرف واحد، اجتمعوا على ذلك اجتماعاً سائغاً، وهم معصومون أن يجتمعوا على ضلالة، ولم يكن في ذلك ترك لواجب ولا فعل لمحظور".
فالجواب الأول: أن الأحرف السبعة كلها جائزة، والصحابة اجتهدوا فاختاروا أحد هذا الأحرف واجتمعوا عليه، فلم يفعلوا محذوراً ولم يتركوا واجباً.
والجواب الثاني كما يقول شيخ الإسلام: "ومن هؤلاء من يقول: بأن الترخيص في الأحرف السبعة كان في أول الإسلام؛ لما في المحافظة على حرف واحد من المشقة عليهم أولاً، فلما تذللت ألسنتهم بالقراءة، وكان اتفاقهم على حرف واحد يسيراً عليهم، وهو أرفق بهم أجمعوا على الحرف الذي كان في العرضة الآخرة ويقولون: إنه نسخ ما سوى ذلك.".
وهذا جواب آخر، وهو أن المسألة ليست اختيارية كما في القول الأول، وإنما الله تعالى رحمة منه بهذه الأمة أنزل القرآن على سبعة أحرف، وكان ذلك في أول الإسلام، والكل سائغ وجائز، فلما تذللت ألسنتهم بالقراءة واستساغوها نسخت.
قال رحمه الله: "وهؤلاء يوافق قولهم قول من يقول: إن حروف أبي بن كعب وابن مسعود وغيرهما مما يخالف رسم هذا المصحف منسوخة.
وأما من قال عن ابن مسعود: إنه كان يجوز القراءة بالمعنى فقد كذب عليه"، وإنما قال: [[قد نظرت إلى القراءة؛ فرأيت قراءتهم متقاربة، وإنما هو كقول أحدكم: أقبل، وهلم، وتعال، فاقرءوا كما علمتم]] أو كما قال.