المادة    
قال الشاطبي: "قال الله تعالى: ((فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا))[النساء:59] فهذه الآية وما أشبهها صريحة في الرد إلى كتاب الله تعالى وإلى سنة نبيه؛ لأن السنة بيان الكتاب، وهو دليل على أن الحق فيه واضح، وأن البيان فيه شاف، لا شيء بعده يقوم مقامه.
وهكذا فعل الصحابة رضي الله عنهم؛ لأنهم كانوا إذا اختلفوا في مسألة، ردوها إلى الكتاب والسنة، وقضاياهم شاهدة بهذا المعنى، لا يجهلها من زاول الفقه؛ فلا فائدة في جلبها إلى هذا الموضع لشهرتها؛ فهو إذاً مما كان عليه الصحابة، فإذا تقرر هذا فعلى الناظر في الشريعة بحسب هذه المقدمة أمران:
أحدهما: أن ينظر إليها بعين الكمال لا بعين النقصان، ويعتبرها اعتباراً كلياً في العبادات والعادات، ولا يخرج عنها ألبتة؛ لأن الخروج عنها تيهٌ وضلالٌ ورمي في عماية؛ كيف وقد ثبت كمالها وتمامها؟! فالزائد والمنقص في جهتها هو المبتدع بإطلاق، والمنحرف عن الجادة إلى بنيَّات الطريق.
والثاني: أن يوقن أنه لا تضاد بين آيات القرآن، ولا بين الأخبار النبوية، ولا بين أحدهما مع الآخر".
  1. مبتدعة العصر يردون السنن بدعوى معارضة القرآن

    وهذا الذي ذكره هو ما لا يريد أهل البدع المعاصرة أن يؤمنوا به، فقد ردوا الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما من الصحيفة التي أخرجها علي رضي الله عنه، لما زعمت الروافض أن النبي صلى الله عليه وسلم اختصه بشيء من العلم، قال علي رضي الله عنه: {والذي خلق الحبة، وبرأ النسمة، لم يخصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء من العلم إلا كتاب الله، وهذه الصحيفة، وأخرجها، وإذا فيها: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر}. وقالوا: هذا يعارض القرآن؛ لأن في القرآن: ((وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ))[المائدة:45] والكافر نفس، والمسلم نفس، فالحديث يعارض القرآن، فنحن نرده؛ لأن كتاب الله هو المقدم.
    فيجعلون ذلك من باب الغيرة على كتاب الله.
    فهذه القاعدة التي أصلها الشاطبي رحمه الله في التأدب مع كتاب الله ترد عليهم، وهي: (أن يوقن أنه لا تضاد بين آيات القرآن، ولا بين الأخبار النبوية، ولا بين أحدهما مع الآخر).
    ثم يقول الشاطبي: "بل الجميع جارٍ على مهيع واحد -يعني على منهج واحد- ومنتظم إلى معنى واحد؛ فإذا أدّاه بادي الرأي إلى ظاهر اختلاف، فواجب عليه أن يعتقد انتفاء الاختلاف".
    ورحمة الله على الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ؛ فإنه ألف كتاباً نفيساً في هذا المعنى سماه: دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب .
    يقول الشاطبي رحمه الله: "فواجب عليه أن يعتقد انتفاء الاختلاف؛ لأن الله قد شهد له أنه لا اختلاف فيه؛ فليقف وقوف المضطر السائل عن وجه الجمع، أو المسلِّم من غير اعتراض؛ فإن كان الموضع مما يتعلق به حكم عملي، فليلتمس المخرج حتى يقف على الحق اليقين" أي: إن كان في أمور الاعتقاد فإننا نسلم من غير اعتراض، مثل ما مر معنا في حقيقة أرواح الشهداء وأرواح الأنبياء وأنه صلى الله عليه وسلم رأى موسى يصلي في قبره، وأنه صلى الله عليه وسلم صلى بالأنبياء في بيت المقدس، ثم قابلهم في السماء؛ فنسلم بهذا ونصدقه، ولا نجادل في أمور الغيب.
    أما في المسائل العملية، فيقول رحمه الله: "فإن كان الموضع مما يتعلق به حكم عملي؛ فليلتمس المخرج حتى يقف على الحق اليقين، أو يبقى باحثاً إلى الموت، ولا عليه من ذلك". يعني: لو بقيت تبحث عن مسألة إلى أن تموت ولم يتبين لك وجه الحق الراجح فيها، فليس عليك شيء؛ لأنك تلقى الله وأنت طالب حق.
  2. وجوب التسليم المطلق بكمال الشريعة

    يقول: "فإذا اتضح له المغزى، وتبينت له الواضحة فلابد (له) من أن يجعلها حاكمة في كل ما يعرض له من النظر فيها..." إلى أن قال: "فأما الأمر الأول: فهو الذي أغفله المبتدعون، فدخل عليهم بسبب ذلك الاستدراك على الشرع".
    ويعني بالأمر الأول النظر إلى الشريعة بعين الكمال لا بعين النقص، وهذا النوع أغفله من زادوا في الشريعة أو نقصوا منها؛ ظانين أن حسن النية يشفع لهم؛ مثل من ابتدعوا المولد؛ فإنهم يقولون: المولد أمر حسن؛ فإننا إنما نذكر الله ونقرأ سيرة رسوله صلى الله عليه وسلم نشراً لذكر الله وحباً في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وهذه المقتضيات التي يذكرونها كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ وأي شيء توفرت دواعيه ومقتضياته ولم يعملوه -من غير أن يمنعهم منه مانع- ففعله بدعة.
    ثم يقول رحمه الله: "وإليه مال كل من كان يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، فيقال له ذلك، ويحذر ما في الكذب عليه من الوعيد؛ فيقول: لم أكذب عليه، وإنما كذبت له!". وأوضح الأمثلة على ذلك ما وضع في فضائل السور سورة سورة؛ فلما أنكر على واضع ذلك، قال: ما كذبت عليه وإنما كذبت له، حتى يهتم الناس بقراءة القرآن.
    وما عمل هؤلاء ما عملوا إلا لأنهم يظنون أن الشريعة ناقصة في جانب الترغيب، أو جانب الترهيب، أو جانب المحبة لله ولرسوله وللمؤمنين، أو أي جانب من الجوانب، هذا هو الخلل الأول.
    قال الشاطبي رحمه الله: "وحكي عن محمد بن سعيد المعروف بـالأردني أنه قال: إذا كان الكلام حسناً لم أر بأساً أن أجعل له إسناداً، فلذلك كان يحدث بالموضوعات، وقد قتل في الزندقة وصلب".
  3. وجوب اعتقاد أنه لا تضاد بين نصوص الوحي

    ثم يذكر الشاطبي رحمه الله الأمر الثاني الذي على الناظر في الشريعة أن ينتبه له، لأنه من أسباب الضلال والابتداع، وهذا هو المهم لدينا؛ لأننا نبحث في موضوع النهي عن المجادلة في القرآن، فيقول عنه: "وأما الأمر الثاني: فإن قوماً أغفلوه أيضاً، ولم يمعنوا النظر حتى اختلف عليهم الفهم في القرآن والسنة؛ فأحالوا بالاختلاف عليها تحسيناً للظنّ بالنظر الأول، وهذا هو الذي عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من حال الخوارج ؛ حيث قال: {يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم} فوصفهم بعدم الفهم للقرآن، وعند ذلك خرجوا عن أهل الإسلام؛ إذ قالوا: لا حكم إلا لله، وقد حكم الرجال في دين الله -يعنون علياً رضي الله عنه- حتى بين لهم حبر القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما معنى قوله تعالى: ((إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ))[الأنعام:57] على وجه أذعن بسببه منهم ألفان، أو من رجع منهم إلى الحق، وتمادى الباقون على ما كانوا عليه؛ اعتماداً -والله أعلم- على قول من قال منهم: لا تناظروه ولا تخاصموه؛ فإنه من الذين قال الله فيهم: ((بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ))[الزخرف:58]".
    قالت الخوارج: إن ابن عباس هذا هو من قريش، والله تعالى ذكر في القرآن عنهم أنهم قوم خصمون، فقال: ((مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ))[الزخرف:58] قالوا: هذا وصف لقريش، وعبد الله بن عباس من قريش.
    وما درى هؤلاء الخوارج أن الذين أنزل فيهم قول الله تعالى: ((بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ))[الزخرف:58] هم الذين خاصموا النبي صلى الله عليه وسلم بشأن عيسى بن مريم عليه السلام، وقالوا: ((أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ))[الزخرف:58].
    فاستدلوا بذلك على بطلان كلام ابن عباس، وهو قد استدل عليهم من القرآن والسنة بأن قولهم باطل.
  4. ذكر أمثلة على ضرب النصوص ببعضها وبيان موضع الخلل في فهمها

    ثم قال الشاطبي رحمه الله: "فتأملوا -رحمكم الله- كيف كان فهمهم في القرآن، ثم لم يزل هذا الإشكال يعتري أقواماً حتى اختلفت عليهم الآيات والأحاديث، وتدافعت على أفهامهم، فجعجعوا به قبل إمعان النظر. ولنذكر من ذلك عشرة أمثلة:" وهذه من الأمثلة التي سألها نافع بن الأزرق وغيره لـابن عباس قال: "أحدها: قول من قال: إن قوله تعالى: ((وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ))[الصافات:27] يتناقض مع قوله تعالى: ((فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ))[المؤمنون:101].
    والثاني: قول من قال في قوله تعالى: ((فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ))[الرحمن:39] مضاد لقوله : ((وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ))[العنكبوت:13] وقوله تعالى: ((وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ))[النحل:93].
    والثالث: قول من قال في قوله تعالى: ((قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ))[فصلت:9] إلى قوله تعالى: ((ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ* فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْن))[فصلت:11-12]: إن هذا صريح في أن الأرض مخلوقة قبل السماء، وفي الآية الأخرى: ((أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا))[النازعات:27-30]، فصرح بأن الأرض مخلوقة بعد السماء.
    ومن هذه الأسئلة ما أورده نافع بن الأزرق أو غيره على ابن عباس رضي الله عنهما، فخرَّج البخاري في المعلقات عن سعيد بن جبير قال: قال رجل لـابن عباس : إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليَّ، وهي قوله تعالى: ((فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ))[المؤمنون:101]، ((وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ))[الصافات:27] وقوله: ((وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا))[النساء:42]، ((والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ))[الأنعام:23] فقد كتموا في هذه الآية... وقال: ((وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا))[النساء:96]، ((عَزِيزًا حَكِيمًا))[النساء:56]، ((سَمِيعًا بَصِيرًا))[النساء:58] فكأنه كان ثم مضى!
    فقال -يعني- ابن عباس : ((فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ)): في النفخة الأولى: ((وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ))[الزمر:68] فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون، ثم في النفخة الأخرى: (أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ).
    وأما قوله: (مَا كُنَّا مُشْرِكِين) مع قوله: (وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا)، فإن الله عز وجل يغفر لأهل الإخلاص ذنبهم -يعني: يغفر الله للموحدين-، وقال المشركون: -يعني: حين يرون ذلك- تعالوا نقل: لم نكن مشركين! فيختم على أفواههم؛ فتنطق أيديهم، فعند ذلك عرفوا أن الله لا يُكتم حديثاً".
    يعني: تشهد عليهم جوارحهم وجلودهم، حتى أنهم ينكرون على جلودهم: ((وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا))[فصلت:21]، لأنهم يريدون أن يكتموا هذا الشيء: ((قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ))[فصلت:21].
    قال ابن عباس: "وعنده: ((يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ))[النساء:42].
    وقوله عز وجل: ((خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ)) .. ((ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ))[البقرة:29] آخرين، ثم دحا الأرض، ودحوها: أن أخرج منها الماء والمرعى، وخلق الجبال والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فذلك قوله: ((دحاها))، وقوله تعالى: ((خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ))[فصلت:9] فخلقت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام، وخلقت السماوات في يومين.
    ((وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا))[النساء:96] سمى نفسه بذلك، وذلك قوله -أي: لم يزل كذلك- فإن الله عز وجل لم يرد شيئاً إلا أصاب به الذي أراد، فلا يختلف عليك القرآن، فإن كلاّ من عند الله".
    أي: كله كلام الله، والله تعالى لا يمكن أن يقع في كلامه اختلاف ولا تناقض.
    ثم قال الشاطبي رحمه الله: "والخامس: قول من قال -فيما جاء في الحديث: إن رجلاً قال: يا رسول الله! نشدتك الله إلا ما قضيت بيننا بكتاب الله، فقام خصمه، وكان أفقه منه، فقال: صدق؛ اقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي في أن أتكلم ... ثم أتى بالحديث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله: أما الوليدة والغنم فرد عليك، وعلى ابنك هذا جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأة هذا الرجم...} إلى آخر الحديث -: هو مخالف لكتاب الله؛ لأنه قد قال: {لأقضين بينكما بكتاب الله}؛ حسبما سأله السائل، ثم قضى بالرجم والتغريب، وليس لهما ذكر في كتاب الله.
    والجواب: إن الذي أوجب الإشكال في المسألة اللفظ المشترك في (كتاب الله)" أي: أنهم ظنوا أن معنى {لأقضين بينكما بكتاب الله} أي: بالقرآن منطوقاً، وليس الأمر كذلك، قال: بل كل ما كان من حكم الله أو فرض الله فهو كتابه، "فكما يطلق على القرآن يطلق على ما كتب الله تعالى عنده مما هو حكمه وفرضه على العباد، كان مسطوراً في القرآن أولاً، كما قال: ((كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ))[النساء:24] أي: حكم الله فرضه، وكل ما جاء في القرآن من قوله: ((كتاب الله عليكم)) فمعناه فرضه وحكم به، ولا يلزم أن يوجد هذا الحكم في القرآن.
    والسادس: قول من زعم أن قوله تعالى في الإماء: ((فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ))[النساء:25] لا يعقل مع ما جاء في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ورجمتِ الأئمة بعده؛ لأنه يقتضي أن الرجم يتنصف، وهذا غير معقول، فكيف يكون نصفه على الإماء؟ ذهاباً منهم إلى أن المحصنات هن ذوات الأزواج، وليس كذلك، بل المحصنات هنا المراد بهن الحرائر".
    فالإشكال كان بسبب العجمة وعدم الفهم لمعنى المحصنة؛ فإن لها معنيين، الأول: بمعنى المتزوجة، وهذه هي التي ترجم إذا زنت، والثاني: بمعنى الحرة خلاف الأمة، وهذا هو المقصود هنا؛ فإذا زنت الأمة، فعليها نصف ما على الحرة، وبهذا يزول الإشكال.
    وبقي إشكال آخر من جهة الرجم؛ فنقول: قد قال بعض العلماء: أن النصف يتعلق بالجلد وحده أو بالحبس، وللعلماء والمفسرين أوجه أخرى في الجمع، وقد تكون صحيحة.
    والمقصود الاتفاق على ألاّ تضارب ولا تضاد في كتاب الله، فلا نضرب بعضه ببعض، ولا نضرب السنة بالقرآن، ولا نضرب القرآن بها.