المادة    
قال الطحاوي رحمه الله: [ولا نماري في دين الله].
قال المصنف: [معناه: لا نخاصم أهل الحق بإلقاء شبهات أهل الأهواء عليهم؛ التماساً لامترائهم وميلهم؛ لأنه في معنى الدعاء إلى الباطل، وتلبيس الحق، وإفساد دين الإسلام].
فالإمام الطحاوي رحمه الله يقول: [ولا نماري في دين الله] والمصنف يقول: المعنى أننا لا نخاصم أهل الحق ونلقي عليهم الشبهات؛ لما في ذلك من التلبيس والإفساد. نقول: ليس هذا هو المعنى المتبادر؛ والأظهر أن المعنى: أننا لا نماري في دين الله، ولا نجادل فيه، وقد جاء من الإمام مالك أنه قال: [[من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقل]]. فدين الله تعالى واضح، فلا نجادل فيه.
ولا يعني ذلك أننا لا نجادل الناس لنقيم الحجة عليهم، فهذا أمر آخر، وسيأتي إن شاء الله تعالى في موضوع الجدال. وإنما المنهي عنه في الجدال، هو أن تأتي إلى رجل -صاحب بدعة- فتقول: من كانت حجته أقوى اتبعه الآخر! فلعله صاحب شبهة قوية فيلبس عليك، أو عنده حجة أقوى منك -مع أن الحق معك- فتقر أنت بأنك على باطل. وهذا ما يحمل عليه كلام الإمام مالك رحمه الله، وأيضاً الجدال الذي يؤدي إلى الفرقة والتخاصم؛ فهذا كله من الجدال المذموم.
أما الجدال لإقامة الحجة فلا بأس به، ولذلك يشترط أن يكون من تجادله طالباً للحق راغباً فيه، فما جاء من النقول عن السلف بذم الجدال، فالمقصود ما ذكرناه، وأما ما كان منه لإقامة الحق والحجة فقد قال الله: (( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ))[العنكبوت:46]، وقال: ((وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ))[النحل:125]، وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً}.