المادة    
ثم قال رحمه الله: [وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال: [[لا ينبغي لأحد أن ينطق في ذات الله بشيء، بل يصفه بما وصف به نفسه]]. ] فهذا كلام الإمام رحمه الله، ولكن يخالفه كلام من اتبعه وانتسب إليه، وقوله: [[لا ينبغي لأحدٍ أن ينطق في ذات الله بشيء]] يعني: أنه لا يجوز ولا يحق له أن ينطق في ذات الله بشيء من عند نفسه، ولذا: [[بل يصفه بما وصف به نفسه]] أي: إما في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم إنه ليس المقصود بهذه العبارة وأمثالها مما جاء عن السلف أننا لا نطلق على الله سبحانه وتعالى أي وصف أو إخبار عن الله إلا بما ورد، وإنما الشرط: ألا يكون مخالفاً لما ورد، فهناك الإخبارات الصحيحة عن الله سبحانه وتعالى التي يمكن أن نأخذها من حقائق الواقع، وهي مشتقة مما جاء به الشرع، وإن لم ينطق الشرع بألفاظه؛ فالمحظور القول على الله بغير علم، أو بما لا حقيقة له.
أما الصفات فالقاعدة التي وضعت فيها في باب الإخبار والإطلاق لا التسمية: أن كل وصف كمال لا نقص فيه ولا عيب بأي وجه من الوجوه بالنسبة للمخلوق؛ فالله تعالى أولى به قال تعالى: ((وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى ))[الروم:27].
إذاً: النهي هنا هو عن المخالفة أو الابتداع، أما الإطلاق والإخبار الصحيح عن صفة كمال لله سبحانه وتعالى ليس فيها نقص؛ فإن ذلك صحيح.
ثم قال: [وقال بعضهم: (الحق سبحانه يقول)] لفظ الحق من استخدام الصوفية، ولا شك أن الله هو الحق، كما قال: ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ))[الحج:62] لكن أخص أسمائه إذا أطلق وليس له فيه سمي، ولا ينصرف في شيء غيره على الإطلاق؛ هو الله ثم الرحمن: ((هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا))[مريم:65].
أما بقية الأسماء فإنه يكون فيها اشتراك لفظي، كما جاء في القرآن نفسه مثلاً: ((وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))[إبراهيم:4] فالله تعالى سمى نفسه العزيز، وقال: ((قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ))[يوسف:51].
فالتصدير بكلمة الحق من شأن -الصوفية -؛ لأنهم يرون أن ما عداه هو الباطل، بمعنى أنه غير موجود ولا حقيقة لوجوده، فهم ينطلقون مما جاء في الحديث الصحيح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: {أصدق كلمة قالها الشاعر قول لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
}
ومعناها عند الصوفية: أنه غير موجود، أي: أن وجوده باطل. سبحان الله!! وليس هذا هو معنى البيت ولا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن وجود غير الله باطل أبداً، فالعزى موجود، وفرعون موجود، ونحن لا ننكر وجودها، ولكن ننكر ما يعتقد فيها من عقائد منحرفة وباطله.
وقد يكون معنى (باطل) في البيت: هالك كما أخبر الله بقوله: ((كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ))[القصص:88].
  1. لزوم الأدب مع الله من مقتضى العمل بأسمائه سبحانه

    قال: [من ألزمته القيام مع أسمائي وصفاتي، ألزمته الأدب].
    يعني: أن العبد إذا التزم معرفة الأسماء والصفات كما أخبر الله ووصف بها نفسه، فهو في منزلة المتأدب مع الله سبحانه وتعالى، وكذلك من ألزمه الله القيام بها. يعني: شهودها والعمل بمقتضاها، فقد ألزمه الأدب معه سبحانه، ثم قال: "ومن كشفت له حقيقة ذاتي، ألزمته العطب" وقولهم: (إن الله يقول). لا يقصدون أنه قاله سبحانه وتعالى نصاً، ولكن يعبرون به عن حقيقة كأن الله تعالى قالها، حملاً للكلام على أحسن محامله.
    فقوله: [من كشفت له حقيقة ذاتي ألزمته العطب]. فحواه: فلا تطلبوا ذاتي؛ لأنه إذا كشفت ذاتي لأحد فقد عطب، والمصنف رحمه الله تلطف وأتى بشاهد حتى لا يعترض عليه في هذه العبارة فقال: [ويشهد لهذا: أنه سبحانه لما كشف للجبل عن ذاته، ساخ الجبل وتدكدك ولم يثبت على عظمة الذات] يعني: لو أن الله سبحانه وتعالى تجلى لموسى عليه السلام كما طلب حيث قال: (( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ))[الأعراف:143] لاندك وفني؛ لكنه سبحانه تجلى للجبل عن ذاته فتدكدك الجبل وفني، وخر موسى صعقاً مع أن التجلي لم يكن له، فكيف لو كان له؟ إذاً: لهلك ومات!
    والواقع أن الله سبحانه وتعالى لم يكشف لأحد عن ذاته على الإطلاق، وكما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {إن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت}، وهذا في الدنيا، فلذلك لا يمكن لأحد من البشر على الإطلاق أن يتجلى له الله سبحانه وتعالى، ويكشف له عن حقيقة ذاته، وهم إنما ذكروا ذلك في مقام التأدب مع الله، مع أن الأصل أنه إذا قيل: قال الله، أن يكون حديثاً قدسياً، لكنهم يتساهلون في ذلك.